الخميس، 10 سبتمبر 2009

8 تريليون دولار حجم صناديق الثروة السيادية عام 2015

10/9/2009
الاقتصادية



ارتفعت قيمة صناديق الثروة السيادية بعد الأزمة الاقتصادية العالمية المتعلقة بأزمة الائتمان على الرغم من أنها موجودة على مدى عقود من الزمان، فهي بالتعريف صناديق تمتلكها الدول وتتكون من أصول إذ يمكن لهذه الصناديق إدارة فوائض الدولة للاستثمار لتحقيق أهداف بعيدة المدى. وبالرغم من وجودها على مر العقود، إلا أنها زادت بعد عام 2000 بشكل دراماتيكي، وأول صندوق من هذا النوع رأى النور هو سلطة الاستثمار الكويتية التي أسست عام 1953. وكما يظهر التقرير الذي نشرته الخدمات المالية الدولية في لندن (IFSL) فإن قيمتها هي في تصاعد في السوق المالي الكوني في السنوات القادمة بسبب تدفق النقد من الفائض التجاري واستمرار تصدير المنتوجات وارتفاع أسعار النفط .
الراهن، إن حجم الموجودات المقدر المتاح للإدارة من قبل صناديق الثروة السيادية في العالم قد ارتفع بنسبة 18 في المئة ووصل إلى ما يقارب من 3.9 تريليون دولار أمريكي، فالخسائر التي تحملتها هذه الصناديق جراء استثماراتها قد عوضت وأكثر بواسطة استمرار تدفق النقد، وعلاوة على ذلك هناك ما يقارب من 5.5 تريليون دولار أمريكي موجودة الآن في آليات استثمارية سيادية أخرى مثل أموال احتياط التقاعد وصناديق للتنمية.
غير أن نسبة الـنمو البالغة 18 في المئة في صناديق الثروة السيادية في السنوات الثلاث الأخيرة ستتعرض للتناقص في السنوات القليلة القادمة. والسبب في ذلك يعود للتباطؤ المنتظر والتراجع الذي طرأ مؤخرا على أسعار المنتوجات والنفط على وجه الخصوص، كما ساهمت أيضا الأزمة الاقتصادية العالمية في تراجع نسبة احتياط التبادلات الأجنبية المتراكمة في الدول الآسيوية. ومع هذا الوضع إلا أن الـ IFSL تتوقع أن تضاعف صناديق الثروة السيادية ثروتها لتبلغ 8 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2015. ومع ذلك فإن التوقعات بشأن حجم هذا السوق هي مختلفة نظراً للتعريفات المختلفة لماهية صناديق الثروة السيادية وكذلك الكشف المحدود وغياب الشفافية للكثير من هذه الصناديق. غير أن هناك 24 مبدأ نشرت في أكتوبر من العام 2008 أفسحت لمزيد من الشفافية في هذا السوق.
يشار إلى أن لندن هي مركز في غاية الأهمية في سوق صناديق الثروة السيادية إذ تدار الكثير من هذه الصناديق من هناك من لندن، فصناعة الخدمات المالية في المملكة المتحدة ترحب بالاستثمارات لهذه الصناديق على أساس أن في المملكة المتحدة إطار تنافسي وأمني وطني ومنتظم والذي بدوره يضمن أن جميع الاستثمارات الأجنبية سواء من صناديق الثروة السيادية أم غيرها تستجيب لمعايير مناسبة. فالمملكة المتحدة هي ملتزمة بأن تبقى سوقاً تنافسية ومفتوحة للاستثمار الدولي.
لكن ما هي المصادر المالية لصناديق الثروة السيادية؟ تعتبر هذه الصناديق إحدى القنوات الرئيسية التي توظف فيها الدول موجوداتها المالية، ويأتي تمويل صناديق الثروة السيادية من مصادر متنوعة والتي يمكن تجميعها. فيأتي التمويل في العادة كنتيجة للفائض في الحساب الجاري الذي يأتي من صادرات النفط وسلع ومنتوجات أخرى أو المواد المصنعة، ومن الفائض في الميزان التجاري، ومن الفوائض المالية والتوفر العام وعوائد الخصخصة واحتياطات التقاعد.
ويمكن تقسيم صناديق الثروة السيادية إلى عدد من الفئات الرئيسية: أموال البضائع والمنتوجات والتي تأتي بشكل رئيسي من عوائد النفط وعوائد لا تأتي من السلع وإنما من أموال المتقاعدين أو من احتياطي العملات الأجنبية. ويقدر التقرير أن حوالي ثلثي موجودات صناديق الثروة السيادية لعام 2008 ناتج عن أموال المنتوجات والسلع (Commodity SWFs) مع أن الأموال غير الآتية من المنتوجات (Non-Commodity SWFs) قد نمت بشكل متسارع في العقد الماضي.
وهناك ما يقارب من 45 في المئة من تمويل هذه الصناديق قد أتى من الدول الغنية بالنفط في الشرق الأوسط مع نهاية عام 2008، وجاء بعد ذلك آسيا إذ ساهمت بثلث ولكنها أموال ناتجة عن تراكم احتياط العملات الأجنبية. أما بقية التمويل فتساهم فيه أوروبا مع سيطرة واضحة للنرويج .
وأكبر تمويل يأتي من مجلس استثمار أبوظبي إذ يساهم بمبلغ يصل إلى 875 مليار دولار، ثم ساما (SAMA) (433 مليار دولار)، ثم شركة استثمار حكومة سنغافورة وبلغ 330 مليار دولار، وتعد سنغافورة الأنشط في مجال الحصول على شركات وحصص أقلية في السنوات الأخيرة تليها دولة الإمارات العربية المتحدة. لكن هناك أيضا نوع آخر من صناديق الاستثمار وهي تختلف نوعاً ما عن صناديق الثروة السيادية لكنها تتشارك معها في الكثير من الميزات، وهي في المحصلة وسائط استثمار سيادية مثل أموال احتياط التقاعد العام، أموال الاستثمار الحكومية، أموال التنمية الحكومية، وأيضا بعض المؤسسات أو الشركات أو الهيئات التابعة للحكومة. ويقدر التقرير أن الموجودات التي تمتلكها هذه الوسائط ما عدا صناديق الثروة السيادية تناقصت بمعدل 10 في المئة في عام 2008 لتصل إلى 5.5 تريليون دولار. والتراجع هو ناتج عن التراجع في قيمة موجودات التقاعد بسبب تراجع قيمة الاستثمارات كأسهم رأس مال وتراجع أسعار السلع والمنتوجات.
وعودة إلى صناديق الثروة السيادية التي تعتمد في مصادرها على المنتوجات أو المصادر الطبيعية، فالكثير من مصدري النفط أسسوا صناديق من هذا القبيل وذلك لاستثمار الفائض من عائدات النفط في الأسواق المالية العالمية، وهنا يتم الحديث عن الدول النفطية في الشرق الأوسط، والنرويج وروسيا ونيجيريا وفنزويلا وإندونيسيا. ويشير التقرير في تقديراته إلى أن هناك أكثر من 60 في المئة من مبلغ الـ 5 تريليون دولار في يد الحكومات مع نهاية عام 2008 كما يبين التقرير أن حوالي أربعة أخماس من الأموال التي تسيطر عليها الحكومات هي في صناديق الثروة السيادية.
تركز صناديق الثروة السيادية التي تعتمد في موجوداتها على الإنتاج والنفط على الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الداخلي ضد مخاطر تذبذب أسعار المنتوجات والنفط وكذلك لتقديم قناة دخل للأجيال القادمة في حال حدوث تراجع في عوائد التصدير من النفط والمنتوجات الأخرى لمدى بعيد.
وقد تصاعفت الموجودات الآتية من تصدير المنتوجات والنفط خلال العقد الأخير لتصل إلى أكثر من 2.5 تريليون مع نهاية عام 2008، فقد تناقصت حصة عوائد السلع والإنتاج من مجمل موجودات صناديق الثروة السيادية في العقد الأخير من 87 في المئة إلى 65 في المئة وذلك بسبب النمو السريع لصناديق الثروة السيادية من البلدان الآسيوية والناتج بالدرجة الأولى من احتياطي النقد الأجنبي، ولكن يتوقع التقرير أن عائدات صناديق الثروة السيادية سيزداد من الإنتاج لأكثر من 3.5 تريليون دولار بحلول عام 2015، وهذا يعتمد وبشكل كبير على مستقبل أسعار النفط والسلع الأخرى، إن أكبر مصدر للتمويل في السنوات القادمة هو من دول فيها احتياطات كبيرة من النفظ مثل المملكة العربية السعودية وكندا وإيران.
أما صناديق الثروة السيادية التي لا تعتمد على عوائد النفط والسلع فهي تمول من نقل أصول مباشرة من احتياطي النقد الأجنبي وأحياناً من فائض موازنة الحكومة وعوائد الخصخصة. فبعد أن زاد احتياطي النقد الأجنبي في بعض البلدان بشكل كبير توصلت الحكومات إلى سياسة نقدية تقول إن احتياطها من العملات الأجنبية هو عال وأكثر من الاحتياجات المباشرة. وبلغ احتياط النقد الأجنبي الرسمي إلى 7.4 تريليون دولار مع نهاية عام 2008 وذهب خمس هذا الرقم إلى صناديق الثروة السيادية، وهذا الحجم من النقد يحتل حصة متزايدة من صناديق النقد السيادية العالمية ومساهمتها التي بلغت 35 في المئة مع نهاية عام 2007 يمكن لها أن تواصل زيادتها إلى النصف بحلول عام 2015.
كما تجدر الإشارة إلى أن حصة الدول الآسيوية في احتياط النقد الأجنبي قد زادت بشكل كبير في السنوات الماضية، فحصة البنوك المركزية الآسيوية كانت تقريباً ثلث احتياط العملة الأجنبية، ولكنها مع نهاية عام 2007 بلغت حصتها أكثر من 60 في المئة، وبالفعل تضاعف احتياط النقد الأجنبي في الدول الآسيوية من عام 2003 إلى عام 2008. كما أن هناك عددا من الدول التي تميزت بفائض في ميزان المدفوعات، وهنا نشير إلى أن الصين وفي عام 2008 زادت من احتياط النقد الأجنبي لتصل إلى أكثر من 2 تريليون وهو ثلث الاحتياط العالمي، ويليها اليابان 14 في المئة وروسيا 5 في المئة .
إدارة واستثمار صناديق الثروة السيادية
في العادة تكون هذه الصناديق كيانات مستقلة في عملياتها، إذ يكون فيها إدارة مهنية عالية المستوى، وهي في الغالب تميل إلى التسامح مع المخاطر العالية واستثمارات طويلة المدى أكثر من مؤسسات الاستثمار التقليدية. ويفيد تقرير (IFSL) أن أكبر صناديق الثروة السيادية تعمل بشكل مشابه لفكرة صناديق التحوط Hedge Funds أو حتى صناديق الاستثمار في الملكية الخاصة Private Equity Firms ولكن بدرجات مختلفة من الشفافية فيما يتعلق بالموجودات والاستراتيجيات.
تدار بعض الصناديق من قبل الحكومة أو من قبل موظفين سابقين في الحكومة أو من قبل أعضاء من العائلات الحاكمة، غير أن دور مديري الاستثمار الخارجي في عملية إدارة صناديق الثروة السيادية قد زاد في السنوات الأخيرة. كما تفيد مجلة الاستثمارات والتقاعد في تقرير لها بأن حوالي 45 في المئة من الأصول تدار من قبل مديرين خارجيين، على أن مثل هذا النمط قد يتراجع في السنوات القادمة نظرا لأن الكثير من صناديق الثروة السيادية تزيد من طاقمها الاستثماري وتطور ممثلين محليين.
ويفيد التقرير أن نمو استراتيجيات الاستثمار لصناديق الثروة السيادية في السنوات الأخيرة من شأنه أن حوّل الحكومة لمجموعة استثمار دولية، غير أن هذه الصناديق تختلف فيما بينها وبشكل كبير في طريقة تخصيص الأصول واستراتيجيات التعامل مع المخاطر مما يعكس أهدافها والقيود المختلفة. والدارج أن هذه الصناديق تتبنى مقاربات بعيدة المدى في الاستثمار، والحقيقة أن الكشف عن استراتيجية إدارة الاستثمار تختلف من صندوق لآخر ولكنها وبشكل عام محدودة.
في السنوات الأخيرة، كان هناك تغير تدريجي من استراتيجية الاستثمار السلبي إلى النشط، وقد تطلب ذلك أن يأخد الصندوق السيطرة المباشرة على الشركات من خلال الدمج والامتلاك أو الحصول على أصول وأسهم أقلية، ومثل هذا النوع من الاستثمار وصل إلى مجموع بلغ 187 مليار دولار في الفترة من عام 1995 إلى عام 2008. وهذا إلى حد كبير ناتج عن ضخ رأس المال الذي طلبته بعض البنوك بسبب أزمة الائتمان والتي بدأت من عام 2007. وبالفعل عانت بعض الصناديق من خسارات في بعض هذا الاستثمارات.
ومؤخرا، العديد من صناديق الثروة السيادية في بعض الدول المنتجة للنفط غيرت من تركيزها واهتمامها من أسواق المال الغربية إلى الأسواق المحلية، وقام عدد من الدول الشرق أوسطية باستثمارات في البنوك المحلية وقامت صناديق الثروة السيادية باستثمارات في أسواق البورصة المحلية من أجل ضخ مزيد من السيولة للمساعدة في انعاش اقتصادياتهم المحلية.
الصناديق التي تعتمد في أصولها على النفط أو السلع لها مقاربة بعيدة المدى في قرارات الاستثمار وتفضل الأصول وحقوق الملكية والاستثمارات البديلة، وهناك أربعة أخماس من صناديق الدول المصدرة للنفط تقوم باستثمارات خارجية. وتحتل الاستثمارات بالأسهم (الاستثمار الرأسمالي) ما يقارب نصف حجم الاستثمار في الخارج. كما أن السندات الحكومية تزيد من حصتها في وقت أصبحت فيه صناديق الثروة السيادية أكثر تحفظاً في تجنب المخاطر بعد الخسائر في بعض من استثماراتها الرأسمالية أو في الأسهم في الخارج في السنة الأخيرة. كما أن هذه الصناديق تستثمر في سوق العقارات لأن مردوديتها بعيدة المدى تتناسب مع أهداف الاستثمار بعيدة المدى، والولايات المتحدة هي محطة أكثر من نصف هذه الاستثمارات وتليها أوروبا كثاني أكبر محطة بحصيلة 20 في المئة تقريباً من الاستثمارات.
أما صناديق الثروة السيادية التي لا تعتمد على النفط أو السلع، فإن البنوك المركزية في هذه الدول هي المصدر الرئيس للسيولة، وهي تميل إلى الاستثمار في الأصول في الولايات المتحدة وتحديداً في المستندات. وتشير الأرقام حول تركيبة العملة من احتياط النقد الأجنبي بأن الدولار الأمريكي يحتل ثلثي هذا الاحتياط، ولكن هذه النسبة تراجعت بعض الشيء في السنوات الأخيرة بعد أن قامت بعض البنوك المركزية بنقل جزء من أصولها إلى عملات أخرى مثل عملة اليورو.
في الختام يفيد التقرير أن صناديق الثروة السيادية يجلب منافع شتى للأسواق المالية العالمية لأنه يزيد من السيولة ويزيد تخصيص الموارد المالية. غير أن بعض الحكومات كانت قد عبرت عن تحفظات كثيرة على عمل صناديق الثروة السيادية بسبب محدودية الشفافية في عمل بعض من هذه الصناديق. كما عبر البعض عن تحفظات أو لنقل قلقاً عن تعدد أهداف هذه الصناديق مما جعل من الصعوبة بمكان تقييم نشاطات الصناديق وأثرها على الأسواق الرأسمالية العالمية. وأكثر من ذلك هناك أيضا قلق من قبل بعض الحكومات التي ترى أن الصناديق يمكن أن تقوم بالاستثمار لضمان السيطرة على بعض الأعمال ذات الأهمية الاستراتيجية أو أن تقوم بالاستثمار لتسيطر على قطاع لأهداف سياسية وليست تجارية أو ربحية، ما يعني أن الدولة التي تمتلك الصندوق يمكن لها تعزيز أهدافها السياسية ومصالح بلدها الوطنية.
ما ذكر في الفقرة السابقة هو بعض من مصادر القلق لعمل صناديق الثروة الوطنية وهو أمر يقلق حتى حكومات الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة التي يوجد فيها أكثر من 20 صندوقاً سيادياً حسبما ورد في جريدة "الشرق الأوسط" في عددها الصادر في الثاني عشر من شهر إبريل للعام الحالي. فمن الاقتراحات التي تقدمت بها الولايات المتحدة هو منع الصناديق السيادية من التصويت في استثماراتها، كما أن هناك من يرى أنه يجب أن يكون هناك تركيزا على الاستثناء الذي تنعم به الصناديق السيادية في الضرائب في أمريكا، ويوجد هناك من يقترح تقوية مراجعات الأمن الوطني لهذه الاستثمارات.
مصادر القلق التي وردت في التقرير وجدت من يسمع لها، فمنظمة العمل الدولية لمجموعة صناديق الثروة السيادية والتي تأسست في شهر آيار عام 2008 (مع صندوق النقد الدولي مزودا المساعدة في السكرتارية) وضعت المنظمة بشكل علني أربعة وعشرين مبدأ تطوعياً وهي ما سميت "المبادئ والممارسات المقبولة بشكل عام لصناديق الثروة السيادية". وقامت أيضا بتأسيس لجنة تشكيل للبحث في إيجاد هيئة دولية دائمة لصناديق الثروة السيادية. وفي الوقت ذاته نشرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية دليلاً لسياسة الدول التي تتلقى استثمارت هذه الصناديق إزاء الصناديق السيادية. فالدول المتلقية للاستثمارات عليها أن تجتهد في تجنب الحماية وعليها أن تتبنى أطر استثمار شفافة ونزيهة .

دول مجلس التعاون تمثل 30 - 42 % من الحجم العالمي صناديق الثروة السيادية.. الخيار الاستراتيجي للنهضة الخليجية


10/9/2009
الاقتصادية

أكدت تقارير مختلفة أن منطقة الخليج العربي تمثل أكبر منطقة لنشاط الصناديق السيادية؛ فقد أكد تقرير صادر عن معهد صناديق الثروات السيادية أن الصناديق السيادية الخليجية تستحوذ على حوالي 39في المئة من صناديق الثروات السيادية في العالم والتي تمتلك ...
---
أكدت تقارير مختلفة أن منطقة الخليج العربي تمثل أكبر منطقة لنشاط الصناديق السيادية؛ فقد أكد تقرير صادر عن معهد صناديق الثروات السيادية أن الصناديق السيادية الخليجية تستحوذ على حوالي 39في المئة من صناديق الثروات السيادية في العالم والتي تمتلك 3.76 تريليون دولار كأصول مدارة حيث بلغت قيمة الصناديق الخليجية 1.47 تريليون دولار. في حين تقدر نسبة الصناديق السيادية الخليجية بحوالي 42 في المئة تبعاً لتقديرات دويتشه بنك بحسب ما يؤكد كريس وراد رئيس قسم تمويل الشركات والرئيس التنفيذي في شركة ديلويت لتمويل الشركات في الشرق الأوسط. وتقدر الشركة قيمة إجمالي الأصول المدارة للصناديق السيادية 3 تريليون دولار. وهناك مؤشرات أخرى تقدر نسبة الصناديق السيادية الخليجية بـ 30 في المئة من إجمالي الثروات التي تمتلكها صناديق الثروات السيادية العالمية. وتختلف تلك التقديرات عما أورده معهد التمويل العالمي في وقت سابق من هذا العام إلا أنه مهما كان الحجم الحقيقي للأصول المدارة فإن منطقة الخليج تبقى المنطقة الأكثر نشاطاً لتلك الصناديق السيادية.
ويرى المحللون أن ازدهار الاستثمارات الأخيرة للصناديق يشي بأنها عملت على تجنب الاستثمارات التي تحمل مخاطر عالية حيث تم استثمار العديد من الصناديق السيادية الخليجية في أصول ذات مخاطر عالية لا تحمل قيمة حقيقية وذلك في مرحلة ما قبل الركود العالمي.
ويوضح ماليش شاه - رئيس قسم العمليات الاستشارية الاستثمارية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شركة ميركر- "إن بعض الصناديق تم استثمارها بالفعل في عقارات محفوفة بالمخاطر إلا أنها تمثل نسبة مئوية صغيرة من قيمة الاستثمارات أو الأصول". ويضيف أن هذه الصناديق ستعمل في الفترة المقبلة على الحفاظ على المخاطر في مستويات يمكن السيطرة عليها. ويوضح أن الصناديق السيادية كان ينظر إليها في السابق على أنها تفتقد الشفافية، وأنها كمستثمر تحمل تأثيرات سياسية بالغة إلا أن تلك الصورة تغيرت إلى حد كبير في الفترة الحالية بعد أن أصبح الغرب ينظر لتلك الصناديق نظرة أكثر إيجابية.
تجدد المخاوف
وعلى الرغم من ذلك لا تزال التخوفات تحيط بالصناديق السياسية بحسب ما خلصت إليه دراسات أعدتها أكاديميتا ألكسندر دايك ولويجي زينغاليس وأخرى حديثة أعدها كل من كريغ دودج واندرو كاروليي وكارل لينس وداريوس ميلر ورينيه ستولز. وخلصت تلك الدراسات إلى أن الملكية المركزة قد يصاحبها خروج المصالح الخاصة عن نطاق السيطرة وهو ما يؤدي بالتالي إلى خفض القيمة. كما تعتبر الصناديق السيادية مفتقدة للشفافية فضلاً عن كونها مبهمة في أهدافها واستراتيجياتها. وتضيف أنها تمنع أو تقيد المنافسة ـ في الكثير من الحالات- نظراً لأن الصناعات التي تستثمر فيها ليست مفتوحة أمام الاستثمارات الأجنبية في دولها. وكشفت ردود أفعال الساسة خوفاً وحذراً بالغاً تحسباً لوجود أجندات سياسية خفية في طيات تلك الاستثمارات السيادية. ومن التصريحات الشهيرة ما أكده الرئيس الفرنسي نيكولا ساكوزي حينما قال "أنا أؤمن بالعولمة، لكنني لا أتقبل فكرة أن تشتري صناديق سيادية معينة أي شيء هنا، بينما رجال أعمالنا لا يستطيعون شراء أي شيء في بلدانها، إنني أطالب بالمعاملة بالمثل قبل أن نفتح أوروبا لها ونزيل العقبات أمامها".
ويزيد من تلك التخوفات تقرير عن الصناديق السيادية تم رفعه إلى الكونجرس الأمريكي يؤكد تنامى دور صناديق الثروة السيادية عالمياً، وأن يصل حجم تلك الصناديق إلى 12 تريليون دولار بحلول عام 2015. ويرجع التقرير هذا النمو إلى ارتفاع أسعار السلع التجارية مثل النفط إضافة إلى تزايد الفوائض التجارية للدول الناشئة. ونتيجة لهذا ليس من المستغرب أن يتصاعد القلق الدولي من الدور المتنامي الذي تلعبه تلك الصناديق على المستوى العالمي خاصة فيما يتعلق بضعف الشفافية والخوف من استخدام تلك الصناديق لأغراض غير تجارية بحسب ما يؤكده د. محمد السقا أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت.
الرهان على الصناديق الخليجية
ويوضح أنه في ظل التوقعات المحتملة للفوائض من النفط في أعقاب انتهاء الأزمة العالمية فإن دول مجلس التعاون مرشحة لأن تكون مركزاً مهماً لتدوير الأموال على المستوى العالمي وهو ما يبشر به تعاظم الدور الذي أصبحت تلعبه دول الخليج على صعيد التمويل الدولي. وهذا ينطبق بشكل كبير على المملكة العربية السعودية والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة. أما بالنسبة للبحرين وعمان فإن استفادتهما من الوفرة النفطية الأخيرة تكاد تكون محدودة فيما يتعلق بضعف الإنتاج النفطي للدولتين.
وحتى فيما يتعلق بتحدي الآثار السلبية التي تركتها الأزمة العالمية على الأصول الخارجية التي تمتلكها دول مجلس التعاون الخليجي فإن موقف هذه الدول لا يزال يتمتع بموقف خارجي قوي جداً. وتشير التقارير إلى أن دول الخليج قادرة على التعامل مع أسوأ السيناريوهات المتوقعة للأزمة العالمية سواء على الأجل القصير أو المتوسط.
ويلفت السقا إلى أنه من الأفضل لدول الخليج أن توجه هذه الاستثمارات داخلياً وليس خارجياً إذ أن هذه الاستثمارات لو أحسن توجيهها على المستوى المحلي فإن دول الخليج يمكن أن تصبح آنذاك قوة اقتصادية ذات موقع متميز على المستوى العالمي. ويرجع هذا إلى أنه لا توجد أي من الدول النامية تمتلك الموارد التي تمتلكها الدول الخليجية. وتعد الصناديق السيادية فرصة سانحة لكي يتحرر الاقتصاد الخليجي من قيود أحادية مصدر الدخل المتمثلة في النفط الذي يعد من الموارد غير المتجددة.
ويعتبر أن صناديق الثروة السيادية هي الخيار الاستراتيجي الأمثل لدول الخليج. لذا يجب أن يولى القطاع غير النفطي اهتماماً أكبر ويعطى الأولوية لكي يصبح المورد الرئيس للدخل وتوفير فرص عمل. وعلى هذا فإن دول مجلس التعاون في حاجة إلى انتفاضة استثمارية -على حد وصفه- تقابلها مراجعة مكثفة لمناخ الاستثمار والأعمال بها. وكذلك مراجعة لهيكل القوانين والإجراءات والإجراءات ذات الصلة، والقضاء على الفساد الإداري. وينبغي أيضاً أن يتم إجراء دراسات ورسم خطط حول كيفية الاستفادة المثلى من تلك الصناديق بدلاً من استثمارها لدى الغير. وبهذا تكون الدول صاحبة الصناديق هي المستفيد الأول منها ولاسيما أن دول الخليج تمر بمنعطف حاد في الوقت الراهن وتعتبر صناديق الثروة السيادية فرصة نادرة للتعامل مع الاختلالات الهيكلية التي تعانيها اقتصاديات تلك الدول.
خصوصيات الصناديق السيادية
ويتعرض الكاتب العراقي صباح نعوش إلى خصوصيات الصناديق الخليجية عند مقارنتها بالصناديق الأخرى مشيراً إلى أنها تبرز اعتمادا على مؤشر الناتج المحلي الإجمالي.
ويشير إلى أن موجودات صناديق النرويج وروسيا والصين تشكل 70في المئة و29في المئة و21في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول على التوالي، في حين تعادل موجودات صناديق السعودية والكويت والإمارات 106في المئة و261في المئة و590في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول على التوالي.
وكلما ارتفعت النسبة زادت أهمية الصناديق في تمويل الإنفاق العام لدولة المنشأ.
ومن زاوية أخرى تختلف إمكانية استخدام الاحتياطيات الرسمية لتمويل الصناديق السيادية اختلافا كبيرا حسب الدول. ويضع مقارنة بين دول مجلس التعاون والصين حيث تنجم الاحتياطيات الرسمية الخليجية من صادرات النفط والغاز الطبيعي، وقد بلغ حجمها 51 مليار دولار عام 2002 و80 مليار دولار عام 2006، وتتكون بالدرجة الأولى من عملات أجنبية خاصة الدولار الأمريكي.
وبالتالي يمكن استخدامها في أنشطة الصناديق السيادية دون إحداث آثار سلبية على مصالح الغير. أما الاحتياطيات الرسمية الصينية فقد ارتفعت ارتفاعا كبيرا في فترة قصيرة، إذ انتقلت من 233 مليار دولار عام 2002 إلى 1066 مليار دولار عام 2006 أي من 4.5 أضعاف إلى 13.3 ضعف الاحتياطيات الرسمية لجميع دول مجلس التعاون. ثم ارتفعت إلى 1906 مليارات دولار في النصف الثاني من العام الحالي.
باتت هذه المبالغ تطرح مشكلة عويصة ترتبط بكيفية استخدامها، إذ أن 70-80في المئة منها عبارة عن سندات الخزينة الأمريكية.
وقد تراكمت هذه السندات نتيجة اتفاق بين الولايات المتحدة والصين مؤداه السماح للأخيرة بتصدير سلعها للولايات المتحدة مقابل التزام الصين بتمويل عجز الميزانية الفدرالية الأمريكية بشراء سندات الخزينة الأمريكية. ويعني استخدام هذه السندات من قبل الصين في تأسيس صناديق سيادية جديدة أو في تنمية موجودات صناديقها الحالية مطالبة الولايات المتحدة بسداد ما ترتب عليها من ديون. ويقود هذا الوضع إلى تعميق الأزمة المالية الأمريكية وبالتالي العالمية.
لذلك لا تستطيع الصين على خلاف بلدان الخليج استخدام احتياطياتها الرسمية في تمويل صناديقها السيادية إلا بموافقة الولايات المتحدة.
وللصناديق السيادية فوائد عديدة حيث يمكن أن تنشط في سوق الاستحواذ لأنها تتجنب أية استراتيجيات تهدف إلى تدمير قيمة وحجم الاندماج وذلك بسبب مصلحتها في عائدات الأسهم.
كما أن هذه الصناديق من الممكن أن تتصرف كآليات داخلية لحوكمة الشركة لتقريب الفجوة بين المساهمين ومجلس الإدارة. وفي الوقت ذاته توفر الصناديق السيادية رؤوس أموال مضمونة عند الحاجة إليها في المستقبل. ويؤدي هذا إلى تقليل الغموض حيال مستقبل قدرة تمويل الشركة؛ فالصناديق أكبر من الاستثمارات العادية كما أنها لم تعد تميل إلى الاستثمار بقوة في الأسهم وهو ما يجعلها مرغوبة ومفضلة أكثر من المؤسسات الاستثمارية العادية.
يضاف إلى هذا أن الصناديق السيادية تزيد من قيمة الشركات لأنها تخفض من تكلفة رأس المال عليها نتيجة سعيها وراء مخاطر أقل ولهذا فإن حصة الصندوق السيادي الواحد تمثل نسبة صغيرة من إجمالي أصولها بأي حال.
وتوفر الصناديق السيادية علاقات سياسية قيمة. وعلى سبيل المثال فقد أسست البرازيل مؤخراً صندوقاً سيادياً خاصاً بها بهدف حماية الدولة من الأزمة المالية العالمية ومساعدة الشركات البرازيلية على دعم التجارة والتوسع في الخارج. ومن المتوقع أن تدعم جاذبية الحكومة البرازيلية لدى الشركات المتعددة الجنسيات والأجهزة الرقابية ذلك التوسع.
وعلى الجانب الآخر فإن الصناديق العربية تعاني من عدم وضوح أهدافها بشكل محدد إذ أنها لا تصدر تقارير مفصلة عن عملياتها أو موجوداتها وحساباتها. وتقترب الصناديق العربية –من هذا المنظور- من الصناديق الصينية والروسية والماليزية وتبتعد عن الصناديق النرويجية والكندية والأسترالية.
بعيداً عن الأسهم
وعلى الصعيد العالمي ابتعدت صناديق الثروة السيادية عن الأسهم وتتجه للسندات المحمية من التضخم والتي تعتبر أكثر أماناً وذلك في أعقاب الأزمة العالمية. وقد تأسست صناديق الثروة السيادية في الأصل للاستثمار في الأسهم حيث كان هذا هو سبب وجودها إلا أنها لم تعد تشعر بارتياح بسبب تقلص الأصول التي تديرها بحسب تصريحات مسؤول تنفيذي بارز في بي.ان.بي باريبا اينفستمنت بارتنرز. ويضيف أن هذا التوجه جاء نتيجة رغبتها في استثمارات أكثر أماناً. وهناك إقبال أكبر من جانب المؤسسات الرسمية ومنها الصناديق السيادية على الأصول المحمية من التضخم مثل السندات، كما زاد الإقبال على الاستثمار في أدوا الدخل الثابت. وقد عادت الصناديق إلى هدفها الأساسي وهو تحقيق الاستقرار في الاقتصاد نتيجة لخسائرها بسبب الأزمة المالية.
ويمكن تفسيرهذا التحول بإعطاء الأولية للاستقرار الاقتصادي. ولا يتوقع عودة نسبة الاستثمارات في أدوات الدخل الثابت إلى ما كانت عليه قبل أزمة الائتمان التي كانت صدمة ستجعل نسبة الاستثمارات في هذه الأدوات تستمر لسنوات عديدة.
بين سانتياجو وإعلان الكويت
وللقضاء على المخاوف المتعلقة بالدور المتنامي الذي تلعبه صناديق الثروة السيادية فقد تم وضع مبادئ سانتياجو لتكون معبرة عن ممارسات وأهداف الاستثمار في صناديق الثروة السيادية. وتعتبر تلك المبادئ طوعية يتبناها الأعضاء في مجموعة العمل الدولية للصناديق السيادية سواء كانوا يقومون بتطبيقها فعلياً أو كانوا يطمحون في ذلك. وهناك أربعة أهداف تهدف تلك المبادئ لتحقيقها وهي:
إرساء هيكل شفاف وسليم للحوكمة يكفل الضوابط التشغيلية الملائمة وسلامة إدارة المخاطر والمساءلة؛ وضمان الالتزام بكل متطلبات التنظيم المرعية في البلدان التي تستثمر فيها صناديق الثروة السيادية؛ والتأكد من أن استثمارات صناديق الثروة السيادية تراعي المخاطر الاقتصادية والمالية واعتبارات العائد؛
والمساعدة على الاحتفاظ بنظام مالي عالمي مستقر وكذلك بحرية تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات بحسب ما يورد د. السقا. ويوضح أن هذا يؤدي بدوره إلى التأكد من أن الدول التي تستقبل الاستثمارات لن تفرض أية تدابير تمييزية على الصناديق السيادية لا يخضع لها المستثمرون الأجانب أو المحليون في نفس الظروف. وهذا يؤدي بدوره إلى تعزيز دور هذه الصناديق في دعم استقرار الأسواق المالية. كما يسهم في الوقت ذاته في المحافظة على حرية تدفق الاستثمارات عبر الحدود.
ومن الخطوات التي اتخذت لتعزيز وضع الدول المالكة للصناديق السيادية تم بموجب "إعلان الكويت أبريل 2009" إنشاء منتدى دائم لهذه الدول البالغ عددها 23 دولة يمثل مصالح هذه الدول ويهدف لتبادل وجهات النظر والترويج لتلك الصناديق. كما يرمي المنتدى لتحقيق فهم أكبر لمبادئ سانتياجو والأنشطة التي تقوم بها الصناديق السيادية. كما سيساعد المنتدى على تبادل وجهات النظر حول العديد من القضايا ذات الصلة مثل إدارة المخاطر ونظم الاستثمار والأوضاع المؤسساتية والسوقية التي تؤثر في عمليات الاستثمار. وقد سبقت خطوة إنشاء المنتدى قيام الدول المالكة للصناديق بإنشاء مجموعة عمل دولية للصناديق الاستثمارية السيادية. وتضم هذه الدول البحرين وقطر والكويت والإمارات العربية المتحدة وليبيا وأستراليا والولايات المتحدة وأذربيحان وبوتسوانا وكندا وشيلي والصين وغينيا الإستوائية وإيران وأيرلندا وكوريا الجنوبية والمكسيك ونيوزيلندا والنرويج وروسيا وسنغافورة وتيمور الشرقية وترينيداد وتوباغو.