10/9/2009
الاقتصادية
أكدت تقارير مختلفة أن منطقة الخليج العربي تمثل أكبر منطقة لنشاط الصناديق السيادية؛ فقد أكد تقرير صادر عن معهد صناديق الثروات السيادية أن الصناديق السيادية الخليجية تستحوذ على حوالي 39في المئة من صناديق الثروات السيادية في العالم والتي تمتلك ...
---
أكدت تقارير مختلفة أن منطقة الخليج العربي تمثل أكبر منطقة لنشاط الصناديق السيادية؛ فقد أكد تقرير صادر عن معهد صناديق الثروات السيادية أن الصناديق السيادية الخليجية تستحوذ على حوالي 39في المئة من صناديق الثروات السيادية في العالم والتي تمتلك 3.76 تريليون دولار كأصول مدارة حيث بلغت قيمة الصناديق الخليجية 1.47 تريليون دولار. في حين تقدر نسبة الصناديق السيادية الخليجية بحوالي 42 في المئة تبعاً لتقديرات دويتشه بنك بحسب ما يؤكد كريس وراد رئيس قسم تمويل الشركات والرئيس التنفيذي في شركة ديلويت لتمويل الشركات في الشرق الأوسط. وتقدر الشركة قيمة إجمالي الأصول المدارة للصناديق السيادية 3 تريليون دولار. وهناك مؤشرات أخرى تقدر نسبة الصناديق السيادية الخليجية بـ 30 في المئة من إجمالي الثروات التي تمتلكها صناديق الثروات السيادية العالمية. وتختلف تلك التقديرات عما أورده معهد التمويل العالمي في وقت سابق من هذا العام إلا أنه مهما كان الحجم الحقيقي للأصول المدارة فإن منطقة الخليج تبقى المنطقة الأكثر نشاطاً لتلك الصناديق السيادية.
ويرى المحللون أن ازدهار الاستثمارات الأخيرة للصناديق يشي بأنها عملت على تجنب الاستثمارات التي تحمل مخاطر عالية حيث تم استثمار العديد من الصناديق السيادية الخليجية في أصول ذات مخاطر عالية لا تحمل قيمة حقيقية وذلك في مرحلة ما قبل الركود العالمي.
ويوضح ماليش شاه - رئيس قسم العمليات الاستشارية الاستثمارية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شركة ميركر- "إن بعض الصناديق تم استثمارها بالفعل في عقارات محفوفة بالمخاطر إلا أنها تمثل نسبة مئوية صغيرة من قيمة الاستثمارات أو الأصول". ويضيف أن هذه الصناديق ستعمل في الفترة المقبلة على الحفاظ على المخاطر في مستويات يمكن السيطرة عليها. ويوضح أن الصناديق السيادية كان ينظر إليها في السابق على أنها تفتقد الشفافية، وأنها كمستثمر تحمل تأثيرات سياسية بالغة إلا أن تلك الصورة تغيرت إلى حد كبير في الفترة الحالية بعد أن أصبح الغرب ينظر لتلك الصناديق نظرة أكثر إيجابية.
تجدد المخاوف
وعلى الرغم من ذلك لا تزال التخوفات تحيط بالصناديق السياسية بحسب ما خلصت إليه دراسات أعدتها أكاديميتا ألكسندر دايك ولويجي زينغاليس وأخرى حديثة أعدها كل من كريغ دودج واندرو كاروليي وكارل لينس وداريوس ميلر ورينيه ستولز. وخلصت تلك الدراسات إلى أن الملكية المركزة قد يصاحبها خروج المصالح الخاصة عن نطاق السيطرة وهو ما يؤدي بالتالي إلى خفض القيمة. كما تعتبر الصناديق السيادية مفتقدة للشفافية فضلاً عن كونها مبهمة في أهدافها واستراتيجياتها. وتضيف أنها تمنع أو تقيد المنافسة ـ في الكثير من الحالات- نظراً لأن الصناعات التي تستثمر فيها ليست مفتوحة أمام الاستثمارات الأجنبية في دولها. وكشفت ردود أفعال الساسة خوفاً وحذراً بالغاً تحسباً لوجود أجندات سياسية خفية في طيات تلك الاستثمارات السيادية. ومن التصريحات الشهيرة ما أكده الرئيس الفرنسي نيكولا ساكوزي حينما قال "أنا أؤمن بالعولمة، لكنني لا أتقبل فكرة أن تشتري صناديق سيادية معينة أي شيء هنا، بينما رجال أعمالنا لا يستطيعون شراء أي شيء في بلدانها، إنني أطالب بالمعاملة بالمثل قبل أن نفتح أوروبا لها ونزيل العقبات أمامها".
ويزيد من تلك التخوفات تقرير عن الصناديق السيادية تم رفعه إلى الكونجرس الأمريكي يؤكد تنامى دور صناديق الثروة السيادية عالمياً، وأن يصل حجم تلك الصناديق إلى 12 تريليون دولار بحلول عام 2015. ويرجع التقرير هذا النمو إلى ارتفاع أسعار السلع التجارية مثل النفط إضافة إلى تزايد الفوائض التجارية للدول الناشئة. ونتيجة لهذا ليس من المستغرب أن يتصاعد القلق الدولي من الدور المتنامي الذي تلعبه تلك الصناديق على المستوى العالمي خاصة فيما يتعلق بضعف الشفافية والخوف من استخدام تلك الصناديق لأغراض غير تجارية بحسب ما يؤكده د. محمد السقا أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت.
الرهان على الصناديق الخليجية
ويوضح أنه في ظل التوقعات المحتملة للفوائض من النفط في أعقاب انتهاء الأزمة العالمية فإن دول مجلس التعاون مرشحة لأن تكون مركزاً مهماً لتدوير الأموال على المستوى العالمي وهو ما يبشر به تعاظم الدور الذي أصبحت تلعبه دول الخليج على صعيد التمويل الدولي. وهذا ينطبق بشكل كبير على المملكة العربية السعودية والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة. أما بالنسبة للبحرين وعمان فإن استفادتهما من الوفرة النفطية الأخيرة تكاد تكون محدودة فيما يتعلق بضعف الإنتاج النفطي للدولتين.
وحتى فيما يتعلق بتحدي الآثار السلبية التي تركتها الأزمة العالمية على الأصول الخارجية التي تمتلكها دول مجلس التعاون الخليجي فإن موقف هذه الدول لا يزال يتمتع بموقف خارجي قوي جداً. وتشير التقارير إلى أن دول الخليج قادرة على التعامل مع أسوأ السيناريوهات المتوقعة للأزمة العالمية سواء على الأجل القصير أو المتوسط.
ويلفت السقا إلى أنه من الأفضل لدول الخليج أن توجه هذه الاستثمارات داخلياً وليس خارجياً إذ أن هذه الاستثمارات لو أحسن توجيهها على المستوى المحلي فإن دول الخليج يمكن أن تصبح آنذاك قوة اقتصادية ذات موقع متميز على المستوى العالمي. ويرجع هذا إلى أنه لا توجد أي من الدول النامية تمتلك الموارد التي تمتلكها الدول الخليجية. وتعد الصناديق السيادية فرصة سانحة لكي يتحرر الاقتصاد الخليجي من قيود أحادية مصدر الدخل المتمثلة في النفط الذي يعد من الموارد غير المتجددة.
ويعتبر أن صناديق الثروة السيادية هي الخيار الاستراتيجي الأمثل لدول الخليج. لذا يجب أن يولى القطاع غير النفطي اهتماماً أكبر ويعطى الأولوية لكي يصبح المورد الرئيس للدخل وتوفير فرص عمل. وعلى هذا فإن دول مجلس التعاون في حاجة إلى انتفاضة استثمارية -على حد وصفه- تقابلها مراجعة مكثفة لمناخ الاستثمار والأعمال بها. وكذلك مراجعة لهيكل القوانين والإجراءات والإجراءات ذات الصلة، والقضاء على الفساد الإداري. وينبغي أيضاً أن يتم إجراء دراسات ورسم خطط حول كيفية الاستفادة المثلى من تلك الصناديق بدلاً من استثمارها لدى الغير. وبهذا تكون الدول صاحبة الصناديق هي المستفيد الأول منها ولاسيما أن دول الخليج تمر بمنعطف حاد في الوقت الراهن وتعتبر صناديق الثروة السيادية فرصة نادرة للتعامل مع الاختلالات الهيكلية التي تعانيها اقتصاديات تلك الدول.
خصوصيات الصناديق السيادية
ويتعرض الكاتب العراقي صباح نعوش إلى خصوصيات الصناديق الخليجية عند مقارنتها بالصناديق الأخرى مشيراً إلى أنها تبرز اعتمادا على مؤشر الناتج المحلي الإجمالي.
ويشير إلى أن موجودات صناديق النرويج وروسيا والصين تشكل 70في المئة و29في المئة و21في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول على التوالي، في حين تعادل موجودات صناديق السعودية والكويت والإمارات 106في المئة و261في المئة و590في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول على التوالي.
وكلما ارتفعت النسبة زادت أهمية الصناديق في تمويل الإنفاق العام لدولة المنشأ.
ومن زاوية أخرى تختلف إمكانية استخدام الاحتياطيات الرسمية لتمويل الصناديق السيادية اختلافا كبيرا حسب الدول. ويضع مقارنة بين دول مجلس التعاون والصين حيث تنجم الاحتياطيات الرسمية الخليجية من صادرات النفط والغاز الطبيعي، وقد بلغ حجمها 51 مليار دولار عام 2002 و80 مليار دولار عام 2006، وتتكون بالدرجة الأولى من عملات أجنبية خاصة الدولار الأمريكي.
وبالتالي يمكن استخدامها في أنشطة الصناديق السيادية دون إحداث آثار سلبية على مصالح الغير. أما الاحتياطيات الرسمية الصينية فقد ارتفعت ارتفاعا كبيرا في فترة قصيرة، إذ انتقلت من 233 مليار دولار عام 2002 إلى 1066 مليار دولار عام 2006 أي من 4.5 أضعاف إلى 13.3 ضعف الاحتياطيات الرسمية لجميع دول مجلس التعاون. ثم ارتفعت إلى 1906 مليارات دولار في النصف الثاني من العام الحالي.
باتت هذه المبالغ تطرح مشكلة عويصة ترتبط بكيفية استخدامها، إذ أن 70-80في المئة منها عبارة عن سندات الخزينة الأمريكية.
وقد تراكمت هذه السندات نتيجة اتفاق بين الولايات المتحدة والصين مؤداه السماح للأخيرة بتصدير سلعها للولايات المتحدة مقابل التزام الصين بتمويل عجز الميزانية الفدرالية الأمريكية بشراء سندات الخزينة الأمريكية. ويعني استخدام هذه السندات من قبل الصين في تأسيس صناديق سيادية جديدة أو في تنمية موجودات صناديقها الحالية مطالبة الولايات المتحدة بسداد ما ترتب عليها من ديون. ويقود هذا الوضع إلى تعميق الأزمة المالية الأمريكية وبالتالي العالمية.
لذلك لا تستطيع الصين على خلاف بلدان الخليج استخدام احتياطياتها الرسمية في تمويل صناديقها السيادية إلا بموافقة الولايات المتحدة.
وللصناديق السيادية فوائد عديدة حيث يمكن أن تنشط في سوق الاستحواذ لأنها تتجنب أية استراتيجيات تهدف إلى تدمير قيمة وحجم الاندماج وذلك بسبب مصلحتها في عائدات الأسهم.
كما أن هذه الصناديق من الممكن أن تتصرف كآليات داخلية لحوكمة الشركة لتقريب الفجوة بين المساهمين ومجلس الإدارة. وفي الوقت ذاته توفر الصناديق السيادية رؤوس أموال مضمونة عند الحاجة إليها في المستقبل. ويؤدي هذا إلى تقليل الغموض حيال مستقبل قدرة تمويل الشركة؛ فالصناديق أكبر من الاستثمارات العادية كما أنها لم تعد تميل إلى الاستثمار بقوة في الأسهم وهو ما يجعلها مرغوبة ومفضلة أكثر من المؤسسات الاستثمارية العادية.
يضاف إلى هذا أن الصناديق السيادية تزيد من قيمة الشركات لأنها تخفض من تكلفة رأس المال عليها نتيجة سعيها وراء مخاطر أقل ولهذا فإن حصة الصندوق السيادي الواحد تمثل نسبة صغيرة من إجمالي أصولها بأي حال.
وتوفر الصناديق السيادية علاقات سياسية قيمة. وعلى سبيل المثال فقد أسست البرازيل مؤخراً صندوقاً سيادياً خاصاً بها بهدف حماية الدولة من الأزمة المالية العالمية ومساعدة الشركات البرازيلية على دعم التجارة والتوسع في الخارج. ومن المتوقع أن تدعم جاذبية الحكومة البرازيلية لدى الشركات المتعددة الجنسيات والأجهزة الرقابية ذلك التوسع.
وعلى الجانب الآخر فإن الصناديق العربية تعاني من عدم وضوح أهدافها بشكل محدد إذ أنها لا تصدر تقارير مفصلة عن عملياتها أو موجوداتها وحساباتها. وتقترب الصناديق العربية –من هذا المنظور- من الصناديق الصينية والروسية والماليزية وتبتعد عن الصناديق النرويجية والكندية والأسترالية.
بعيداً عن الأسهم
وعلى الصعيد العالمي ابتعدت صناديق الثروة السيادية عن الأسهم وتتجه للسندات المحمية من التضخم والتي تعتبر أكثر أماناً وذلك في أعقاب الأزمة العالمية. وقد تأسست صناديق الثروة السيادية في الأصل للاستثمار في الأسهم حيث كان هذا هو سبب وجودها إلا أنها لم تعد تشعر بارتياح بسبب تقلص الأصول التي تديرها بحسب تصريحات مسؤول تنفيذي بارز في بي.ان.بي باريبا اينفستمنت بارتنرز. ويضيف أن هذا التوجه جاء نتيجة رغبتها في استثمارات أكثر أماناً. وهناك إقبال أكبر من جانب المؤسسات الرسمية ومنها الصناديق السيادية على الأصول المحمية من التضخم مثل السندات، كما زاد الإقبال على الاستثمار في أدوا الدخل الثابت. وقد عادت الصناديق إلى هدفها الأساسي وهو تحقيق الاستقرار في الاقتصاد نتيجة لخسائرها بسبب الأزمة المالية.
ويمكن تفسيرهذا التحول بإعطاء الأولية للاستقرار الاقتصادي. ولا يتوقع عودة نسبة الاستثمارات في أدوات الدخل الثابت إلى ما كانت عليه قبل أزمة الائتمان التي كانت صدمة ستجعل نسبة الاستثمارات في هذه الأدوات تستمر لسنوات عديدة.
بين سانتياجو وإعلان الكويت
وللقضاء على المخاوف المتعلقة بالدور المتنامي الذي تلعبه صناديق الثروة السيادية فقد تم وضع مبادئ سانتياجو لتكون معبرة عن ممارسات وأهداف الاستثمار في صناديق الثروة السيادية. وتعتبر تلك المبادئ طوعية يتبناها الأعضاء في مجموعة العمل الدولية للصناديق السيادية سواء كانوا يقومون بتطبيقها فعلياً أو كانوا يطمحون في ذلك. وهناك أربعة أهداف تهدف تلك المبادئ لتحقيقها وهي:
إرساء هيكل شفاف وسليم للحوكمة يكفل الضوابط التشغيلية الملائمة وسلامة إدارة المخاطر والمساءلة؛ وضمان الالتزام بكل متطلبات التنظيم المرعية في البلدان التي تستثمر فيها صناديق الثروة السيادية؛ والتأكد من أن استثمارات صناديق الثروة السيادية تراعي المخاطر الاقتصادية والمالية واعتبارات العائد؛
والمساعدة على الاحتفاظ بنظام مالي عالمي مستقر وكذلك بحرية تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات بحسب ما يورد د. السقا. ويوضح أن هذا يؤدي بدوره إلى التأكد من أن الدول التي تستقبل الاستثمارات لن تفرض أية تدابير تمييزية على الصناديق السيادية لا يخضع لها المستثمرون الأجانب أو المحليون في نفس الظروف. وهذا يؤدي بدوره إلى تعزيز دور هذه الصناديق في دعم استقرار الأسواق المالية. كما يسهم في الوقت ذاته في المحافظة على حرية تدفق الاستثمارات عبر الحدود.
ومن الخطوات التي اتخذت لتعزيز وضع الدول المالكة للصناديق السيادية تم بموجب "إعلان الكويت أبريل 2009" إنشاء منتدى دائم لهذه الدول البالغ عددها 23 دولة يمثل مصالح هذه الدول ويهدف لتبادل وجهات النظر والترويج لتلك الصناديق. كما يرمي المنتدى لتحقيق فهم أكبر لمبادئ سانتياجو والأنشطة التي تقوم بها الصناديق السيادية. كما سيساعد المنتدى على تبادل وجهات النظر حول العديد من القضايا ذات الصلة مثل إدارة المخاطر ونظم الاستثمار والأوضاع المؤسساتية والسوقية التي تؤثر في عمليات الاستثمار. وقد سبقت خطوة إنشاء المنتدى قيام الدول المالكة للصناديق بإنشاء مجموعة عمل دولية للصناديق الاستثمارية السيادية. وتضم هذه الدول البحرين وقطر والكويت والإمارات العربية المتحدة وليبيا وأستراليا والولايات المتحدة وأذربيحان وبوتسوانا وكندا وشيلي والصين وغينيا الإستوائية وإيران وأيرلندا وكوريا الجنوبية والمكسيك ونيوزيلندا والنرويج وروسيا وسنغافورة وتيمور الشرقية وترينيداد وتوباغو.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق