الثلاثاء، 16 سبتمبر 2008

الصناديق السيادية تتفادى نيران السياسة

16/9/2008
أرابيان بيزينس


أثارت استثمارات الصناديق السيادية التي تملكها الحكومات، في الشركات المالية الأمريكية والأوروبية خلال الـ 18 شهرا الأخيرة الكثير من الجدل، وذلك على الرغم من الترحيب الظاهر بها لما تمثله من أداة دعم للنظام المالي المتعثر في الغرب. كما أثارت مخاوف الساسة الغربيين على وجه الخصوص، لأنها برأيهم تهدف إلى كسب نفوذ سياسي أكثر من مجرد تحقيق الأرباح، على الرغم من أن صندوق النقد الدولي وضع مؤخراً مجموعة من اللوائح والقوانين التي تعمل على توجيه وقيادة سلوك هذه الصناديق.
بعد 3 جولات من المحادثات، اختتمت الأسبوع الماضي لجنة عمل دولية معنية بصناديق الثروات السيادية، 4 أشهر من المداولات في أكثر من عاصمة، كان آخرها سانتياغو عاصمة تشيلي. وتوصلت اللجنة بدعم استشاري وفني من صندوق النقد الدولي، إلى اتفاق أولي على حزمة مبادئ وممارسات متعارف عليها تمهيداً لعرضها على حكومات الدول المشاركة.
واتفقت لجنة العمل أيضاً، على درس إمكانية تشكيل لجنة دائمة لصناديق الثروات السيادية، في خطوة اعتبرتها إقراراً منها بالحاجة إلى دعم المبادئ المتفق عليها عند الضرورة، وتسهيل الحوار مع المؤسسات الدولية والدول المضيفة للاستثمارات، في شأن التطورات المؤثرة في نشاط الصناديق السيادية.وشددت لجنة العمل الدولية، في بيان أصدره صندوق النقد، على أن اتفاق «مبادئ سانتياغو» يشكل إطار عمل اختيارياً إرشادياً يساهم في صيغة تتعلّق بمسألتي حوكمة الصناديق السيادية والمساءلة، إضافة إلى انتهاج ممارسات استثمارية ملائمة.
ومن المقرر عرض هذا الاتفاق الأولي على اللجنة النقدية والمالية، أعلى سلطة في صندوق النقد، في الاجتماع الذي تعقده في 11 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، تمهيداً للاجتماعات السنوية المشتركة لصندوق النقد والبنك الدوليين.
عند الضرورة
وتضم اللجنة في عضويتها، أبرز دول الصناديق السيادية العربية والأجنبية وكذلك الدول الراغبة في استضافة استثماراتها، وهي الإمارات والكويت وقطر والسعودية والبحرين وليبيا، إضافة إلى عمان وسنغافورة والصين وروسيا والنرويج والولايات المتحدة وتشيلي وأذربيجان وإيران وبوتسوانا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وفيتنام.
وامتنعت لجنة العمل، التي تضمن اجتماعها الأخير، لقاء ممثلي مجموعة منتخبة من الدول المضيفة للاستثمارات، واللجنة الأوروبية، وممثل عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تعمل على إعداد مبادئ خاصة بها، عن إعلان تفاصيل اتفاق «مبادئ سانتياغو» قبل اجتماع اللجنة النقدية والمالية الدولية، إلا أن اتفاقاً مشابهاً عقدته أميركا مع الصناديق السيادية لأبو ظبي وسنغافورة في مارس/آذار الماضي، حدد مبادئ عامة للصناديق السيادية والدول المضيفة لاستثماراتها.
وطالب ذلك الاتفاق الصناديقَ السيادية، بإخضاع قراراتها الاستثمارية لاعتبارات تجارية بحتة، وزيادة الإفصاح في شأن أغراض الاستثمار وأهدافه وتعزيز الحوكمة وإدارة الأخطار وقيام منافسة نزيهة بين الصناديق والقطاع الخاص.
دعوة مقابلة
كما دعا في المقابل، الدول المضيفة، إلى الامتناع عن إقامة حواجز حمائية أمام استثمارات المحافظ وتلك المباشرة، وضمان الأطر الاستثمارية المدعومة بقوة القانون ووضوحها وثباتها، والتعامل مع المستثمرين من دون تمييز واحترام قراراتهم وضمان ألا يفرض أي قيد على الصفقات الاستثمارية لدواعي الأمن القومي إلا بالتناسب مع الأخطار الأمنية الحقيقية التي تثيرها الصفقات المعنية.
ووصف رئيسا اجتماع سانتياغو وهما مدير جهاز أبوظبي للاستثمار حمد الحر السويدي، ومدير إدارة أسواق رأس المال في صندوق النقد جيمي كروانا، اتفاق مبادئ سانتياغو بأنه «خطوة عظيمة تعكس روح تعاون وتشاور، سادت التداولات المكثفة التي عقدها أعضاء لجنة العمل الدولية من ممثلي الصناديق السيادية والدول المضيفة لاستثماراتها منذ مايو/أيار الماضي».
وأوضح السويدي وكارونا في بيان مشترك أرسل لأريبيان بزنس أن اتفاق سانتياغو سيعرض على اللجنة النقدية والمالية الشهر المقبل لكي يتاح لأعضاء صندوق النقد الـ 185 فرصة استعراض رزمة المبادئ الاختيارية والممارسات التي من شأنها أن تمنح المجتمع الدولي فهماً أوضح للصناديق السيادية، لجهة أطرها المؤسساتية وأساليب الحوكمة التي تنتهجها، ونشاطها الاستثماري، بما يعزز بالمحصلة، الثقة في النظام المالي العالمي والاطمئنان إلى سلامته.

عامل استقرار
وأعرب السويدي وكروانا باسم لجنة العمل الدولية عن الأمل في أن اللجنة الدائمة المقترح تشكيلها، ستتيح للصناديق السيادية، بصفة اختيارية، إعادة النظر في الرزمة، طبقاً لما يحدث من تطورات مستجدة في الاقتصاد العالمي وأسواق المال ونظم تدفق الاستثمارات عبر الحدود الدولية، مشددين على أن اللجنة مصممة على السعي إلى تعزيز الدور الإيجابي للصناديق السيادية كعامل استقرار في الاقتصاد والنظام المالي العالميين.
ولعبت الصناديق السيادية، التي يقدر حجم أصولها حالياً بين 2 و 3 تريليونات دولار، ويتوقع أن يصل إلى 10 تريليونات وإلى 15 تريلونا وفق بعض التقديرات في السنوات الخمس المقبلة، دوراً مهماً في الأزمة المالية العالمية، إذ ضخت 90 مليار دولار في المؤسسات المالية الأوروبية والأمريكية المتعثرة منذ انفجار أزمة الرهن العقاري الأمريكية وتفاقمها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
معاملة غير عادلة
واعتبر حمد الحر السويدي في أن اتفاق سانتياغو «خطوة مهمة تمت في إطار من التعاون والتشاور قبل أن تتوصل مجموعة العمل الدولية للاتفاق المبدئي».
ووصف السويدي في بيان تلقت أريبيان بزنس نسخة منه وصدر عن جهاز أبوظبي للاستثمار المفاوضات بأنها كانت «مكثفة وشائكة» حيث بدأت منذ 4 أشهر وانتهت مطلع الشهر الحالي بعد جلستي محادثات مكثفتين استغرقتا 24 ساعة على مدار يومين متتاليين.
ويدير جهاز أبوظبي للاستثمار صندوقاً سيادياً يصنف بأنه أحد أكبر الصناديق على مستوى العالم، إذ يمتلك أصولاً تزيد قيمتها عن 870 مليار دولار أمريكي.
وأضاف السويدي لقد شعرت الصناديق السيادية بأنها تعامل بصورة غير عادلة مقارنة بصناديق الاستثمارات الخاصة التي لم يطلب منها الكشف عن معاملاتها السرية، مشيراً إلى أن المبالغة في الكشف عن استثمارات الصناديق السيادية من شأنه إثارة المخاوف، ودفع بعض الشركات للنأي بنفسها عن هذه التعاملات وقال :نرغب في الحفاظ على المصالح الاقتصادية والمالية للصناديق، لتجنيبها مواقف تلحق بها الخسائر أو الأضرار.
مبادئ جديدة
من جهته، قال ديفيد موراي رئيس مجلس إدارة صندوق فيوتشر فاند الذي يدير استثمارات الحكومة الأسترالية "الصناديق السيادية تعمل من منطلق الحافز التجاري عوضاً عن أي حوافز أخرى".
وبحسب موراي، فإن اتفاقية المبادئ الجديدة تغطي المسائل القانونية والمؤسساتية وتلك المتعلقة بالاقتصاد الشامل بالإضافة إلى الحوكمة والمحاسبية واستراتيجيات الاستثمار وإدارة المخاطر، إلا أنه من غير المرجح أن تنطوي هذه المبادئ على مطالب تفرض على الصناديق الكشف عن استثمارات بعينها وهو الأمر الذي لا تزال تفعله بعض الصناديق حتى الآن.
وقال مسئول من صندوق النقد حضر اجتماع سانتياغو «المسؤولون متفائلون من أن تقدما كبيرا جرى إحرازه نحو التوصل إلى ميثاق شرف لممارسات الاستثمار من جانب الصناديق السيادية».
40 صندوقا
ارتفعت الاستثمارات التي وجهتها صناديق الثروة السيادية للاستحواذ على حصص بشركات ومؤسسات مالية بشكل ملحوظ، خلال الثمانية اشهر من العام الحالي. وأظهرت بيانات «طومسون رويترز» أن صناديق سيادية استثمرت 25.48 مليار دولار حتى الآن هذا العام، في شراء حصص بمؤسسات عالمية، مثل سيتي غروب وميريل لينش بزيادة 66 في المائة عن الفترة المقابلة من العام الماضي، عندما وصلت إلى 15.4 مليار دولار.

وأصبحت الصناديق السيادية، التي يبلغ عددها حاليا نحو الأربعين، مثل تماسيك هولدنغز السنغافورية، وجهاز أبوظبي للاستثمار تتمتع بنفوذ كبير في الأسواق المالية، بعد أن استثمرت في بنوك أمريكية وأوروبية منيت بخسائر في أزمة الرهون العقارية الأمريكية.
وأوضحت بيانات طومسون رويترز أنه حتى تاريخ 28/أغسطس آب، فان هذه الصناديق شاركت في 22 صفقة، منها 10 صفقات بقيمة 9.1 مليار دولار، كان صندوقا سنغافورة السياديان تماسيك وهيئة الاستثمار السنغافورية طرفان فيها.
وكان الجانب الأكبر من هذا النشاط في الولايات المتحدة التي ضخت فيها الصناديق السيادية 15.8 مليار دولار في 8 صفقات، بنسبة 62 في المائة من الإجمالي العالمي، أي نحو 5 أمثال الرقم المسجل عام 2007 وهو 3.45 مليار دولار.
أميركا أولا
وجاءت روسيا في المركز الثاني حيث استثمرت دبي العالمية 5.3 مليار دولار في شركة (أو. جي. كيه ـ1)، الروسية الإقليمية للكهرباء. ولم تحصل روسيا على استثمارات من صناديق سيادية عام 2007. وحلت سنغافورة بالمركز الثالث باستثمارات قدرها 3 في المائة، أو ما يعادل 1.3 مليار دولار.
وفي السنوات الأخيرة تزايدت ثروة الصناديق السيادية، التي تقدر أصولها بما يصل إلى 3 تريليونات دولار، بعد أن اتجهت الدول الآسيوية التي تمثل مراكز تصدير رئيسية، مثل الصين ودول غنية بالنفط مثل الإمارات وروسيا لتوجيه جزء من احتياطياتها إلى أوعية استثمارية.
وتخشى بعض الدول التي تستثمر فيها الصناديق، مثل الولايات المتحدة من أن تفتح عمليات الاستحواذ من جانب الصناديق التي تفتقر للشفافية باب السيطرة على شركات محلية مهمة أمام الأجانب، وأن تتسبب الصناديق في زعزعة استقرار الأسواق العالمية باستثماراتها الضخمة.
ومن المتوقع، حسب بيانات صندوق النقد الدولي، أن تصل أصول الصناديق الاستثمارية، البالغة حاليا 2- 3 تريليونات دولار، إلى 7-11 تريليون دولار بحلول عام 2013. وأعلنت صناديق الثروة السيادية.
مخاوف الغرب
وتتصاعد المخاوف في الغرب من استثمار الصناديق السيادية في أصوله، ويرى البعض أنها قد تكون ذات أهداف سياسية. إلا أن المحلل الاقتصادي إبراهيم خياط يعيد تلك المخاوف إلى موقف الغرب من الآخر سياسيا واقتصاديا.
ويقول خياط «هذه المخاوف ليست جديدة ولا تعود لأسباب يمكن تفسيرها، إلا بالسياسات الحمائية والعداء للرأسمال الأجنبي حتى لو كان الغرب يتحدث عن انفتاح وعولمة».
ويقدر معهد التمويل الدولي، ومقره واشنطن، أن حجم الأصول الأجنبية لدول مجلس التعاون الخليجي قد يتجاوز ألفي مليار دولار بنهاية العام الجاري.
وبوصول الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس الست إلى 900 مليار دولار العام الماضي، يصبح حجم الموجودات الخارجية لها أكثر من ضعفه.

وتعود التدفقات الاستثمارية الخليجية الكبيرة إلى زيادة الفوائض النقدية نتيجة ارتفاع أسعار النفط وتغير الاستراتيجية الاستثمارية لدول مجلس التعاون الخليجي. وساعدت عائدات النفط في ضبط موازنات دول الخليج أولا ثم التوجه إلى الخارج.
ويقول الاستشاري الاقتصادي د. محمد العسومي «بعد سد عجز الميزانيات الخليجية وتسديد الديون، تتجه الفوائض النفطية إلى بناء احتياطيات قوية لتلك الدول وتدعيم الصناديق السيادية التي تدير استثمارات كبيرة لدول المجلس».
وكانت دراسة سابقة للمعهد ذكرت أن حجم التدفقات المالية من دول الخليج إلى الخارج تجاوزت نصف تريليون دولار في السنوات الخمس الأخيرة (دون العام الماضي).
يورو آسيا
وتم ضخ أكثر من نصف تلك الاستثمارات في الاقتصاد الأمريكي عبر عمليات استحواذ واستثمار في الولايات المتحدة الأمريكية والأصول المقومة بالدولار.
وذهب نحو خمس تلك التدفقات إلى الاقتصاديات الأوروبية أو الأصول المقومة باليورو، بينما زاد نصيب الاستثمارات الخليجية في العالم العربي من حجم التدفقات خلال الخمس سنوات قليلا عن 10في المئة، وذهبت البقية لدول أخرى أكثرها في القارة الآسيوية.
وأشارت دراسة معهد التمويل الدولي إلى أن الاستثمارات الخارجية الخليجية أخذت في التنوع في السنوات الأخيرة، بدلا من تركيزها في الأسهم والسندات والأصول العقارية، لتدخل في أصول الشركات وتمويل المشروعات والمساهمة في صناديق الاستثمار المغلقة وصناديق التحوط وعمليات الشراء والاستحواذ على الشركات الكبرى.
وحسب الدراسة فان التدفقات الاستثمارية الخليجية إلى العالم العربي، باستثناء داخل مجلس التعاون الخليجي، في تلك الفترة (2002 إلى 2006) بلغت نحو 60 مليار دولار ذهب أغلبها إلى المغرب والأردن ومصر.
على رأس القائمة
أوصت دراسة صادرة عن المركز الدبلوماسي للدراسات بتعزيز معايير الشفافية لدى الصناديق السيادية الخليجية وذلك من خلال دعمها لمبادئ الافصاح والشفافية لدى تلك الصناديق إذ أن ذلك سوف ينعكس بالإيجاب على دول الخليج والدول الغربية في آن واحد، فضلاً عن إمكانية قيام دول الخليج بتنويع مصادر دخلها بعيدًا عن الاستثمار في الشركات الكبرى والمؤسسات الاستراتيجية في دول الغرب والاكتفاء بالتوجه نحو الاستثمار في عدد أكبر من الشركات ذات الحجم النسبي المنخفض، وذلك لتجنب الاستثمار في المؤسسات الكبرى التي تعد في بعض الأحايين رمزًا وطنيًا للدول الغربية.
وأوضحت الدراسة أن التوسعات الخارجية للصناديق الاستثمارية السيادية الخليجية تأتي على رأس قائمة الموضوعات المطروحة على الساحات الدولية خلال الفترة الراهنة، إذ تشهد تلك الصناديق طفرة في الأداء حيث بلغ حجم تلك الصناديق نحو 1.524 تريليون دولار خلال عام 2007.
وبلغ حجم استثمارات تلك الصناديق ما يعادل 92 مليار دولار خلال عام 2007 مقارنة بـ 3 مليارات دولار خلال عام 2000، ويرجع ذلك التحسن في الأداء إلى العديد من العوامل أهمها زيادة حجم الفوائض المالية في منطقة الخليج نتيجة لارتفاع أسعار النفط، بالإضافة إلى أزمة الرهن العقاري الأمريكية التي أتاحت للصناديق السيادية الخليجية فرصة الاستحواذ على المؤسسات المالية المتضررة من أزمة الرهن العقاري حيث تقوم بشراء أسهمها بأسعار منخفضة، وعندما تستعيد تلك المؤسسات توازنها مرة أخرى تقوم تلك الصناديق ببيعها وجني المزيد من الأرباح.
وعززت الصناديق السيادية استثمارات الخليج الخارجية في العديد من القطاعات الاقتصادية والتي شملت القطاع المالي حيث قام جهاز أبوظبي للاستثمار باستثمار ما يعادل 7.5 مليارات دولار في مجموعة سيتي غروب، كما أعلنت هيئة قطر للاستثمار شراء ما يقل عن %2 من أسهم بنك «كريدي سويس».
وعلى صعيد القطاع العقاري، توجهت الصناديق السيادية للاستفادة من انخفاض أسعار العقارات الناجم عن أزمة الرهن العقاري، وامتد الاستثمار ليشمل مختلف القطاعات الاقتصادية الأخرى مثل قطاع النفط والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق