السبت، 7 فبراير 2009

الذهب يستعدّ لاحتضان المضاربين بعد احتراقهم في سوقي النفط والبورصات




ظل الذهب من أهم السلع المرغوب فيها في أوقات التباطؤ الاقتصادي، إلا أن التباطؤ الاقتصادي المستمر أدى إلى عكس هذا الوضع. في السنوات الست الماضية، زاد الطلب العالمي على الذهب بمعدل نمو سنوي مركب بلغت نسبته 1.4 في المائة خلال الفترة بين 2003 و2008.
من جهة أخرى، تقلص العرض بمعدل نمو سنوي مركب بلغت نسبته 2.4 في المائة. هذا ولا يزال الطلب على الذهب في الشرق الأوسط قويا بإجمالي 383 طناً في نهاية عام 2008 مقارنة بنحو 348 طناً في عام 2007. وبلغ الطلب في منطقة الشرق الأوسط نسبة 11 في المائة من العالم. هنا تقرير أعدته شركة بيت الاستثمار العالمي "جلوبل":

ارتفع سعر الذهب للعام الثامن على التوالي. وهو العام الذي يمكن وصفه بمذبحة الأسواق العالمية للأسهم والسلع الأخرى التي فقدت نحو نصف قيمتها على مدار السنة. حيث ارتفع متوسط سعر الذهب بنسبة 25.4 في المائة خلال عام 2008، وهو ثاني أفضل عام في السنوات العشر الأخيرة. وظل متوسط أسعار الذهب عند مستوى 871.65 دولار في عام 2008 مقارنة بـ 695.4 دولار في عام 2007.
الانخفاض في النمو العالمي في عام 2008 إلى جانب الإعلان عن انكماشات أدى إلى انخفاض حاد في الطلب على المواد الخام والطاقة، وغيرها من أسعار السلع الأخرى، حيث انخفض مؤشر ستاندارد آند بورز لسلة السلع المرجحة بنسبة 44 في المائة في الربع الأخير من عام 2008، بسبب انهيار أسعار النفط، التي تستأثر بنصيب الأسد من السلة. هذا ويعد عام 2008 بمثابة تذكرة مثيرة بعدم وجود علاقات مستقرة بين التغيرات في أسعار الذهب والتغيرات في أسعار النفط. في حين انخفضت أسعار الخام المتوسط لغرب تكساس من 89.3 دولار للبرميل إلى 49.28 دولار للبرميل في نهاية عام 2008، بينما ارتفع سعر الذهب من 784.3 دولار أمريكي للأونصة إلى 869.75 دولار أمريكي للأونصة في نهاية عام 2008.

أداء الذهب
في الربع الأول من عام 2008، كانت هناك زيادة كبيرة في أسعار الذهب، فقد كان لأسعار النفط القياسية في الأشهر الثلاثة الأولى من السنة أثراه في خلق إقبال غير مسبوق على الذهب، حيث بلغ متوسط سعر الذهب 923.46 دولار للأونصة في الربع الأول من عام 2008. أما في الربع الثاني، حدث تصحيح لأسعار الذهب لتتراجع عن مستوياتها العالية المسجلة في الربع السابق من العام، إلا أنها ظلت مرتفعة نسبيا على أساس تاريخي خلال الربع الثاني. فقد كان لتدهور الأوضاع في عديد من اقتصادات دول العالم، وتراجع الاستثمارات التي كانت تعد بمثابة ملاذ آمن للمستثمرين دفعهم للاستثمار في المعدن الأصفر.
وفي الربع الثالث، انخفض سعر الذهب نتيجة لتزامنه مع تصاعد حاد في مستويات المخاطرة المحيطة بالاقتصاد العالمي والخوف من انهيار واسع النطاق في القطاع المصرفي والمالي. وتسبب كلا العاملين في انتعاش حاد في الطلب على المجوهرات وزيادة الطلب على الاستثمار. أما في الربع الأخير، فإنه ينقسم إلى نصفين، الأول من منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) فصاعدا، فقد استأنف سعر الذهب اتجاهه التصاعدي، بمقدار 156.25 دولار أمريكي للأونصة ليصل إلى 869.75 دولار أمريكي للأونصة، حيث كان هناك عديد من القوى التي لعبت دورا في هذا الارتفاع. فقد استقرت الأسواق المالية إلى حد ما، وتم المغامرة في عدة صفقات إنقاذ وتخفيضات لأسعار الفائدة بما يخالف توقعات ارتفاع السيولة.
وبدأ العالم يرى أن الدولار ليس وحده الذي يعاني مشكلات خطيرة، فمع ازدياد الأزمة المالية وضعف العملات أصبح الذهب الخيار الأفضل للحماية من الأزمة، في حين تركز الاهتمام الدولي على سعر الدولار الأمريكي، كانت التحركات في أسعار العملات الأخرى تتغير بدرجة كبيرة، فقد انخفضت قيمة الدولار مقابل العملات الرئيسية الأخرى خلال العقد الماضي.
كما حقق الاستثمار في الدولار الأمريكي في عام 2000 عائدا بلغت نسبته 196 في المائة، في حين حقق الاستثمار في اليورو، والين، والدولار الكندي مكاسب أقل نسبيا تراوح بين نسب 130 و161 في المائة خلال الفترة نفسها. ومن جهة أخرى، كان يمكن تحقيق أقصى عائد من خلال الاستثمار في الراند الجنوب إفريقي، يليه الجنيه الاسترليني ثم الروبية الهندية.
وتفاقم عجز الحساب الجاري في جنوب إفريقيا، حيث اتسع ليصل إلى مستوياته خلال 36 سنة عند نسبة 7.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2007، ووصل معدل التضخم لأعلى مستوياته خلال خمس سنوات، التي بلغت أقل قليلا من نسبة 9 في المائة، وازداد الخوف من المخاطر العالمية حيث نمت مخاوف المستثمرين من انتشار آثار الأزمة العالمية، والاتجاه العام نحو "الملاذ الآمن"، بعيدا عن المخاطر المتوقعة للأسواق الناشئة، في حين، كان انخفاض قيمة الروبية الهندية كبيرا وهو ما نتج عن أربعة عوامل رئيسية وهي: انتعاش الدولار، ارتفاع أسعار النفط الخام العالمية التي تؤدي إلى تفاقم العجز في الحساب الجاري، كذلك الزيادة في شراء الدولار من قبل شركات النفط، وتباطؤ في تدفقات رأس المال والتي تقلل المعروض من الدولارات وإلغاء وظائف كانت تراهن على ارتفاع قيمة الروبية لكبح التضخم.
وتميل أسعار الذهب والنفط إلى الارتفاع والانخفاض مع بعضهما بعضا. فهناك سببان لذلك: أولا، تاريخيا، كان يتم شراء النفط مقابل الذهب، وحتى يومنا هذا، فهناك نسبة كبيرة من عائدات النفط تستثمر في الذهب، مع ارتفاع أسعار النفط، فإن كثيراً من الإيرادات المتزايدة يتم استثمارها حيث تعد فوائض عن الاحتياجات الحالية, وكثير من هذه الفوائض يتم استثمارها في الذهب أو غيرها من الأصول. ثانيا، ارتفاع أسعار النفط يزيد الضغط على التضخم وهو ما يعزز اللجوء للذهب كوسيلة للتحوط من التضخم.
ارتباط الذهب بأسعار النفط
في حالتنا هذه الخام المتوسط لغرب تكساس، استمر في الارتفاع حتى عام 2006 لتصل إلى 37.2 في المائة، حيث انخفض الارتباط إلى 28.2 في المائة منذ كانون الثاني (يناير) 2007، وذهب أبعد من ذلك إلى أسفل بنسبة 27.8 في المائة منذ كانون الثاني (يناير) 2008.
لقد قمنا بحساب ارتباط الذهب بعوامل أخرى، فقد تغير الترابط مقارنة بما كان عليه سابقا، في حين، لا يزال ارتباط الذهب بسعر الفائدة الفيدرالي منخفضا في السنوات الأخيرة قبل عام 2008، ولكن منذ كانون الثاني (يناير) 2008 زاد هذا الارتباط مع تغيرات سعر الفائدة الفيدرالي ليصل إلى نسبة 24 في المائة.
ولا يوجد ارتباط بين سوق الأوراق المالية والذهب تاريخيا لأن سعر الذهب يميل إلى أن يتحدد أساسا بناء على المخاوف من الأخبار السيئة بدلا من الأحداث التي تؤثر بشكل مباشر في أرباح الشركات المتوقعة. وقد ثبت أن هذا الأمر صحيح بناء على متوسط مؤشر ستاندارد آند بورز 500 الذي كان لديه ارتباط سلبي مع أسعار الذهب عند نسبة -3.3 في المائة. ولكن منذ عام 2007، على الرغم من ارتباطها المنخفض تحولت إيجابيا مع أسواق الأسهم.

معدل الذهب إلى النفط
نسبة الذهب للنفط (عدد براميل النفط الذي يمكن شراؤه بأوقية من الذهب) هو أكثر المؤشرات المستخدمة من قبل المستثمرين من مختلف أنحاء العالم لبيع وشراء الذهب، عندما ترتفع نسبة الذهب للنفط إلى أقل من عشرة براميل/ للأوقية، كان هذا دليلاً على فرص الشراء في حين ترتفع فرصة البيع عندما تنخفض نسبة الذهب للنفط إلى أكثر من 20 برميلاً / للأوقية. ففي عام 2001، ارتفعت نسبة الذهب للنفط إلى 15 ضعفا في ظل أحداث 11 أيلول (سبتمبر). بينما في الحالة الراهنة تجاوزت النسبة كل السجلات السابقة وتحوم حاليا في حدود 20 ـ 25 ضعفا.
التوقعات
نظرا لحالة عدم اليقين المحيطة بالاقتصاد العالمي، ينبغي أن يستمر الذهب كملاذ آمن، ولكن أيضا مع احتمال تصاعد مستويات النشاط في جانب المضاربة في سوق الذهب، فإن التوقعات الاقتصادية سيئة لدرجة وصولها إلى مستويات متدنية منذ 50 عاما وقت في السنوات الـ 50 الماضية. لا يمكن للذهب أن يكون بمنأى عن هذا. حتى إذا واصلت الأسعار ارتفاعها وتوطيد هذه المستويات وزيادة الاستثمار، سيقابل ذلك بانخفاض الطلب الفعلي على الذهب. وبالتالي فإنه من غير المعلوم كيف سيكون أداء الذهب إذا دخل العالم في فترة انكماش حاد؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق