17/11/2008
الصناديق السيادية الخليجية ماذا نعرف عنها ؟(1/2)
تقديم : في المجتمعات التي تنبثق فيها الحكومات من أرادة شعبية حيث تأتي الحكومات وتذهب من خلال صناديق الأقتراع ، تكون المعلومات حق يحفظها الدستور للمواطن لأن هذه المعلومات تعتبر أحد الأدوات التي تساعده على اتخاذ القرارات الصحيحة ، وعلى متابعة اداء حكومته ، وعلى تفعيل دوره على كل صعيد . اما في مجتمعات التي لسان حال حكوماتها مع شعوبها هو ، وللأسف ، " ما اريكم الا ما أرى وما أهديكم الا سبيل الرشاد " ، فان توفير المعلومات لاهو حق للشعوب ، ولاهو واجب على الحكومات ، وذلك لأن الحكومات لاتخضع لأية مساءلة ، والشعوب لايبدوا حتى الآن انها جادة في المساءلة ، وبالتالي فان انتاج المعلومة ، وتوزيعها ، وتحليلها ونشرها، والأستفادة منها في ترشيد القرارات ، هي ليست من اولويات الحكومات الحالية التي لاتستطيع ان تدرك أهمية المعلومة في بناء المجتمعات ، وانما تنظر الى هذه المعلومة كما تنظر الى الثروة ، والمنصب ، والقرار ، وكانها غنائم وامتيازات لابد من احتكارها واخفائها عن الغير . وفي هذا الحديث الشهري أردنا كعادتنا تفتيح بعض الآفاق حول موضوع هام بالنسبة لتنمية وتطور واستقرار دول المجلس ومحيطها العربي ، وهذا الموضوع يتعلق بما يعرف بصناديق الأستثمارات الخليجية أو الصناديق السيادية ، وهي المؤسسات التي تستثمر الفوائض النفطية ونستبعد من تعريفنا لهذه المؤسسات الأحتياطيات التي تملكها المصارف المركزية في الخارج ، كما نستبعد منها الأستثمارات الخاصة . هذه المؤسسات يكاد يكون حالها بالنسبة للمواطن الخليجي كحال الموازنات العامة ، والتركيبة السكانية وغيرها من المعلومات التي تتكتم عليها حكومات المنطقة لأنها لاترغب في المسائلة عن ادائها ، ولكن هذه الحكومات صدق فيها قول الشاعر:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزود
نعم لقد بدات في الفترة الأخيرة ، وحتى قبل طوفان الأزمة المالية الحالية ، كثير من المؤسسات الغربية ، الحكومية منها والخاصة ، تتحدث عن هذه الصناديق ليس رغبة ، طبعا ، في توفير المعلومات لأصحاب الشأن والحق ، واقصد بذلك شعوب الخليج ، وانما ، كما يقال ، لغاية في نفس يعقوب سنتطرق اليها في سياق حديثنا . لذلك رأينا ان نستفيد نحن من بعض المعلومات التي بدأت تنتشر هنا وهناك عن المبالغ التي تمتلكها هذه الصناديق ، والعملات التي تستثمر بها ، والتوزيع الجغرافي لهذه الأستثمارات ولكن من منظور ما نراه يخدم مصالح شعوب المنطقة والشعوب العربية والأسلامية المحيطة بهم ، عسى ان يكون في هذه المعلومات ارتقاء بمستوى وعي ابناء المنطقة وقدرتهم على التأثير على توجيه ههذ الموارد لما فيه خدمة لشعوب هذه المنطقة كل من موقعه وبحسب قدرته هذا طبعا اذا تبقى شيء من هذه الثروة بعد ان انقشاع غيوم الأزمة الحالية التي لازالت تداعياتها غير معروفة . وسنبدأ هذا الشهر وعلى ضوء المعلومات القليلة والمتناثرة حول هذه الصناديق بالحديث عن أهم هذه الصناديق ، وعن المبالغ التي في حوزتها حتى بداية الأزمة المالية . بعد ذلك سننتقل الى الحديث عن أهمية هذه الصناديق للأقتصاديات الخليجية كمصدر من مصادر تنويع الدخل . وفي الشهر القادم سنحاول توضيح التزايد المستمر في الحديث عن هذه الصناديق في الدوائر الغربية ، وكذلك سنتطرق الى الكيفية التي يمكن بها تطوير كفاءة استغلال مواردها لأحداث تنمية جادة .
أولا : حجم أصول صناديق الأستثمار
باستثناء البحرين التي لايبدوا ان لديها فوائضا نفطية بسبب انتهاء مخزونها النفطي ، او قرب ذلك أولعدم توفر بيانات عنها ، فان بقية دول المجلس لديها صناديق استثمارية تحمل مسميات مختلفة كجهاز أبوظبي للأستثمار ، وصندوق الأحتياطيات للأجيال القادمة ، وصندوق الأحتياطيات الحكومية في الكويت ، وصندوق الأحتياطيات الحكومية العامة في قطر ، والأستثمارات السعودية التي لاتتم عن طريق صندوق محدد ، وانما تدار في غالبيتها من قبل مؤسسة النقد السعودي ، وقد رأينا ان نصنف هذه الأستثمارات لكل دولة من غير اسماء المؤسسات اختصارا للوقت والمساحة على النحو التالي :
تقديرات أصول الصناديق السيادية الخليجية ، 2008
_________________________________________________________
الدولة الأصول (مليار دولا ر أمريكي)
_________________________________________________________
الكويت 213
عمان 10
قطر 30-50
السعودية 305
الأمارات (جهاز أبوظبي للأستثمار)[1] 500-900
____________________________________________________________
المجموع 1058-1478
____________________________________________________________
المصدر : Regional Economic Outlook : IMF , May 2008 :P.36
ان تأمل الجدول السابق يجعلنا نبدي بعض الملاحظات حول هذه الأصول . الأولى : هي ان هذه الصناديق تعاني من غياب الشفافية في معاملاتها ، مما يجعل احتمالات الخطأ في تقدير المبالغ الحقيقة كبيرة ، وهذا طبعا يؤدي بدوره الى تشوهات في السياسات التي يمكن أن تبنى على هذه التقديرات خاصة من خارج هذه المؤسسات . فهناك مصادر أخرى ترى أن حجم أصول هذه الصناديق هو أكبر من المبالغ المذكورة في الجدول السابق ، كما ان هناك مصادر أخرى تشير الى أن الأصول هي أقل ، ولكننا اعتمدنا الأحصاءات التي وردت في بيانات صندوق النقد الدولي والمعتمدة على مصادر نعتقد انها أكثر دقة من غيرها . الملاحظة الثانية هي انها مبالغ هائلة ومن المتوقع ان تزداد ، وقد تتضاعف أكثر من مرة اذا استمرت اسعار النفط عند مستوياتها الحالية وان كانت الأزمة الحالية مرشحة بأن تقطع جزءا كبيرا من هذه ألأرصدة . أما الملاحظة الثالثة : فهي أن الأمارات ممثلة بجهاز أبوظبي للأستثمار تتصدر الصناديق الأستثمارية وتتبعها السعودية ثم الكويت وهذا التصدر لجهاز أبوظبي للأستثمارله محاذير من أهمها ما أطلقت عليه في كتابات سابقة " سكرة الثروة" التي تصيب صانع القرار عندما يتولى مسؤولية ثروة بهذا الحجم ولاتكون عليه رقابة شعبية ومن مساويء هذه السكرة هي ان معايير الأداء ووالأمانة والنظرة المستقبلية تغيب ولاتدخل في صياغة القرار، وعندئذ تتحول هذه الثروة التي هي حق لأبناء الأمارات أولا ، وللشعوب العربية والأسلامية من حولهم ، تتحول الى هبات وعطايا وصرف دعائي لمن يستحق ولمن لايستحق بما في ذلك عارضات الأزياء ، بل وألأكثر من ذلك تتحول الى انفاق على المجون والغناء لاينم عن شكر هذه النعمة . ويتفاقم هذا النمط الأنفاقي غير المسؤول في فترة ،كما ذكرنا ، تغيب فيها بيئة المؤسسات التشريعية التي تمثل رأي المجتمع بأكمله وليس رأي فئة قليلة من هذا المجتمع لاتشهد التجارب الماضية بأنها احسنت استخدام هذه الموارد ، وكذلك في فترة يتعرض فيها ملايين من أبناء الأمة الأسلامية للجوع والفقر والذل والمهانة وعلى رأسهم أهلنا في فلسطين . فاعلان جهاز أبوظبي للأستثمار في 27 نوفمبر 2007 ضخ حوالي 7.5 مليار دولار في مجموعة سيتي بنك قرار ليس له مبررا اقتصاديا ولااخلاقيا ولا امنيا ، فالولايات المتحدة يعادل ناتجها الأجمالي أكثر من 15 ترليون دولار مقارنة باجمالي النشاط الأقتصادي في الدول العربية مجتمعة الذي لايزيد على ترليون دولار . فالولايات المتحدة لازالت قاطرة العالم اقتصاديا وهي ليست بحاجة لصدقات من جهاز أبوظبي للأستثمار ، بل أن أبوظبي هي أحوج لأنفاق هذه الثروة في محيطها العربي لتحقق ازدهارا وامنا فعليين خاصة وان جيوب الفقر بدات تتسع في بعض الدول الخليجية وكذلك في محيطها العربي . فدخل الفرد في اليمن لايزيد عن 400 دولار في السنة بينما دخل الفرد في الأمارات يتجاوز 35000 دولار في السنة وليس من المنطق أن تذهب أموال أبوظبي وغيرها من دول الفائض لأنقاذ الأقتصاد الأمريكي في الوقت الذي تزداد المنطقة العربية فقرا وتخلفا وكرها لهذه السياسات العبثية التي ستدفع ثمنها أجيال الغد التي لن تجد عالما عربيا متعاطفا معها عندما ينضب النفط لأن حكومات اليوم لم تفكر تفكيرا استراتيجا وظلت مهووسة بارضاء الغرب وعجزت عن ايجاد تنمية فعلية في محيطها ينتج عنها ازدهارا وامنا في الوقت نفسه . فالولايات المتحدة التي تحاول حكومة أبوظبي التصدق عليها بأموال أبناء ألأمارات اوجدت منطقة تجارة حرة مع كل من المكسيك وكندا حتى تتجنب الهجرة غير الشرعية في المدى القريب وحتى تجعل من هذه ألأقتصايات سوقا لها في المدى البعيد أي مزيج من التفكير الأمني والأقتصادي . الم يعتبر صانع القرار في أبوظبي من تجربة بنك الأعتماد والتجارة والثروة التي هدرت في تصفيته ؟ هل الخسائر الحالية في ارصدة الصناديق السيادية هي قليلة ؟ فاذا كانت لم تمس جيوب المسؤولين في هذه الحكومةوغيرها من حكومات المنطقة التي تتصرف بموارد هذه الصناديق وكأنها ممتلكات خاصة ، فانها بالتأكيد ستؤثر على لقمة عيش المواطن الخليجي وستحرم المواطن العر بي من فرصة القفز فوق مستوى الفقر . ولكن وللأسف هكذا هو حال هذه الحكومات غير المنتخبة تعيش في ابراج عاجية وتتبنى سياسات ما أنزل بها من سلطان وتلقي بالتبعات على كواهل هذه الشعوب المسكينة بينما تستمر هي في اجتماعاتها ورسمياتها واحتفالاتها وكانها تعيش في عالم آخر . اننا نتمنى أن يفيض هذا الكرم الظبياني على اهلنا المحاصرون في فلسطين وعلى ارض اليمن السعيد وعلى ارض السودان وعلى بقية ربوع عالمنا العربي حتى يضع الله البركة في أبوظبي واهلها ومالها وأمنها ودنيا أهلها وآخرتهم وهذه الثمرات لن تأتي بالتأكيد من السياسات الحالية التابعة لأمريكا او اوروبا وياليت قومي يعلمون . الملاحظة الرابعة هي ان هناك صناديق لدول أخرى لفوائض المعادن والفوائض بوجه عام لن نتحدث عنها هنا ومنها النرويج وبروني وأذربيجان وروسيا والصين وغيرها . وتشير مصادر صندوق النقد الدولي بأن أجمالي أرصدة هذه الصناديق والتي تقدر بما بين 2 الى 3 ترليون دولار في الوقت الحاضر ستزداد الى ما بين 6-10 ترليون دولار خلال الخمس سنوات القادمة وسيكون نصيب دول المجلس التعاون الخليجي حوالي نصف هذه الأرصدة أي ما بين 3 الى 5 ترليون دولار[2]. بل أن هناك جهات أخرى كمورغان ستانلي تشير تقديراتها الى أن أصول هذه الصناديق قد تزيد على 12 ترليون عام 2015 .
ثانيا : أدوات ومجالات وعوائد ألأستثمار
اما في ما يتعلق بنوع العملات المستثمرة في هذه ألأصول ، وتوزيع هذه الأستثمارات بين الأسهم ، والسندات والعقارات ، وعوائدها السنوية وغيرها فان البيانات المتوفرة عنها هي اقل من تلك المتوفرة عن القيم الأجمالية للأصول ، وهذا ليس مستغربا على هذه الحكومات غير الشرعية التي تعودت ان تعبث بمقدرات هذه الشعوب ، ليس من اجل مصالح قومية ، او وطنية ، وانما لأعتبارات الكسب الشخصي والنفوذ . في المقابل نرى دولة كالنرويج تصدر بيانات منتظمة ودقيقة عن صندوق فوائظها الأستثمارية من حيث حجمها ، ومن حيث توزيعها الجغرافي ، والعملات المستثمرة بها ، ومجالات الأستثماروعوائدها السنوية ، وحتى اسماء المؤسسات الخارجية التي تقوم بأدارة هذه ألأصول ، فما الذي يجعل دولة كالنرويج تتعامل مع شعبها وبقية العالم بشفافية تامة ووضوح لامثيل له ؟ هل لأن الحكومة النرويجية غير حريصة على مصالح شعبها ، ولاتبالي بكشف الحقائق عن اصولها ؟ أم انها تفعل ذلك لأنها مسائلة من قبل شعبها الذي انتخبها وتؤمن بانها بنشرها كل البيانات تؤكد لشعبها انها تدير موارده بامانة وليس لديها ما تخفيفه من عبث وسوء تصرف وسوء استغلال لهذه الموارد ؟ . لذلك فاننا نقترح على الحكومات الخليجية ان تتعامل مع استثماراتها الخارجية بنفس الشفافية التي تتعامل بها النرويج والا فان تساؤلاتنا وشكوكنا حول ما تعمله هذه الحكومات بارصدتنا وببقية شؤوننا ستزداد في المستقبل حتى نحصل على اجابات شافية ان شاء الله .
غير أن البيانات المتناثرة هنا وهناك حول الأرصدة الخليجية تشير الى أن غالبيتها العظمى مستثمرة في اوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية مع تزايد وزن الدول الأوروبية في السنوات الأخيرة ، كما وان كثير من هذه الأرصة تدار من قبل مؤسسات مصرفية غربية ، وتشير بعض المصادر الى انه في المتوسط ، تميل استثمارات دول المجلس الى الأسهم على حساب السندات ، وتزيد نسبة ما تستثمره هذه الدول في الأسهم على ما تستثمره النرويج وهو 4% من أرصدتها . وهناك كذلك بعض ألأستثمارات في شركات القطاع الخاص كالسيارات وشركات النفط وألآسواق التجارية والعقارات .
بأختصار اذن تشير البيانات المتوفرة والنادرة الى ان الأسهم والمشاركة في استثمارات جهاز أبوظبي للأستثمار تفوق 50% مع امتلاك بعض الأسهم في الشركات الخاصة اضافة الى الأستثمارات العقارية ، أما التوزيع الجغرافي لهذه الأستثمارات فلا توجد حوله بيانات دقيقة ولا تخمينات لها مصداقية . أما جهاز الكويت للأستثمار فان اصوله فيها نسبة كبيرة من الأسهم وأصول الشركات الخاصة كشركة BP وديملر-كريزلر، اما التوزيع الجغرافي لهذه الأصول فيرجح أوروبا الغربية . اما قطر ودبي فان استثماراتهما هي في غالبها شراء حصص في مؤسسات خاصة ، اما التوزيع الجغرافي لهذه الأصول فهو غير معروف بدقة بالنسبة لقطر ، اما دبي فأغلب استثماراتها في المملكة المتحدة ، وبعدها الدول الأوروبية ، ثم منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا [3]. اما العوائد السنوية على هذه الأرصدة ، ومن يديرها في الخارج ، والعملات التي تستثمر بها ن فان البيانات عنها غير متوفره ، والتخمينات حولها غير مجدية ، وهذه حجة عل حكومات هذه المنطقة التي يبدوا انها تخاف من الشفافية وتبعاتها لأعتبارات لاتخفى على العاقل .
[1] أما استثمارات دبي التابعة لدبي القابضة فتقدر ما بين 5 الى 10 مليار دولار وتديرها شركة رأسمال دبي الدولية وهناك كذلك بعض الأستثمارات ألأخرى كتلك التي تملكها شركة استثمارات دبي وتتركز استثمارات دبي في اوروبا خاصة في الملكة المتحدة وكذلك الحال مع امارة قطر .
[2] IMF , (2008) Regional Economic Outlook : Middle East and Central Asia (May) , P.P;35-36.
[3] Bred Setser and Rachel Ziemba (2007) “ What do We Know About the Size and Composition of Oil Investment Funds ? , Regmonitor , (April) ,1
الصناديق السيادية الخليجية ..ماذا نعرف عنها ؟ (2/2)
تحدثنا في الجزء الأول من موضوع الصناديق السيادية وبحسب البيانات المتوفرة عن حجم الموارد التي تسثمرها هذه الصناديق وعن التوزيع الجغرافي والقطاعي لهذه الموارد . وفي هذا الجزء نكمل حديثنا عن هذه الصناديق وذلك بتوضيح الدور التنموي المتوقع منها القيام به وسنحاول كذلك توضيح الأسباب الكامنة وراء تزايد اهتمام الدول الغربية بهذه الصناديق ونختتم حديثنا ببعض المقترحات لتصحيح مسار هذه الصناديق لتتمكن من القيام بدور تنموي فاعل في محيطيها العربي والأسلامي .
ثالثا : أهداف الصناديق الأستثمارية الخليجية
تتنوع اهداف الصناديق الأستثمارية التفصيلية ولكنها كلها يفترض فيها أن تصب في هدف واحد الا وهو تنمية هذه الأقتصاديات بنظرة تعبر الأجيال الحالية الى الأجيال المستقبلية . ولنذكر بعض الأهداف الفرعية التي يفترض أن تصب في النهاية في مسار التنمية المستدامة .
أولا : من أهداف هذه الصناديق تحقيق الأستقرار الأقتصادي اللازم للتنمية بالتعامل مع الدورات الأقتصادية الحادة التي تتصف بها الأقتصاديات النفطية كما تشهد بذلك تجاربها الماضية . فعندما ترتفع أسعار النفط ، وتتراكم لدى هذه الدول فوائض زائدة عن الطاقة الأستيعابية لهذه الدول ، فان هذه الفوائض يتم تحويلها الى هذه الصناديق كمدخرات يتم استثمارها من قبل هذه الصناديق لتشكل مصدر للدخل اضافة الى بيع النفط الخام ، بل ان بعض البيانات تؤكد ان العائد السنوي للكويت من صناديقها الأستثمارية قبل الأحتلال قد زاد على دخلها السنوي من النفط . وبتحويل هذه الفوائض الى هذه الصناديق ومن خلالها الى استثمارات خارجية يكون الأقتصاد قد تجنب التوسع المفرط في الأنفاق المحلي وما يواكبه من تضخم . في المقابل ، عندما تتراجع اسعار النفط بصورة تعرض موازنات هذه الدول وموازينها التجارية لحالة اختلال ، فان الحكومات عادة تسحب من هذه الصناديق لتعالج تلك الأختلالات وبكلفة طبعا لأنها تضيع فرصة استثمار هذه الأموال والعوائد التي تحققها .
ثانيا : ومن أهداف هذه الصناديق كذلك توفير مداخيل للأجيال القادمة بتحويل الثروة النفطية الناضبة وغير المتجددة الى اصول متعددة تحق مداخيل اعلى من العائد المتوقع للنفط الخام لو بقي في باطن الأرض ، هذا هو طبعا المبدأ الذي لابد ان يحدد كم تنتج الدول من نفطها الخام ، وكم تبقي منه في باطن الأرض ، ولكننا نعلم ان أوضاع الحكومات الخليجية السياسية وما يتبعها من ضغوط خارجية لاتسمح لها في كثير من الأحيان بان تتصرف تجاه ثروتها بالصورة التي تمليها عليها مصالح شعوبها ، وانما تتصرف بما تمليه عليها مواقفها الضعيفة تجاه الشركات الأجنبية وحكوماتها الداعمة لها . طبعا يفترض ان تحاط الصناديق التي يتم انشاؤها للأجيال القادمة بضوابط وحماية واضحة من عبث الحكومات ، ومن تطاولها على هذه الصناديق ، وتحديد الحالات الأستثنائية التي تسمح باستخدام هذه الموارد كما حصل مثلا في حالة احتلال الكويت ، وان كانت صناديق الكويت قد تعرضت في فترات معينة كذلك لمحاولة تلاعب ونهب من قبل المتنفذين خاصة في فترة الأحتلال .
ثالثا: ومن أهداف هذه الصناديق المساهمة في التنمية وذلك من خلال الأنفاق على المشروعات الصناعية والتجارية والخدمية والعلمية التي تساهم في توسيع الطاقة الأنتاجية للأقتصاد وبالتالي زيادة معدلات النمو الأقتصادي لهذه الدول النفطية .
رابعا : تقوم هذه الصناديق كذلك باستثمار احتياطيات الدول من العملة الأجنبية التي تمثل صمام امان في قدرة الدولة على تحويل عملتها الى عملات أخرى لشراء حاجاتها من العالم الخارجي ، فمن معايير تقييم متانة واستقرار اقتصاد الدول هو حجم الأحتياطيات التي تمتلكها هذه الدول ، وبالتالي فان بعض هذه الدول كالسعودية مثلا تقوم فيها مؤسسة النقد بادارة الفوائض النفطية والأحتياطيات الدولية معا ولكن هذا قد يتغير ويتم فصل الأثنين ، ولكن هذا لايقلل من اهمية انشاء صناديق لأدارة وتنمية الأحتياطيات الأجنبية .
خامسا : تعتبر هذه الصناديق صمام أمان لتغطية نفقات التقاعد في الحالات الأضطرارية التي لاتتوفر لدى الدولة لسبب أو لآخر القدرة على دفع النفقات المستحقة للمتقاعدين .
وأخير : اثبتت كارثة احتلال العراق للكويت أن هذه الصناديق يمكن أن تلعب دورا حيويا في تحرير الأرض واستعادة الحقوق ولاشك لولا هذا الدور سواء كان لصندوق الأستثمار الكويتي او لبقية الصناديق في المنطقة لأصبحت عملية التحرير اكثر صعوبة وربما أكثر احراجا وتبعية للقوى الخارجية وهذا الدور طبعا لم يكن في الحسبان لأن الأحتلال نفسه لم يكن واردا في مفردات المنطقة مهما كان حجم التخبط الذي كانت الحكومات الخليجية تعيشه .
رابعا : لماذا ألأهتمام الآن ؟
ان تزايد عدد صناديق ألأستثمار وحجم اصولها في السنوات القليلة الماضية ، وحصول بعض التحولات في سياساتها الأستثمارية من الأحتياطيات النقدية الأجنبية في السندات الحكومية وغيرها من الأستثمارات قصيرة المدى وذات العائد المنخفض في الدول الصناعية ، الى استثمارات ذات عائد مرتفع كالدخول في اسواق المال مباشرة او غير مباشرة ، هذا التحول يحمل في طياته ، كما يقول بعض المراقبون الغربيون ، محاذير لأستقرار أسواق المال خاصة اذا تأثرت سياسات هذه الصناديق بالأعتبارات السياسية كما يعتقد البعض في الأوساط الغربية على الأقل . هذه المخاوف الغربية أو ما نميل الى تسميته بالنزعة الحمائية الجديدة كانت لها تعبيرات مختلفة في السنوات الأخيرة منها عدم موافقة الكونغرس الأمريكي عام 2006 على حصول شركة ادارة موانيء دبي على صفقة ادارة مجموعة من الموانيء الأمريكية ، علما ان عدد كبير من اعضاء ادارة هذه الشركة هم من الولايات المتحدة او المملكة المتحدة . وما حدث لشركة موانيء دبي من تخوف "أمني" كما يدعون تكرر عندما قامت شركة الصين للأستثمارات بشراء نصيب قيمته 3 مليار دولار في المؤسسة الأستثمارية الأمريكية العملاقة بلاكستون وكان الأدعاء هذه المرة هو الخوف بان تتحكم المؤسسة الصينية بالوظائف الأمريكية . وما حصل للأستثمارات الصينية في الولايات المتحدة تكرر لها في استراليا عندما حاولت هذه الشركة الأستثمار في المناجم وفي بقية الموارد الخام فتعالى الصراخ من السياسسين الأستراليين من تنامي النفوذ الصيني في استراليا . ولكن ليس جميع الدول الغربية موحدة الموقف تجاه الصناديق الأستثمارية ، فقد رحبت الحكومة البريطانية مثلا عندما اشترت شركة الأستثمارات الصينية نسبة 1% من شركة BP وهذا الموقف الذي يشجع الأستثمارات من قبل صناديق الأستثمار في الأقتصاديات الغربية ويرى في هذه الصناديق عامل استقرار في النظام النقدي يستشهد اصحابه بما قامت به هذه الصناديق من ضخ ما يزيد على 40 مليار دولار منذ ديسمبر 2007 للمساعدة في علاج أزمة العقارات والمصارف التي كانت بداياتها في اغسطس 2007 ، وما يمكن أن تضخه في الأشهر القادمة لعلاج أزمة لازالت ابعادها غير معروفة [1]. ولقد كان لهذه الأموال التي استفادت منها مجموعة سيتي بنك ومورغان ستانلي ويوبي أس أثر في تخفيف حدة ازمة العقارات الحالية . هذا طبعا لايعني أن كل التخوفات التي تثار حول هذه الصناديق عارية من الصحة ، فهذه الصناديق لازالت تفتقد الشفافية في عملها ويحيط الغموض بأهدافها والمباديء التي ترتكز عليها في استثمارها لمواردها ، وهذه تخوفات مبررة ليس من منظور اسواق المال فقط ، وانما من منظور الشعوب التي تعود اليها ثروة هذه الصناديق ، وضرورة اطلاعها على تفاصيل عملها ، حتى تتطمئن هذه الشعوب بان ثرواتها تدار بالصورة السليمه ، وخير مثال على هذا هو ما يقوم به صندوق النقد النرويجي مثلا وغيره من الصناديق التابعة لحكومات منتخبة من شعوبها . واذا صحت المعلومات القائلة بأن جهاز أبوظبي للأستثمار قد بعث في الآونة الأخيرة برسائل الى الحكومة الأمريكية والحكومات الغربية يوضح فيها المباديء التي يعتمدها في استثماراته فان هذا مؤشرا ايجابيا [2]. وكان سيكون سبقا وموقفا مقدرا لحكومة أبوظبي لو أن المباديء التي احتوتها هذه الرسائل قد اعلم بها ابناء الأمارات وهم الأحق بهذه المعلومات من الحكومات الغربية ، ولكن هكذا هو حال هذه الحكومات الخليجية ، ثقة عمياء في الأجنبي ، وتجاهل غير مبررلأصحاب الحق . بل ان اكثر ما نخافه هو ان تكون هذه الرسائل التي بعث بها الى الحكومات الغربية هي نتيجة ضغوط ، لا لأنها خطوة صحيحة ، اي كما يقال مجبر أخاك لابطل ، وهذا هو ما نرجحه اذا كانت في تجارب الماضي عبر .
اذا كانت هذه الصناديق قد لعبت في الغالب دورا ايجابيا في الأقتصاديات الغربية وقد تعرضت هذه الأموال لخسائر كبيره منها تراجع قيمة الدولار ومنها انخفاض العائد ومنها زيادة المخاطر ومنها حتى التجميد في بعض الفترات وآخرها الخسائر الكبيرة المتوقعة من ألأزمة الحالية ، فلماذا ترتفع اصوات غربية في الفترة الأخيرة تحذرمرة من مخاطر عدم الشفافية وهذا قصور يمكن علاجه ، ومرة من مخاطر امتلاك الحكومات لأصول هذه الصناديق ، وهذه قضية ازلية فهذه الصناديق خاصة النفطية منها لم يحصل ان امتلكها القطاع الخاص ، ومرة أخرى من مخاطر استخدام هذه الأصول لأهداف غير اقتصادية ، ولاندري هل هذه الصناديق تمتلكها هيئات خيرية ام انها تدار من قبل حكومات حليفة ، بل ان اغلب اموالها تدار في حالات كثيرة من خلال صناديق ومصارف غربية ؟ اذن اذا تجاوزنا قضية الشفافية والهوس بالأرهاب فاننا امام اشكالية تحتاج فهم وليس لدينا في ظل المعطيات الحالية الا طرح التساؤلات . هل هذه الأصوات هي طريقة غير مباشرة للضغط على الحكومات التي تمتلك هذه الأرصدة لأبقائها في الأقتصاديات الغربية في ظل التراجع المستمر في قيمة الدولار وعدم تحويلها تدريجيا الى استثمارات ذات عائد أكبر في الدول النامية ؟ ام ان هذه بداية للصراع بين اليورو والدولار ومحاولة كل طرف لكسب الدول ذات الفوائض المالية الى جانبه ؟ وهل يمكن ان يكون هذا الصراخ محاولة للضغط على دول النفط لتخفيض اسعارنفطها علما أنها لم تعد قادرة على ذلك في ظل سيادة المضاربات في اسواق المال ؟ ليست لدينا اجابات قاطعة على هذه التساؤلات ولكننا نعتقد ان تفسير هذا الأهتمام الأخير بصناديق الأستثماريكمن في الأجابة على بعض هذه التساؤلات ، وحسبنا ان نكون قد نبهنا عليها هنا . ولكننا نختم هذه الجزء بالقول بان نائب محافظ المصرف المركزي في بريطانيا ، وفي كلمة له حول هذه الصناديق الأستثمارية قد لخص لنا التخوفات الغربية في ثلاث نقاط وهي : التخوف من عودة دورالقطاع العام متمثلا في الحكومات التي تمتلك هذه الصناديق في ادارة الأقتصاد العالمي وذلك على حساب القطاع الخاص ، ونحن نؤكد أن الأزمة الحالية هي التي ستعيد دور القطاع العام في ألأقتصاد وليست هذه الصناديق ، التخوف من استخدام حكومات هذه الصناديق لنفوذها الأقتصادي لتحقيق أهدافا سياسية ، وهنا نقول ان ما تملكه هذه الصناديق نسبة الى الأقتصاد العالمي يعتبر شيئا هامشيا لايمكن ان يكون له تأثير بالدرجة التي يتوهمها السيد المحافظ ، واخير التخوف من ردة فعل حمائية تمارسها الدول التي تستثمر فيها هذه الصناديق اموالها من اجل تقليل الهيمنة الأجنبية عل هذه الأقتصاديات [3]. ونحن نترك للقاريء الكريم تدبر هذه التبريرات والتساؤل عما اذا كانت الدول الصناعية اليوم ، وهي تطرح هذه التخوفات قد نسيت ام تناست ان هذا بالفعل ما فعلته هي عندما كانت تستثمر اموالها في الدول النامية ، وبل وفعلت أكثر من ذلك ، ولكن هذا ليس مجال الحديث عن هذا الموضوع ، وما اردنا التنبيه اليه هنا ، ليس دفاعا عن الحكومات الخليجية فاخفاقاتها تدمرامة ، ولكن للموضوعية والأمانة حتى لاننخدع بكل الشعارات التي تصدر من الغرب ونجعلها مسلمات لاجدال فيها لأنهم قوم يحسنون ادارة اللعبة العالمية للحفاظ على مصالح شعوبهم ، بينما نحن تقودنا حكومات تحسن الحفاظ على امتيازاتها حتى ولو ماتت الأمة .
خامسا : نظرة مستقبلية
انطلاقا من التحليل السابق نعتقد ان هناك عدة اتجاهات او محاور يمكن العمل عليها لتطوير اداء هذه الصناديق الأستثمارية في السنوات القادمة أهمها ما يلي :
أولا : لابد من اخراج عمل هذه الصناديق من السرية والتعتيم الحاليين الى العمل الشفاف الذي يحتذي بالنموذج النرويبجي من حيث الكشف المنتظم ، عن المبالغ المستثمرة في هذه الصناديق ، وعن المجالات والعملات المستثمرة فيها ، وعن التوزيع الجغرافي لهذه الأستثمارات ، وعن المؤسسات التي تدير هذه الأموال كالمصارف وغيرها وحصر السرية في مجالات ضيقة تتعلق باستراتيجيات الأستثمار لا أكثر . ان هذه الشفافية هي شرط اساسي لزيادة كفاءة استخدام موارد هذه المؤسسات للأجيال الحالية والمستقبلية ، وعدم العمل بها ، يثير كثير من التساؤلات حول مصداقية الحكومات التي تديرهذه الأصول النفطية .
ثانيا: ان حكومات دول المجلس مطالبة ان تتجاوز هذه التبعية المقيته للدول الصناعية وتجاهل مصالح شعوبها وذلك باتباع سياسات مستقلة ليس الهدف منها الأضرار باي أحد وانما حماية مصالح شعوبها وهذا يعني ، خاصة في ظل العائد المنخفظ على استثماراتها في الدول الصناعية وقي ظل التراجع المستمرفي قيمة الدولار، واخيرا في ظل الخسائر الكبيرة التي منيت بها هذه ألأرصدة بحسب البيانات الأولية عن الأزمة الحالية ، ان تقوم بتنويع استثماراتها جغرافيا ومن حيث وجوه الأستثمار وذلك بالتركيز على الأستثمارات الفعلية في السلع والخدمات التي تحقق ازدهار وامن دائمين في المنطقة العربية مهما كانت المعوقات كالأستثمار في القطاع الزراعي في السودان ، والأستثمار في الصناعات المرتبطة بالنفط ، وبالأستثمار في مشروعات البنية الأساسية بين الدول العربية لتسهيل التكامل بينها ، والأستثمار في دول شرق آسيا التي تمثل التجارة الخليجية معها نسبة كبيرة من اجمالي تجارة المنطقة ، وألأستثمار في بناء الموارد البشرية العربية .
ثالثا: على الرغم من النمو المضطرد في حجم الأموال التي تديرها هذه الصناديق من منظور الأقتصاديات التي تملكها الا ان اصول جميع الصناديق ألأستثمارية في العالم لاتمثل اكثر من 2% من قيمة الأسهم والسندات العالمية ، كما انه لايتوقع لها ان تزيد عن 6% من الأصول المالية العالمية خلال خمس سنوات [4]. وهذا يعني ان تعظيم المكاسب من اصول الصناديق الأستثمارية الخليجية يحتم على القائمين عليها ان يوحدوا جهودهم بتجميع مواردهم وتوحيد اداراتهم لتوسيع فرصهم الأستثمارية وتقوية موقفهم التفاوضي من اجل زيادة مكاسبهم وتحسين اداء صناديقهم .
رابعا: ان كثير من اموال الصناديق الخليجية تستثمر في ادوات وفي مشروعات استثمارية محرمة شرعا خاصة السندات ، والمشرعات التي تتعامل بالسلع والخدمات المحرمة ، وليست هناك ضرورة تفرض هذا السلوك فالمشاريع الأستثمارية التي تنسجم مع الثوابت الشرعية لاحدود لها، والأدوات الأستثمارية الشرعية اصبحت متطورة ومتوفرة ، وبالتالي فان الأنتباه الى قضايا الحلال والحرام وعدم الأنخداع بنصائح السذج وقصيري النظر امر مطلوب في السنوات القادمة حتى يبارك الله في هذه الأموال وقد يساعد في ذلك اقامة هيئات رقابة شرعية من العلماء الأتقياء في كل هذه الصناديق لترشيد القرارات الأستثمارية لها .
[1] IMF , (2008) Regional Economic Outlook : Middle East and Central Asia (May) , P.P;35.
[2] Joanna Terrett , Investment Advisor , June 30, 2008 .
[3] كلمة القاها السير جون جيف ، نائب محافظ بنك أنجلترا، حول " صناديق ألأستثمار والأختلالات الأقتصادية العالمية " يوم الجمعة 14 مارس 2008 .
[4] Morgan Stanley, “Sovereign Wealth Funds and Bond and Equity Prices”, May 2007.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق