الجمعة، 1 يناير 2010

صناديق الثروة السيادية : تحدي الحوكمة


1/10/2010

فيما بدأ الاقتصاد العالمي يخرج من تحت أنقاض الأزمة المالية، عززت صناديق الثروة السيادية مركزها بوصفها جهات فاعلة وهامة في الأسواق المالية العالمية وما وراءها. وعلى الرغم من أن توقعات العام 2007، التي قدّرت أن تصل قيمة أصول صناديق الثروة السيادية إلى 12 تريليون دولار في العام 2015، غالت بشكل صارخ في مسار نموها، إلا أن صناديق الثروة السيادية تشرف بالفعل على قوة مالية كبيرة. في أواخر العام 2009، بلغت قيمة أصول صناديق الثروة السيادية في المنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية 2.4 تريليون دولار. وبالإضافة إلى ذلك، اتجهت صناديق الثروة السيادية بصورة متزايدة إلى فئات الأصول خارج سندات الدين، حيث ركّزت ، على سبيل المثال، "مؤسسة الصين للاستثمار" الصينية، وكما كان متوقعاً، على الأصول السلعية، فيما اشترت صناديق الثروة السيادية العربية حصصاً مركّزة في الموجودات الصناعية الأوروبية. إن القدرة المستمرة للصناديق السيادية بوصفها فئة من فئات المستثمرين، إضافة إلى استراتيجيات الاستثمار الخاصة بها التي تزداد تنوّعاً، سوف تبقيها على رادار المحللين الماليين وقادة الشركات في الاقتصادات الناضجة. لكن يمكن أيضا، مع ذلك، أن تكون عرضة إلى عودة ظهور التعقيدات السياسية في وجهها.
القلق السياسي
إن صنّاع السياسة في الولايات المتحدة وأوروبا، على وجه الخصوص، يراقبون تحرّك صناديق الثروة السيادية بعيداَ عن هامش مركز الأسواق المالية العالمية بقدر كبير من القلق إن لم يكن الارتباك. فمن ناحية، أظهر الدور الذي لعبته بعض صناديق الثروة السيادية في تحقيق الاستقرار خلال الأزمة المالية العالمية، عبر توفير السيولة للمؤسسات المالية الغربية في الأيام الأولى للأزمة ولاقتصادات بلدانها في وقت لاحق، أهميتها العالمية كحواجز دفاعية مالية. ومن ناحية أخرى، فإن الصناديق آخذة في الظهور كجهات كبيرة فاعلة جيوسياسياً، مايشير إلى تحوّل في الميزان العالمي للقوة المالية ومايرتبط بها من قوة سياسية. وبدعم من جهات سيادية من الاقتصادات الناشئة لها أفكارها حول الكيفية التي ينبغي أن تتشكل من خلالها العولمة في القرن الحادي والعشرين  فإن المنطق الاستثماري  لصناديق الثروة السيادية في المديين المتوسط والطويل قد يكون مدفوعاً بصورة متزايدة باعتبارات سياسية. 
حجم صناديق الثروة السيادية في المنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية اعتباراً من نهاية العام 2009
البلداسم الصندوقالحجم (مليار دولار أمريكي)
النرويجصندوق معاشات التقاعد الحكومي399.3
الإماراتهيئة أبو ظبي للاستثمار395.0*
الصينالمؤسسة الصينية للاستثمار297.5
الكويتالهيئة العامة للاستثمار295.0*
سنغافورةمؤسسة الاستثمار الحكومية السنغافورية بي تي إي. المحدودة247.5
سنغافورةتيماسيك هولدنغز بي تي إي. المحدودة119.0
كوريامؤسسة كوريا للاستثمار92.6
روسياصندوق الثروة الوطنية91.9
روسياالصندوق الاحتياطي76.4
قطرالهيئة القطرية للاستثمار70.0*
ليبياالهيئة الليبية للاستثمار65.0
أسترالياصندوق المستقبل الأسترالي58.3
الولايات المتحدةصندوق ألاسكا الدائم33.7
أيرلنداصندوق الاحتياطي الوطني للمعاشات التقاعدية23.8
شيليصندوق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي20.2
أذربيجانصندوق النفط الحكومي13.3
كنداصندوق ألبرتا للادخار13.3
إيرانصندوق الاستقرار النفطي13.0
نيوزيلندةصندوق التقاعد9.8
بوتسواناصندوق بول6.9
تيمور الشرقيةصندوق تيمور الشرقية للبترول4.9
ترينيداد وتوباغوصندوق التراث والاستقرار2.9
شيليصندوق احتياطي المعاشات التقاعدية2.5
البحرينصندوق احتياطي الأجيال القادمةغير متاح
غينيا الاستوائيةصندوق الأجيال القادمةغير متاح
المكسيكصندوق استقرار عائدات النفطغير متاح
المجموع2,351.8
* ملاحظة: التقديرات مقدمة من معهد التمويل الدولي (2009).
المصدر: ماجمعه المؤلف من التقارير السنوية ومن أحدث المعلومات على شبكة الإنترنت المقدمة من صناديق الثروة السيادية والجهات المالكة لها اعتباراً من كانون الأول/ديسمبر 2009.
مبادئ سانتياغو
في سبيل مواجهة النزعات الحمائية وتهدئة مخاوف الحكومات الغربية بصورة أساسية، وضعت مجموعة من الصناديق السيادية مبادئ سانتياغو (24 مبدأً ) التي تُلزم الدول الموقّعة الـ 26 على الشفافية الطوعية والحكم الرشيد ومعايير المساءلة - في العام 2008. وقد أعطت المبادئ العديد من صناديق الثروة السيادية حافزاً لمزيد من الانخراط مع بقية العالم بشكل استباقي، والإفصاح عن مبررات وجودها، فضلاً عن الجوانب المختلفة لفلسفاتها الاستثمارية.
كان الامتثال في صناديق الثروة السيادية متفاوتاً إلى حد بعيد. بعض تلك الصناديق كانت قريبة من الامتثال الكامل، في حين أن مجموعة كبيرة لاتمتثل حتى بنسبة  50 في المئة من مبادئ سانتياغو. 

إن التوقيع على المبادئ الطوعية شيء، وتنفيذها في الواقع شيء آخر مختلف تماماً. فـ"مؤشر سانتياغو للامتثال " (1) يستخدم مواد متاحة للجمهور لتقييم مدى امتثال كل دولة موقعة على كل مبدأ من المبادئ الـ 24. والنتائج الأولية مثيرة للقلق، إذ هي تكشف عن درجة عالية من التفاوت في الامتثال لدى صناديق الثروة السيادية. بعض صناديق الثروة السيادية قريبة من الامتثال الكامل، في حين أن مجموعة كبيرة لاتمتثل حتى بنسبة 50 في المئة من هذه المبادئ. 
    
شرح معنى الامتثال 
ماتفسير المستويات المتفاوتة للامتثال؟ الحدس يوحي بأن الحوكمة والمساءلة  والتزامات الشفافية  لصناديق الثروة السيادية (أي امتثالها لمبادئ سانتياغو) يُرجّح أن تكون وفقا لمعايير الحوكمة السياسية الشاملة للبلدان التي تمتلكها. وفي الواقع فإن امتثال صندوق ثروة سيادية لهذه المبادئ مرتبط ارتباطاً قوياً بأداء الحكومة التي تمتلكه في المؤشرات العالمية للحوكمة الخاصة بالبنك الدولي الدولية ومؤشر الشفافية في منظمة الشفافية الدولية. ومع ذلك، وربما مايثير الاهتمام أكثر، أن امتثال صناديق الثروة السيادية مرتبط أكثر بمؤشر الديمقراطية في وحدة الاستخبارات الاقتصادية، والذي يأخذ بعين الاعتبار العمليات الانتخابية والتعددية والحريات المدنية وأداء الحكومة والمشاركة السياسية  والثقافة السياسية في بلد ما.
  



















































في الواقع ، يمكن تحديد ثلاث مجموعات في مؤشر الديمقراطية/الامتثال لمبادئ سانتياغو: أولاً، صناديق الثروة السيادية المتوافقة بدرجة عالية، والذي يعرض نسبة امتثال بواقع 80 في المئة أو أكثر، ومعظمها من البلدان الديمقراطية. وهذه تشمل صندوق التقاعد من نيوزيلندة، وصندوق معاشات التقاعد الحكومي من النرويج وصندوق المستقبل الأسترالي، والصندوق الوطني الأيرلندي لاحتياطي المعاشات التقاعدية.
خط الوسط تحتله في الغالب صناديق ثروة سيادية متوافقة نسبياً من بلدان ذات معدلات ديمقراطية منخفضة، مثل مؤسسة الاستثمار الحكومية السنغافورية و"تيماسك القابضة – Temasek Holdings"، ومؤسسة الاستثمار الصينية في الصين، والصندوق الاقتصادي والاجتماعي في تشيلي وصندوق احتياطي المعاشات التقاعدية التابع له، وصندوقا الثروة الوطنية والاحتياط في روسيا، ومؤسسة الاستثمار الكورية في كوريا الجنوبية، والصناديق الأصغر حجماً من تيمور الشرقية وترينيداد وتوباغو وأذربيجان ، وكذلك الصناديق شبه الوطنية من ألبرتا/كندا وألاسكا/الولايات المتحدة.
من المرجح أن يكون إحراز أي تقدم ملموس بشأن امتثال صناديق الثروة السيادية في الاقتصادات الناشئة، ولاسيما في العالم العربي، مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بتوسيع نطاق الإصلاحات الديمقراطية.
تتألف مجموعة الصناديق ضعيفة التوافق أساساً من صناديق ثروة سيادية كبيرة عديدة من مشيخات الخليج وليبيا. 
وتشمل مجموعة الصناديق البعيدة بشكل واضح في نسبة امتثالها عن الصناديق الأخرى صناديق الثروة السيادية من بوتسوانا والمكسيك وإيران وغينيا الاستوائية، والتي تتيح علانية قدراً محدوداً من البيانات فقط أولا لا تتيحه أبداً. 
مضاعفات السياسة 
يشير الارتباط الصارخ بين المعايير الديمقراطية والشفافية والحكم الرشيد ومعايير المساءلة الخاصة بصناديق ثروتها السيادية إلى أن من المرجح أن يكون إحراز أي تقدم ملموس في شأن الامتثال في الاقتصادات الناشئة، لاسيما في العالم العربي، مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بتوسيع نطاق الإصلاحات الديمقراطية. بالطبع ثمة شكوك كبيرة بشأن ما إذا كانت مثل هذه الإصلاحات سوف تحدث قريباً. وفي ظل غياب خيار إستراتيجي حقيقي من أصحاب صناديق الثروة السيادية، فإن تنفيذ مبادئ سانتياغو قد يكون بطيئاً.
هذا الوضع، بدوره، سيواصل وضع الاقتصادات الغربية أمام مقايضات صعبة، مايضطرها إلى أن تفكر ملياً في المساهمات الهامة لصناديق الثروة السيادية في الميزانيات العمومية العامة والخاصة مقابل التحديات الاقتصادية والسياسية غير التافهة التي تشكلها. وكما لاحظت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بحدة ذات مرة، وهي تُعلّق على مواقف الصين الآنية بوصفها واحدة من أهم الدول الدائنة في العالم ومنافسة للولايات المتحدة على النفوذ العالمي، قائلة: "كيف تكون صارماً مع مدير مصرفك؟ " 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق