الخميس، 27 سبتمبر 2012

اقتصاد روبابيكيا!





تطارد ملايين المصريين من عهد "مبارك" لوزارة "قنديل"


علي مدي سنوات طويلة أصبحت أسواقنا «مقلباً» لروبابيكيا دول العالم المختلفة، بعد أن فتحنا باب الاستيراد علي مصراعيه، بدءاً من الأدوات الكهربائية المضروبة، مروراً بالأغذية الفاسدة والمسرطنة والملابس المستعملة، نهاية بإقامة مصانع أسمدة وأسمنت ضارة بالبيئة، وتصيب المواطنين بالأمراض الخطيرة.
المثير في الأمر، أن هذه «الروبابيكيا» التي تهدد صناعتنا الوطنية، بدأت منذ الأخذ بسياسة الانفتاح الاقتصادي في سبعينيات القرن الماضي، واستمرت حتي بعد قيام ثورة 25 يناير، لدرجة أن رئيس الوزراء الأسبق عصام شرف وافق علي إنشاء مصنع للحديد الإسفنجي بالسويس، بعد أن لفظته دول الغرب، نظراً لخطورته علي الصحة، وهو ما دفع بأهالي السويس إلي إطلاق اسم «مصنع الموت» عليه!
في هذا الملف، نكشف بالتفاصيل الدقيقة، أخطار هذه الروبابيكيا علي اقتصادنا الوطني، وعلي صحة ملايين المواطنين من الفقراء ومحدودي الدخل الذين تفرض عليهم ظروفهم الاقتصادية الصعبة إلي التعامل مع هذه المنتجات الرديئة!

أغذية للموت.. بقرارات حكومية!!
مصر تحولت لسوق مفتوحة لنقابات العالم الغذائية
الغذاء الفاسد يستهلك 19٪ من موازنة الدولة
وينشر السرطان والفشل الكلوى والكبدى بين المصريين
الخبراء: المستوردون وغياب الضمير وراء الظاهرة!

رصد وتحقيق: إيمان الجندى
أغذية فاسدة وسلع مهربة تغزو مصر، وتجار ومستوردون أكثر فساداً وضمائر تقتات بالحرام.. حولت مصر لسوق مفتوحة لنفايات ومخلفات العالم تحت مسمى غذاء آمن ولكنه غير صالح للاستهلاك الآدمى.. ميزته الوحيدة أنه رخيص السعر للمستهلكين، ولكنه يحقق أرباحاً طائلة لمستورديه علي حساب صحة المصريين.. فالقمح مسرطن والدجاج والبط كله هرمونات، والخضراوات والفاكهة ملوثة بالمبيدات والتقاوي فاسدة والأسماك تعيش في مياه يغمرها الصرف الصحي ومخلفات المصانع، واللحوم ومصنعاتها مهرمنة أو مسرطنة حتي الفول أصبح مخلوطاً بالسوس ومخلفات الحشرات.. وصولاً للياميش الذي لم يخل من الغش.. ووصل الفساد لأغذية المرضى بالمستشفيات والوجبات المدرسية لا فرق في ذلك بين الغذاء محلى أم مستورد، فشعار منتجي وتجار ومستوردى الغذاء في مصر كما يري الخبراء والمختصون ويؤكده الواقع. اشتر واستورد الأرخص والأقل جودة تتحقق الأرباح الخيالية ولو على حساب المرضى قبل الأصحاء من المصريين، يساعدهم علي ذلك بعض القرارات التي فتحت الأبواب أمام النفايات لدخول أسواقنا وجعلت بعض المستوردين يتسابقون لشراء الأرخص من حيث السعر والجودة.. وبدلاً من السعي لمنع كارثة وظاهرة السلع الفاسدة نجد قراراً لوزير الصناعة والتجارة الخارجية يلغي فترة الصلاحية في استيراد الأغذية وذلك بإلغاء المادة الثالثة من القرار الوزاري رقم 285 لسنة 2006 والذي بمقتضاه يسمح بدخول المنتجات قبل فترة انتهاء صلاحيتها بـ 24 ساعة فقط.. وهو ما جعل الدكتور محمود عبدالوهاب طبيب بيطرى أول بالسويس يطالب بمحاكمة فورية للسيد وزير الصناعة لأنه سمح بدخول آلاف الأطنان من السلع منتهية الصلاحية.



غزو متعمد
غزو السلع المهربة بجميع أنواعها وأشكالها الغذائية وغيرها.. يرجعها البعض إلى تضارب القرارات من وزارة إلى أخرى، حيث تصاعدت تلك الأزمة بعد أن قامت الحكومة فيما مضى بتعديل القرار 619 والخاص بشهادة المنشأ وتسببت تلك التعديلات وقتها في زيادة التهريب وانتشار السلع مجهولة المصدر بالأسواق مما دفع بعض أصحاب مصانع القطاع الخاص لإغلاق مصانعهم احتجاجاً على هذا الغزو!
وكان القرار 619 بشأن شهادة المنشأ قراراً وطنياً وقومياً يحسب للدكتور أحمد جويلى وزير التموين وقتها، ويؤكد على بعد نظره وحنكته الاقتصادية حيث استهدف من ورائه، حماية الصناعة الوطنية وتقليل الطلب على الدولار وترشيد الاستهلاك والحد من ظاهرة تهريب السلع بدءاً من الأغذية وحتى الأقمشة والمنسوجات، ومن ثم ضمان سلامة وصحة كل ما يقدم للمصريين من سلع بجميع أشكالها واستخداماتها، ومن ثم عودة 3.5 مليار دولار كانت تضع على خزانة الدولة وقتها بسبب عمليات التهريب، كما يحسب للجويلى وبعد تفشى ظاهرة الأغذية الفاسدة، خاصة بالنسبة للحوم قيامه بنشر قائمة سوداء لمستوردى اللحوم الفاسدة ويري البعض أنها كانت السبب في خروجه من الوزارة لمنزله وبلا عودة!
وقد تعدت المتاجرة بالغذاء الفاسد حدود التجار والمستوردين إلى الحكومة نفسها، فقد كشف مؤخراً الدكتور سامي طه نقيب البيطريين أن عمليات الاستيراد التي تقوم بها وزارة الزراعة غير رشيدة وقد تؤدي إلي إهدار صحة المواطن لعدم سلامة وصحة اللحوم والحيوانات المستوردة، مستشهداً في ذلك بقيام الوزارة عام 1977 باستيراد حيوانات مصابة بسلالة جديدة من الأوبئة من عدة دول أفريقية، أدت إلي إصابة 18 ألفاً ووفاة 598 شخصاً، مؤكداً أن عام 2005 شهد أيضاً استيراد حيوانات مصابة بسلالات جديدة من الحمي القلاعية، فضلاً عن استيراد لحوم مصابة بفيروسات الساركوسست.

واقع.. مؤلم
بعد 25 يناير تخيلنا أنه سيتم اتخاذ خطوات جادة للقضاء على فساد الذمم والضمائر، وأن البداية ستكون بتوفير غذاء آدمى آمن، ولكننا فوجئنا بخراب أكثر للذمم وفساد للضمائر.. وتوالت شحنات الموت على البلاد وتشهد بها موانئ المحروسة ومحاضر الجهات الرقابية اليقظة نذكر منها علي سبيل المثال وليس الحصر، قيام شرطة مباحث الجمرك بميناء الإسكندرية بضبط كميات كبيرة من المواد الغذائية المستوردة غير الصالحة للاستهلاك الآدمي لصالح شركتي استيراد وكذلك ضبط 5000 كرتونة أغذية فاسدة تركية بميناء الدخيلة لصالح شركة، وهناك أيضاً محاولة لبعض شركات الاستيراد والتصدير إغراق البلاد بذرة الفشار الفاسدة والمحتوية علي سموم الألفانوكسين السامة والمسببة للسرطان ومستوردة من الأرجنتين وكذلك ضبط 3 آلاف طن قمح روسي فاسد غير صالح للاستهلاك الآدمي بمخازن إحدى الشركات بالإسكندرية وتحتوي على شوائب وحشرات حية.. وهكذا طوفان من الأغذية الفاسدة، انهمر علي مصر يتساوى في ذلك المستورد والمحلي، الذي غمر كل الأسواق وكبرى محلات البقالة والسوبر ماركت، وأيضاً الفنادق الشهيرة التي تتغاضى عن إجراءات سلامة الغذاء من خلال تعاملهم مع موردين للأغذية غير صالحة للاستهلاك الآدمي وتصيب المصريين بأبشع الأقراص والسموم وتزداد حالات التسمم الغذائي.

مشاكل وراثية
تتفاقم مشكلة تلوث الأغذية التي تكمن خطورتها الكبري كما يقول الدكتور محمود عمر مؤسس ومدير المركز القومي للسموم، في وجود بعض السموم الكيماوية التي تؤدي إلي التغير الجيني وتشويه الأجيال القادمة وحدوث مشكلات وراثية نتيجة لفساد وتلوث الأغذية مستشهداً علي ذلك بمادة الدايوكسين المتواجدة بالأغذية الفاسدة، مؤكداً أن -واحد علي مليون- من الجرام من هذه المادة كاف للإصابة بسرطان الكبد علي الفور، واكتشاف هذه المادة يحتاج إلى تحليل دقيق وهو مكلف جداً، كما أننا نعاني من نقص المعامل الحكومية المتخصصة ولا نملك سوي معملين فقط أجدهما في وزارة الزراعة والأخري في وزارة الصحة.. ولذلك - والكلام للدكتور محمود عمرو - هناك ضرورة لإحكام الرقابة علي الأسواق وعلي المستوردين علي وجه الخصوص، فهؤلاء مسئولون مليون في المائة عن غزو السلع الغذائية الفاسدة للسوق المصري فهم من يشترون هذه السلع الرديئة بأرخص الأسعار، وأردأها، فالسوق في الخارج مفتوح وتباع فيه السلع بمختلف مستويات الجودة.. فلماذا إذن لا يشترون الأرخص والأردأ لتحقيق الأرباح الخيالية ولو علي حساب صحة الناس؟
لذلك فمسئولية انتشار تلك الأغذية تقع في المقام الأول علي المستورد ثم الدولة التي تساعد على انعدام رقابتها بل بمشاركتها أحياناً المستورد علي إحضار مخلفات الدول المتقدمة وحتي المتخلفة من الأغذية ليتناولها بنو وطنه، وآخرها الحيوانات المهرمنة المحجوزة في السويس، والذي سيفرج عنها حتماً!

فاتورة اقتصادية
والغذاء الفاسد وفقاً للإحصائيات يكلف خزانة الدولة ويحمل موازنتها أعباء تزيد من عجزها، والذي تعدي الـ 135 مليار جنيه، فهو يمثل 19٪ من الموازنة العامة للدولة كمصروفات لعلاج الأمراض الناجمة من تناول تلك الأغذية الفاسدة، خاصة أن 80٪ من الأغذية المتداولة بالأسواق مجهولة المصدر، وفقاً لتصريحات الدكتور حسن منصور رئيس وحدة سلامة الغذاء، مما يستلزم - وفقاً لكلامه - أن يخضع تداول الأغذية لبعض المعايير الدولية، خاصة أن مصر تقيم كأسوأ الدول في هذا المجال.
جانب آخر من واقع أليم لسوق الغذاء الفاسد في مصر أكدته الإدارة العامة لمراقبة الأغذية بوزارة الصحة، التي حذرت من انتشار السلع والمواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي بالأسواق والمحال والمنشآت السياحية ومن قبلها أيضاً لجنة الصناعة والطاقة بمجلس الشعب السابق، التي حذرت من خطورة الأوضاع التي تهدد المواطن المصري والأجيال القادمة من السلع مجهولة المصدر، التي وصلت إلي المرضي بالمستشفيات من خلال مناقصات لا تخضع للرقابة أو ضعف للرقابة علي منافذ دخول أو تهريب تلك السلع، مما يستلزم إنشاء هيئة لسلامة الغذاء، لكن بدلاً من السعي لإنشائها وجدنا المهندس أبوزيد محمد أبوزيد وزير التموين يرجع تزايد وانتشار الأغذية الفاسدة لكيد المستوردين لبعضهم البعض، مؤكداً أنه لا يتم الإفراج عن أي سلعة غذائية من الجمارك إلا بموافقة كل من الرقابة علي الواردات والصادرات ووزارة الصحة وفقاً للقانون 10 لسنة 1966، وهو ما لم يفلح في وقف تدفق هذه الأغذية الفاسدة لأسواقنا.

أزمة ضمير
سعاد الديب - نائب رئيس الاتحاد العربي للمستهلك ورئيس الجمعية الإعلامية للتنمية وحماية المستهلك - ترفض إلقاء المسئولية علي الدول الموردة لتلك الأغذية، وتري أن المستوردين هم من حولوا مصر لسوق مفتوحة لنفايات العالم وللسلع الرديئة من الدرجة العاشرة، مشيرة إلي أن بعض المستوردين منعدمو الضمائر يرغبون في تحقيق الأرباح الطائلة علي حساب صحة بني وطنهم، يضاف إلى ذلك ضعف الرقابة من مسئولي الجانب الحمائي كالرقابة علي الواردات والمنافذ الجمركية والحجر البيطري والموانئ والمعامل المركزية في كل من وزارتي الزراعة والصحة، وهو ما أدي إلي انتشار غير مسبوق للأغذية الفاسدة والمهربة نشاهده اليوم وبكافة أشكاله.
وتوضح د. سعاد أنه لا يمكن أن نلوم المستهلك والأجهزة المنوط بها حمايته، فجمعيات ومجالس حماية المستهلك لا تمتلك حق الضبطية، ودورها يقتصر فقط علي مجرد توعية المستهلكين بحقوقهم وواجباتهم والتأكد من صلاحية الغذاء من عدمه، ومن ثم فقانون حماية المستهلك مطلوب تعديله.
وتضيف د. سعاد: نحن نمتلك ترسانة من القوانين تحتاج لتعديلات تجعل العدالة سريعة ناجزة، لأن بطئنها يشجع علي الفساد.
أما الدكتورة فوزية عبدالستار - رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب الأسبق - فتؤكد عدم حاجتنا لتشريعات وقوانين جديدة، مشيرة إلي أن ظاهرة الأغذية الفاسدة ترجع لغياب الضمير وسط إجراءات التقاضي، وقد يكون السبب أيضاً ضعف العقوبة الموقعة علي مستوردي هذه الأغذية التي لا ترتقي لحجم الجرم الناجم من تداول أغذية الموت مما يستلزم وتشريد العقوبة!!

مشروع قانون
اللواء أحمد موافى مدير مباحث التموين بوزارة الداخلية، أن الوزارة تقدمت بمشروع قانون لمجلس الشعب المنحل يتضمن ضرورة تشديد العقوبة في قضايا الغش التجاري لمنع انتشار الأغذية مجهولة المصدر، وتصل العقوبة المقدرة إلى الحبس لمدة لا تقل على الـ 10 سنوات أو المؤبد وفقاً لدرجة خطورة الجريمة.
ويرى اللواء موافى أن القانون غير رادع وليس له أي لزوم، خاصة أن العقوبة الحالية لا تتعد الـ 3 شهور والعام الواحد أو الغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين لكل قضايا الغش التجاري بجميع أشكاله سواء كان سلعة غذائية أو قطع غيار سيارات أو أدوية أو مصنوعات وغيرها! كالصواريخ ولعب الأطفال.

استيراد الملابس المستعملة يضع مصانعنا في «خبر كان»!
تجار البالة: نحن الأرخص وبضاعتنا أوروبية.. وزبائننا 30 مليون مواطن
أصحاب مصانع الملابس: «المستورد» خطر علي الصحة.. واستخدامنا أصباغاً سامة مجرد شائعات

كتبت - نشوة الشربيني:
أشتعلت منافسة شرسة ظهرت حدتها بوضوح داخل أسواق بيع الملابس المستعملة، خاصة مع انتشار الملابس المستوردة من الدول الأوروبية أو الصين، رغم أن معظم هذه المنتجات رديئة الصنع، لأنه ليس كل قديم مستوفياً للمواصفات القياسية الجيدة.. وهذا ما أكدته الدراسات العلمية في هذا المجال.
ومع هذا أصبحت مصر سوقاً مفتوحاً لتسويق روبابيكيا البلاد الأخري التي أثرت بالسلب علي الصناعة الوطنية، حتي أنه تم إغلاق عدد كبير من مصانع الملابس نتيجة لكثرة أعبائها وديونها بسبب استيراد المنتجات الأجنبية التي أصبحت مصدر جذب لأنظار أعداد متزايدة من المواطنين ذوي الدخل المحدود أو المرتفع علي حد سواء وهو ما ظهر جلياً بعد ثورة يناير.
وقد تمتعت تجارة الملابس الأوروبية المستعملة بسمعة جيدة، نظراً لرخص أسعارها وجودة معظم منتجاتها، إذ توفر هذه الأسواق الملابس بنوعية جيدة إلي حد ما وأسعار أرخص بكثير من السوق العادي.






أما البضائع الصينية فيتنوع زبائنها ما بين الموظفين محدودي الدخل أو المعدمين من الفقراء، وأيضاً الطبقة الوسطي، حتي أن بعض الميسورين كان لهم نصيب في بالة ملابس البسطاء ولهذا يترددون علي مثل هذه الأسواق بحثاً عن ماركة عالمية ورغبة في توفير الفارق الكبير في السعر بغض النظر عن معايير جودة المنتج المستعمل.
تشكل تجارة البالة 10% من حجم تجارة الملابس في مصر ونجدها تنتشر في أسواق وكالة البلح وبعض المحلات المتفرقة المنتشرة في محافظات مصر، وقد اندلعت معركة شرسة بين أصحاب مصانع الملابس وبين تجار الملابس المستعملة في مصر، حيث اتهم كل منهما الآخر بأنه يخالف القانون، فأصحاب المصانع قالوا: إن الملابس المستعملة تؤدي للإصابة بأمراض مختلفة، أبسطها حساسية الجلد، وتجار الملابس المستعملة اتهموا أصحاب المصانع بأنهم يستخدمون أصباغاً ضارة.
الدكتور أحمد أبوالنور – أستاذ الاقتصاد وإدارة أزمات - قال: تجارة الملابس المستعملة هي تجارة تمارس في أسواق «البالة» وتلبي احتياجات المواطن غير القادر علي شراء الملابس غالية الثمن، وأغلب رواد هذه الأسواق من الفقراء ومعدومي الدخل.
ويوضح «أبوالنور» أن السبب في الإقبال علي هذه الأسواق، هو أن أكثر من 50% من شعب مصر فقراء و10 ملايين لا يجدون قوت يومهم و12 مليون مواطن لا يتقاضون عائداً مادياً مجدياً.. وأضاف: تجارة البالة تشبه كثيراً تجارة التهريب التي تعتمد علي السلع والخدمات غير مطابقة للمواصفات القياسية وقد يكون لها أضرار بالغة علي الصحة، ومع هذا لا نستطيع أن نمنعها.. مضيفاً: أن هذه التجارة تدخل ضمن الاقتصاد غير الرسمي وهو ليس مسجلة لدي الدولة ولكن التقديرات تشير إلي أنه تمثل أكثر من 8% من الاقتصاد الكلي لمصر، وذلك طبقاً لأحدث تقرير صادر عن البنك الدولي.
وطالب الخبير الاقتصادي بضرورة إقرار العدالة الاجتماعية علي طبقات المجتمع وصعود الفقراء من تحت خط الفقر إلي مستويات معيشية أفضل من خلال دخول حقيقية أكبر حتي يمكن ترك خيارالشراء للمواطنين مع إتاحة أسواق كثيرة بسلع أكثر جودة وأعلي سعراً.

ركود بالغ
المهندس مجدي طلبة - رئيس المجلس التصديري السابق وصاحب مجموعة كايرو قطن سنتر للملابس الجاهزة - يقول: لابد أن تنظر الدولة نظرة جادة للسوق المحلية أو الصناعات الوطنية، حتي تعود بالعائد المجزي علي مصر، لأن هناك العديد من المصانع المصرية الصغيرة التي تصنع الملابس ذات المواصفات القياسية الجيدة تم إغلاقها بسبب انخفاض حركة البيع والشراء للمنتجات المحلية وهو ما أدي إلي زيادة الدين المتراكم للبنوك.
وأشار «طلبة» إلي أن المنتج المصري يتعرض حالياً لحالة ركود شديدة بسبب استيراد المنتجات من الخارج سواء كانت مستعملة «بالة» أو جديدة، وهو الأمر الذي يحتاج بالفعل إلي تقنين لهذه النوعية من المنتجات التي تؤثر بالسلب علي الصناعة الوطنية لكونها تنتشر بشكل مبالغ فيه في جميع أنحاء مصر.. مضيفاً أن هذه المنتجات مشكوك في معايير جودتها ومدي التزامها بالمواصفات القياسية، كما أنها تسبب خسارة كبيرة للدولة بمجرد دخولها الجمارك لأن الملابس المستعملة تحسب بالوزن والحجم وليس بالقطعة، موضحاً أن العادة الشرائية للمواطن المصري تميل إلي المنتج الأرخص بغض النظر عن جودته نظراً للظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها جميع فئات وطوائف المجتمع.

تجارة مشروعة
ويعارض الدكتور يحيي الزنانيري – نائب رئيس قسم المنسوجات للاتحاد العام للغرفة التجارية المصرية - رأي «أبوالنور» بشدة، حيث يري أن تجارة البالة هي تجارة مشروعة ولا تسبب أية أمراض ولم يحظر دخولها يوماً، وقدر حجم تجارة الملابس «البالة» حالياً بنحو 10% من حجم تجارة الملابس في مصر، كما أن سر نجاح أسواق الملابس الأوروبية المستوردة «البالة» بكافة المحافظات ليس بسبب السعر فقط ولكن لأن الملابس المعروضة عالية الجودة لا تصل إليها المنتجات الصينية، لأن المنتجات الأوروبية لها مقاييس جودة صارمة، لهذا يقبل كافة طبقات المجتمع المختلفة نظراً لرخص ثمنها وخضوعها للتطهير بطريقة آمنة ومضمونة.
وأضاف د. الزنانيري: أن هناك فرقاً بين المنتجات التي تصنع تحت بئر السلم التي يستخدم فيها البعض أصباغاً رديئة قد تؤدي إلي الإصابة بأمراض خطيرة وبين ما يستورده التجار المصريون من ملابس تشتهر بالخامة الجيدة والتصميم الأنيق والماركة العالمية، فضلاً عن رخص أسعارها وهو السبب الرئيسي لرواج البضائع وإقبال المواطنين عليها.

مجرد شائعات
ويوضح السيد محمد جبر حماد – رئيس جمعية تجار وبائعي الملابس المستعملة - أن لجوء المواطن المصري إلي أسواق «البالة» يرجع لعدة أسباب أهمها: الرغبة في اقتناء النوعية الجيدة والأنيقة والرخيصة من الملابس الأجنبية، مقارنتها بنظيرتها الصينية المتواجدة في السوق المحلي، وهو ما يستحيل مع أسعار الماركات الموجودة في السوق ما يجعل سوق البالة خياراً مشروعاً.. منوهاً بأن الملابس الأجنبية تبقي محتفظة بحالها بينما تهترئ الملابس الجاهزة الموجودة في السوق بعد غسلة واحدة أو غسلتين، مؤكداً أن الملابس الأوروبية المستعملة صحية 100%، وما يقال عن أنها تحتوي علي أصباغ سامة أو تتسبب في أمراض خطيرة فهي مجرد شائعات تستهدف هدم تجارة «البالة» التي يعيش منها ما يقرب من 2 مليون مواطن علي مستوي المحافظات في أسواق وكالة البلح بالقاهرة ومنشية الشهداء بالإسكندرية والمنصورة وطنطا والمحلة الكبري والفيوم والإسماعيلية والسويس، وأكثر من 120 ألف مستورد و60 ألف مواطن يعملون في مهنة الملابس البالة بمنطقة بورسعيد، بخلاف 200 ألف تاجر يعملون في تلك التجارة بمصر.
ويؤكد «جبر» أن «البالة» تدخل ومعها شهادة المنشأ وشهادة صحية ويتم تبخيرها وتعقيمها من قبل الشركات المتخصصة في الخارج، وقد تشم فيها رائحة التعقيم والتبخير، لكن يبقي دور التاجر أو بائع البالة الذي يقوم بكي الملابس قبل عرضها علي المواطنين.
وأضاف «حماد»: أعمل في مجال «البالة» منذ ما يقرب من 40 عاماً وهي مهنة آبائنا وأجدادنا الذين عملوا في هذا المجال، مؤكداً أنه يتم استيراد ملابس البالة من شركات ومصانع معروفة دولياً في كل الدول الأوروبية مثل بلجيكا وهولندا وألمانيا وإيطاليا وسويسرا وبريطانيا وفرنسا، مشيراً إلي أن هناك ما يتراوح بين 20 و30 مليون مواطن مصري يشترون من أسواق البالة يومياً ويعودون كل شهر لشراء بنطلونات وقمصان وبدل جديدة وسويترات، مؤكداً أن رب الأسرة الذي يقوم بتخصيص 300 جنيه من راتبه يمكن أن تكفي لكساء أفراد أسرته كلها، خاصة أن فارق السعر يصل إلي 80% بينها وبين مثيلاتها التي تباع في محال الملابس الجاهزة، وهؤلاء ليسوا فقط الفقراء ومحدودي الدخل أو الأغنياء الذين يبحثون عن ماركات عالمية بأسعار بسيطة، وإنما يمثلون كافة طبقات المجتمع منهم الموظفون الكبار والأطباء والمهندسون وأفراد الأمن والتجار والعمال البسطاء ويحرصون جميعاً علي التردد علي أسواق البالة من حين لآخر.
ويفرق «حماد» بين الهدف الذي يسعي إليه كل من الفقير والغني لدي شرائه قطعة بالة، ففي الوقت الذي يبحث فيه الفقراء علي القطعة العملية التي تحتمل كثرة الغسيل والكي، يبحث الغني عن القطعة الجديدة والنظيفة والماركات العالمية وهو ما يجعل سوق «البالة» يلقي رواجاً طوال أيام السنة، خاصة في الأعياد وتغيير الفصول وعند بداية العام الدراسي.
وأوضح «حماد» أن تصنيع الصين لمصر يختلف بالطبع عن تصنيعها للدول الأوروبية، فمن المعروف أن الصين تصدر لمصر منتجات ملابس من الدرجة الثالثة، بينما تصنع للدول الأوربية الدرجة الأولي.

مواصفات قياسية
وتابع «حماد» حديثه قائلاً: يجب أن تتوافر شروط مهمة لاستيراد البضائع من الخارج وهي بطاقة استيرادية وفاتورة معتمدة من المنشأ وشهادة تفيد بأن المنتجات القادمة من الخارج مطابقة للمواصفات القياسية ولا تسبب أي أمراض وأيضاً يتوافر لدي كل تاجر سجل تجاري وبطاقة ضريبية، حتي إن جواز سفر تاجر البالة يدل علي الجهة التي يتعامل معها، بينما يكلف التاجر الكونتنر الواحد للملابس المستعملة بين 70 و80 ألف يورو، وتختلف أحجامه لـ 40 قدم «حجم كبير» و20 قدم «حجم صغير».
ويضيف: ملابس البالة تأتي من بواقي محلات موجودة في الدول الأوروبية وتباع للمواطنين بأسعار رخيصة رغم جودة خاماتها.. ويأمل «حماد» أن تكون مصر أفضل دول العالم في تصنيع وجودة المنتجات أشبه بالدول الأوروبية في النظام والعمل.


«الاستيراد العشوائي».. يهدد بانهيار قلاعنا الصناعية!
أدوات كهربائية «مضروبة».. وخامات مخالفة للمعايير تغزو الأسواق
غياب الرقابة الحكومية وراء استيراد السلع الأقل جودة والأرخص سعراً
تحقيق: دينا توفيق
الاستيراد العشوائي سحب البساط من تحت أقدام الصناعة المصرية، فقد استغل الكثير من المستوردين غياب الرقابة وأغرقوا الأسواق بمنتجات رديئة الصنع، وفي الوقت نفسه رخيصة الثمن من أجل إغراء المستهلك، وكانت النتيجة أسواقاً غير منضبطة يضع ملامحها قلة من المحتكرين، الذين لم تصل الثورة - حتي الآن - إليهم طوعاً أو كرهاً!
باختصار كان ضعف الرقابة علي الأسواق الداخلية سبباً في التحايل علي القوانين واستغلال الثغرات ودخول سلع بطريقة غير سليمة، أما الضحية فهي الطبقة المتوسطة التي صارت تلهث وراء السعر الرخيص علي حساب الجودة، دون أن يعرف أحد متي وكيف يتوقف نزيف السلع المستوردة المغشوشة والمهربة التي تضر بالصناعة المصرية؟!
في البداية يجب أن نشير إلي أن أغلب الأدوات الكهربائية تأتي من الصين، ولكن حتي الماركات العالمية المفترض أنها الأصلية، صارت هي الأخري مغشوشة، وتباع علي نطاق واسع في السوق المصري، نظراً لأن المستهلك يبحث دائماً عن الأرخص ويسأل عن السعر قبل الجودة، ولكن هذا لا يعني أنه خطأ المستهلك وحده، فالمستورد هو المسئول الأول عن فساد السوق المصرية ودخول البضاعة المضروبة التي تضر بالناس وسرعة التلف سواء بالحرق أو الانفجار، كل هذا في ظل غياب الرقابة.
ومما يلفت النظر هو أن المحلات صارت تمتلئ الآن بالسلع الرخيصة، والكثير منها يبيع الأجهزة والأدوات الكهربائية الرديئة الصنع والمقلدة التي تعد خطراً علي الصحة، وهي للأسف في تزايد وتغري المستهلك بأسعارها المنخفضة، كل هذا أدي في النهاية إلي ما نراه الآن من الخلل والعشوائية داخل السوق المصرية.
ومنذ فترة قصيرة تمكنت حملة مكبرة من مباحث التموين ووزارة الداخلية من ضبط شركة شهيرة لإنتاج التليفزيونات بمنطقة العمرانية بمحافظة الجيزة، تقوم بشراء محتويات وشاشات مستعملة من الصين وتقوم بتقفيلها كأجهزة تليفزيونات جديدة وعرضها في الأسواق المصرية، حيث تم التحفظ علي 1039 تليفزيوناً بالشركة.
وقال التقرير المبدئي لهيئة المواصفات والجودة التابع لوزارة التجارة والصناعة بعد معاينة التليفزيونات: إن ما تقوم به الشركة هو شراء شاشات مستوردة، من الصين ومستعملة تحمل آثار لحامات وأسلاكاً مقطعة وبها مواد من الصدأ، كما أنه تبين مخالفة هذه المنتجات وعدم مطابقتها للمواصفات المصرية والعالمية، فضلاً عن أنها تتسبب في تقليل العمر الافتراضي للتليفزيون، وكذلك تعرض الشاشة للاحتراق في أسرع وقت.. والسؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: كي يمكن الاستغناء عن استيراد السلع ذات الجودة الرديئة والتي ترفع من أزمة وارداتنا وتستنزف عملاتنا الأجنبية؟
يقول د. شريف دولار، الخبير الاقتصادي: في البداية يجب أن نشير إلي أن المشكلة في مصر هي العشوائية في الاستيراد، فأين المواصفات القياسية التي تطبق علي السلع المختلفة عند دخولها إلي مصر؟.. إننا نجد مثلاً في أوروبا بعض المواصفات المحددة لدخول أية سلعة «e-mark», كذلك هناك بعض السلع التي لا يسمح بدخولها الولايات المتحدة الأمريكية.. أما في مصر فقد كان من السهل دخول أية سلعة قبل الثورة، والمؤسف هو أن تلك السلع رديئة الصنع تجد إقبالاً شديداً من المستهلك، نظراً لرخص أسعارها، مما يجعل المستورد يبتعد عن استيراد السلع الجيدة لارتفاع أسعارها، والمشكلة أن لدينا 40٪ من المواطنين تحت خط الفقر، تلك النسبة تمثل قوة شرائية كبيرة في المجتمع، وبالتالي فهي ليست مسئولية المستورد وحده، فالأجهزة الرقابية أيضاً لها دور مهم في تلك المسألة، ومن ناحية أخري إن دخول مثل هذه السلع له تأثير مدمر علي الاقتصاد المصري، فقد يتم شراء بعض السلع والأجهزة الكهربائية رديئة الصنع، ثم نجدها تتلف بعد فترة قصيرة ونضطر إلي شراء غيرها، وكل هذا يمثل أعباء إضافية علينا، لذا يجب أن تكون هناك مواصفات محددة منذ البداية، يتم تطبيقها علي كل السلع المستوردة مع ضرورة التنسيق بين الجهات الحكومية المختصة والقطاع الخاص وإلزامهم بعدم استيراد البضائع المقلدة.




الفساد وبير السلم
يقول د. أحمد أبوالنور، أستاذ الاقتصاد واستشاري الاقتصاديات الحرجة والأزمات: هناك اعتقاد راسخ علي مدار سنوات عديدة أن المستهلك المصري يريد سلعة رخيصة حتي وإن كانت دواء، وبصرف النظر عن معايير جودتها أو سلامتها، وذلك طبقاً لدخله النقدي المتدني.
يضيف: أما عن أسباب رداءة العديد من السلع المستوردة بالأسواق فترجع أولاً إلي عشوائية الأسواق بسبب الغياب العمدي للرقابة الحكومية الذي أفسح المجال أمام الاحتكارات وشبه الاحتكارات - والمدعومة بقوانين فاسدة من مجالس نيابية غير شرعية - لمعظم السلع والخدمات تحت مزاعم مغلوطة عن عدم إمكانية التدخل في الأسواق طبقاً لميكانيزمات الاقتصاد الرأسمالي وحرية الأسواق.
ثانياً: الإفراط الحكومي والساري حتي الآن في القيود والإجراءات والروتينيات والتكاليف المرتفعة لتأسيس وإنشاء المشروعات، مقارنة بمثيلاتها لدي الكثير من دول المنطقة بالتزامن مع تفشي الفساد، الذي أدي لعدم وجود عدالة في فرص المنافسة بل أضاف المزيد من الأعباء وتكاليف إنشاء واستمرار المشروعات وبما أدي لوضع أكثر من 80٪ من القطاعات الاقتصادية تحت تصنيف الاقتصاد غير الرسمي أو ما يطلق عليه «اقتصاد بئر السلم».
ثالثاً: عشوائية الجباية الضرائبية متعددة الأشكال والمسميات التي أدت لهروب الكثير من رؤوس الأموال الصغيرة من الاقتصاد الرسمي وانضمامها للقطاع غير الرسمي أو غير المنظم.
رابعاً: كل مشروعات واستثمارات بئر السلع تقوم بتقديم خدماتها وإنتاجها بعيداً عن كل أشكال الرقابة، كما أن هذه المشروعات - في عديد من الأحيان - علي صك استمراريتها من الإغفال العمدي المدعوم بالفساد من بعض العاملين بالجهات الرقابية ذاتها، مما يعني أن هذا الاقتصاد غير الرسمي هو إفراز منطقي لمجتمع بدون هوية اقتصادية، ولا ملامح تخطيطية للمستقبل، وهو ما أغري الكثير من المستوردين القدامي والجدد بدخول نفس الأسواق وإغراقها بما تحتاج، ولعل التجارة والاستيراد من خلال غزة، وبكثافة أكبر من خلال حدودنا الغربية والجنوبية مع ليبيا والسودان بعد الثورة، إنما تضيف ثقلاً للاستيراد العشوائي وغير المنضبط من خلال الاستيراد التهريبي الحدودي.

الحكومة الغائبة
أما د. إيهاب الدسوقي - أستاذ الاقتصاد ومدير مركز البحوث بأكاديمية السادات - فيري أن المسئولية تقع كاملة علي الحكومة، حيث إن دورها هو فرض الرقابة علي أية سلعة عند دخولها إلي مصر، وبالتالي يجب أن تمنع استيراد سلعة غير مطابقة للمواصفات، أو من شأنها أن تضر بالمستهلك أو البيئة، كما أن دورها أيضاً يتمثل في منع عملية التهريب ومما لا شك فيه أن هذا الأمر من شأنه أن يؤثر سلبياً سواء علي صحة الإنسان أو البيئة، كما أنه يؤثر أيضاً علي إنتاج المصانع التي تنتج سلعاً جيدة نظراً لأن السلع رديئة الصنع تباع بأسعار رخيصة، بالإضافة إلي أن هذا الأمر يعطي انطباعاً سيئاً عن الحكومة التي لا تقوم بدورها كما يجب، ومن ناحية أخري يؤثر هذا الأمر سلبياً علي مناخ الاستثمار في مصر، أما إذا قمنا بتشديد الرقابة علي السلع المستوردة، فسوف يجد بعد ذلك المستورد نفسه مضطراً إلي استيراد السلع الجيدة فقط.. ويؤكد د. إيهاب أن القواعد موجودة لكن لا يتم تطبيقها كما يجب.
أما عن الإجراءات التي تتخذها الجهات الرقابية علي رسائل الأغذية المستوردة، فيقول، محمد شفيق، رئيس الهيئة العامة للرقابة علي الصادرات والواردات: عند ورود رسائل الأغذية المستوردة إلي الميناء يتم عرضها من الجمارك علي الهيئة العامة للرقابة علي الصادرات والواردات التي تقوم بدورها بتنظيم عملية الفحص بالاشتراك مع الأجهزة الرقابية الأخري «الحجر الزراعي - الحجر البيطري - مراقبة الأغذية - هيئة الطاقة الذرية.. إلخ» حيث يتم تشكيل لجان الفحص الظاهري من أعضاء تلك الجهات الملحقين بفروع الهيئة، وتتم المعاينة الظاهرية داخل الدائرة الجمركية، وعند اجتياز الرسالة الفحص الظاهري يتم سحب العينات وتجهيلها وتكويدها وإرسالها إلي معامل الجهات الرقابية المختصة لإجراء الفحوص والتحاليل المطلوبة، وفي حالة عدم مطابقة الرسالة للتشريعات والمواصفات القياسية من أي من الجهات الرقابية يتم رفض الرسالة، ويمكن أن يتقدم المستورد إلي لجنة التظلمات والممثل بها جميع الجهات المنوط بها إجراءات الفحص التي تقوم باتخاذ القرار طبقاً للقواعد القانونية والفنية في هذا الشأن.
ويضيف: عند ورود كافة نتائج الجهات الرقابية المعنية بالفحص والمطابقة يتم منح المستورد شهادة المطابقة وتقوم الجمارك بالإفراج النهائي عن الرسالة، هذا مع العلم أنه متي قامت الهيئة بإصدار شهادة المطابقة، فذلك يفيد ويؤكد أنه تم إجراء كافة الفحوص والاختبارات والتحاليل طبقاً لجميع بنود المواصفة القياسية الخاصة بالسلعة، وذلك من كافة الجهات الرقابية المختصة والمعنية، وكذلك طبقاً لتشريعاتها، وذلك بمعامل ووحدات الفحص التابعة لهذه الجهات والمتوافر بها جميع الأجهزة المعملية الخاصة بإجراء الاختبارات والتجارب المنصوص عليها بالمواصفة، وأخيراً بمجرد إخطار مصلحة الجمارك بشهادة المطابقة وخروج تلك الشحنات من الدوائر الجمركية تنقطع صلة وولاية الهيئة علي هذه الشحنات وتنتقل ولاية رقابة تلك الشحنات أثناء النقل والتداول والتخزين والتصنيع إلي الجهات الرقابية الداخلية المختصة والمعنية بذلك.


الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

كارثة فلكية زوّدت الأرض بأطنان من الماس النادر

18 سبتمبر 2012


روسيا تكشف عن احتياطيات سرية ضخمة تسد الاحتياجات العالمية طوال 3000 عام




كشفت روسيا، اليوم الثلاثاء، فقط عن سر بقيت سلطاتها تحتفظ به منذ سبعينات القرن الماضي، وهو "سر ماسّي" بكل ما تعنيه الكلمة، واختصاره أن احتياطيات حجمها تريليونات من قراريط ماس نادر تغفو تحت فوهة أحدثها ارتطام كويكب بالأرض قبل 35 مليون عام، وهي تكفي لسد الاحتياجات المتنوعة للعالم من الماس لأكثر من 3000 عام.

الكويكب الذي أتى على كل نسمة حياة في سيبيريا الشرقية أحدث فيها حفرة قطرها 99 كيلومتراً وبقيت بلا دراسة، إلى أن بدأ علماء "معهد نوفوسيبيرسك للجيولوجيا وعلم المعادن" بدراستها منذ 50 سنة تقريباً، وأطلقوا عليها اسم Popigai Astroblem الشهير، واكتشفوا تحتها احتياطات فلكية من ماس نادر غير معروف تماماً.
الماس







وتكتمت سلطات الاتحاد السوفييتي البائد على "الخبر الماسي" ولم تسمح باستخراج إلا قراريط محددة للدراسات والاختبارات التي أتضح منها أن ماس "بوبيغاي" أقوى بمرتين من أي ماس معروف في الأسواق، ما يجعله مثالياً للاستخدامات الصناعية والعلمية، وهو من نوع تكونت خاماته من ارتطام الكويكب بحقل من الماس موجود أصلاً على الأرض وبسرعة عالية.

وورد في بيان أصدره نيكولاي بوكيلينكو، وهو مدير "معهد نوفوسيبيرسك" الجيولوجي، أن بإمكان احتياطيات الحقل الماسي القديم- الجديد التأثير على نوع حركة أسواق الماس العالمية "برغم أن الزبائن الرئيسيين لهذا النوع من الماس القاسي هي الشركات والمعاهد العلمية"، كما قال.

وذكر نيكولاي أن كميات الماس المتواجدة في الحقل "أكبر بعشر مرات من احتياطيات العالم جميعها في آن واحد"، مشيراً إلى أنها "تريليونات القيراريط" وفق تأكيده، ما يعني أن ماساً بالأطنان سيدر ثروة على روسيا بالمليارات كل عام.

أما غينادي نيكيتين، وهو نائب مدير "معهد ياقوت نييبروم للماس" الروسي أيضاً، فنبّه الى أن الاكتشاف الجديد يمكن أن يؤثر في أسعار الماس "لكننا لا نعرف كيف ستصبح الأسعار في السوق إذا دخلته الماسات فائقة الصلابة"، بحسب تأكيده.

الاثنين، 20 أغسطس 2012

المليارديرات يضاربون على سبائك الذهب.. والأسعار ترتفع

من بينهم جورج سوروس وجون بولسون







يعتبر تجار الذهب الأكثر مضاربة على ارتفاع سعر الذهب خلال ستة أسابيع، مع زيادة المستثمرين حجم ممتلكاتهم من سبائك الذهب إلى رقم قياسي خوفا من تباطؤ النمو الاقتصادي وبعد أن قام المليارديران جون بولسون وجورج سوروس بشراء المزيد من الذهب.ويتوقع 14 من بين 26 محللا استطلعت آراؤهم من قبل وكالة «بلومبرغ» ارتفاع الأسعار الأسبوع المقبل، فيما توقع ستة منهم هبوط الأسعار. أما ستة آخرون، فقد كانوا محايدين، بجعل نسبة المضاربات على ارتفاع الأسعار الأعلى منذ 6 يوليو (تموز). وقام بولسون بزيادة حصته في «إس بي دي آر غولد تراست»، أكبر منتج متداول في البورصة مدعوم بالذهب، بنسبة 26 في المائة في الربع الثاني، وقام سوروس بزيادة حجم ممتلكاته من الذهب إلى أكثر من الضعف، حسب ما كشفت سجلات هيئة الأوراق المالية والبورصة في 14 أغسطس (آب) الحالي.
وسجل حجم الممتلكات من الذهب رقما قياسيا يوم 10 أغسطس الحالي، حسب ما أظهرت بيانات جمعتها وكالة «بلومبرغ». لقد انكمشت منطقة اليورو في الربع الثاني بعد أن أدى تفاقم أزمة الدين إلى دخول ست دول على الأقل في حالة من الركود، مثلما كشفت بيانات الاتحاد الأوروبي الصادرة يوم 14 أغسطس. وزادت مشتريات السبائك والعملات المعدنية الذهبية بنسبة 15 في المائة في أوروبا في تلك الفترة، حسب ما أفاد مجلس الذهب العالمي أمس. لقد تباطأ النمو في الولايات المتحدة خلال فترة ثلاثة أشهر حتى يونيو (حزيران) الماضي، وربما يمتد تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين إلى الربع السابع بعد توقف نمو الصادرات في يوليو (تموز) الماضي، كما خيب الإنتاج الصناعي والإقراض توقعات الاقتصاديين.
وقال تورستن بوليت، كبير الاقتصاديين في «ديغوسا غولدهاندل جي إم بي إتش»، شركة تداول المعادن النفيسة والاستثمار الكائنة في فرانكفورت: «ربما تلعب الشؤون النقدية في العالم أهم دور في ارتفاع أسعار الذهب». وأضاف: «سوف يدفع الاقتصاد المتباطئ إلى دعوات لتخفيف قيود السياسة النقدية. ويضيف هذا دعما إضافيا للذهب».
وأدت المضاربات إلى ارتفاع المعدن النفيس؛ حيث ارتفع سعر الذهب بنسبة 3.3 في المائة ليصل إلى 1.618 دولار للأوقية في بورصة السلع في نيويورك هذا العام، محققا 11% ربحا سنويا متتاليا. ويأتي هذا مقارنة بربح نسبته 3.5 في المائة في مؤشر «جي إس سي آي» الذي تصدره «ستاندارد آند بورز» لأربع وعشرين سلعة، وزيادة نسبتها 8.6 في المائة في مؤشر «مورغان ستانلي لجميع دول العالم» للأسهم. وحققت سندات الخزانة عائدا نسبته 1.1 في المائة، حسب ما أظهر مؤشر «بنك أوف أميركا».
وتشير الإحصاءات الأميركية إلى ارتفاع ملحوظ في الطلب على السبائك والعملات الذهبية الأوروبية إلى 77.6 طن متري في الربع الأخير، ويجب أن يزداد الطلب على المجوهرات في آسيا خلال النصف الثاني نتيجة ارتباط هذا الموسم بمشتريات الزواج والمهرجانات، حسب ما ذكر «مجلس الذهب» الذي يتخذ من لندن مقرا لها.
واشترى مستثمرون ذهبا تقدر قيمته بنحو 1.1 مليار دولار من خلال منتجات يتم تداولها في البورصة هذا الشهر وامتلكوا رقما قياسيا من الذهب قيمته 2.417.3 طن في 10 أغسطس، حسب ما أظهرت البيانات.
وزادت شركة «بولسون آند كو»، التي تملك أكبر حصة في ««إس بي دي آر غولد تراست»، ممتلكاتها إلى 21.8 مليون سهم خلال فترة ثلاثة أشهر حتى يونيو الماضي.
هذا، وقد كانت أكثر من 44 في المائة من الأسهم الأميركية المتداولة لشركة صناديق التحوط التي تبلغ قيمة ممتلكاتها 21 مليار دولار والكائنة في نيويورك، مرتبطة بسبائك، أو 16 في المائة باستثناء منتج «إس بي دي آر غولد تراست»، حسب ما أظهر السجل. ويوظف بولسون حصته في هذا المنتج لدعم الأسهم المقومة بالذهب. كما رفع «سوروس فاند ماندجمنت إل إل سي» قيمة حصته إلى 884.400 سهم. وقد رفض متحدث باسم كلا المستثمرين التعليق في بداية هذا الأسبوع.
ويتخوف كبار المستثمرون من خطوات تحفيز جديدة يجريها مجلس الاحتياط الفيدرالي بسبب تباطؤ النمو. وقد أفادت وسائل الإعلام الرسمية الصينية يوم 15 أغسطس الحالي أن رئيس الوزراء وين جياباو ارتأى مساحة لتعديل السياسة النقدية، كما وعد رئيس البنك المركزي الأوروبي، ماريو دراغي، الشهر الماضي باتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على اليورو وتعهد مجلس الاحتياطي الفيدرالي يوم 1 أغسطس بتخفيف القيود المفروضة على السياسة النقدية عند اللزوم. وربما يتحدث رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، بين بيرنانكي، عن الخيارات النقدية في مؤتمر يعقد في جاكسون هول في وايومنغ نهاية هذا الشهر.
لقد عكست صناديق التحوط وغيرها من أنواع صناديق الاستثمار الأخرى الهبوط في الأسعار الذي تبلغ نسبته 9.5 في المائة منذ نهاية فبراير (شباط) الماضي، مما أطاح بالمراهنات على ارتفاع الأسعار بنسبة 57 في المائة خلال تلك الفترة، حسب ما أظهرت بيانات لجنة تداول العقود المستقبلية للسلع. وقد هبط صافي المركز الطويل بنسبة 11 في المائة في الأسبوع الذي انتهي في 7 أغسطس ويعتبر قريبا من أدنى مستوياته منذ عام 2008.
وثمة إشارات دالة على تراجع الطلب، مع هبوط مبيعات عملات «النسر الأميركي» الذهبية من قبل دار سك العملة الأميركية بنسبة 49 في المائة لتصل إلى 30.500 أوقية الشهر الماضي، وهي أدنى قيمة لها منذ أبريل (نيسان) الماضي. باعت دار السك 9 آلاف أوقية حتى الآن في أغسطس، بحسب البيانات المنشورة على موقعها الإلكتروني.
هبط حجم استيراد الذهب في الهند، أكبر مشتر للذهب في العالم خلال العام الماضي، بنسبة 56 في المائة عن عام سابق، ليصل إلى 131 طنا في الربع الثاني، حسب ما أفاد «مجلس الذهب». وقد أثار انخفاض مستوى الأمطار الموسمية عن المعدل المعتاد هذا العام مخاوف بشأن الطلب على المجوهرات في الريف، بالنظر إلى اعتماد الناس على الزراعة والتأثير المحتمل للمحصول السيئ على مستويات الدخل، بحسب «مجلس الذهب». وقد سجلت الأسعار المحلية رقما قياسيا في يونيو الماضي، حسب ما كشفت بيانات جمعتها وكالة «بلومبرغ».
سيكون متوسط سعر الذهب المقدر بـ1.642 دولار للأوقية حتى الآن هذا العام هو الأكبر على الإطلاق، إذا ما ظل ثابتا على ذلك حتى 31 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، حتى بعد هبوط الأسعار بنسبة 16 في المائة عن الرقم القياسي الذي سجلته في سبتمبر (أيلول) الماضي. ويأتي جانب من الطلب من البنوك المركزية، ويتوقع «مجلس الذهب» احتمال أن تضيف ما يقرب من 500 طن لاحتياطي هذا العام.
وبالنسبة لسلع أخرى، يتوقع عشرة من بين ستة وعشرين متداولا ومحللا استطلعت وكالة «بلومبرغ» آراءهم، هبوط سعر الذهب الأسبوع المقبل، فيما توقع ثمانية أن يشهد ارتفاعا. وقد هبط سعر الذهب المتاح للتسليم في ثلاثة أشهر، بحسب العقد القياسي في بورصة لندن للمعادن، بنسبة 0.9 في المائة ليصل إلى 7.531 دولار للطن هذا العام.
وتوقع ستة من بين كل اثني عشر شخصا استطلعت آراؤهم أن سعر السكر الخام سيهبط الأسبوع المقبل، فيما توقع أربعة آخرون ارتفاع سعره. انخفض سعر السكر الخام بنسبة 13 في المائة ليصل إلى 20.38 سنت للرطل منذ بداية يناير في بورصة العقود الآجلة الأميركية في نيويورك.
ويتوقع ثلاثة عشر من بين 27 شخصا استطلعت آراؤهم ارتفاع أسعار الذرة الأسبوع المقبل، فيما توقع 10 أفراد انخفاضها، بينما توقع خمسة عشر من بين ثمانية وعشرين شخصا ارتفاع أسعار فول الصويا، في الوقت الذي تنبأ فيه عشرة أفراد بهبوطها. ارتفع سعر الذرة بنسبة 25 في المائة ليصل إلى 8.1075 دولار للمكيال في شيكاغو هذا العام وسجل رقما قياسيا بلغ 8.49 دولار في 10 أغسطس، نتيجة تسبب أسوأ جفاف يحدث في الولايات المتحدة خلال نصف قرن في إتلاف المحاصيل. سجل محصول فول الصويا أعلى ارتفاع له على الإطلاق في يوم 23 يوليو الماضي، وارتفع بنسبة 36 في المائة هذا العام ليصل على 16.3875 دولار للمكيال.
وارتفع مؤشر «جي إس سي آي» الذي تصدره «ستاندارد آند بورز» بنسبة 19 في المائة منذ 21 يونيو الماضي، مرتفعا إلى نحو 1 في المائة مما يطلق عليه «السوق الصاعدة». وسوف تحقق السلع عائدا نسبته 27 في المائة خلال 12 شهرا، حسب ما ذكرت شركة «غولدمان ساكس غروب» في تقريرها الصادر يوم 16 يوليو الماضي. وقال فيليب بيترسون، محلل في شركة «إس إي بي إيه بي» الكائنة في أستوكهولم: «ستكون هناك حاجة على الأرجح إلى حافز مالي أو نقدي لرفع أسعار السلع بشكل أكبر».

جون بوغل.. مهندس صناديق الاستثمار الذي لا يهدأ أبدا


في العقد التاسع من عمره وما زال مصرا على إكمال مهمته







  جون بوغل (نيويورك تايمز)
                                                             

نيويورك: جيف سومر*
لقد أصبحت شركة «فانغارد»، وهي شركة إدارة صناديق الاستثمار الخجولة التي أسسها جون بوغل، صرحا ضخما، وصارت صناديق المؤشرات التابعة لها - التي كانت في يوم من الأيام محل سخرية بسبب عدم محاولتها حتى أن تتفوق على السوق - المعيار الذي يسترشد به الآن في هذا المجال.وبعد 6 نوبات قلبية على الأقل وعملية زراعة قلب، استطاع بوغل أن يشهد هذا الانتصار، فقال بصوت منتشٍ: «الأمر كله أشبه بالمعجزة. من الجميل حقا أن أتمكن من رؤية هذا وهو يحدث في حياتي».
وبمثل هذا التاريخ المرضي، فإن أي رجل آخر في الثالثة والثمانين من عمره كان من الممكن أن يجلس ببساطة للاستمتاع بنجاحه، ولكن ليس جون بوغل، فما زال عليه أن يكمل مهمته، بنفس الصراحة وتقريبا بنفس القوة التي كان عليها طوال عمره - وهو يقول إن هذا بفضل قلب رجل أصغر منه سنا. فهو لم ينته بعد، ويؤكد: «من الضروري أن يستيقظ الناس». لماذا؟ لأن هذا هو أسوأ توقيت رآه بالنسبة للمستثمرين على الإطلاق - وبعد ما يزيد على 60 عاما في عالم المال والأعمال، فإن هذا يعني الكثير.
ولنبدأ بالاقتصاد، الذي يعد المصدر الأساسي لعوائد البورصة على المدى البعيد، فيقول بوغل: «هناك غيوم تحوم حول الاقتصاد، والنظام المالي تأذى بشدة. صحيح أن خطر وقوع حدث من أحداث البجعة السوداء - بأن يكون شيء ما مستبعدا لكنه ينذر بشؤم - صغير، لكنه حقيقي». ويضيف أنه حتى مع ذلك، فإن المستثمرين على المدى الطويل يجب أن يحتفظوا بالأسهم، لأنه على الرغم من المخاطر التي قد تكتنف السوق، فما زال من المرجح أن يحقق هذا عوائد أفضل من البدائل.
ويؤكد بوغل: «المستثمرون الذين يتمتعون بالحكمة لن يحاولوا أن يكونوا أذكى من السوق. سوف يشترون صناديق المؤشرات على المدى الطويل، وسوف يحرصون على التنويع. ولكن التنويع في ماذا؟ إنهم بحاجة إلى بدائل، سندات في الغالب. الشيء المخيف جدا الآن هو أن بدائل الأسهم فقيرة للغاية».
ويتابع قائلا إنه في الأزمات المالية التي وقعت خلال الأعوام الكثيرة الماضية، اندفع المستثمرون إلى السندات الحكومية التي تبدو آمنة، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض العوائد، كما دأب مجلس الاحتياطي الفيدرالي والمصارف المركزية الأخرى أيضا على خفض أسعار الفائدة.
غير أن انخفاض العوائد اليوم في رأيه يعني انخفاض العوائد لاحقا، و«النظرة المستقبلية للسندات خلال العقد المقبل فظيعة حقا». ويرى بوغل أنه في ظل هذه النظرة المستقبلية القاتمة، لا بد للناس أن «يثابروا حتى النهاية» إذا أرادوا أن يكون لديهم أمل في بيع منازلهم أو إيصال أبنائهم إلى الجامعة أو الاستمتاع بتقاعد مريح.
وما زال بوغل يدعو إلى الاستثمار طويل الأجل منخفض التكلفة، فيوضح: «أفكاري بسيطة للغاية. عند الاستثمار، فإنك تحصل على ما لا تدفع ثمنه. إن التكاليف أمر مهم، وبالتالي فإن المستثمرين الأذكياء سوف يستعينون بصناديق المؤشرات منخفضة التكلفة لبناء حافظة متنوعة من الأسهم والسندات، وسوف يثابرون حتى النهاية. كما أنهم لن يكونوا حمقى بما يكفي ليعتقدوا أنه يمكنهم التذاكي على السوق طوال الوقت».
ومع ذلك، فنظرا لأن السوق والاقتصاد يمران بأزمة خانقة، فإن هذا هو وقت التحرك على جبهات كثيرة، فيقول بوغل: «ليس أمامنا حقا أي خيار آخر. علينا أن نصلح هذا النظام. كلنا، كأفراد، لا بد أن نفعلها».
وقد كانت هذه هي الرسالة التي قدمها في أحدث مؤلفاته، وهو الكتاب الحادي عشر له بعنوان «صدام الثقافات: الاستثمار في مقابل المضاربة» (The Clash of the Cultures: Investment vs. Speculation)، وهو يتضمن نقدا شديدا لقطاع الخدمات المالية والنصائح المحدثة التي تقدم للمستثمرين، حيث يقول فيه: «لقد انتشرت ثقافة تقوم على المضاربة على المدى القصير، لتحل محل ثقافة الاستثمار على المدى الطويل التي كانت سائدة في السابق في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية».
ويذهب الكثير جدا من المال إلى المضاربة قصيرة الأجل، بحثا عن ربح سريع دون اكتراث يذكر بالمستقبل، وقد تضرر النظام المالي من سيل من الابتكارات المزعومة التي تروج فقط للتداول السريع جدا وتوقيت السوق والمناورات قصيرة النظر من جانب الشركات، بينما يحصل المستثمرون الأفراد على أقل مما يستحقون.
وتتدفق أموال الشركات على الحملات السياسية، كما تعرض نظام معاشات التقاعد الأميركي لحادث قطار، وصارت قيم أميركا الأساسية مهددة. ويظل بوغل رأسماليا راسخا، لكنه يقول إن النظام «فقد توازنه»، مما يهدد المجتمع بأكمله. وهو يقتبس مقولة وينستون تشرشل التي قال فيها: «يمكنكم دوما الاعتماد على الأميركيين في فعل الشيء الصائب - بعد أن جربوا كل شيء آخر»، مؤكدا أن الآن هو الوقت المناسب لتجربة شيء آخر.
وهو من أنصار فرض ضرائب للحد من المضاربة قصيرة الأجل، كما يريد وضع قيود على نشاط الاقتراض، وتوفير الشفافية في المشتقات المالية، وتطبيق عقوبات أكثر صرامة على الجرائم المالية، وربما يكون الأكثر إلحاحا هو وضع معيار موحد للثقة بالنسبة لجميع مديري الأموال: «إن وضع معيار للثقة يعني في الأساس أن توضع مصالح العميل أولا، دون أي أعذار». وهؤلاء العملاء - أي الناس العاديين الذين يخاطبهم دوما - بحاجة إلى حماية أنفسهم من الخطر، فيستطرد قائلا: «في عالم مثالي، كذلك الذي رسمه آدم سميث، سوف يميز الأفراد ما يحتاجون إلى فعله لمصلحتهم الذاتية، وسوف يجعلون التغييرات تحدث ويعتنون بأنفسهم».
ويختلف بوغل أحيانا مع إدارة شركة «فانغارد» الحالية، لكنه يظل فخورا بالشركة التي أسسها، فقد اكتسبت صناديق المؤشرات شعبية أكبر من أي وقت مضى، وبدأ سيل من الأموال يتدفق على الشركة. وبفضل صناديق المؤشرات المتنوعة التي تمتلكها في المقام الأول، حققت شركة «فانغارد»، التي يقع مقرها بالقرب من منطقة فالي فورج بولاية بنسلفانيا، صافيا نقديا بلغ 87,8 مليار دولار منذ بداية هذا العام حتى نهاية يونيو (حزيران) الماضي، هذا بخلاف صناديق أسواق المال، وهذا الرقم يعادل 40 في المائة تقريبا من التدفقات النقدية لقطاع صناديق الاستثمار برمته.
ويقول بارتون مالكييل، الخبير الاقتصادي في «جامعة برينستون» ومؤلف كتاب «جولة عشوائية عبر وول ستريت» (A Random Walk Down Wall Street): «صناديق المؤشرات اكتسبت رواجا كبيرا الآن إلى درجة أنه أصبح من السهل نسيان كم كان جاك بوغل شجاعا وعنيدا في إنشائها. لقد أطلق عليها حماقة بوغل لأن كل ما كانت تقوم به هو مضاعفة عوائد السوق. لكن هذا بالطبع يعتبر شيئا كبيرا. ففي العالم الأكاديمي، كان كثيرون يرون الحكمة من هذا، لكن جاك هو الشخص الذي جعل هذا يحدث فعليا».
وقد حاول بوغل أيضا أن يضمن أن تظل صناديق «فانغارد» دائما رخيصة في شرائها والاحتفاظ بها، وعلى الرغم من أن شركة «فانغارد» ولدت على يديه، فهو لم يحز مطلقا أي حصة ملكية فيها بخلاف الأسهم التي يمتلكها في صناديق الاستثمار التابعة لها، فمساهمو صناديق «فانغارد» يملكون المكان بشكل جماعي، لأنه خططه على هذا النحو.
ويقول بوغل: «الاستراتيجية تتبع الهيكل»، مبينا أنه في ظل عدم وجود أي شركة أم أو ملاك من القطاع الخاص يمتصون الأرباح، فإن شركة «فانغارد» يمكنها أن تبقي التكاليف أقل من أي أحد آخر، وقد كان ذلك هو الهدف دائما. ويمضي قائلا: «الطريقة الوحيدة كي يستطيع أي أحد أن يتنافس معنا حقا فيما يتعلق بالتكاليف هو أن يتبنى هيكل ملكية مشتركة. لقد ظللت أنتظر كل هذه السنوات كي يفعلها أحدهم، لكن أحدا لم يفعل».
وفي السنوات التي شهدت أوج أرباحه في شركة «فانغارد»، كان يداوم على التبرع بنصف راتبه للأعمال الخيرية، ومن بينها اثنتان من المؤسسات التعليمية التي درس بها، هما مدرسة «بلير أكاديمي» (وهي مدرسة إعدادية في منطقة بلير تاون بولاية نيو جيرسي) و«جامعة برينستون»، وكلتاهما كان قد حصل على منحة للدراسة فيها، إلى جانب عمله في وظائف بدوام جزئي كي يساعد على توفير مصاريف دراسته. وفي «جامعة برينستون»، وضع في أحد الأبحاث التي قام بها في الصف النهائي الخطوط العريضة لشركة خدمة المساهمين منخفضة التكاليف التي أصبحت فيما بعد شركة «فانغارد». وما زال بوغل يقدم تبرعات للكثير من القضايا، وهو يعلق قائلا: «أسفي الوحيد بخصوص المال هو أنني لا أملك المزيد منه كي أتبرع به».
وعلى الرغم من أنه لا يتولى أي دور تشغيلي في شركة «فانغارد»، فهو لم يغادرها بصورة تامة، حيث يعمل داخل مقر الشركة رئيسا لـ«مركز بوغل لأبحاث أسواق المال»، وهو معهد بحثي صغير يتيح له منبرا ممتازا يحاول استخدامه بالطريقة الفعالة التي كان يستخدمه بها مثله الأعلى تيودور روزفلت. ويتمتم قائلا: «لم يعد هناك الكثير منا نحن جمهوريي روزفلت». وربما يكون بوغل جمهوريا، إلا أنه أعطى صوته لبيل كلينتون وباراك أوباما، وينوي التصويت لصالح أوباما مرة أخرى. وهو يقول إن التنظيم الحكومي للقطاع المالي غير كافٍ، كما أنه من أنصار «قاعدة فولكر»، التي سميت على اسم صديقه باول فولكر، الرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، الذي يرى ضرورة أن لا تقوم المصارف الخاضعة للضوابط التنظيمية بمراهنات تنطوي على مخاطرة بأموالها الخاصة.
وقد انتقل بوغل إلى هذا المعهد بعد أن غادر مجلس إدارة الشركة عام 1999 وسط صراع مع جون جاك برينان، الرجل الثاني الذي اختاره خلفا له. وكانت صحة بوغل قد أصبحت غير مستقرة في التسعينيات من القرن العشرين، وفي عام 1996، عندما تنحى عن منصب الرئيس تنفيذي وأسنده إلى برينان، كان قد تعرض بالفعل لست نوبات قلبية على الأقل واشتد عليه المرض، وذلك بحسب اثنين من المسؤولين في شركة «فانغارد» وقتها، حيث ذكر أحدهما: «في تلك المرحلة، لم يكن جاك بوغل قادرا على المشي ببطء عبر الغرفة دون أن تنقطع أنفاسه. كان قلب جاك على وشك التوقف عن العمل، فإما أن يجري عملية زراعة قلب أو أن يقول وداعا لهذا العالم». وأجريت له جراحة زراعة القلب في أوائل عام 1996 بنجاح باهر، ويضيف المسؤول: «بدنيا، لقد ولد جاك من جديد. كان هذا رائعا، لكنه جعل الأمور معقدة للغاية في شركة فانغارد».
كان بوغل قد قام بتعيين برينان في الشركة عام 1982، وعملا معا بصورة ودية لما يزيد على 10 سنوات. وذكر مسؤول قديم في شركة «فانغارد» رفض ذكر اسمه لأن هذه المسألة ما زالت حساسة داخل الشركة: «جاك وجاك نوعان مختلفان تماما. جاك برينان هو العقل المدبر، رجل العمليات الذي لا يستهويه الحديث مع الصحافيين، وجاك بوغل هو الوجه الخارجي، مسؤول التسويق الأمثل». ولفترة طويلة، بدا أن هذا التناغم مناسب، لكن الأمور تغيرت بعد عودة بوغل بقلب جديد وقوة متجددة، فعقب توليه منصب «رئيس أول مجلس الإدارة»، وجد بوغل أنه غير متفق مع بعض قرارات برينان، وذكر هذا صراحة، حيث انتقد اهتمام برينان بإنشاء صناديق أسهم قطاعية ذات نظرة ضيقة، كما أقلق بوغل أن شركة «فانغارد» بدأت في التركيز على بيع الصناديق عن طريق مستشاري استثمار، حيث كانت المبيعات المباشرة إلى المستثمرين أحد الابتكارات الرئيسية منخفضة التكلفة في الأيام الأولى للشركة.
وفي عام 1999، مع تصاعد حدة التوترات بينهما، طلب من بوغل الرحيل عن مجلس الإدارة بعد بلوغه سن التقاعد الإلزامي وهو 70 عاما، ويقول الرجل: «كنت أظن أنه سيكون هناك استثناء لمؤسس الشركة». ونشرت تفاصيل النزاع على الملأ، وعرض مجلس الإدارة على بوغل تمديد ولايته، لكنه انتقل إلى المعهد البحثي الجديد، الذي صار مستقرا له منذ ذلك الحين.