الأربعاء، 1 أكتوبر 2008

الأزمة المالية العالمية وصناديق التحوّط تبتلع خزائن الصناديق السيادية

1/10/2008



د. عبد الله رزق 
أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية.

إنفجرت الأزمة المالية، المنتظرة منذ عام على الأقل، وتفاقمت نتائجها بسرعة مذهلة على صعيد العالم، وظهر أن أقصى ما يمكن فعله، على الرغم من الاحتياطات والخزائن المكدّسة، هو التخفيف من الآثار السلبية.
أفلس مصرف (Lahman Brs)، وبيعت شركة ميريل لينش المالية إلى (Bank of America) وتمّ تأميم "العملاق التأميني شركة "American International group عبر شراء 79,9% من أسهمها، من قِبل وزارة الخزانة الأميركية ووضع المصرفان الاستثماريان الباقيان في العناية الفائقة. 
وعليه، فالأزمة التي ولدت قبل عام في قطاع التسليف على الرهونات العقارية، من جرَّاء قروض غير محسوبة إلى مشتري بيوت سكن عاجزين عن تسديد ديونهم، ها هي تتسع لتبلغ قطاعات جديدة، ولتهدِّد التوازن والاستقرار الاقتصادي الدوليين، في لحظة تستريح فيها شبكة العولمة إلى واقع سيطرتها المطلقة واستحواذها الكامل على آليات النشاطات الاقتصادية الدولية وحركتها.

الرهن العقاري بوابة الأزمةإن المنطق الطبيعي للإقراض البنكي، هو تأكّد البنوك والمؤسسات المالية التي تقدّم الرهون من مسألتين أساسيتين:
أولهما، عدم المغالاة بقيمة الممتلكات العقارية التي يتمّ رهنها.
وثانيهما، الاطمئنان إلى سجل المقترض وكفاية دخله للقيام بالمدفوعات اللازمة تسديدًا للقرض.
وهاتان المسألتان ضمانة البنك لأمواله وأموال المودعين فيه.
هذه البدهية الإقراضية، تطوَّرت في المسار التاريخي لتحوِّل المؤسسات المالية نحو المزيد من التخصُّص، حيث بدأ يختصّ البعض منها بإصدار القروض، والبعض الآخر في جمع المال غرض تمويل القروض. وهكذا بدأت المؤسسات، التي أثبتت جدارتها في جمع رأس المال، شراء الرهون من تلك المؤسسات الجديرة في إصدارها.
وهكذا بدأ التطور في سوق الرهن الثانوي.
أما على صعيد الولايات المتحدة الأميركية، فقد بدأت المشاكل المرتبطة بالإقراض والرهن العام 1938، وبخاصة في أثناء إدارة الرئيس روزفلت، على الرغم من أن تلك الإدارة هي التي أنتجت فكرة توسيع الملكية الإسكانية من خلال إشراك الحكومات، حيث تمّ إنشاء "الجمعية الفدرالية للرهن العقاري الوطني" وقد عرفت باسم "فاني ماي".
كانت هذه الجمعية تقوم بشراء الرهون من البنوك، كما تفعل الشركات الخاصة، لكن باستخدام أموال دافعي الضرائب، وقد أُعطيت خاصية هامة ألا وهي: القدرة على الاقتراض من الحكومة الفدرالية بأرخص مما تستطيعه المؤسسات الخاصة. وهكذا استطاعت أن تحتكر سوق الرهن الثانوية. وقد حبّذت البنوك الجيِّدة في إصدار الرهون هذا الواقع والترتيب، كونه وفّر لها سوقًا جاهزًا يتم به إعادة بيع الرهون والحصول على الربح اللازم.
على هذه القاعدة، بدأت مستويات الائتمان وضمانات الرهون تنخفض على مدى سنوات، إنطلاقًا من أنّ الذين قاموا بتسيير أمور المؤسسة "فاني ماي" لم يستخدموا أموالهم الخاصة بل أموال دافعي الضرائب (لذلك كانوا أقل حرصًا وتشدّدًا)، على اعتبار أن هذا العمل يتمتَّع بجدوى اجتماعية، حيث يتمّ تيسير أمور الناس لشراء منازل سكنية، ومن الواجب تخفيف الشروط والتغاضي عن الصدقية الائتمانية، خدمة للحاجة الاجتماعية.
أمام تعاظم الأثر السلبي لهذا السلوك، قامت الحكومة الفدرالية العام 1968 بخصخصة مؤسسة "فاني ماي" مطالبة إياها بجمع الأموال من أسواق القطاع الخاص. وعملاً بالثقة المطلقة بأنّ الكونغرس لن يسمح بإفلاس "فاني ماي" تعاظمت رغبة مورّدي رأس المال من القطاع الخاص بالتعامل معها حتى وإن كان المردود المنتظر لكنه أقل مخاطرة لذلك عادت إلى احتكار سوق الرهن الثانوي.
غير أنّ الكونغرس، العام 1970، قام بتبنِّي مؤسسة مشابهة لـ"فاني ماي" مفسحًا المجال للمنافسة، واستمرت المؤسسات المالية المصدِّرة للرهون بسياسة عدم التشدّد في المعايير والضمانات المطلوبة. وتحت شعار دعم "الرخاء السكني" عرض البنك الاحتياطي الفدرالي العام 2002، مقادير من الأموال على البنوك وبأسعار فائدة أقل من نسبة التضخم، وبإصدار 100% من الرهون إلى مقترضين ليس بالضرورة تمتُّعهم بالصدقية الائتمانية.
عُرِضت هذه الرهون على المؤسستين المذكورتين، فتمّ تصنيف رهونها وبيعها إلى صناديق استثمارية وإلى الجمهور، على قاعدة أنها استثمارات حد أدنى من المخاطر. لذا بدأت قيم العقارات وأسهم الشركات العقارية بالارتفاع ليس فحسب في أميركا، بل في كل أنحاء العالم، وظهر ما يُسمّى بفقاعة القطاع العقاري، حيث اعتبر شراء العقار أفضل أنواع الاستثمار مقابل الأنشطة الأخرى بما في ذلك التكنولوجيا الحديثة المعرَّضة للخسارة بشكل أكثر من غيرها.
وأقبل الأميركيون أفرادًا وشركات على شراء العقارات للسكن أو للاستثمار أو للمضاربة. فوصلت الفقاعة إلى مداها الأقصى العام 2007 حيث بدأت تفوح روائح عدم القدرة على التسديد، إذ أعلن 12 مليونًا من أصل 20 مليون، عدم قدرتهم على سداد القروض. لذا هبطت العقارات، وفقد أكثر من مليوني أميركي ملكيتهم العقارية وكُبِّلوا بالالتزامات المالية.
أسبوع الآلام الأميركي، مرشح للتمديدإثر انفجار الفقاعة العقارية في شباط/فبراير 2007، بدأت تلوح "تباشير" الأزمة المالية، وجثم شبحها على حركة الأسواق المالية العالمية، وعلى الاقتصاد السلعي، وكانت احتمالاتها محور التحليلات والتوقُّعات للخبراء وللهيئات وللمؤسسات الدولية ذات الشأن والصلة، إلى أن كانت الهزَّة الكبرى أوائل النصف الثاني من أيلول/سبتمبر 2008 بانهيار بنك "ليمان برذرز" الاستثماري، وبيع "ميريل لينش" لبنك أوف أميركا، و"تأميم" شركة التأمين العملاقة "A.I.G.". أما تردُّدات الهزَّة، فكان انخفاض مؤشرات أسهم البورصات العالمية، وتهديد المصرفين الاستثماريين الباقيين في الولايات المتحدة الأميركية "مورغان ستانلي" و"غولدمان ساكس"، الأمر الذي يطرح تساؤلاً كبيرًا حول احتمال أفول دور مؤسسات الوساطة في بيع السهم، تلك التي نشطت في الولايات المتحدة الأميركية قبل 73 عامًا، وشهدت توسعًا كبيرًا حتى الراهن من الأيام، حيث لم يبق سوى المصرفين المذكورين المهدَّدين، وقد يكون الاتجاه إلى المصارف الاستثمارية الصغيرة الأقرب إلى المؤسسات الاستثمارية.
واللافت في سياق هذا المسار الأزموي، هو استخدام الأموال العامة الأميركية لإنقاذ أموال المضاربة الخاصة، وذلك عبر شراء 79,9% من أسهم شركة التأمين بمبلغ 85 مليار دولار، من قِبل المجلس الاحتياطي الفدرالي، ما يعني التحكم بقراراتها الإدارية والتنفيذية وبما يشبه "التأميم" المرفوض تقليديًا في أدبيات اقتصاد السوق. والمبرر لهذا التجاوز أن هذه الشركة تقدِّم خدمات التأمين وإعادة التأمين لـ 74 مليون زبون حول العالم. والخوف من أن يصبح هذا الكمّ الهائل من البشر من دون تأمين في حال إفلاس الشركة، مع العلم أنه يعمل في الشركة حوالى 116 ألف شخص في 130 دولة، وهي قامت بتأمين الكثير من الاستثمارات ضد عدم الدفع أي ما يُعرف بـ "كريديت ديفولت سوابس". لذلك خسرت 25 مليار دولار في انفجار الفقاعة العقارية.
هذا، وعلى الرغم من "التدابير السريعة"، وتأمين السيولة بمبالغ خيالية، من قِبل البنوك المركزية الأوروبية واليابانية، وإعلان وزارة الخزانة الأميركية قرار السماح لمجلس الاحتياط الفدرالي ببدء المزادات على السهم والسندات المرهونة لديها مقابل قروض المصارف والمؤسسات المالية، فإن الأزمة تشهد فصولاً متتابعة حتى كتابة هذه السطور. وخطة الإنقاذ الحكومية موضع تجاذب، ودلالة على حجم الكارثة صدر عن المرشحين للرئاسة الأميركية إعلان مشترك يدعوان فيه إلى التنبُّه من الكارثة. لذا، الاضطراب وعدم اليقين والبلبلة والذعر تسود الموقف.
الأزمة الراهنة حتى انفجارها مسار متواصل
شباط/فبراير 2007: الولايات المتحدة الأميركية تشهد ارتفاعًا كبيرًا في عدم قدرة المقترضين على دفع مستحقات قروض الرهن العقاري، أي انفجار الفقاعة العقارية، وهذا ما أدى إلى أولى عمليات إفلاس مؤسسات مصرفية متخصصة.
حزيران/يونيو 2007: مصرف الاستثمار الأميركي ""Bear Steams، أول بنك كبير تعلن خسائره الناتجة عن قروض الرهن العقاري.
آب/أغسطس 2007: البنك المركزي الأوروبي يضخ 94,8 مليار يورو من السيولة، والخزينة الفدرالية الأميركية تضخ 24 مليار دولار، كما يتدخَّل العديد من البنوك الأخرى، كبنك اليابان والبنك الوطني السويسري.
أيلول/سبتمبر 2007: بنك إنكلترا يمنح قرضًا استعجاليًا إلى مصرف Northern Rock، لتجنيب الإفلاس، وقد تمّ بعد ذلك تأميمه.
تشرين الثاني/أكتوبر 2008: الخزينة الفدرالية الأميركية تخفض نسبة الفائدة الرئيسة ثلاثة أرباع النقطة، لتصل إلى 3,5% وهو إجراء اعتبره الخبراء ذا بعدٍ استثنائي.
آذار/مارس 2008: الخزينة الفدرالية الأميركية تعلن عن استعدادها لتقديم مبلغ يصل إلى 200 مليار دولار لمجموعة محدودة من البنوك الكبرى.
آذار/مارس 2008: العملاق المصرفي الأميركي "Jp Moran Chase"، يعلن شراءه مصرف "Bear Steams"، الذي يعاني صعوبات، وهي العملية التي حظيت بدعم مالي من طرف الخزينة الفدرالية الأميركية.
تموز/يوليو 2008: الضغط يشتد على مؤسستي "Freddie Mac" و""Fannie Mae الأميركيتين المتخصِّصتين في إعادة تمويل القروض العقارية، والخزينة الأميركية تعلن عن خطة لإنقاذ القطاع العقاري.
أيلول/سبتمبر 2008: إعلان إفلاس مصرف "Lahman Brothers"، وبيع مؤسسة "ميريل لنش" المالية، والتهديد بالإفلاس لعملاق التأمين العالمي "A.I.G."، وتداعي أسعار الأسهم في مختلف بورصات العالم، والخطر يتهدَّد المصرفين الاستثماريين الأميركيين الباقيين "مورغان ستانلي" و"غولدمان ساكس". باختصار إنه انفجار الأزمة المالية في الولايات المتحدة وعلى صعيد العالم.
هذه الأزمة المالية ليست فريدة في التاريخ، بل هي حلقة من سلسلة أزمات مالية تتوالى على الصعيد العالمي في العقدين الأخيرين: أزمة فقاعة الإنترنت العام 2000، وأزمة 1997 – 1998، حيث عصفت مجموعة من الأزمات النقدية والمصرفية في آسيا وفي روسيا ثم البرازيل والأرجنتين التي انهار نظامها النقدي العام 2000.
لماذا الأزمة؟
إن الإجابة التفصيلية التي تعتمد على السيرورة اليومية لمظاهر الأزمة وآلياتها، إضافة إلى تجليَّاتها وعواملها الظاهر منها والمختبئ، عدا عن آثارها وانعكاساتها على المستويات الاقتصادية كافة، خصوصًا منها الاقتصاد الحقيقي. هذا النوع من الإجابة، قد يكون ليس كافيًا، وإن كان يؤشر ويعلّم لمعالم الأزمة ووجوهها والتدابير المحتملة في التعامل معها.
هذا النوع من الأزمات بات يتفشَّى بثبات وسرعة مع نمو دافع المضاربة – المضاربة التي هي أساس الداء - فهو أبسط وأسرع تفسير للهزَّات الماليَّة، وهو اليوم أعمق تفسير للأزمة الحالية.
فانحراف النشاط الاقتصادي عن العمل المنتج نحو تدوير المنتجات عدّة مرات بغرض المضاربة ورفع أسعارها إلى أكثر من قيمتها الحقيقية، يؤدي حتمًا إلى الوقائع المماثلة.
لا مناص للمبالغة في المضاربة من أن تهوي بالأسعار عاجلاً أم آجلاً، ولا بدّ للسوق من أن يصحِّح نفسه. وهذا ما حصل مرتين في السنوات العشر الأخيرة: الأولى مع فقاعة الإنترنت، واليوم مع "فقاعة العقارات".
فاقتصاد الفقاعة أو اقتصاد البالون ظاهرة تتكرَّر مع المضاربة على سلعة ما، بحيث يتزايد سعرها، ما يؤدي إلى المضاربة عليها، فينتفخ السعر كالبالون.
ولما كان هذا الانتفاخ يجافي العوامل الاقتصادية الموضوعية، يحدث الانفجار أو "الانهيار" ما يؤدي إلى هبوط حاد ومفاجئ للسعر.
يصح هذا الأمر أيضًا على بعض الاقتصادات التي تشهد رواجًا كبيرًا لفترة زمنية محدودة، من دون أن يكون مستنداً إلى قاعدة إنتاجية متينة تولّد الدخل المنتظم والنمو المتواصل على أسس دائمة ومستقرَّة.
أطلَّت الأزمة الراهنة بعد سنوات من ارتفاع أسعار المنازل في سوق الإسكان الأميركي ارتفاعًا غير مألوف نتيجة مضاربات من قِبل مشترين ينوون إعادة البيع سريعًا بعد ارتفاع الأسعار، وقد شجَّعهم على ذلك انخفاض تكلفة تمويل هذه العقارات.
وفي حمَّى الشراء، وبتشجيع من بعض الوسطاء والبنوك، تورَّط كثير من المشترين في قروض رهن عقاري وديون أخرى عالية المخاطرة. ويبدو أنهم لم يحسنوا تقدير درجة خطورة هذه المعاملات، لذلك عندما بدأ سوق الإسكان تصحيح وضعه، أخذت أسعار المنازل في الانخفاض وأسعار الفائدة في الارتفاع، وزادت مخاوف المراقبين من مخاطر عدم قدرة المقترضين على التزام تسديد أقساطهمز وترتَّب على هذه المخاطر لجوء البنوك إلى الاحتفاظ بالسيولة خشية تعرضها لديون معدومة، فأدى شحّ السيولة إلى ارتفاع الفائدة.
أصبح الوضع العام غير مطمئن، وليس هناك ما هو أخطر على الأسواق المالية من ارتفاع مستوى عدم اليقين فيها. إذ أن نقص السيولة لدى البنوك سيؤثر في ما بعد على قدرة الشركات في الحصول على المال اللازم لتمويل أنشطتها فتمتد هذه الصعوبة إلى المستهلكين الذين سيقل إنفاقهم، الأمر الذي يؤول في النهاية إلى تباطؤ نمو الاقتصاد. لهذا نشاهد اليوم من أهم التدابير المتخذة لوقف الأزمة في مكان ما أو لتلافيها والحؤول دون تماديها هو تدخل البنوك المركزية لتوفير السيولة اللازمة للبنوك التجارية.
مثلث سلبي يحتضن الأزمة الراهنة
إضافة إلى الضرر الذي لحق بالجمهور الأميركي، أصيبت المصارف الدائنة بخسارات فادحة وكذلك الشركات العقارية التي أعلنت إفلاسها.
وبدأ، بشكل عام، التخوُّف من حدوث كساد اقتصادي، ولم يقتصر الأمر على قيم الأسهم والأوراق المالية بل شمل الاقتصاد الحقيقي.
هذا، وقد أتت هذه الوقائع على أرضية أزمة تستفحل في الولايات المتحدة الأميركية منذ فترة طويلة بعناوين ثلاثة كبيرة:
- عجز تجاري متمادٍ.
- عجز ميزانية.
- مديونية عالية.
فتضافرت العوامل لتؤثّر على مصدر النمو الأميركي أي على الاستهلاك الداخلي.
أما بما يتعلَّق بالميزان التجاري، فإنّ الولايات المتحدة الأميركية تعاني عجزًا وصل العام 2006 إلى حوالى 760 مليار دولار. وقد بدأ هذا العجز العام 1971، ولم يتوقَّف خلال أكثر من ثلاث عقود متتالية. أما أسبابه فيمكن تحديدها بالآتي:

أ - صعود اقتصاديات أوروبا واليابان بعد تعافيها من آثار الحرب العالمية الثانية.
ب -  ظهور اقتصاديات ديناميكية جديدة كجنوب شرق آسيا والصين.
ج - ثورة التكنولوجيا ووسائل الإنتاج الحديثة وانتشارها لدى نمور الاقتصاد الآسيوي، وبعض أوروبا الحديثة، ولم تعد التقنيات حكرًا على الدول الصناعية الكبرى في قارتيّ أميركا الشمالية وأوروبا.
د - عدم تمتّع الدول الآسيوية بمستويات معيشية عالية كالموجودة في أميركا وأوروبا، ما ألزم هذه الدول أن تصنع منتجات بكلفة أقل، ما ساعدها على اختراق الأسواق الأميركية ومنافسة منتجاتها.
هـ - هذه الحقائق الاقتصادية، دفعت بعض الشركات الأميركية للتصنيع في الخارج والتصدير إلى الأسواق الأميركية كي تتمكّن من منافسة البضائع الأجنبية المنشأ. وهكذا تحوَّلت الولايات المتحدة الأميركية إلى بلد مستورد للمنتجات الأميركية.
أدّت العوامل الآنف ذكرها إلى عجز تجاري كبير، وفقدان ملايين الوظائف، وأسهمت في تباطؤ الاقتصاد وجعلته أقرب إلى الكساد الشامل، حيث بلغ معدل النمو الحقيقي بعد احتساب التضخم العام 2006 حوالى 2,9%. ونتيجةً لحالة العجز التجاري عانى الدولار الأميركي انخفاضًا حادًا أمام العملات.
أضيف إلى عجز الميزان التجاري في السنوات الأخيرة عجز في الميزانية قُدِّر في ميزانية العام 2008 بحوالى 410 مليارات دولار، أي نسبة 2,9% من الناتج.
وتكمن الخطورة في أنّ النفقات المرتفعة يغلب عليها الطابع العسكري، أي أنها نفقات لا تهدف إلى زيادة الاستثمار والتشغيل ورفعهما بل إلى تمويل العمليات الحربية التي تخوضها الولايات المتحدة في أكثر من مكان في العالم، وبشكل خاص في العراق وأفغانستان.
وبهذا تُستخدم الضرائب كوسيلة للحصول على أصوات الناخبين (مشاريع سياسية) بدلاً من أن تكون إيرادات لتمويل العجز المالي.
أما على صعيد المديونية العالية، فإنّ إحصاءات وزارة الخزانة الأميركية تشير إلى ارتفاع الديون الحكومية (الإدارة المركزية والإدارات) من 4,2 تريليون دولار العام 1990 إلى 8,4 تريليون دولار العام 2003، إلى 8,9 تريليون دولار العام 2007.
وبهذا تكون الولايات المتحدة الأميركية ضمن الدول ذات المديونية العالية، حيث تشكّل تلك الديون حوالى 64% من الناتج. ويمكن قياس مدى حجم هذه الديون، إذا علمنا أنها تساوي عشرة أضعاف الناتج المحلي لجميع الدول العربية، أو ثلاثة أضعاف الديون الخارجية للدول النامية.
هذا إضافة إلى أن ديون الأفراد في أميركا تصل إلى 9,2% تريليون دولار منها 6,6 تريليون دولار ديون عقارية. وبالطبع، لا يخفى تأثير هذه الديون على القدرة الشرائية، وبالتالي على الاستهلاك المحفِّز للنمو الاقتصادي أميركيًا.
الذعر يعمّ العالم
لما كان الاقتصاد الأميركي هو الأكبر عالمياً، ويساوي حوالى 4/1 اقتصاد العالم، أو 14 تريليون دولار، و10% من التجارة العالمية، وهو أكبر مستورد في العالم، فإن الهزّة التي أصابت أسواقه المالية، وإفلاس مصارفه، وتهديد شركاته العملاقة، ستترك آثارًا سلبية على العالم بأسره. لذلك أصاب ما حدث من انفجار مالي، كنتيجة لأزمة الرهن وانفجار الفقاعة العقارية، البورصات المختلفة بحمَّى من التراجعات الحادة والهبوط المخيف استدعت تحركًا وتضامنًا دوليين عنوانهما الدفاع عن المصالح وتفادي الأسوأ.
طبعًا العدوى ليست ميكانيكية، فالمؤشرات الصراعية التي يُبديها بعض الاقتصادات الناشئة الكبرى تؤهلها للاضطلاع بدور إنقاذي في الأزمة الراهنة، وذلك من أجل الاستقرار في الأسواق العالمية المحتاجة إليه، وهي تحرز خطوات إيجابية في السباق الاقتصادي، وفي إثبات أهليتها على صعيد موازين القوى.
على الرغم من ذلك، ولأن المسألة سيرورة ما زالت في بداياتها، فقد كان التقدير شاملاً بأن الأسوأ لم يأتِِ بعد. ويُجمع المسؤولون السياسيون والاقتصاديون على الصعيدين الدولي والمحلي، على ان الأزمة ستترك تأثيرًا على الظواهر الاقتصادية الأخرى من بطالة وتضخُّم وقدرة معيشية، خصوصًا لدى البلدان الأكثر فقرًا. وإذا كان من الصعوبة بمكان قراءة النتائج اليوم وتقدير التكِاليف المحتملة، فإنه يمكن تلمُّس الحجم انطلاقًا من الخسائر الأولية في خسائر الأسهم، التي جاوزت 3,6% تريليون دولار1، ويكون حتى الآن قد شطب حوالى 19 تريليون دولار2 من قيمة الأسهم في مختلف أسواق المال العالمية خلال 10 شهور ومنذ 30 تشرين أول/أكتوبر عندما كانت مؤشرات الأسواق في ذروتها.
هذا، وقد تراجعت أسهم المصارف في الدول الصناعية خلال الأيام القليلة الماضية ما بين 25 و35%3 وكذلك حال الشركات الصناعية والخدماتية والعقارية.
إن المسار الانتكاسي لارتدادات الأزمة لا تدلُّ عليه، فحسب، التراجعات في قيم الأسهم، بل ما أشار إليه صندوق النقد الدولي في تقديره الذي صدر يوم 20 أيلول/سبتمبر 2008 حول الاقتصاد العالمي ونسب النمو المحتملة4، حيث أكد انخفاض نسبة النمو عالميًا العام 2008 إلى 3,9%، في حين أنه كان 4,1%. وبالنسبة إلى العام 2009، فقد توقع نسبة 3,7% مقارنة بالتقدير السابق 3,9%.
أما في ما يتعلَّق بالولايات المتحدة الأميركية، فقد أبقى الصندوق على توقعاته السابقة للنمو بنسبة 1,3% للعام 2008، لكنه خفض توقعاته لعام 2009 إلى 0,7% بعدما كانت 0,8%. وكذلك في ما يختصُّ بمنطقة اليورو، فقد انخفضت توقعات صندوق النقد من 1,7% إلى 1,4% للعام 2008، ومن 1,2% إلى 0,9% للعام 2009. وهكذا حال اليابان من 1,5% للعامين 2008 و2009 إلى 1% و1,1% على التوالي.
هذا في حين أنه أكَّد على توقُّعاته السابقة للصين بنسبة 9,7% للعام 2008 و9,8% للعام 2009.
اليوم والعام 1929
كثرت القراءات والتحليلات للأزمة الراهنة، وحاول البعض مقارنتها بأزمة العام 1929 التي أصابت النظام الاقتصادي العالمي واستمرت فصولاً حتى العام 1933. وقد شكَّلت منطلقًا لعدَّة نظريات اقتصادية حاولت التفسير والقراءة والاستنتاج، ولعل أهمها النظرية الكينزية التي أعادت إلى الفكر الاقتصادي مقولة تفصيل دور الدولة التدخلي في الحياة الاقتصادية.
وإذا كان التشابه بين الأزمتين ناتجًا عن الإفراط في التسليفات لمشتري الأسهم، فإن أوجه الاختلاف، يمكن تلخيصها بالآتي:
 ا - كانت أزمة العام 1929، في أحد جوانبها تعبيرًا عن الدخول السياسي في أنظمة مغايرة للنظام الرأسمالي وللاقتصاد السوقي (نشوء الاتحاد السوفياتي). وقد شكّل ذلك تحدٍيًا حقيقيًا للرأسمالية، وكان العالم يومذاك خارجًا من حرب عالمية، فتفجَّرت حينها البطالة الواسعة بشكل آلي. بينما اليوم، وعلى الرغم من التحذير من بعض الظواهر الاقتصادية السلبية المصاحبة، فإن الاستنتاج المنطقي لا يشير إلى تعميم تلك الظواهر لأسباب تعود بالأساس إلى التقدم الكبير تقنيًا وتكنولوجيًا في الإنتاج ووسائله.
2 - ينتشر النمو الاقتصادي اليوم في قارات لم تكن معروفة قبل الحرب العالمية الثانية (الصين، الهند) حيث يعيش إنسان من ثلاثة. طبعًا، لا شك في انتقال ما يحصل اليوم في الولايات المتحدة وأوروبا إلى البلدين الآسيويين المذكورين، حيث ستتقلَّص مبيعاتها، وتتأثَّر مراكمتهما للاحتياطات الكبيرة بالدولار نتيجة تبعيتهما لسعر صرف العملة الأميركية وتقلباتها. لكنه، على الرغم من ذلك، فإن نسب نمو هذه البلدان تؤكد إمكان تفادي حالة الانهيار الشامل في العالم كله.
3 - ثمّة فروق، في البلدان المتقدمة والصناعية نفسها، بين الحالة الاقتصادية في أوائل الثلاثينيات والحالة اليوم، فاقتصادات السوق وطبيعة آليات حركتها تبعد الأزمات الشاملة. ففي الثلاثينيات اتجهت الحكومات إلى تقليص السيولة باعتبارها دواءً للأزمة، وكانت النتيجة بخلاف الهدف المرجو، حيث تمّ خنق الحياة الاقتصادية. أما اليوم، فقد ضخّت المصارف المركزية وتضخ سيولة أكبر للتداول، ما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار وتضخم وزيادة طلب قد تعجز الاقتصادات عن تلبيته، أو تتجه نحو انكماش اقتصادي. وفي الحالتين تبدو السيولة علاجًا ووسيلة لإعادة توازن واستقرار.
4 - إن نظام الرعاية الاجتماعية، خصوصًا في أوروبا، سيكون من العوامل الحائلة دون التراجع في مستوى الاستهلاك وبالتالي الانكماش.
هذه الفوارق لا تستبعد العثرات المحتملة. وخلاصة القول، إن الظروف والعوامل والمستويات الإنتاجية والاجتماعية المتقدمة تساهم في إبعاد "شبح" التطابق بين الأزمتين.
هل المناعة العربية كافية؟لم تشذّ البورصات العربية عن السياق العام للحركة التنازلية للأسهم، وامتلأت الشاشات بالخطوط الحمراء، على الرغم من أن معظم البنوك المركزية العربية أعلن اطمئنانه إلى وضعه المالي، ومنها البنوك المركزية الخليجية التي أعلنت تمسكها بإجراءات العملة الموحدة المنتظرة، واستعداداتها لإنقاذ أي مصرف خليجي أو عامل في الخليج قد يكبح جماحه. وحتى الآن لم تظهر أزمة سيولة في تلك المصارف على الرغم من تحمُّلها الخسائر البالغة في الأسواق المالية والدولية. وهذا ما أشارت إليه مصادر مصرفية خليجية ذات صلة بعمليات الاستثمار؛ فهيئة استثمار أبو ظبي اشترت أسهمًا في بنك "سيتي غروب" عبر صفقتها المشهورة العام 2007 بقيمة 7,5 مليار دولار أميركي. في ذلك الوقت كانت قيمة السهم حوالى 30,70 دولار، لكنها أقفلت على 15و24 أوائل أسبوع الأزمة. وقد تراجع سهم ميريل لينش حوالى 65% منذ عقدت الكويت صفقة الإنقاذ بقيمة 2 مليار دولار، هذا إضافة إلى أن الهيئة العامة للاستثمار في الكويت تحمَّلت خسائر في صفقة إنقاذ "سيتي" التي وصلت كلفتها إلى ثلاثة مليارات دولار.
ولا تتمايز عن هذه الحال البنوك الإسلامية التي توظِّف 30% من ودائعها المقدَّرة بحوالى 400 مليار دولار في الأسواق الغربية5، وتحديدًا في أسهم البنوك والشركات الصناعية والعقارية وأسهم بيوت المال، التي تتعهد استثمارها في عمليات "حلال".
وعلى الرغم من إيرادات النفط الكبيرة، والتي من المنتظر أن تؤدي دورًا إيجابيًا في حماية أسواق المال الخليجية، فإن سمات التذبذب وقلة الخبرة وغلبة الأفراد المتعاملين على حساب المؤسسات تنذر بالاحتمالات الأسوأ.
كما أن مستقبل دول الخليج لم يعد يعتمد فحسب على دخلها من الصادرات بل أيضًا وبشكل متزايد على تنويع مصادر الدخل (وهذا ما يتنبه له البعض)، وكذلك على حسن إدارة هذه الدول لموجوداتها المالية واستثماراتها العالمية، خصوصًا مع تزايد المخاطر واحتمالات الخسائر كما يحدث في الأزمة الراهنة حيث تتدهور قيمة الاستثمارات الهائلة التي ضخَّتها صناديق الثروة السيادية في بنوك غربية تفلس أو أفلست، وبشكل خاص منها الصناديق الخليجية.
سلسلة المعالجات لم تحل دون الانفجار
مع بدايات العام 2008 قرَّرت الإدارة الأميركية خطة للإنعاش الاقتصادي، رصدت لها أموالاً تصل إلى 168 مليار دولار6 على شكل حوافز تتضمَّن إعفاءات ضريبية لمدة سنتين بهدف تنشيط الاستهلاك، لكن المبلغ المذكور لا يتجاوز حوالى 1,5% من الديون العقارية الفردية و0,3% من ديون الشركات، ولا يكفي إطلاقًا للمعالجة على الرغم من شطب ديون تصل إلى 175 مليار دولار. فأضيف إلى التدابير تخفيض أسعار الفائدة، لتسهيل القروض المصرفية الاستثمارية، وحثّ الأفراد على زيادة الإنفاق.
لكن هذا الأمر وضع الأمور في دوَّامة لم تنعكس إيجابًا بشكل كافٍ، خصوصًا وأن سعر الفائدة وصل إلى صفر % عمليًا. فالعام 2007 كانت الفائدة 4,2% ونسبة التضخم 3,2%، ما يعني أن السعر الحقيقي للفائدة 1%، لكن خفض الفائدة إلى 3% العام 2008 وارتفاع التضخم إلى 4,1%، جعل السعر الحقيقي للفائدة 1,1%.
هذا علمًا أن الخسائر المالية الأميركية والعالمية للمؤسسات المالية المشاركة في الرهن العقاري وصلت إلى أرقام خيالية لم تحص كفاية، أو لم تمهل التطورات حتى يتوافر رصدها كما يلزم. والحلول أمامها غير متيسِّرة سوى عبر فرصة تأمين السيولة المفقودة.
وكانت الطائرات الآسيوية قد بدأت تقذف أطنانًا من الدولارات في محاولة لتهدئة الأسواق. فاستفادت الولايات المتحدة الأميركية من ارتفاع أسعار النفط خليجيًا، ومن نمو صناديقها السيادية، وحاولت الإفادة من الصناديق الآسيوية الممتلئة بفضل أسعار المواد الأولية والخامات إضافة إلى النمو الاقتصادي الجامح.
ومع انفجار الوضع، وتفاقم حالات التدهور والإفلاس في المصارف الاستثمارية والمؤسسات المالية والشركات المالية العملاقة، وتدفُّق السيولة الهائل من البنوك المركزية الأوروبية والأميركية واليابانية، وعروض الشراء للمصارف الاستثمارية المتبقية من الصين "الخصم العنيد"، وفشل خطة إنهاء أزمة الائتمان، يُطرح اليوم أمام الكونغرس الأميركي خطة لوقف التدهور تقوم على قاعدة تأسيس صندوق متخصص يشتري الأصول التي تنطوي على إخطار من البنوك، وإنشاء مؤسسة للتعامل مع الأصول المتعثرة ذات صفة رسمية.
هذا وكانت لجنة الشؤون المالية والبورصات الأميركية قد أصدرت أمرًا استثنائيًا حذّرت بموجبه من عمليات البيع على المكشوف لـ 799 سهمًا في القطاع المصرفي والمالي. وتتضمَّن عمليات البيع على المكشوف التي تطبِّقها صناديق المضاربات استدانة سهم يعتقد أن سعره سينخفض ثم إعادة بيعه على أمل قبض فارق كبير في اللحظة التي ينبغي فيها شراؤه لإعادته. وهذا الأسلوب عادة يسرّع عملية التدهور.
أما على صعيد أوروبا، الأقرب إلى التأثيرات السلبية بفعل الأزمة المالية، ولأنها عمليًا في المأزق الأميركي نفسه بسبب كثرة المؤسسات المالية المتورِّطة في أزمة الائتمان والرهن العقاري، فإن الاتحاد الأوروبي وضع أمامه كأولوية دراسة مشروعين رئيسين وهما:

1 - إيجاد وسائل وأشكال التنظيم الصارم لنشاطات وكالات التصنيف التي يفترض بها التحقق من قدرة المقرضين.
2 - وضع هيكلية أوروبية شاملة للمصارف تأخذ بالاعتبار عمليات الدمج العابرة للحدود التي حدثت، والمنوي إحداثها.
تدابير من هنا وهناك، لكن المشكلة تبقى تأمين السيولة المطلوبة وإعادة تقويم أو دمج المؤسسات التي تعرَّضت بفعل الأزمة. ولهذا الأمر برز في الآونة الأخيرة من حركة الأسواق، والفوائض المالية، دور متميِّز للصناديق السيادية التي كانت قد استخدمت في إطفاء بعض جوانب أزمة الائتمان. ولا بد من أن تتوجَّه الأنظار إليها اليوم على الرغم من الخسائر التي ألحقت ببعض استثماراتها كما أسلف وأوضحنا.
وكانت تلك الصناديق المتخمة، والتي تفتش عن أماكن استثمار، تواجه أسئلة ومحاولات تقييد وتقنين لدورها وفعاليتها، فهل تشكل الأزمة الراهنة فرصة أو مناسبة لتجاوز كل عناصر القلق والحذر التي تمارسها الأسواق الأميركية والأوروبية في مواجهة الصناديق السيادية؟
وكيف تستطيع هذه الصناديق تلافي التوريط الاستثماري؟ وهل هذا هو المطلوب على صعيد دور تلك الصناديق ومهماتها؟
أسئلة تتوالد، ولا بد للإجابة عنها من تحديد ماهية الصناديق السيادية أولاً.
الصناديق السيادية تخمتها مثار القلق
الصناديق السيادية ليست ظاهرة جديدة بل يعود تاريخ بعضها إلى العام 1953، غير أن نشاطها المفرط تجلّى مؤخرًا، خصوصًا بين النصف الثاني من العام 2007 والنصف الأول من العام 2008، حيث استحوذت، وبظل أزمة الائتمان، على حصص في مؤسسات مالية عملاقة مثل "مورغان ستانلي" و"بيرستيرن" و"ميريل لينش" و"سيتي غروب" وغيرها.
تتفاوت الأرقام التي تحدد موجودات تلك الصناديق، خصوصًا أن عددًا كبيرًا منها لا يعلن عن حجم أمواله، لكن السائد وحسب دراسة "لمورغان ستانلي" أن موجودات تلك الصناديق مجتمعة تصل إلى 2,5% تريليون دولار7. وفي دراسة أخرى لمؤسسة "ستاندرد تشارترد" تقدر حجمها بحوالى 12% من إجمالي القيم المتداولة في بورصة نيويورك، أو 42% من إجمالي القيم المتداولة في بورصة طوكيو.
تمثِّل الصناديق الخليجية العربية مواقع المراتب العشر الأولى في تصنيف الثروة السيادية العالمية وموجوداتها تصل إلى أكثر من نصف موجودات تلك الصناديق.
وعلى عكس الاعتقاد السائد في حصرية تلك الصناديق بالعائلات المالكة في دول الخليج، فهناك عدة دول، منها اقتصادات متقدمة وأخرى ناشئة، تتمتع بصناديق ذات موجودات عالية جدًا كالنروج وسنغافورة والصين وروسيا. ويمكن تحديد مصادر أموالها بمصدرين رئيسين: أولهما عائدات النفط المرتفعة والمتزامنة مع ازدياد الدول المنتجة للخامات، وثانيهما الاحتياطات النقدية الأجنبية التي تتكدّس في بلدان تشهد نموًا جامحًا.
الحيرة والحذر يحكمان المواقف منها
تظهر الصناديق السيادية الآن كأدوات استثمار فاعلة وواسعة النطاق، لكن كونها مملوكة من بعض الدول فهي تثير الريبة والحذر مخافة تأثيرها على السياسات الاقتصادية العالمية، خصوصًا في اللحظة الراهنة. هذا، وعلى الرغم من الإقرار بدورها في الاستقرار الاقتصادي والحاجة الماسّة إلى سيولتها المالية، فالأوساط الاقتصادية في أميركا وأوروبا تتعاطى معها كحال شارب السم لمعالجة السم خصوصًا وأن الجزء الأساسي من استثماراتها شبه سرّي وغير واضح.
وعلى الرغم من ذلك، فقد بدأ مسؤولون من مؤسسات حكومية أميركية معنية بالشؤون الاقتصادية، يؤكّدون على ضرورة أن تفتح واشنطن أبوابها أمام تدفُّق أموال الصناديق السيادية إثر الوضع الذي بدأت تعانيه الأسواق المالية مع سريان مفعول أزمة الائتمان والتي تحولت إلى أزمة مالية تقض المضاجع وتثير الاحتمالات الأسوأ.
وقد تجلى الموقف المتناقض من دور الصناديق السيادية حين عقدت جلسة استماع أمام الكونغرس لممثلين عن الخزانة، منذ أشهر معدودة، ذهبوا فيها إلى القول: إن استثمارات الصناديق السيادية لم تساعد النمو الداخلي فحسب، بل ساعدت على استقرار أسواق المال والشركات الأميركية. وقال مدير مكتب العلاقات الدولية في لجنة السندات والتداول: "إذا قمنا بمنع الصناديق السيادية من الاستثمار في بلادنا، بحجة أن ذلك يشوّه أسواقنا، فسنجد أننا قمنا بتشويه الأسواق بأنفسنا في نهاية المطاف"8.
وبالمقابل كانت غالبية الأميركيين ترى أن الصناديق تمثل تهديدًا للأمن القومي، لذلك ارتفع الصوت بدعوتها حينذاك إلى اعتماد معايير أكثر شفافية في استثماراتها.
وعلى الرغم من ذلك وما قبل الانهيار الأخير، قامت الصناديق السيادية بدور متميِّز لإعادة الثقة واليقين لبعض المؤسسات والمصارف التي كانت مهدَّدة بعد أزمة الرهن العقاري والائتمان المالي. وقد بلغت القيمة الإجمالية التي اشترتها تلك الصناديق في الولايات المتحدة حتى آخر العام 2007 حوالى 1,5 تريليون دولار، ومن المنتظر أن تصل إلى 3 تريليون دولار نهاية العام 20109 خصوصًا مع حدوث الانهيار المالي مع بروز الحاجة الماسة إلى السيولة المالية، بما فيها الآثار التي أصابت حصص الصناديق السيادية ؟ وما هي احتمالات تطورات الموقف حيالها؟
قبل محاولة الإجابة عن ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن ما تجمع عليه مؤسسات التقييم المالية هو أن موجودات تلك الصناديق في طريقها إلى تحقيق طفرة جديدة مع استمرار أسعار النفط مرتفعة وكذلك الخامات والمواد الأولية، ومن المتوقع أن تبلغ تلك الموجودات حوالى 12 تريليون دولار العام 2015. وفي خضم حماسها لإيجاد جهات استثمارية لخزائنها المتنامية فهي تركّز على القطاع المالي، الهدف المفضَّل لديها، يليه القطاع العقاري ثمّ تجارة التجزئة.
هذا النهج الاستثماري، المتلائم مع الحاجات المتولِّدة من الأزمة الراهنة، قد يكون غير مستجيب لمصالح الدول ذات الصناديق السيادية وللأهداف التي كانت وراء نشوئها. فها هي استثماراتها، التي ضخّت في البنوك والمؤسسات التي أفلست، تخسر جزءًا كبيرًا من قيمتها. فقد نشرت صحيفة "وول ستريت" الأميركية أن استثمارات الصناديق السيادية في الأسواق الأميركية تكبَّدت خسائر فادحة من جراء عملياتها في السوق الأميركي، وبلغت الخسائر على الورق حوالى 20 مليار دولار10. وحسب لجنة الضمانات والتبادل الأميركية، فإن حكومات الشرق الأوسط والدول الآسيوية كانت أكبر المشترين عن طريق صناديقها السيادية. هذا وإن كان معظم الصناديق غير مضطرة إلى إعلان خسائرها أولاً بأول، فإن البعض يرى أنها تستطيع تحمل خسائر مؤقتة وتجاوز بعض التحولات النزولية سعيًا وراء عائدات طويلة الأجل.
وعلى الرغم من أن استبعاد تصفية هذه الصناديق استثمارات باشرتها بالفعل فالخوف من إقدامها على استثمارات جديدة، تحت إلحاح وفرصة النفوذ أولاً، والاستجابة السياسية لأصحاب القرار الاقتصادي والمالي في الولايات المتحدة ذات الحاجة الملحة إلى السيولة ثانيًا، وأيضًا بأمل اقتناص صفقات جديدة وإن عالية المخاطر ثالثًا.
ما هو المطلوب: الانضباط أم تغيير الوجهة؟
مع أن حجم استثمارات الصناديق السيادية يعتبر ضخمًا، غير أن تأثيره على الاقتصاد العالمي وأسواق رأس المال ليس كبيرًا، إذ أن مجموع تلك الاستثمارات لا يشكل سوى 12% من الناتج الإجمالي العالمي و5,1% من إجمالي قيمة السندات والأسهم المدرجة في الأسواق المالية العالمية والتي هي بحدود 100 تريليون دولار11.
ففي الوقت الذي تهدف فيه السياسة الاستثمارية للصناديق إلى تحقيق العوائد المجزية على استثماراتها الخارجية، والتي هي اليوم موضع شك وعدم يقين، فإن التأثير الاقتصادي السلعي للأزمة الراهنة مرشح أن يتوسَّع ويتعمَّق. لذلك يتساءل المحلِّلون عن جدوى استمرار تدفق سيولة تلك الصناديق باتجاه الأسواق المالية لإنقاذ شركات عملاقة في أوروبا أو أميركا بدلاً من توجيهها إلى أسواق الداخل.
فمن خلال تعبيرها عن قدرة صاعدة لاقتصادات ناشئة تثير القلق والحذر، وتُطَالبُ بالانضباط والتزام المعايير التي تتطلَّبها تلك الأسواق، فهي في الوقت نفسه، قوة اقتصادية لكتلة باتت أكبر من الولايات المتحدة، وتمنح مساعدات طارئة إلى أغنى دول العالم، وتضع دول "الغرب" المتقدِّم أمام معضلة تتمثَّل من جهة بالحاجة إلى أموالها، ومن جهة ثانية في ما تقود إليه هذه الحاجة من إجبارها على التخلي عن بعض مفاتيح السيطرة أو التحكم عبر بيع جزء هام من بناها التحتية لمراكز قوى تثير عندها حفيظة الاستقلال السياسي وتهديد مواقع القوى ومراكزها، خصوصًا وأن الصناديق السيادية تتمتَّع بأفق استثماري أبعد، وبقدرة تحمل أقوى لمواجهة التقلبات في القوائم المالية. فهي تقدِّم مصدر سيولة واستقرار يتصفان بالترحاب والحاجة على الرغم من "الحذر" و"عدم الاطمئنان".
واللافت أنه بقدر ما تتحسَّن سيولة صناديق السيادة تتحوَل إلى عامل إيجابي للأسواق بأنواعها المختلفة.
والسؤال الملحّ اليوم، على الرغم من كل التحذيرات والاستنفار والدعوات للانضباط الطوعي، ضمن المعايير التجارية البحتة، هل تستطيع أن تترجم الدول صاحبة الصناديق وزنها المالي إلى نفوذ اقتصادي وسياسي، أكثر من أن تكون "جمعيات خيرية"، تقدم العون والمساعدة "للقوي" حين يحتاجها؟
وعلى الرغم من التطمين الذي يقدِّمه صندوق النقد الدولي تجاه قوانين تحكم وعمل وتحرك استثمارات الصناديق السيادية، والتزامها معايير الشفافية، فمن المستغرب إصرار وإلحاح صناع القرار على ضرورة انضباط الصناديق السيادية، في وقت تبقى فيه صناديق التحوط العالمية بدون ضوابط مشابهة، فالعالم ما زال يتذكر كيف قامت صناديق التحوط بمضارباتها الشرسة على الجنيه الإسترليني، ما يجعل البنك المركزي البريطاني يتخلى عنه ليهبط إلى أدنى مستوياته عندها في أسواق الصرف العالمية.
إن ما تحتاجه أسواق المال الآن هو استقطاب المزيد من استثمارات الصناديق السيادية، وليس صدَّها من خلال تشريعات وسياسات رادعة.
أما ما تحتاجه الصناديق السيادية، فهو الالتفات إلى إمكانات الاستثمار في المناحي غير المالية الصرفة دعمًا لاقتصادات بلدانها وتنويع مصادر دخلها في زمن الأزمات العالمية واستفحالها. والمعني بهذه الوجهة خصوصًا صناديق الدول الخليجية التي تأثرت كثيرًا بحركة أسهم الأيام الماضية والاحتمالات القادمة قد تكون أكثر سوءًا، هذا التوقع مبني على تجارب الأزمات السابقة وانعكاساتها المؤلمة.
صناديق التحوط وعاء استثماري مالي جاذب
يصل عدد صناديق التحوط في العالم إلى نحو 10 آلاف صندوق تدير أكثر من 5,1 تريليون دولار12، وتعد الآن من أسرع المحافظ المالية نموًا، كونها وعاءً استثماريًا خاصًا يضم عددًا محدودًا من المستثمرين لا يزيد في الغالب عن 500 مستثمر، يهدف إلى الاستثمار في الأوراق والأسواق المالية وأسواق السلع والعملات الآجلة.
هي لا تخضع للجهات الرقابية كباقي الصناديق الاستثمارية فيتم التعامل فيها على قاعدة عقد شراكة بين المستثمر والجهة التي تدير الصندوق، وعادةً يكون الحد الأدنى للاستثمار فيها حوالى نصف مليون دولار، لذلك تعتبر أوعية استثمارية خاصة بالأثرياء.
يتمتع مدير صندوق التحوط بمزايا خاصة فهو يحصل على نسبة تراوح بين 1 و2% من قيمة الأصول و20% من الأرباح المحقّقة، وكذلك لا يخضع لأية قيود أو جهة رقابية.
قامت فكرة هذه الصناديق على المتاجرة بالأسهم عبر مركزين ماليين أحدهما طويل الأجل يتم من خلاله شراء الأسهم التي يتوقع أن ترتفع أسعارها، فيحتفظ بها إلى حين الارتفاع فيبيعها بأعلى سعر، والثاني للأسهم القصيرة الأجل والتي تسمّى عمليات البيع على المكشوف، حيث تباع الأسهم المتوقّع انخفاضها ليصار إلى شرائها في وقت لاحق، طبعًا مع استخدام قروض البنوك وشركات التمويل واستثمارها في أدوات مالية تدرّ عائدًا أعلى من سعر فائدة الإقراض، وهذا ما يطلق عليه "الرفع المالي".
ونتيجة للفائض المالي المذهل في الصناديق السيادية وتفتيشها الحثيث عن مجالات الاستثمار المالية، تتجه اليوم وبأعداد متزايدة إلى الاستثمار في مثل هذه الصناديق.
وقد انتبه أخيرًا بعض البنوك الكبرى في العالم إلى أهمية صناديق تحوُّط إسلامية تستقطب رؤوس الأموال العربية المهاجرة، أو تلك التي لم تجد فرصًا فعالة في بلادها وهي تبحث عن آليات استثمارية جديدة تتوافق مع الشريعة الإسلامية.
وتشير الإحصاءات إلى أن الاستثمار في صناديق التحوط الإسلامية تفوق 60 مليار دولار حاليًا13، ويتوقع لها أن تتضاعف عدة مرات خلال السنوات المقبلة.
وقد برز أخيرًا التأثير الكبير لصناديق التحوط على الأسواق المالية بسبب قدرتها على الاقتراض بنسب قد تصل إلى عشرة أضعاف رأسمالها أو أكثر لتمويل بعض الصفقات.
الإقبال الخليجي، يتعاظم على صناديق التحوط
شهدت السنوات الأخيرة اهتماماً متزايداً بصناديق التحوط، حيث بلغت "شعبيتها" مستويات متقدمة، كأدوات استثمار مفضَّلة لدى الفوائض المالية الفردية فيها والمؤسساتية على حساب الأدوات الأخرى الهادفة إلى خلق السلع والخدمات، وتنويع مصادر الدخل الوطني للبلدان ذات "السلعة الواحدة".
والملفت أن المستثمرين الخليجيين من مؤسسات وأفراد كانوا في طليعة المهتمين بهذه الأداة "النوعية"، فأقبلوا عليها منذ البدء، وثابروا بعد ذلك على زيادة حجم استثماراتهم فيها، حتى بدأت الخزائن السيادية وبعد أن ضاقت سبل توظيفاتها الخارجية، نتيجة المحاذير المطروحة حول استثماراتها، تنحى منحى التوظيف المتزايد فيها. وبغض النظر عن الجدوى الاقتصادية والاجتماعية للتوظيف في صناديق التحوط، وفي معدلات المخاطر، ونسبية احتمالات تحقيق العوائد المتوخاة ماليًا، فهذه الصناديق توجِّه فائض السيولة نحو ما يقال عنه منتج استثماري سائل نسبيًا يوفر التنويع في الاستثمار، إضافة إلى تحقيق "القيمة الايجابية المطلقة". ويستند عملها ونشاطها على "الإدارة الكفوءة"، وهي كإستراتيجية استثمارية جديدة تتطلَّب مستوى عالٍيًا من الاختصاص لفهمها، لذلك يتجه المستثمرون فيها اليوم إلى إيجاد صناديق جامعة لصناديق التحوُّط التي توحي في تسميتها ضمان أقل نسبة مخاطرة أمام تغّيرات الأسواق المالية. وفي هذا وذاك يبقى الاقتصاد الحقيقي المستهدف وطنيًا بعيدًا كل البعد عن أهداف تلك الفوائض المستخدمة في أدوات استثمارية مالية تعظّم الدخل الشخصي وليس الدخل الوطني.
لذلك يكون التساؤل حول اتجاه الصناديق السيادية المستحدثة، نحو صناديق التحوط والأشكال المشابهة موضع تساؤل اقتصادي جدي، خصوصًا في زمن المخاطر والتحديات الراهنة عالميًا بفعل أزمتي المالية والغذائية العالميتين، وتردداتهما الإقليمية والوطنية.
لكنه على الرغم من هذا التساؤل الذي يحوز جزءًا واسعًا من الأدبيات الاقتصادية فإن ماليِّين من مشارب مختلفة يتوقَّعون ارتفاع استثمارات حكومات ومؤسسات الخليج العربي في صناديق التحوط خلال السنوات الثلاث، بحيث تصل حصتها إلى 100 مليار دولار في العام 201214.
خلال مؤتمر الاستثمارات البديلة الذي عقد في دبي في نيسان/أبريل 2008، توقع الخبراء أن يساهم مركز دبي المالي العالمي بتشريعاته وهيكله اللذين يتسمان بمعايير عالمية في جذب عدد كبير من مديري تلك الصناديق إلى المنطقة. كما أكد تقرير صدر أخيرًا عن معهد الخدمات المالية في لندن تحت عنوان (تقرير صناديق التحوط – طبعة 2007) 15.
إن دخل المديرين الـ "25" لأفضل صناديق التحوط قد تضاعف مرتين عن العام الماضي فوصل إلى 570 مليون دولار، وغالبية هؤلاء هم أميركيون وبريطانيون. من هذه الأرقام يمكن إدراك إلى أين تسير الثروة، ومع من ترتكز.
وهكذا تحاول بدأب صناديق التحوط تطوير استراتيجياتها للتوافق مع الشريعة الإسلامية، كي تستغل جزءًا من موجودات إسلامية تقدر قيمتها بمبلغ 750 مليار دولار مستثمرة في صناديق الأسهم والعقارات.
احتمالات واستنتاجات:
إن وصول أزمة الائتمان إلى الانهيار، وإفلاس مصارف استثمارية، ودعم الاثنين الباقيين وتحويلهما إلى مجموعتين قابضتين، ومنحهما أموالاً فيدرالية خلال المرحلة الانتقالية على شكل قروض طويلة الأجل، بحيث أصبح ممكنًا للمصرفين الحصول على ودائع مصرفية تتمتع بتأمين "مؤسسة تأمين الودائع الاتحادية" لمساعدتهما على تجاوز الأزمة المالية، مقابل احترامهما للقواعد الصارمة التي ستفرضها السلطات المالية. هذه المرحلة تعلن القضاء على نموذج العمل المصرفي الاستثماري الذي هيمن على سوق "وول ستريت" و"العالم" طوال أكثر من 20 عامًا.
هذا كله، إضافة إلى تخصيص المبالغ الطائلة من السيولة، لا يعني أن الأسوأ قد ذهب إلى غير رجعة. لذلك فإن مدير صندوق النقد الدولي اقترح بعد أسبوع من الانهيار، تصور حلٍ شامل لأزمة شاملة، يقوم على محاور ثلاثة: تأمين السيولة، وشراء الأصول الهالكة وضخّ الأموال في المؤسسات المالية.
ففي المحورين الأول والثالث، يبدو أن للصناديق السيادية دورًا متزايدًا، ما يفرض على الاقتصادات الناشئة ذات الصناديق الضخمة أن تستخدم جزءًا من موجوداتها في إعادة رسملة كبريات الشركات الغربية.
ولعل هذه الحاجة الماسة قد تغيِّر بعض الموقف السلبي السائد اتجاه عمل الصناديق السيادية وعملها، وإن كان الحجم والمدى غير واضحين حتى الآن، لكنه وبالمقابل، فإنه تثار أسئلة صعبة حول دور الموجودات المتعاظمة بسبب طفرة النفط واستخداماتها الاقتصادية في تنويع الدخل ليس الخليجي فحسب، بل والمساهمة في إنقاذ بعض اقتصاديات المنطقة من الانهيار خصوصًا وأن الكثير من الاقتصادات الناشئة تعاكس التيار المأزوم القادم من البلدان المتقدمة، فتقدم نموًا متواصلاً وتنمية مستدامة، بهدف احتلال الدور الاقتصادي الفاعل في العلاقات الدولية. أما في حال المنطقة العربية حيث تتزايد الثروة العامة والشخصية (النمو الكبير لعدد الأثرياء)، فحرارة التحديات الاقتصادية والتنموية تفرض منطلقًا آخر في التعامل مع فوائضها. وإلحاحية ذلك تفوق إلحاحية الوصول إلى محافظ استثمارية مالية تزيد الأثرياء ثراءً ولا تكبّر الاقتصادات كما لا تنوع من مصادر دخلها.
الهوامش
1 - الحياة، لندن، 19/9/2008.
2 - المرجع نفسه.
3 - الاقتصادية، العدد 5458، 20/9/2008.
4 - مؤسسة الخليج للصحافة والطباعة والنشر، 20/9/2008.
5 - الحياة، لندن، 17/9/2008.
6 - موقع "غوغول" الإلكتروني، صفحة أخبار اقتصادية عالمية، 20 نيسان/ابريل 2008.
7 - الجزيرة نت، 7/8/2008.
8 - موقع "غوغول"، الصناديق السيادية.
9 - الأسواق، 6/4/2008.
10 - النهار، بيروت 24 أيلول/سبتمبر 2008.
11 - الأسواق، الصناديق السيادية الخليجية مصدر استقرار في الأزمات، 6/4/2008.
12 - موقع "الاقتصادية"، الإلكتروني، هيمنة صناديق التحوط، 10/11/2007.
13 - المصدر السابق.
14 - المصدر السابق نفسه.
15 - Financial network؛ صناديق التحوط الإسلامية، شباط/فبراير 2008.
المصادر والمراجع

1. تقرير معهد الخدمات المالية في لندن، (صناديق التحوط – طبعة 2007).
2. صحيفة الاتحاد: 7 أبريل 2008، مؤتمر الاستثمارات البديلة.
3. صحيفة الشرق الأوسط: 30 ديسمبر 2005، صناديق التحوط العالمية.
4. صحيفة الشرق الأوسط: 7 نوفمبر 2006، صفحة مصرفية إسلامية.
5. صحيفة الشرق الأوسط: 17 مايو 2007، عالم الأعمال.
6. الصحف اليومية، خاصة: "الحياة و"النهار" من 16/9/2008 حتى 23/9/2008.
7. موقع alaswaqnet: صناديق التحوط تسعى لجذب استثمارات الأثرياء.
8. موقع صحيفة الاقتصادية الإلكترونية: هيمنة صناديق التحوط.
9. موقع middle east North Africa، صناديق التحوط الإسلامية Financial network.
10. "غوغول": أخبار اقتصادية عالمية.
11. "غوغول": الصناديق السيادية، مجموعة مقالات.
12. "غوغول": أزمة الرهن العقاري، مجموعة مقالات.
13. "غوغول": الأزمة المالية العالمية، مجموعة مقالات.

الثلاثاء، 30 سبتمبر 2008

عقوبات على شركتين خالفتا قواعد التداول بمصر

30/9/2008

عقوبات على شركتين خالفتا قواعد التداول بمصر


فرضت الهيئة العامة لسوق المال عقوبات على شركتي "بايونيرز لتداول الأوراق المالية" و"بريزما لتداول الأوراق المالية" بعد ثبوت مخالفات وتلاعب الشركتين خلال التعامل بالاسهم بالبورصة المصرية.
وقال مصدر مسئول بالهيئة العامة لسوق المال الثلاثاء إن القرار تضمن الحظر على شركة "بايونيرز لتداول الاوراق المالية" من التعامل على أسهم شركة "بايونيرز القابضة للاستثمارات المالية" لمدة
ثلاثة شهور اعتبارا من الثلاثاء الموافق السابع من أكتوبر 2008.
وأضاف أن القرار شمل أيضا فرض عقوبة على شركة بايونيرز لتداول الأوراق المالية بزيادة التأمين بصندوق ضمان التسويات بقيمة 25 مليون جنيه (الدولار يعادل 5.45 جنيه).
وأوضح المصدر أن القرار شمل منع شركة بريزما لتداول الأوراق المالية من مزاولة نشاط التعامل بالبورصة المصرية على جميع الأسهم بسوقي داخل وخارج المقصورة لمدة شهر، بالإضافة إلى فرض حظر على الشركة من التعامل على أسهم شركة بايونيرز القابضة للاستثمارات المالية لمدة ثلاثة أشهر اعتبارا من الثلاثاء السابع من أكتوبر 2008.
ولفت أن التحقيقات أثبتت تلاعب شركتى "بايونيرز" و"برزيما" لتداول الأوراق المالية بأسهم شركة "بايونيرز" القابضة بهدف التأثير على اتجاهات سهم الشركة المتداول بالبورصة المصرية.
وأكد المصدر نفسه أنه تم الاثنين إخطار الشركتين بقرارات الهيئة من خلال خطاب رسمي.
يشار أن شركتى "بايونيرز" لتداول الأوراق المالية و"بريزما" لتداول الأوراق المالية مملوكتان لشركة "بايونيرز القابضة للاستثمارات المالية".

الثلاثاء، 16 سبتمبر 2008

الصناديق السيادية تتفادى نيران السياسة

16/9/2008
أرابيان بيزينس


أثارت استثمارات الصناديق السيادية التي تملكها الحكومات، في الشركات المالية الأمريكية والأوروبية خلال الـ 18 شهرا الأخيرة الكثير من الجدل، وذلك على الرغم من الترحيب الظاهر بها لما تمثله من أداة دعم للنظام المالي المتعثر في الغرب. كما أثارت مخاوف الساسة الغربيين على وجه الخصوص، لأنها برأيهم تهدف إلى كسب نفوذ سياسي أكثر من مجرد تحقيق الأرباح، على الرغم من أن صندوق النقد الدولي وضع مؤخراً مجموعة من اللوائح والقوانين التي تعمل على توجيه وقيادة سلوك هذه الصناديق.
بعد 3 جولات من المحادثات، اختتمت الأسبوع الماضي لجنة عمل دولية معنية بصناديق الثروات السيادية، 4 أشهر من المداولات في أكثر من عاصمة، كان آخرها سانتياغو عاصمة تشيلي. وتوصلت اللجنة بدعم استشاري وفني من صندوق النقد الدولي، إلى اتفاق أولي على حزمة مبادئ وممارسات متعارف عليها تمهيداً لعرضها على حكومات الدول المشاركة.
واتفقت لجنة العمل أيضاً، على درس إمكانية تشكيل لجنة دائمة لصناديق الثروات السيادية، في خطوة اعتبرتها إقراراً منها بالحاجة إلى دعم المبادئ المتفق عليها عند الضرورة، وتسهيل الحوار مع المؤسسات الدولية والدول المضيفة للاستثمارات، في شأن التطورات المؤثرة في نشاط الصناديق السيادية.وشددت لجنة العمل الدولية، في بيان أصدره صندوق النقد، على أن اتفاق «مبادئ سانتياغو» يشكل إطار عمل اختيارياً إرشادياً يساهم في صيغة تتعلّق بمسألتي حوكمة الصناديق السيادية والمساءلة، إضافة إلى انتهاج ممارسات استثمارية ملائمة.
ومن المقرر عرض هذا الاتفاق الأولي على اللجنة النقدية والمالية، أعلى سلطة في صندوق النقد، في الاجتماع الذي تعقده في 11 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، تمهيداً للاجتماعات السنوية المشتركة لصندوق النقد والبنك الدوليين.
عند الضرورة
وتضم اللجنة في عضويتها، أبرز دول الصناديق السيادية العربية والأجنبية وكذلك الدول الراغبة في استضافة استثماراتها، وهي الإمارات والكويت وقطر والسعودية والبحرين وليبيا، إضافة إلى عمان وسنغافورة والصين وروسيا والنرويج والولايات المتحدة وتشيلي وأذربيجان وإيران وبوتسوانا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وفيتنام.
وامتنعت لجنة العمل، التي تضمن اجتماعها الأخير، لقاء ممثلي مجموعة منتخبة من الدول المضيفة للاستثمارات، واللجنة الأوروبية، وممثل عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تعمل على إعداد مبادئ خاصة بها، عن إعلان تفاصيل اتفاق «مبادئ سانتياغو» قبل اجتماع اللجنة النقدية والمالية الدولية، إلا أن اتفاقاً مشابهاً عقدته أميركا مع الصناديق السيادية لأبو ظبي وسنغافورة في مارس/آذار الماضي، حدد مبادئ عامة للصناديق السيادية والدول المضيفة لاستثماراتها.
وطالب ذلك الاتفاق الصناديقَ السيادية، بإخضاع قراراتها الاستثمارية لاعتبارات تجارية بحتة، وزيادة الإفصاح في شأن أغراض الاستثمار وأهدافه وتعزيز الحوكمة وإدارة الأخطار وقيام منافسة نزيهة بين الصناديق والقطاع الخاص.
دعوة مقابلة
كما دعا في المقابل، الدول المضيفة، إلى الامتناع عن إقامة حواجز حمائية أمام استثمارات المحافظ وتلك المباشرة، وضمان الأطر الاستثمارية المدعومة بقوة القانون ووضوحها وثباتها، والتعامل مع المستثمرين من دون تمييز واحترام قراراتهم وضمان ألا يفرض أي قيد على الصفقات الاستثمارية لدواعي الأمن القومي إلا بالتناسب مع الأخطار الأمنية الحقيقية التي تثيرها الصفقات المعنية.
ووصف رئيسا اجتماع سانتياغو وهما مدير جهاز أبوظبي للاستثمار حمد الحر السويدي، ومدير إدارة أسواق رأس المال في صندوق النقد جيمي كروانا، اتفاق مبادئ سانتياغو بأنه «خطوة عظيمة تعكس روح تعاون وتشاور، سادت التداولات المكثفة التي عقدها أعضاء لجنة العمل الدولية من ممثلي الصناديق السيادية والدول المضيفة لاستثماراتها منذ مايو/أيار الماضي».
وأوضح السويدي وكارونا في بيان مشترك أرسل لأريبيان بزنس أن اتفاق سانتياغو سيعرض على اللجنة النقدية والمالية الشهر المقبل لكي يتاح لأعضاء صندوق النقد الـ 185 فرصة استعراض رزمة المبادئ الاختيارية والممارسات التي من شأنها أن تمنح المجتمع الدولي فهماً أوضح للصناديق السيادية، لجهة أطرها المؤسساتية وأساليب الحوكمة التي تنتهجها، ونشاطها الاستثماري، بما يعزز بالمحصلة، الثقة في النظام المالي العالمي والاطمئنان إلى سلامته.

عامل استقرار
وأعرب السويدي وكروانا باسم لجنة العمل الدولية عن الأمل في أن اللجنة الدائمة المقترح تشكيلها، ستتيح للصناديق السيادية، بصفة اختيارية، إعادة النظر في الرزمة، طبقاً لما يحدث من تطورات مستجدة في الاقتصاد العالمي وأسواق المال ونظم تدفق الاستثمارات عبر الحدود الدولية، مشددين على أن اللجنة مصممة على السعي إلى تعزيز الدور الإيجابي للصناديق السيادية كعامل استقرار في الاقتصاد والنظام المالي العالميين.
ولعبت الصناديق السيادية، التي يقدر حجم أصولها حالياً بين 2 و 3 تريليونات دولار، ويتوقع أن يصل إلى 10 تريليونات وإلى 15 تريلونا وفق بعض التقديرات في السنوات الخمس المقبلة، دوراً مهماً في الأزمة المالية العالمية، إذ ضخت 90 مليار دولار في المؤسسات المالية الأوروبية والأمريكية المتعثرة منذ انفجار أزمة الرهن العقاري الأمريكية وتفاقمها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
معاملة غير عادلة
واعتبر حمد الحر السويدي في أن اتفاق سانتياغو «خطوة مهمة تمت في إطار من التعاون والتشاور قبل أن تتوصل مجموعة العمل الدولية للاتفاق المبدئي».
ووصف السويدي في بيان تلقت أريبيان بزنس نسخة منه وصدر عن جهاز أبوظبي للاستثمار المفاوضات بأنها كانت «مكثفة وشائكة» حيث بدأت منذ 4 أشهر وانتهت مطلع الشهر الحالي بعد جلستي محادثات مكثفتين استغرقتا 24 ساعة على مدار يومين متتاليين.
ويدير جهاز أبوظبي للاستثمار صندوقاً سيادياً يصنف بأنه أحد أكبر الصناديق على مستوى العالم، إذ يمتلك أصولاً تزيد قيمتها عن 870 مليار دولار أمريكي.
وأضاف السويدي لقد شعرت الصناديق السيادية بأنها تعامل بصورة غير عادلة مقارنة بصناديق الاستثمارات الخاصة التي لم يطلب منها الكشف عن معاملاتها السرية، مشيراً إلى أن المبالغة في الكشف عن استثمارات الصناديق السيادية من شأنه إثارة المخاوف، ودفع بعض الشركات للنأي بنفسها عن هذه التعاملات وقال :نرغب في الحفاظ على المصالح الاقتصادية والمالية للصناديق، لتجنيبها مواقف تلحق بها الخسائر أو الأضرار.
مبادئ جديدة
من جهته، قال ديفيد موراي رئيس مجلس إدارة صندوق فيوتشر فاند الذي يدير استثمارات الحكومة الأسترالية "الصناديق السيادية تعمل من منطلق الحافز التجاري عوضاً عن أي حوافز أخرى".
وبحسب موراي، فإن اتفاقية المبادئ الجديدة تغطي المسائل القانونية والمؤسساتية وتلك المتعلقة بالاقتصاد الشامل بالإضافة إلى الحوكمة والمحاسبية واستراتيجيات الاستثمار وإدارة المخاطر، إلا أنه من غير المرجح أن تنطوي هذه المبادئ على مطالب تفرض على الصناديق الكشف عن استثمارات بعينها وهو الأمر الذي لا تزال تفعله بعض الصناديق حتى الآن.
وقال مسئول من صندوق النقد حضر اجتماع سانتياغو «المسؤولون متفائلون من أن تقدما كبيرا جرى إحرازه نحو التوصل إلى ميثاق شرف لممارسات الاستثمار من جانب الصناديق السيادية».
40 صندوقا
ارتفعت الاستثمارات التي وجهتها صناديق الثروة السيادية للاستحواذ على حصص بشركات ومؤسسات مالية بشكل ملحوظ، خلال الثمانية اشهر من العام الحالي. وأظهرت بيانات «طومسون رويترز» أن صناديق سيادية استثمرت 25.48 مليار دولار حتى الآن هذا العام، في شراء حصص بمؤسسات عالمية، مثل سيتي غروب وميريل لينش بزيادة 66 في المائة عن الفترة المقابلة من العام الماضي، عندما وصلت إلى 15.4 مليار دولار.

وأصبحت الصناديق السيادية، التي يبلغ عددها حاليا نحو الأربعين، مثل تماسيك هولدنغز السنغافورية، وجهاز أبوظبي للاستثمار تتمتع بنفوذ كبير في الأسواق المالية، بعد أن استثمرت في بنوك أمريكية وأوروبية منيت بخسائر في أزمة الرهون العقارية الأمريكية.
وأوضحت بيانات طومسون رويترز أنه حتى تاريخ 28/أغسطس آب، فان هذه الصناديق شاركت في 22 صفقة، منها 10 صفقات بقيمة 9.1 مليار دولار، كان صندوقا سنغافورة السياديان تماسيك وهيئة الاستثمار السنغافورية طرفان فيها.
وكان الجانب الأكبر من هذا النشاط في الولايات المتحدة التي ضخت فيها الصناديق السيادية 15.8 مليار دولار في 8 صفقات، بنسبة 62 في المائة من الإجمالي العالمي، أي نحو 5 أمثال الرقم المسجل عام 2007 وهو 3.45 مليار دولار.
أميركا أولا
وجاءت روسيا في المركز الثاني حيث استثمرت دبي العالمية 5.3 مليار دولار في شركة (أو. جي. كيه ـ1)، الروسية الإقليمية للكهرباء. ولم تحصل روسيا على استثمارات من صناديق سيادية عام 2007. وحلت سنغافورة بالمركز الثالث باستثمارات قدرها 3 في المائة، أو ما يعادل 1.3 مليار دولار.
وفي السنوات الأخيرة تزايدت ثروة الصناديق السيادية، التي تقدر أصولها بما يصل إلى 3 تريليونات دولار، بعد أن اتجهت الدول الآسيوية التي تمثل مراكز تصدير رئيسية، مثل الصين ودول غنية بالنفط مثل الإمارات وروسيا لتوجيه جزء من احتياطياتها إلى أوعية استثمارية.
وتخشى بعض الدول التي تستثمر فيها الصناديق، مثل الولايات المتحدة من أن تفتح عمليات الاستحواذ من جانب الصناديق التي تفتقر للشفافية باب السيطرة على شركات محلية مهمة أمام الأجانب، وأن تتسبب الصناديق في زعزعة استقرار الأسواق العالمية باستثماراتها الضخمة.
ومن المتوقع، حسب بيانات صندوق النقد الدولي، أن تصل أصول الصناديق الاستثمارية، البالغة حاليا 2- 3 تريليونات دولار، إلى 7-11 تريليون دولار بحلول عام 2013. وأعلنت صناديق الثروة السيادية.
مخاوف الغرب
وتتصاعد المخاوف في الغرب من استثمار الصناديق السيادية في أصوله، ويرى البعض أنها قد تكون ذات أهداف سياسية. إلا أن المحلل الاقتصادي إبراهيم خياط يعيد تلك المخاوف إلى موقف الغرب من الآخر سياسيا واقتصاديا.
ويقول خياط «هذه المخاوف ليست جديدة ولا تعود لأسباب يمكن تفسيرها، إلا بالسياسات الحمائية والعداء للرأسمال الأجنبي حتى لو كان الغرب يتحدث عن انفتاح وعولمة».
ويقدر معهد التمويل الدولي، ومقره واشنطن، أن حجم الأصول الأجنبية لدول مجلس التعاون الخليجي قد يتجاوز ألفي مليار دولار بنهاية العام الجاري.
وبوصول الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس الست إلى 900 مليار دولار العام الماضي، يصبح حجم الموجودات الخارجية لها أكثر من ضعفه.

وتعود التدفقات الاستثمارية الخليجية الكبيرة إلى زيادة الفوائض النقدية نتيجة ارتفاع أسعار النفط وتغير الاستراتيجية الاستثمارية لدول مجلس التعاون الخليجي. وساعدت عائدات النفط في ضبط موازنات دول الخليج أولا ثم التوجه إلى الخارج.
ويقول الاستشاري الاقتصادي د. محمد العسومي «بعد سد عجز الميزانيات الخليجية وتسديد الديون، تتجه الفوائض النفطية إلى بناء احتياطيات قوية لتلك الدول وتدعيم الصناديق السيادية التي تدير استثمارات كبيرة لدول المجلس».
وكانت دراسة سابقة للمعهد ذكرت أن حجم التدفقات المالية من دول الخليج إلى الخارج تجاوزت نصف تريليون دولار في السنوات الخمس الأخيرة (دون العام الماضي).
يورو آسيا
وتم ضخ أكثر من نصف تلك الاستثمارات في الاقتصاد الأمريكي عبر عمليات استحواذ واستثمار في الولايات المتحدة الأمريكية والأصول المقومة بالدولار.
وذهب نحو خمس تلك التدفقات إلى الاقتصاديات الأوروبية أو الأصول المقومة باليورو، بينما زاد نصيب الاستثمارات الخليجية في العالم العربي من حجم التدفقات خلال الخمس سنوات قليلا عن 10في المئة، وذهبت البقية لدول أخرى أكثرها في القارة الآسيوية.
وأشارت دراسة معهد التمويل الدولي إلى أن الاستثمارات الخارجية الخليجية أخذت في التنوع في السنوات الأخيرة، بدلا من تركيزها في الأسهم والسندات والأصول العقارية، لتدخل في أصول الشركات وتمويل المشروعات والمساهمة في صناديق الاستثمار المغلقة وصناديق التحوط وعمليات الشراء والاستحواذ على الشركات الكبرى.
وحسب الدراسة فان التدفقات الاستثمارية الخليجية إلى العالم العربي، باستثناء داخل مجلس التعاون الخليجي، في تلك الفترة (2002 إلى 2006) بلغت نحو 60 مليار دولار ذهب أغلبها إلى المغرب والأردن ومصر.
على رأس القائمة
أوصت دراسة صادرة عن المركز الدبلوماسي للدراسات بتعزيز معايير الشفافية لدى الصناديق السيادية الخليجية وذلك من خلال دعمها لمبادئ الافصاح والشفافية لدى تلك الصناديق إذ أن ذلك سوف ينعكس بالإيجاب على دول الخليج والدول الغربية في آن واحد، فضلاً عن إمكانية قيام دول الخليج بتنويع مصادر دخلها بعيدًا عن الاستثمار في الشركات الكبرى والمؤسسات الاستراتيجية في دول الغرب والاكتفاء بالتوجه نحو الاستثمار في عدد أكبر من الشركات ذات الحجم النسبي المنخفض، وذلك لتجنب الاستثمار في المؤسسات الكبرى التي تعد في بعض الأحايين رمزًا وطنيًا للدول الغربية.
وأوضحت الدراسة أن التوسعات الخارجية للصناديق الاستثمارية السيادية الخليجية تأتي على رأس قائمة الموضوعات المطروحة على الساحات الدولية خلال الفترة الراهنة، إذ تشهد تلك الصناديق طفرة في الأداء حيث بلغ حجم تلك الصناديق نحو 1.524 تريليون دولار خلال عام 2007.
وبلغ حجم استثمارات تلك الصناديق ما يعادل 92 مليار دولار خلال عام 2007 مقارنة بـ 3 مليارات دولار خلال عام 2000، ويرجع ذلك التحسن في الأداء إلى العديد من العوامل أهمها زيادة حجم الفوائض المالية في منطقة الخليج نتيجة لارتفاع أسعار النفط، بالإضافة إلى أزمة الرهن العقاري الأمريكية التي أتاحت للصناديق السيادية الخليجية فرصة الاستحواذ على المؤسسات المالية المتضررة من أزمة الرهن العقاري حيث تقوم بشراء أسهمها بأسعار منخفضة، وعندما تستعيد تلك المؤسسات توازنها مرة أخرى تقوم تلك الصناديق ببيعها وجني المزيد من الأرباح.
وعززت الصناديق السيادية استثمارات الخليج الخارجية في العديد من القطاعات الاقتصادية والتي شملت القطاع المالي حيث قام جهاز أبوظبي للاستثمار باستثمار ما يعادل 7.5 مليارات دولار في مجموعة سيتي غروب، كما أعلنت هيئة قطر للاستثمار شراء ما يقل عن %2 من أسهم بنك «كريدي سويس».
وعلى صعيد القطاع العقاري، توجهت الصناديق السيادية للاستفادة من انخفاض أسعار العقارات الناجم عن أزمة الرهن العقاري، وامتد الاستثمار ليشمل مختلف القطاعات الاقتصادية الأخرى مثل قطاع النفط والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

الأربعاء، 30 يناير 2008

2008 .. الأسوأ إقتصادياً منذ الكساد الكبير

30/1/2008
ياسمين سنبل











يستحق "2008 " أن يلقب بالعام الاقتصادي بدرجة امتياز نظرا للأحداث الاقتصادية القاسية المتلاحقة التي اندلعت منذ بدايته وازدادت حدة مع نهايته، ولم تفرق بين فقير وغني فالجميع تذوق مرارتها.
ورغم كثرة الأحداث إلا انه كان هناك حدثان هما الأبرز على الإطلاق أولهما "أزمة الغذاء" التي أثارت أعمال شغب وعنف في الدول الفقيرة والنامية، وثانيها " الأزمة المالية العالمية" التي بدأت من معقل الرأسمالية أمريكا وامتدت إلى شتى أنحاء الأرض لتغرق الاقتصاد العالمي في براثن كساد طويل يتوقع الخبراء والمسئولون أن تمتد آثاره لأعوام .
مع بداية عام 2008 شهد العالم موجة من ارتفاع الأسعار المواد الغذائية غير مسبوقة أطلق عليها "تسو نامي الغذاء" في ظل ارتفاع الضغوط التضخمية.
فوفقا لتقديرات الأمم المتحدة ارتفعت أسعار الغذاء العالمية بنسبة 35% على مدار عام حتى يناير /كانون الثاني 2008 لتتسارع وبدرجة ملحوظة وتيرة الاتجاه الصعودي الذي بدأ على استحياء في عام 2002، ومنذ ذلك الحين صعدت الأسعار بنسبة 65 %.
وقفزت أسعار القمح حوالي 181% في غضون ثلاث سنوات، وأسعار المواد الغذائية 83% في الفترة نفسها.
وفي مارس/ آذار 2008 سجل سعر الذرة في المعاملات الآجلة 5.88 دولار للبوشل (البوشل يساوى 39.4 طن) وسعر فول الصويا 3/4 15.86 دولار في بورصة مجلس شيكاجو للتجارة -التي تمثل مقياسا للأسعار العالمية-، وبلغ سعر القمح في بورصة مجلس شيكاجو أعلى مستوى عند 3/4 13.49 دولار للبوشل في فبراير/ شباط 2008
وفجرت موجة الأسعار المرتفعة نتيجة ضعف كميات المحاصيل وارتفاع أسعار الوقود إلي مستويات قياسية أعمال شغب وعنف في عدد كبير من الدول الفقيرة والنامية قتل فيها ما لا يقل عن خمسة أشخاص في هايتي وأسقطت الحكومة، كما جرت أيضا احتجاجات متصلة بالغذاء في الكاميرون والنيجر وبوركينا فاسو في إفريقيا وفي اندونيسيا والفلبين.
ويرجع الخبراء ارتفاع أسعار الغذاء بشكل قياسي إلى عدة عوامل متجمعة منها:
وتسبب سوء الأحوال الجوية في مناطق زراعية رئيسية مثل استراليا وشرق أوروبا وشمال الصين وأمريكا في الارتفاعات القياسية لأسعار الغذاء فمثلا، أدت أسوأ موجة جفاف تشهدها استراليا – التي تعد من كبار مصدري القمح في العالم - منذ 117 عاما إلى انخفاض مخزونان العالم من القمح إلى أدنى مستوى منذ 30 عاما، كما ساهمت الفيضانات التي هاجمت أمريكا في تسجيل الذرة أرقاما قياسية.
العادات الغذائية السيئة للدول النامية متهمه برفع الاسعار
كما أدت زيادة كبيرة في الطلب من دول العالم الثالث التي تشهد تنمية متسارعة إلي ارتفاع أسعار الغذاء بشكل جنوني، واتهمت المستشارة الألمانية ميركل ودولا أوروبية أخرى التوقعات غير الوافية لتغير العادات الغذائية في الأسواق الناشئة، و قصور السياسات الزراعية في البلدان النامية بأنهم الأسباب الحقيقية وراء الموجة التصاعدية لارتفاع أسعار الغذاء.
وقالت أن الناس يأكلون مرتين في اليوم وإذا كان ثلث الشعب الهندي البالغ تعداده مليار نسمه يفعل ذلك فهؤلاء عددهم 300 مليون نسمة، ذلك جزء كبير من أوروبا الغربية.
ويتوقع الخبراء أن تكون عوامل النمو السكاني وتزايد ثروة الصين ودول ناشئة أخرى ذات تأثيرات أطول أمدا علي المشكلة، فمن المرجح أن يصل عدد سكان العالم إلى تسعة مليارات نسمة بحلول عام 2050 وستسكن أغلب الزيادة التي تصل إلى 2.5 مليار نسمة ستعيش في العالم النامي، التي تطالب شعوبها بمزيد من منتجات الألبان واللحوم
امريكا تستمر في انتاج الايثانول رغم المعارضات
ثم جاء السباق لاستخلاص الوقود الحيوي من الحبوب ليزيد الطين بلة، فقد التزمت الولايات المتحدة بإنتاج تسعة مليارات جالون من الايثانول المصنوع من الذرة خلال عام 2008 وعشرة مليارات جالون في عام 2009، في الوقت الذي يتعاظم فيه خطر المجاعة في بعض أنحاء العالم.
واتهمت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية " الوقود الحيوي" بأنه يعد أحد المحركات الرئيسية لتوقعات زيادة أسعار الغذاء بنسب تتراوح بين 20 % و50 % بحلول عام 2016.
كما حذر جان زيجلر المقرر الخاص للأمم المتحدة للحق في الغذاء من التوسع في إنتاجالوقود الحيوي بوصفه "جريمة ضد الإنسانية" بسبب تأثيره على موجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية التي تجتاح العالم حاليا.
وبالرغم من الانتقادات المتصاعدة للوقود العضوي فان صناعة الايثانول الأمريكية التي تتغذى على الذرة تتمتع بتأييد سياسي واسع النطاق لأنها تعزز أوضاع المزارعين الذين كانوا يعانون على مدى سنوات من انخفاض الأسعار وهذا التأييد من المتوقع أن يستمر.
فقد ساهم المضاربون الماليون بمجلس شيكاجو للتجارة في رفع أسعار الأرز نحو 80% خلال 2008 لتسجل مستويات قياسية متعاقبة، وإلى حد ما فقد ساعد إقبال المستهلكين على تخزين كميات كبيرة من الأرز في دفع أسعاره نحو الارتفاع من خلال تحفيز المستوردين على السعي للحصول على إمدادات.
وقف تصدرير الحاصلات الزراعية كان احد الحلول
ومع الارتفاع الجنوني لأسعار الغذاء لجأت عدة دول من بينها مصر، وغينيا، والأرجنتين وكازاخستان والصين الى وضع قيودا للحد من صادرات حاصلات زراعية لتلبية احتياجات أسواقها المحلية، وحظرت غينيا تصدير كل أنواع المواد الغذائية والنفط والأخشاب في محاولة لتحقيق الاستقرار في أسعار السلع الأساسية، وارتفعت تكلفة الأرز في العاصمة كوناكري إلى المثلين منذ يناير/ كانون الثاني 2008، كما حظرت مصرتصدير الأرز ابتداء من أول ابريل 2008 ولمدة 6 أشهر، بهدف توفير المعروض من الأرز في السوق المحلى وللحد من ارتفاع الأسعار.
ولاقى هذا الإجراء معارضه واسعة، حيث رفض جواكيم فون براون المدير العام لمعهد أبحاث السياسات الغذائية في واشنطن هذا الاتجاه ، مبررا ذلك بأنه إذا تبنت دولة بعد أخرى سياسة (تجويع الجار) فما سيحدث في نهاية الأمر هو تقلص حصص التجارة من الإنتاج العالمي الإجمالي من المنتجات الزراعية وهذا بدوره يجعل الأسعار أكثر تقلبا.
واتفق معه مسئول في صندوق النقد الدولي الذي يرى فرض الإجراءات الحمائية قد تقلص المستويات المنخفضة بالفعل للتجارة في القارة الإفريقية وتضر بنموها الاقتصادي.
كما اتجهت بعض الدول إلى وضع سقفا للأسعار التي يُسمح لتجار التجزئة بفرضها مقابل بعض المواد الغذائية الرئيسية في محاولة للسيطرة علي الأسعار مثل الإمارات وسوريا.
وانتقد اقتصاديون دوليون مثل هذه الإجراءات مفسرين ذلك بأنها لا تحل مشكلة الأسعار بل أنها قد تنتهي بأثر عكسي، وتسبب مشاكل في السوق مثل نقص الإمدادات لأنها لا تشجع على الإنتاج المحلي والتصنيع والتجارة ، ويفضلون الاتجاه نحو مساعدة الفقراء عوضا عن تحديد سقف للأسعار.
مون يحذر من عواقب وخيمة لازمة الغذاء
ومع تسارع الأحداث تعالت تحذيرات المنظمات الدولية من أن ارتفاع أسعار الغذاء العالمية ربما يتسبب في حدوث "تسو نامي صامت" يمكن أن يغرق أكثر من 100 مليون شخص في مستنقع الجوع والفقر، فضلا عن اندلاع حروب نتيجة لما ستسفر عنه من اضطرابات اجتماعية.
وطالب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون المجموعة الدولية باتخاذ تدابير فورية وعلى المدى البعيد كزيادة جوهرية للإنتاجية في مجال الزراعة لمواجهة الأزمة الغذائية، محذرا من أنها قد تسفر عن عواقب سياسية وأمنية وخيمة.
من جهته دعا رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون إلى القيام بـ"ثورة زراعية" باستخدام وسائل تكنولوجية من شأنها مساعدة المزارعين في البلدان النامية في زراعة المحاصيل ذات المردود العالي، كما حث على الاستثمار في مرافق التخزين وتعبيد الطرق لضمان وصول الإنتاج الزراعي إلى السوق بدلا من أن "يترك ليتعفن"
وأشار وزير الزراعية الأسترالي توني بيرك إلى ضرورة استخدام المحاصيل الغذائية المعدلة وراثيا على نطاق واسع للمساعدة في مواجهة النقص العالمي في الغذاء.
كما اتفق قادة مجموعة الثماني في القمة التي عقدت في اليابان على أهمية وقف تراجع المساعدة والاستثمار في القطاع الزراعي، وتعهدوا بزيادة الدعم لمبادرات الدول النامية في هذا المجال بما يشمل مضاعفة إنتاج الأغذية الأساسية في بعض الدول الإفريقية في السنوات الخمس إلى العشر المقبلة.
ومن ناحيته، رأى البنك الدولي إن السبيل للتعامل مع الأسعار المرتفعة أن تحل الحكومات المشكلة بدعم نقدي موجه وبرامج تغذية ودعاها للابتعاد عن دعم اقتصادي كامل أو سياسات تجارية لا يمكن التنبؤ بها.
رغم انخفاض الاسعار هناك توقعات بارتفاعها مرة اخرى
و مع انتصاف صيف 2008 شهدت أسعار السلع الزراعية تصحيحا حادا مع نزول الذرة وفول الصويا عن مرتفعاتها القياسية التي سجلتها في يوليو/ تموز 2008.
وسجل متوسط سعر الصنف (ب) من الأرز التايلاندي الأبيض خلال الأسبوع الأخير من أغسطس/ آب 2008 مستويات أقل كثيرا من ذروة 1080 دولارا للطن التي بلغها في إبريل/ نيسان من العام نفسه.
كما انخفضت أسعار القمح أكثر من 40% عن المستويات التاريخية التي بلغتها مطلع عام 2008، بفضل توقعات محاصيل قياسية، لكنها تبقى ضعف مستواها في مطلع 2007 نظرا للطلب لمتزايد عليها.
وتراجع سعر جوال القمح (حوالي 27 كلج) في سوق المواد الأولية في شيكاغو إلى 7.9025دولارات، فاقدا 41% عن المستوى القياسي الذي سجله في 27 فبراير/شباط 2008 الذي بلغ 13.490 دولارا.
وقالت كاترين سييرا- نائبة رئيس البنك الدولي للتنمية المستدامة انه بالرغم من الانخفاض الطفيف لكن أسعار الغذاء ستواصل الارتفاع في المستقبل المنظور.
وأشارت سييرا إلى أن الحكومات في أنحاء العالم تقاعست عن الاستثمار بشكل مناسب في البحوث الزراعية وزيادة إنتاج أنواع جديدة من الأغذية في وقت مناسب لتلبية الطلب، ونادت بضرورة أن تتركز البحوث على محاصيل أشد صلابة قادرة على تحمل الجفاف والحرارة والملوحة علاوة على الحبوب
في غضون ذلك توقعت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أن تبقى أسعار الغذاء مرتفعة خلال العقد القادم، رغم المحصول الوفير خلال عام 2008 مما يزيد من تفاقم وضع 850 مليون شخص يعانون بالفعل من جوع مزمن في أنحاء العالم.
وجاءت الأزمة المالية العالمية لتخطف الأضواء من أزمة الغذاء، التي انطلقت من الولايات المتحدة وامتدت إلى بقية الدول في شتى أنحاء الأرض، وخلفت ورائها خسائر اقتصادية فادحة لم يشعر بمرارتها العالم منذ عصور.
وتعود جذور الأزمة إلى "أزمة الرهن العقاري في 2007 " حين تزايد عدد العاجزين عن سداد قروضهم العقارية في الولايات المتحدة بسبب ارتفاع أسعار مما دفع شركات الرهن العقاري لشراء ديون المقترضين مع زيادة الفائدة وبتسهيلات في الدفع، ثم تقسيم تلك الحزم من القروض إلى أجزاء صغيرة وطرحها في صورة أسهم وسندات مؤسسية، وبيعها لكافة المؤسسات والبنوك التي تبحث عن عائد إضافي.
مؤسسة "فاني ماي" احد ضحايا الازمة المالية
ومع زيادة أعداد المتعثرين بدأت تتساقط مؤسسات الرهن العقاري واحدة تلو الأخرى من مؤسسة"نورثرن روك" البريطانية إلى "فاني ماي" و"فريدي ماك" اللتين تملكان نحو نصف قروض المنازل الأمريكي، فضلا عن إشهار بنوك الإفلاس كـ "ليمان براذرز"، و"ميريل لينش" وتدخل مصارف أخرى لشرائها، كما تأثرت مؤسسات تامين كبرى كـ"أي آي جي" نظرا لانخفاض قيمة وارقها المالية المركبة المرتبطة بالرهون العقارية مع تعمق أزمة سوق الإسكان في البلاد.
ونظرا لاشتداد الأزمة المالية سوء، قررت الحكومات تأميم المؤسسات الكبرى التي بدأت تتهاوى في تحرك هو الأول من نوعه منذ زمن بعيد، حيث تعد كلمة تأميم من التراث بالنسبة للحكومات الرأسمالية الغربية.
وشهدت أسواق الأسهم في أنحاء العالم أسوأ أيامها، ففي أسيا انهارت الأسواق وسجل مؤشر نيكي اكبر خسارة في يوم واحد منذ 20 عاما، وهوت البورصات الأوروبية عند أدنى مستوى لها في خمسة أعوام وتبعتها الأسواق الأمريكية التي فقدت نحو 40 % خلال عام 2008، وانسحب هذا على البورصات العربية حيث سجلت بورصات الخليج انخفاضات حادة، وفقدت البورصة المصرية 19.7 % في أسبوع وكسرت حاجز 6000 نقطة لأول مرة منذ 3 أعوام.
ثم سارعت الحكومة الأمريكية بتقديم خطة لإنقاذ القطاع المصرفي بتكلفة 700 مليار دولار، وحذت الدول الأوروبية حذو أمريكا بتقديم 1.7 تريليون يورو (2.3 تريليون دولار) لدعم المصارف المتعثرة على مواجهة الأزمة المالية.
لكن بركان الأزمة المالية لم يكمن وبدأت البنوك والشركات في الاستغناء عن موظفيها وبالأخص في أمريكا ليسجل شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2008 أكبر تسريح شهري للعمالةفي نحو 3 عقود، حيث فقد أكثر من 533 ألف عامل بأمريكا وظائفهم ليرتفع بذلك معدل البطالة في الولايات المتحدة إلي 6.7% وهو أعلي مستوي منذ أكثر من 15 عاماً.
ونتيجة لارتفاع معدلات البطالة وتزايد معدلات نزع ملكية المنازل التي تعثر مالكوها عن سداد أقساطها ارتفع أعداد الأسر الأمريكية المتدفقة على مأوي المشردين بشكل قياسي بلغ 1464 أسرة، ومن المنتظر أن يزيد أكثر لأنه- بحسب مسئولون ببنوك عقارية- فان نحو 1.5 مليون منزل في طريقها إلى نزع الملكية.
ولم تسلم الجامعات الأمريكية - التي تسهم في النمو الاقتصادي - هي الأخرى من بطش الأزمة المالية، حيث تواجه تهديداً جديداً بتراجع أعداد الملتحقين بها مع تقلص المنح المخصصة للتعليم، فضلا عن اتجاه الجامعات لرفع المصروفات.
وكان أخر ضحايا أزمة الائتمان قطاع السيارات الأمريكية، الذي يواجه أصعب أوقاته مع تراجع مبيعاته لأدنى مستوى منذ 26 عاماً، وبدأت شركات كبرى مثل "جنرال موتورز" و"كريسلر" تدرس إشهار إفلاسها وتغلق فروع لها، وتخفض إنتاجها، إلا أن بوش نجح أخيرا في تقديم صفقة تمويل قصيرة الأمد بقيمة 13.4 مليار دولارا بعدما فشل مجلس الشيوخ في التوصل إلى اتفاق وسط لإنقاذ صناع السيارات عن طريق إقراضهم ما يصل إلى 14 مليار دولار.
ولعل صفقة إنقاذ شركات السيارات الأمريكية تكون أخر قرارات بوش قبل رحيله من البيت الأبيض ليتسلم باراك اوباما إرثا ثقيلا من مشاكل اقتصادية صعبة لم يشهد العالم لها مثيلا منذ الثلاثينيات.
وبالرغم من تفاقم الأزمة المالية خلال عام 2008 إلا أن الاسوا لم يأت بعد - بحسب أراء مسئولين وخبراء- ، حيث توقع المدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس ازدياد الأزمة المالية العالمية سوءا عام 2009، قائلا "عام 2008 كان صعبا على الاقتصاد العالمي لكننا لا نستطيع بأي شكل أن نتوقع أن يكون 2009 عاما أفضل".
وأضاف ستراوس إنه يرجح نموا سلبيا في كل مكان من العالم مؤكدا" أن أي بلد وحده لا يستطيع تطوير سياسة منعزلة لمواجهة الأزمة"وتوقع أن تضرب الأزمة أوروبا وبلدان وسط القارة بشكل أكبر.
يأتي ذلك وسط توقع البنك الدولي هبوط النمو الاقتصادي السنوي العالمي إلى 0.9 % خلال عام 2009 مقابل 2.5 % في عام 2008 .
كما يرجح البنك أن تحوم نسبة النمو الاقتصادي للدول الصاعدة حول 4.5 %، مقابل 8 % عام 2007.
الازمة المالية تهدد معونات الدول الفقيرة
وبينما يكرس العالم اهتمامه في محاولة إيجاد حل لأزمة المال وإنقاذ البنوك، تفاقمت أزمة الغذاء العالمي متأثرة بالكارثة الاقتصادية، فبالرغم من انخفاض أسعار بعض السلع الغذائية إلا أن هذا لا يعني نهاية لازمة الغذاء، فقد حذرت منظمات إغاثة ومسئولون دوليون من التأثير السلبي لازمة الائتمان على الفقراء، إذ أن ضخ مليارات الدولارات لإنقاذ النظام المالي في العالم سيؤدى إلى تخفيض حاد للمعونات الإنسانية التي تقدمها الدول الكبرى في إطار جهود محاربة الأمراض والفقر وإيواء اللاجئين، واتساع الهوة بين أغنياء العالم وفقرائه.
وأثرت أزمة الائتمان سلبا على الدول النامية حيث تراجع الطلب على منتجاتها التصديرية وانخفضت الاستثمارات وتضررت تجارتها.
ومن جهة أخرى فان المنتجين الرئيسيين للغذاء في العالم مثل الولايات المتحدة وأوروبا الذين يعانون من تبعات الأزمة المالية سوف يصعب عليهم اقتراض أموال لتوسيع الإنتاج أو حتى الحفاظ على المستويات الحالية.
كما ستؤدى الأزمة المالية إلى تقلص إنفاق المستهلكين وإجبارهم على التخلي عن منتجات غالية الثمن والتحول إلى طعام أرخص، مما يزيد الضغط على إنتاج المحاصيل في العالم.
أما بالنسبة للفقراء الذين يملكون أموالا اقل فذلك يعنى خفضا إضافيا للغذاء المتاح وزيادة عدد الناس الذين يعانون من سوء التغذية حول العالم.