الأحد، 11 أكتوبر 2009

بعد قفزة غير مسبوقة الذهب.. ملاذ آمن أم مخاطرة شائكة؟

11/10/2009


إيضاح بياني لتصاعد سعر الذهب من 2002 إلى 2009
"الملاذ الآمن".. هكذا يبدو الذهب في نظر كثير من المستثمرين ورجال الأعمال والمواطنين الخائفين من المستقبل، فهو الثروة المضمونة في ظل حالة عدم اليقين التي يمر بها الاقتصاد العالمي وعدم الاستقرار في أسواق الصرف.
هذا الملاذ الآمن سجل مستوى قياسيا في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2009 عندما بلغ سعر الأونصة (الأوقية) 1100 دولار، وذلك في أعقاب بيان مجلس الذهب العالمي بانضمام سريلانكا إلى الهند في شراء المعدن النفيس وسط انخفاض سعر صرف الدولار.
وكانت أسعار الذهب قد ارتفعت بأكثر من 30 دولار في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2009، وهو أعلى معدل ارتفاع خلال جلسة واحدة، بعد إعلان صندوق النقد الدولي في أكتوبر/ تشرين الأول 2009 عن بيعه 200 طن من احتياطيه من الذهب إلى البنك المركزي الهندي، في صفقة قدرت قيمتها بنحو 6.7 مليار دولار.
ووفقا لما ذكر موقع "بلومبرج" الأمريكي، فقد سجلت أسعار الذهب ارتفاعا نسبته 24% خلال عام 2009 في بورصة لندن، بينما سجل الدولار تراجعا أمام اليورو، و5 عملات أخرى، بحوالي 6.4%، وذلك من أول يناير/ كانون الثاني 2009 وحتى أول نوفمبر/ تشرين الثاني 2009.

قفزات متوقعة

توقع بارتفاع سعر الذهب إلى 2000 دولار للأوقية بنهاية 2010
ورجحت تقارير اقتصادية حديثة أن تشهد أسعار الذهب مزيدا من الارتفاع، فربما تصل إلى 1500 دولار للأونصة (الأوقية)، بسبب اتجاه العديد من البنوك المركزية إلى تخفيض أسعار الفائدة لديها، بالإضافة إلى تزايد الطلب على هذا المعدن النفيس.
فقد ذكر تقرير صادر عن بنك "سيتي جروب" أنه من المرجح أن يتجاوز سعر الذهب الـ2000 دولار نهاية العام 2010، وذلك إثر قيام المصارف المركزية حول العالم بإغراق الأسواق بالسيولة النقدية، مشيرا إلى أن هذه المغامرات من قبل المصارف المركزية ستنتهي لا محالة إما بصعود قوي للتضخم أو كساد اقتصادي كبير واضطرابات مدنية، وفي الحالتين سيكون الذهب الملاذ الآمن.
ونبه التقرير إلى الأنباء الواردة من الصين تشير إلى أنها تفكر جديا في رفع احتياطياتها من المعدن الأصفر إلى 4000 طن بدلا من 600 طن حاليا، وذلك بغرض تنويع احتياطياتها بدلا من تركيزها على الأوراق المالية والسندات.

هبوطه وصعوده

مؤتمر لمجلس الذهب العالمي
وفيما يتعلق بتقلبات أسعار الذهب عبر أكثر من نصف قرن، فقد ظلت الأسعار شبه مستقرة منذ الأربعينيات وحتى السبعينيات من القرن الـ20، لكنها تحركت بقوة خلال النصف الثاني من السبعينيات حتى بلغت أقصاها في 21يناير/ كانون الثاني 1980، مع دخول الدبابات السوفيتية أفغانستان حين سعى المستثمرون الخائفون إلى الملجأ الآمن المطلق - أي الذهب - رافعين سعر أوقيته إلى معدل قياسي بلغ 850 دولارا. وكانت أسعار النفط في الوقت نفسه ترتفع بقوة نتيجة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، بينما كان سعر الدولار يهبط بشدة، وسط مخاوف من ركود اقتصادي أمريكي.
وبالمثل تسبب عدم الاستقرار في جنوب آسيا - منذ اغتيال رئيسة وزراء باكستان السابقة بيناظير بوتو في ديسمبر/ كانون الأول 2007 - في ارتفاع سعر الذهب.
وعلى مدى السنوات الأخيرة، تعرض سعر الذهب لتقلبات عديدة، لكن الاتجاه العام كان نحو الهبوط خلال تسعينيات القرن الـ20، فقد بلغ معدل أسعار الذهب عام 1991 حوالي 362.1 دولار للأونصة (الأوقية) ثم تراجع إلى 343.8 دولار للأونصة (الأوقية) عام 1992 لكنه ما لبث أن سجل صعودا في السنوات الـ4 اللاحقة ليصبح 387.8 دولار عام 1996.
أما عام 1997، فقد شهد هبوط سعر أونصة الذهب (الأوقية) عند مستوى 289.9 دولار أي دون 300 دولار للمرة الأولى منذ مارس/ آذار 1985، كما سجل معدل سعر أونصة الذهب (الأوقية) تراجعا آخر في عام 1999 ليبلغ 279.8 دولار ثم 279.1 دولار في عام 2000، وقدرت نسبة الانخفاض في سعر الذهب في الفترة بين 1991 و2000 بحوالي 23%.
احتياطي الذهب للبيع
وقد حرصت البنوك المركزية في كل أنحاء العالم منذ سنوات طويلة على الاحتفاظ بالذهب كجزء من احتياطياتها، لكن هذا التوجه لحقه بعض التعديل في التسعينيات إذ بلغ حجم احتياطيات الذهب الموجودة بهذه البنوك والمؤسسات النقدية الأخرى في العالم حوالي 950 مليون أونصة (أوقية) نهاية عام 2000، ويعد هذا أقل بكثير من مستويات احتياطي الذهب التي سادت خلال السبعينيات.
وبالتالى أدى التراجع في أسعار الذهب خلال فترة التسعينيات إلى إلحاق خسائر كبيرة في قيمة احتياطي الذهب الذي تحتفظ به البنوك المركزية في أرجاء العالم، حيث تراجعت قيمة هذا الاحتياطي العالمي إلى 265.2 مليار دولار نهاية عام 2000 مقارنة بحوالي 340.1 مليار في آخر عام 1991، مسجلا هبوطا نسبته 22%.
ثم اتجه منحنى أسعار الذهب للارتفاع المستمر منذ 2002 وحتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2009، ليرتفع من 310 دولارات في 2002 إلى 363.5 دولار في 2003، ثم إلى 409 دولارات في 2004 ويواصل الصعود إلى 445 دولارا بعام 2005، ثم قفز إلى 604 دولارات عام 2006، وواصل قفزاته إلى 695 دولارا عام 2007، ثم ارتفع إلى 872 دولارا في عام 2008.
وقد صرح جيمس برتون الرئيس التنفيذي لمجلس الذهب العالمي بأن ارتفاع سعر الذهب وتقلبه والتضخم الذي شهدته اقتصاديات كثيرة في العالم والضغوط الاقتصادية الكبيرة على المستهلك من عوامل انخفاض حجم استهلاك العالم من الذهب بالطن في الربع الثاني من عام 2008 مثلما حدث في أسواق بريطانيا والولايات المتحدة وبعض دول الخليج.
و مع تقلص العرض بمعدل نمو سنوي مركب بلغت نسبته 2.4%، لا يزال الطلب على الذهب في الشرق الأوسط قويا بإجمالي 383 طنا في نهاية عام 2008 مقارنة بنحو 348 طنا في عام 2007، ولكن الجدير بالذكر أن حجم استهلاك المجوهرات الذهبية بالطن في الشرق الأوسط - والذي يمثل 90% من حجم تجارة الذهب بالمنطقة - قد انخفض بنسبة 12% في الربع الثاني من 2008، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2007.
ويشير التوزيع النسبى للطلب على الذهب خلال عام 2008 إلى استحواذ الاستهلاك للمجوهرات لنسبة 57.5%، بينما كان نصيب الطلب الاستثماري 31% في شكل سبائك ذهبية وعملات رسمية وميداليات وصناديق الاستثمار المتخصصة بالذهب، فى حين بلغ نصيب الطلب الصناعى 11.5% والذي يتجه للأسنان الصناعية والالكترونيات وغيرها من الصناعات.
وخلال عام 2009، واصل الذهب رحلة صعوده إلى 908 دولارات خلال الربع الأول من العام، ثم ارتفع إلى 922 دولارا بالربع الثاني من العام حتى تخطى 1070 دولارا فى الأسبوع الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2009، ثم قفز في نوفمبر/ تشرين الثاني إلى 1100 دولار.
وقد كانت احتياطيات الذهب تستخدم عبر التاريخ للوقاية من آثار التضخم ودعم أسعار صرف العملات المحلية. ومما يزيد من جاذبية الذهب كاحتياطي كونه مقبولا على المستوى العالمي كوسيلة للدفع، إضافة إلى أنه قابل للتحويل إلى سيولة نقدية، بل أنه ضمان في حال حدوث الحروب أو فرض عزلة دولية على البلاد، خاصة إذا كان هذا مصحوبا بمحاولة لتجميد الاحتياطيات الأجنبية التي تمتلكها الدولة في البنوك العالمية.
ومع هذا لم تعد الأسباب التي تشجع على الاحتفاظ بالذهب كأصل احتياطي مقنعة في السنوات الأخيرة، حيث أصبح من الصعب استخدام الذهب كوسيلة للدفع إذ لم يعد مقبولا من الجميع، إضافة إلى أن القيام بتجميد الاحتياطيات الأجنبية في الدول التي تعاني من الحروب أو من عزلة دولية مفروضة عليها لا يستثني الذهب، الأمر الذي نبه كثير من البنوك المركزية لأهمية البيع التدريجي لمعظم ما تمتلكه من احتياطي الذهب والتحول إلى الأصول الأخرى التي تدر دخلا.
وفي المنطقة العربية، هبطت قيمة احتياطي الذهب الذي تحتفظ به البنوك المركزية والمؤسسات النقدية الأخرى من 8.16 مليار دولار إلى 5.94 مليار دولار في التسعينيات، مما يمثل خسارة قيمتها نحو 2.2 مليار دولار، مما يعزز وجهة النظر التي ترى أن الاحتفاظ باحتياطيات على شكل ذهب خطوة غير اقتصادية مقارنة مع الاحتفاظ بعملات أجنبية أوأي أصول أخرى.
وقد تغير هذا الأمر خلال السنوات الأخيرة مع التطور الذي حدث في سوق التمويل التأجيري للذهب، الذي مكن البنوك المركزية من الحصول على عائد صغير يقدر بحوالي 2% سنويا (وفقا لأجل الاستحقاق) على الذهب الذي ترغب في تقديمه سلفة أو قرضا للسوق، لكن هذا الربح لا يزال دون المستوى الذي توفره الأصول الأخرى.

سر غلائه

اعتماد الذهب كمستودع للقيمة والثروة مع تقلبات أسعار الصرف
وحول مستقبل أسعار الذهب، يختلف المحللون حول ما إذا كانت أسعاره ستعبر حاجز الألف دولار للأونصة (الأوقية) أو ستظل ثابتة التوجه بمعدلات متصاعدة في الأجل المتوسط؟
وتباينت آراء الخبراء في تفسير أسباب الارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار الذهب منذ 2002، حيث اتفق معظم خبراء الاقتصاد والمعنيين بتجارة الذهب على أن السبب الرئيسي يرجع إلى انخفاض ثقة المتعاملين بالعملات الأساسية كالدولار واليورو في السوق العالمية، والتي ترتبط قيمتها بقوة اقتصاديات الرأسمالية مما شجع التعامل بالمعادن النفيسة كالذهب وغيره، بينما عزا البعض غلاء الذهب إلى تطورات الأحداث السياسية والاقتصادية بصورة مفاجئة ومتلاحقة في العالم، وتأثيرها على حركة الأسعار في سوق المال وكذلك سعر برميل النفط.
وتشير أحداث الواقع الحالي إلى أن ارتفاع الذهب لعب دورا في التأثير على سعر برميل النفط، حيث دفع الدول المنتجة باتجاه التقليل من الإنتاج، كما أنه وجه الدول المستوردة لتخزين الذهب الخام تحسبا لمخاطر سياسية وأمنية كاليابان وروسيا.
وعبر التاريخ هناك علاقة طردية بين أسعار الذهب والنفط أي يتزامن ارتفاعها وانخفاضها مع بعضها، حيث كان يتم شراء النفط مقابل الذهب - وحتى الآن - هناك نسبة كبيرة من عائدات النفط تستثمر في الذهب. ومع ارتفاع أسعار النفط، فإن كثيراً من الإيرادات المتزايدة يتم استثمارها في الذهب أو غيره من الأصول ، كما أن ارتفاع أسعار النفط يزيد الضغط على التضخم وهو ما يعزز اللجوء للذهب كوسيلة لتلافي مخاطرالتضخم.
معدل الذهب إلى النفط
يقصد بنسبة الذهب للنفط عدد براميل النفط الذي يمكن شراؤه بأونصة (أوقية) من الذهب، وهي من أكثر المؤشرات المستخدمة بين المستثمرين من مختلف أنحاء العالم لبيع وشراء الذهب، فعندما ترتفع نسبة الذهب للنفط إلى أقل من 10 براميل/ للأوقية، يعد هذا فرصة للشراء في حين ترتفع فرصة البيع عندما تنخفض نسبة الذهب للنفط إلى أكثر من 20 برميلا/ للأوقية. ويتعزز ذلك الارتفاع كلما ازدادت وتيرة الأزمات التي تجتاح العالم بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية، ففي عام 2001 ارتفعت نسبة الذهب للنفط إلى 15 ضعفا في ظل أحداث 11 سبتمبر/ أيلول.
ومن الأسباب الأخرى لارتفاع سعر الذهب، تزايد العجز في الميزان التجاري للولايات المتحدة الأميركية، علاوة على ندرة عنصر الذهب في العالم وزيادة الطلب عليه مما رفع أسعاره، فعلى سبيل المثال الانخفاض المتوقع في انتاج السعودية من الذهب خلال العامين 2010 و2011 بمقدار الربع في ظل نضوب المنجمين الرئيسيين لها سيكون له أثر مباشر في تراجع إنتاج السعودية من الذهب إلى نحو 200 ألف أونصة (أوقية) سنويا.
إضافة إلى التضخم العالمي المتصاعد، والمخاوف إزاء استقرارالنظام المالي، وضعف الدولار الذي يمكن أن يتزايد باستمرار معدلات سعر الفائدة الأمريكية قريبا من الصفر، سعيا لتوفير حماية للاقتصاد الأمريكي.

وهناك روابط بين توقع استمرار صعود الأسعار والطلب المتزايد للاستثمار بالذهب من صناديق الاستثمار واستمرار الطلب المعتاد من الأفراد على الذهب كوسيلة للادخار وملاذ بالأزمات، خاصة وأن هذه الزيادة في الطلب لا تقابلها زيادة في العرض بسبب صعوبات عمليات الاستخراج ونقص انتاج جنوب إفريقيا - والتى ظلت لعشرات السنين تتربع على عرش إنتاج الذهب - فبعد أن كان النصيب النسبي لجنوب إفريقيا 68% من الإنتاج العالمي عام 1970، انخفض إلى 10% عام 2007، ثم تراجع ترتيبها إلى المركز الثالث عالميا بعام 2008 بعد الصين وأمريكا.
وانعكس تراجع انتاج جنوب إفريقيا على انخفاض الإنتاج العالمي، والذي نقص من 2518 طنا عام 2005 إلى 2469 طنا عام 2006، ثم استمر في التراجع إلى 2444 طنا في 2007، وواصل الانتاج العالمي انخفاضه عام 2008 إلى 2356 طناً. ورغم تراجع الإنتاج الدولي، فقد استمر الطلب العالمي على الذهب في التزايد من 3552 طنا عام 2007 إلى 3804 أطنان عام 2008.
وفوق ماسبق، نجد أن تكاليف إنتاج أونصة (أوقية) الذهب قفزت إلى 371 دولارا في النصف الأول من عام 2007، أي بزيادة 21% على الفترة ذاتها من عام 2006 مما يزيد سعرها.
وأخيرا، يبدو أن الفلسفة الاستثمارية الراهنة تتجه نحو اعتماد الذهب كمستودع للقيمة والثروة، يضمن تلافي مخاطر استخدام وسائل الاستثمار الأخرى في ظل تقلبات أسعار الصرف ومخاوف التذبذب في أسواق البورصة بعد إعلان بعض الشركات إفلاسها في بعض دول العالم.

الخميس، 10 سبتمبر 2009

8 تريليون دولار حجم صناديق الثروة السيادية عام 2015

10/9/2009
الاقتصادية



ارتفعت قيمة صناديق الثروة السيادية بعد الأزمة الاقتصادية العالمية المتعلقة بأزمة الائتمان على الرغم من أنها موجودة على مدى عقود من الزمان، فهي بالتعريف صناديق تمتلكها الدول وتتكون من أصول إذ يمكن لهذه الصناديق إدارة فوائض الدولة للاستثمار لتحقيق أهداف بعيدة المدى. وبالرغم من وجودها على مر العقود، إلا أنها زادت بعد عام 2000 بشكل دراماتيكي، وأول صندوق من هذا النوع رأى النور هو سلطة الاستثمار الكويتية التي أسست عام 1953. وكما يظهر التقرير الذي نشرته الخدمات المالية الدولية في لندن (IFSL) فإن قيمتها هي في تصاعد في السوق المالي الكوني في السنوات القادمة بسبب تدفق النقد من الفائض التجاري واستمرار تصدير المنتوجات وارتفاع أسعار النفط .
الراهن، إن حجم الموجودات المقدر المتاح للإدارة من قبل صناديق الثروة السيادية في العالم قد ارتفع بنسبة 18 في المئة ووصل إلى ما يقارب من 3.9 تريليون دولار أمريكي، فالخسائر التي تحملتها هذه الصناديق جراء استثماراتها قد عوضت وأكثر بواسطة استمرار تدفق النقد، وعلاوة على ذلك هناك ما يقارب من 5.5 تريليون دولار أمريكي موجودة الآن في آليات استثمارية سيادية أخرى مثل أموال احتياط التقاعد وصناديق للتنمية.
غير أن نسبة الـنمو البالغة 18 في المئة في صناديق الثروة السيادية في السنوات الثلاث الأخيرة ستتعرض للتناقص في السنوات القليلة القادمة. والسبب في ذلك يعود للتباطؤ المنتظر والتراجع الذي طرأ مؤخرا على أسعار المنتوجات والنفط على وجه الخصوص، كما ساهمت أيضا الأزمة الاقتصادية العالمية في تراجع نسبة احتياط التبادلات الأجنبية المتراكمة في الدول الآسيوية. ومع هذا الوضع إلا أن الـ IFSL تتوقع أن تضاعف صناديق الثروة السيادية ثروتها لتبلغ 8 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2015. ومع ذلك فإن التوقعات بشأن حجم هذا السوق هي مختلفة نظراً للتعريفات المختلفة لماهية صناديق الثروة السيادية وكذلك الكشف المحدود وغياب الشفافية للكثير من هذه الصناديق. غير أن هناك 24 مبدأ نشرت في أكتوبر من العام 2008 أفسحت لمزيد من الشفافية في هذا السوق.
يشار إلى أن لندن هي مركز في غاية الأهمية في سوق صناديق الثروة السيادية إذ تدار الكثير من هذه الصناديق من هناك من لندن، فصناعة الخدمات المالية في المملكة المتحدة ترحب بالاستثمارات لهذه الصناديق على أساس أن في المملكة المتحدة إطار تنافسي وأمني وطني ومنتظم والذي بدوره يضمن أن جميع الاستثمارات الأجنبية سواء من صناديق الثروة السيادية أم غيرها تستجيب لمعايير مناسبة. فالمملكة المتحدة هي ملتزمة بأن تبقى سوقاً تنافسية ومفتوحة للاستثمار الدولي.
لكن ما هي المصادر المالية لصناديق الثروة السيادية؟ تعتبر هذه الصناديق إحدى القنوات الرئيسية التي توظف فيها الدول موجوداتها المالية، ويأتي تمويل صناديق الثروة السيادية من مصادر متنوعة والتي يمكن تجميعها. فيأتي التمويل في العادة كنتيجة للفائض في الحساب الجاري الذي يأتي من صادرات النفط وسلع ومنتوجات أخرى أو المواد المصنعة، ومن الفائض في الميزان التجاري، ومن الفوائض المالية والتوفر العام وعوائد الخصخصة واحتياطات التقاعد.
ويمكن تقسيم صناديق الثروة السيادية إلى عدد من الفئات الرئيسية: أموال البضائع والمنتوجات والتي تأتي بشكل رئيسي من عوائد النفط وعوائد لا تأتي من السلع وإنما من أموال المتقاعدين أو من احتياطي العملات الأجنبية. ويقدر التقرير أن حوالي ثلثي موجودات صناديق الثروة السيادية لعام 2008 ناتج عن أموال المنتوجات والسلع (Commodity SWFs) مع أن الأموال غير الآتية من المنتوجات (Non-Commodity SWFs) قد نمت بشكل متسارع في العقد الماضي.
وهناك ما يقارب من 45 في المئة من تمويل هذه الصناديق قد أتى من الدول الغنية بالنفط في الشرق الأوسط مع نهاية عام 2008، وجاء بعد ذلك آسيا إذ ساهمت بثلث ولكنها أموال ناتجة عن تراكم احتياط العملات الأجنبية. أما بقية التمويل فتساهم فيه أوروبا مع سيطرة واضحة للنرويج .
وأكبر تمويل يأتي من مجلس استثمار أبوظبي إذ يساهم بمبلغ يصل إلى 875 مليار دولار، ثم ساما (SAMA) (433 مليار دولار)، ثم شركة استثمار حكومة سنغافورة وبلغ 330 مليار دولار، وتعد سنغافورة الأنشط في مجال الحصول على شركات وحصص أقلية في السنوات الأخيرة تليها دولة الإمارات العربية المتحدة. لكن هناك أيضا نوع آخر من صناديق الاستثمار وهي تختلف نوعاً ما عن صناديق الثروة السيادية لكنها تتشارك معها في الكثير من الميزات، وهي في المحصلة وسائط استثمار سيادية مثل أموال احتياط التقاعد العام، أموال الاستثمار الحكومية، أموال التنمية الحكومية، وأيضا بعض المؤسسات أو الشركات أو الهيئات التابعة للحكومة. ويقدر التقرير أن الموجودات التي تمتلكها هذه الوسائط ما عدا صناديق الثروة السيادية تناقصت بمعدل 10 في المئة في عام 2008 لتصل إلى 5.5 تريليون دولار. والتراجع هو ناتج عن التراجع في قيمة موجودات التقاعد بسبب تراجع قيمة الاستثمارات كأسهم رأس مال وتراجع أسعار السلع والمنتوجات.
وعودة إلى صناديق الثروة السيادية التي تعتمد في مصادرها على المنتوجات أو المصادر الطبيعية، فالكثير من مصدري النفط أسسوا صناديق من هذا القبيل وذلك لاستثمار الفائض من عائدات النفط في الأسواق المالية العالمية، وهنا يتم الحديث عن الدول النفطية في الشرق الأوسط، والنرويج وروسيا ونيجيريا وفنزويلا وإندونيسيا. ويشير التقرير في تقديراته إلى أن هناك أكثر من 60 في المئة من مبلغ الـ 5 تريليون دولار في يد الحكومات مع نهاية عام 2008 كما يبين التقرير أن حوالي أربعة أخماس من الأموال التي تسيطر عليها الحكومات هي في صناديق الثروة السيادية.
تركز صناديق الثروة السيادية التي تعتمد في موجوداتها على الإنتاج والنفط على الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الداخلي ضد مخاطر تذبذب أسعار المنتوجات والنفط وكذلك لتقديم قناة دخل للأجيال القادمة في حال حدوث تراجع في عوائد التصدير من النفط والمنتوجات الأخرى لمدى بعيد.
وقد تصاعفت الموجودات الآتية من تصدير المنتوجات والنفط خلال العقد الأخير لتصل إلى أكثر من 2.5 تريليون مع نهاية عام 2008، فقد تناقصت حصة عوائد السلع والإنتاج من مجمل موجودات صناديق الثروة السيادية في العقد الأخير من 87 في المئة إلى 65 في المئة وذلك بسبب النمو السريع لصناديق الثروة السيادية من البلدان الآسيوية والناتج بالدرجة الأولى من احتياطي النقد الأجنبي، ولكن يتوقع التقرير أن عائدات صناديق الثروة السيادية سيزداد من الإنتاج لأكثر من 3.5 تريليون دولار بحلول عام 2015، وهذا يعتمد وبشكل كبير على مستقبل أسعار النفط والسلع الأخرى، إن أكبر مصدر للتمويل في السنوات القادمة هو من دول فيها احتياطات كبيرة من النفظ مثل المملكة العربية السعودية وكندا وإيران.
أما صناديق الثروة السيادية التي لا تعتمد على عوائد النفط والسلع فهي تمول من نقل أصول مباشرة من احتياطي النقد الأجنبي وأحياناً من فائض موازنة الحكومة وعوائد الخصخصة. فبعد أن زاد احتياطي النقد الأجنبي في بعض البلدان بشكل كبير توصلت الحكومات إلى سياسة نقدية تقول إن احتياطها من العملات الأجنبية هو عال وأكثر من الاحتياجات المباشرة. وبلغ احتياط النقد الأجنبي الرسمي إلى 7.4 تريليون دولار مع نهاية عام 2008 وذهب خمس هذا الرقم إلى صناديق الثروة السيادية، وهذا الحجم من النقد يحتل حصة متزايدة من صناديق النقد السيادية العالمية ومساهمتها التي بلغت 35 في المئة مع نهاية عام 2007 يمكن لها أن تواصل زيادتها إلى النصف بحلول عام 2015.
كما تجدر الإشارة إلى أن حصة الدول الآسيوية في احتياط النقد الأجنبي قد زادت بشكل كبير في السنوات الماضية، فحصة البنوك المركزية الآسيوية كانت تقريباً ثلث احتياط العملة الأجنبية، ولكنها مع نهاية عام 2007 بلغت حصتها أكثر من 60 في المئة، وبالفعل تضاعف احتياط النقد الأجنبي في الدول الآسيوية من عام 2003 إلى عام 2008. كما أن هناك عددا من الدول التي تميزت بفائض في ميزان المدفوعات، وهنا نشير إلى أن الصين وفي عام 2008 زادت من احتياط النقد الأجنبي لتصل إلى أكثر من 2 تريليون وهو ثلث الاحتياط العالمي، ويليها اليابان 14 في المئة وروسيا 5 في المئة .
إدارة واستثمار صناديق الثروة السيادية
في العادة تكون هذه الصناديق كيانات مستقلة في عملياتها، إذ يكون فيها إدارة مهنية عالية المستوى، وهي في الغالب تميل إلى التسامح مع المخاطر العالية واستثمارات طويلة المدى أكثر من مؤسسات الاستثمار التقليدية. ويفيد تقرير (IFSL) أن أكبر صناديق الثروة السيادية تعمل بشكل مشابه لفكرة صناديق التحوط Hedge Funds أو حتى صناديق الاستثمار في الملكية الخاصة Private Equity Firms ولكن بدرجات مختلفة من الشفافية فيما يتعلق بالموجودات والاستراتيجيات.
تدار بعض الصناديق من قبل الحكومة أو من قبل موظفين سابقين في الحكومة أو من قبل أعضاء من العائلات الحاكمة، غير أن دور مديري الاستثمار الخارجي في عملية إدارة صناديق الثروة السيادية قد زاد في السنوات الأخيرة. كما تفيد مجلة الاستثمارات والتقاعد في تقرير لها بأن حوالي 45 في المئة من الأصول تدار من قبل مديرين خارجيين، على أن مثل هذا النمط قد يتراجع في السنوات القادمة نظرا لأن الكثير من صناديق الثروة السيادية تزيد من طاقمها الاستثماري وتطور ممثلين محليين.
ويفيد التقرير أن نمو استراتيجيات الاستثمار لصناديق الثروة السيادية في السنوات الأخيرة من شأنه أن حوّل الحكومة لمجموعة استثمار دولية، غير أن هذه الصناديق تختلف فيما بينها وبشكل كبير في طريقة تخصيص الأصول واستراتيجيات التعامل مع المخاطر مما يعكس أهدافها والقيود المختلفة. والدارج أن هذه الصناديق تتبنى مقاربات بعيدة المدى في الاستثمار، والحقيقة أن الكشف عن استراتيجية إدارة الاستثمار تختلف من صندوق لآخر ولكنها وبشكل عام محدودة.
في السنوات الأخيرة، كان هناك تغير تدريجي من استراتيجية الاستثمار السلبي إلى النشط، وقد تطلب ذلك أن يأخد الصندوق السيطرة المباشرة على الشركات من خلال الدمج والامتلاك أو الحصول على أصول وأسهم أقلية، ومثل هذا النوع من الاستثمار وصل إلى مجموع بلغ 187 مليار دولار في الفترة من عام 1995 إلى عام 2008. وهذا إلى حد كبير ناتج عن ضخ رأس المال الذي طلبته بعض البنوك بسبب أزمة الائتمان والتي بدأت من عام 2007. وبالفعل عانت بعض الصناديق من خسارات في بعض هذا الاستثمارات.
ومؤخرا، العديد من صناديق الثروة السيادية في بعض الدول المنتجة للنفط غيرت من تركيزها واهتمامها من أسواق المال الغربية إلى الأسواق المحلية، وقام عدد من الدول الشرق أوسطية باستثمارات في البنوك المحلية وقامت صناديق الثروة السيادية باستثمارات في أسواق البورصة المحلية من أجل ضخ مزيد من السيولة للمساعدة في انعاش اقتصادياتهم المحلية.
الصناديق التي تعتمد في أصولها على النفط أو السلع لها مقاربة بعيدة المدى في قرارات الاستثمار وتفضل الأصول وحقوق الملكية والاستثمارات البديلة، وهناك أربعة أخماس من صناديق الدول المصدرة للنفط تقوم باستثمارات خارجية. وتحتل الاستثمارات بالأسهم (الاستثمار الرأسمالي) ما يقارب نصف حجم الاستثمار في الخارج. كما أن السندات الحكومية تزيد من حصتها في وقت أصبحت فيه صناديق الثروة السيادية أكثر تحفظاً في تجنب المخاطر بعد الخسائر في بعض من استثماراتها الرأسمالية أو في الأسهم في الخارج في السنة الأخيرة. كما أن هذه الصناديق تستثمر في سوق العقارات لأن مردوديتها بعيدة المدى تتناسب مع أهداف الاستثمار بعيدة المدى، والولايات المتحدة هي محطة أكثر من نصف هذه الاستثمارات وتليها أوروبا كثاني أكبر محطة بحصيلة 20 في المئة تقريباً من الاستثمارات.
أما صناديق الثروة السيادية التي لا تعتمد على النفط أو السلع، فإن البنوك المركزية في هذه الدول هي المصدر الرئيس للسيولة، وهي تميل إلى الاستثمار في الأصول في الولايات المتحدة وتحديداً في المستندات. وتشير الأرقام حول تركيبة العملة من احتياط النقد الأجنبي بأن الدولار الأمريكي يحتل ثلثي هذا الاحتياط، ولكن هذه النسبة تراجعت بعض الشيء في السنوات الأخيرة بعد أن قامت بعض البنوك المركزية بنقل جزء من أصولها إلى عملات أخرى مثل عملة اليورو.
في الختام يفيد التقرير أن صناديق الثروة السيادية يجلب منافع شتى للأسواق المالية العالمية لأنه يزيد من السيولة ويزيد تخصيص الموارد المالية. غير أن بعض الحكومات كانت قد عبرت عن تحفظات كثيرة على عمل صناديق الثروة السيادية بسبب محدودية الشفافية في عمل بعض من هذه الصناديق. كما عبر البعض عن تحفظات أو لنقل قلقاً عن تعدد أهداف هذه الصناديق مما جعل من الصعوبة بمكان تقييم نشاطات الصناديق وأثرها على الأسواق الرأسمالية العالمية. وأكثر من ذلك هناك أيضا قلق من قبل بعض الحكومات التي ترى أن الصناديق يمكن أن تقوم بالاستثمار لضمان السيطرة على بعض الأعمال ذات الأهمية الاستراتيجية أو أن تقوم بالاستثمار لتسيطر على قطاع لأهداف سياسية وليست تجارية أو ربحية، ما يعني أن الدولة التي تمتلك الصندوق يمكن لها تعزيز أهدافها السياسية ومصالح بلدها الوطنية.
ما ذكر في الفقرة السابقة هو بعض من مصادر القلق لعمل صناديق الثروة الوطنية وهو أمر يقلق حتى حكومات الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة التي يوجد فيها أكثر من 20 صندوقاً سيادياً حسبما ورد في جريدة "الشرق الأوسط" في عددها الصادر في الثاني عشر من شهر إبريل للعام الحالي. فمن الاقتراحات التي تقدمت بها الولايات المتحدة هو منع الصناديق السيادية من التصويت في استثماراتها، كما أن هناك من يرى أنه يجب أن يكون هناك تركيزا على الاستثناء الذي تنعم به الصناديق السيادية في الضرائب في أمريكا، ويوجد هناك من يقترح تقوية مراجعات الأمن الوطني لهذه الاستثمارات.
مصادر القلق التي وردت في التقرير وجدت من يسمع لها، فمنظمة العمل الدولية لمجموعة صناديق الثروة السيادية والتي تأسست في شهر آيار عام 2008 (مع صندوق النقد الدولي مزودا المساعدة في السكرتارية) وضعت المنظمة بشكل علني أربعة وعشرين مبدأ تطوعياً وهي ما سميت "المبادئ والممارسات المقبولة بشكل عام لصناديق الثروة السيادية". وقامت أيضا بتأسيس لجنة تشكيل للبحث في إيجاد هيئة دولية دائمة لصناديق الثروة السيادية. وفي الوقت ذاته نشرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية دليلاً لسياسة الدول التي تتلقى استثمارت هذه الصناديق إزاء الصناديق السيادية. فالدول المتلقية للاستثمارات عليها أن تجتهد في تجنب الحماية وعليها أن تتبنى أطر استثمار شفافة ونزيهة .

دول مجلس التعاون تمثل 30 - 42 % من الحجم العالمي صناديق الثروة السيادية.. الخيار الاستراتيجي للنهضة الخليجية


10/9/2009
الاقتصادية

أكدت تقارير مختلفة أن منطقة الخليج العربي تمثل أكبر منطقة لنشاط الصناديق السيادية؛ فقد أكد تقرير صادر عن معهد صناديق الثروات السيادية أن الصناديق السيادية الخليجية تستحوذ على حوالي 39في المئة من صناديق الثروات السيادية في العالم والتي تمتلك ...
---
أكدت تقارير مختلفة أن منطقة الخليج العربي تمثل أكبر منطقة لنشاط الصناديق السيادية؛ فقد أكد تقرير صادر عن معهد صناديق الثروات السيادية أن الصناديق السيادية الخليجية تستحوذ على حوالي 39في المئة من صناديق الثروات السيادية في العالم والتي تمتلك 3.76 تريليون دولار كأصول مدارة حيث بلغت قيمة الصناديق الخليجية 1.47 تريليون دولار. في حين تقدر نسبة الصناديق السيادية الخليجية بحوالي 42 في المئة تبعاً لتقديرات دويتشه بنك بحسب ما يؤكد كريس وراد رئيس قسم تمويل الشركات والرئيس التنفيذي في شركة ديلويت لتمويل الشركات في الشرق الأوسط. وتقدر الشركة قيمة إجمالي الأصول المدارة للصناديق السيادية 3 تريليون دولار. وهناك مؤشرات أخرى تقدر نسبة الصناديق السيادية الخليجية بـ 30 في المئة من إجمالي الثروات التي تمتلكها صناديق الثروات السيادية العالمية. وتختلف تلك التقديرات عما أورده معهد التمويل العالمي في وقت سابق من هذا العام إلا أنه مهما كان الحجم الحقيقي للأصول المدارة فإن منطقة الخليج تبقى المنطقة الأكثر نشاطاً لتلك الصناديق السيادية.
ويرى المحللون أن ازدهار الاستثمارات الأخيرة للصناديق يشي بأنها عملت على تجنب الاستثمارات التي تحمل مخاطر عالية حيث تم استثمار العديد من الصناديق السيادية الخليجية في أصول ذات مخاطر عالية لا تحمل قيمة حقيقية وذلك في مرحلة ما قبل الركود العالمي.
ويوضح ماليش شاه - رئيس قسم العمليات الاستشارية الاستثمارية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شركة ميركر- "إن بعض الصناديق تم استثمارها بالفعل في عقارات محفوفة بالمخاطر إلا أنها تمثل نسبة مئوية صغيرة من قيمة الاستثمارات أو الأصول". ويضيف أن هذه الصناديق ستعمل في الفترة المقبلة على الحفاظ على المخاطر في مستويات يمكن السيطرة عليها. ويوضح أن الصناديق السيادية كان ينظر إليها في السابق على أنها تفتقد الشفافية، وأنها كمستثمر تحمل تأثيرات سياسية بالغة إلا أن تلك الصورة تغيرت إلى حد كبير في الفترة الحالية بعد أن أصبح الغرب ينظر لتلك الصناديق نظرة أكثر إيجابية.
تجدد المخاوف
وعلى الرغم من ذلك لا تزال التخوفات تحيط بالصناديق السياسية بحسب ما خلصت إليه دراسات أعدتها أكاديميتا ألكسندر دايك ولويجي زينغاليس وأخرى حديثة أعدها كل من كريغ دودج واندرو كاروليي وكارل لينس وداريوس ميلر ورينيه ستولز. وخلصت تلك الدراسات إلى أن الملكية المركزة قد يصاحبها خروج المصالح الخاصة عن نطاق السيطرة وهو ما يؤدي بالتالي إلى خفض القيمة. كما تعتبر الصناديق السيادية مفتقدة للشفافية فضلاً عن كونها مبهمة في أهدافها واستراتيجياتها. وتضيف أنها تمنع أو تقيد المنافسة ـ في الكثير من الحالات- نظراً لأن الصناعات التي تستثمر فيها ليست مفتوحة أمام الاستثمارات الأجنبية في دولها. وكشفت ردود أفعال الساسة خوفاً وحذراً بالغاً تحسباً لوجود أجندات سياسية خفية في طيات تلك الاستثمارات السيادية. ومن التصريحات الشهيرة ما أكده الرئيس الفرنسي نيكولا ساكوزي حينما قال "أنا أؤمن بالعولمة، لكنني لا أتقبل فكرة أن تشتري صناديق سيادية معينة أي شيء هنا، بينما رجال أعمالنا لا يستطيعون شراء أي شيء في بلدانها، إنني أطالب بالمعاملة بالمثل قبل أن نفتح أوروبا لها ونزيل العقبات أمامها".
ويزيد من تلك التخوفات تقرير عن الصناديق السيادية تم رفعه إلى الكونجرس الأمريكي يؤكد تنامى دور صناديق الثروة السيادية عالمياً، وأن يصل حجم تلك الصناديق إلى 12 تريليون دولار بحلول عام 2015. ويرجع التقرير هذا النمو إلى ارتفاع أسعار السلع التجارية مثل النفط إضافة إلى تزايد الفوائض التجارية للدول الناشئة. ونتيجة لهذا ليس من المستغرب أن يتصاعد القلق الدولي من الدور المتنامي الذي تلعبه تلك الصناديق على المستوى العالمي خاصة فيما يتعلق بضعف الشفافية والخوف من استخدام تلك الصناديق لأغراض غير تجارية بحسب ما يؤكده د. محمد السقا أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت.
الرهان على الصناديق الخليجية
ويوضح أنه في ظل التوقعات المحتملة للفوائض من النفط في أعقاب انتهاء الأزمة العالمية فإن دول مجلس التعاون مرشحة لأن تكون مركزاً مهماً لتدوير الأموال على المستوى العالمي وهو ما يبشر به تعاظم الدور الذي أصبحت تلعبه دول الخليج على صعيد التمويل الدولي. وهذا ينطبق بشكل كبير على المملكة العربية السعودية والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة. أما بالنسبة للبحرين وعمان فإن استفادتهما من الوفرة النفطية الأخيرة تكاد تكون محدودة فيما يتعلق بضعف الإنتاج النفطي للدولتين.
وحتى فيما يتعلق بتحدي الآثار السلبية التي تركتها الأزمة العالمية على الأصول الخارجية التي تمتلكها دول مجلس التعاون الخليجي فإن موقف هذه الدول لا يزال يتمتع بموقف خارجي قوي جداً. وتشير التقارير إلى أن دول الخليج قادرة على التعامل مع أسوأ السيناريوهات المتوقعة للأزمة العالمية سواء على الأجل القصير أو المتوسط.
ويلفت السقا إلى أنه من الأفضل لدول الخليج أن توجه هذه الاستثمارات داخلياً وليس خارجياً إذ أن هذه الاستثمارات لو أحسن توجيهها على المستوى المحلي فإن دول الخليج يمكن أن تصبح آنذاك قوة اقتصادية ذات موقع متميز على المستوى العالمي. ويرجع هذا إلى أنه لا توجد أي من الدول النامية تمتلك الموارد التي تمتلكها الدول الخليجية. وتعد الصناديق السيادية فرصة سانحة لكي يتحرر الاقتصاد الخليجي من قيود أحادية مصدر الدخل المتمثلة في النفط الذي يعد من الموارد غير المتجددة.
ويعتبر أن صناديق الثروة السيادية هي الخيار الاستراتيجي الأمثل لدول الخليج. لذا يجب أن يولى القطاع غير النفطي اهتماماً أكبر ويعطى الأولوية لكي يصبح المورد الرئيس للدخل وتوفير فرص عمل. وعلى هذا فإن دول مجلس التعاون في حاجة إلى انتفاضة استثمارية -على حد وصفه- تقابلها مراجعة مكثفة لمناخ الاستثمار والأعمال بها. وكذلك مراجعة لهيكل القوانين والإجراءات والإجراءات ذات الصلة، والقضاء على الفساد الإداري. وينبغي أيضاً أن يتم إجراء دراسات ورسم خطط حول كيفية الاستفادة المثلى من تلك الصناديق بدلاً من استثمارها لدى الغير. وبهذا تكون الدول صاحبة الصناديق هي المستفيد الأول منها ولاسيما أن دول الخليج تمر بمنعطف حاد في الوقت الراهن وتعتبر صناديق الثروة السيادية فرصة نادرة للتعامل مع الاختلالات الهيكلية التي تعانيها اقتصاديات تلك الدول.
خصوصيات الصناديق السيادية
ويتعرض الكاتب العراقي صباح نعوش إلى خصوصيات الصناديق الخليجية عند مقارنتها بالصناديق الأخرى مشيراً إلى أنها تبرز اعتمادا على مؤشر الناتج المحلي الإجمالي.
ويشير إلى أن موجودات صناديق النرويج وروسيا والصين تشكل 70في المئة و29في المئة و21في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول على التوالي، في حين تعادل موجودات صناديق السعودية والكويت والإمارات 106في المئة و261في المئة و590في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول على التوالي.
وكلما ارتفعت النسبة زادت أهمية الصناديق في تمويل الإنفاق العام لدولة المنشأ.
ومن زاوية أخرى تختلف إمكانية استخدام الاحتياطيات الرسمية لتمويل الصناديق السيادية اختلافا كبيرا حسب الدول. ويضع مقارنة بين دول مجلس التعاون والصين حيث تنجم الاحتياطيات الرسمية الخليجية من صادرات النفط والغاز الطبيعي، وقد بلغ حجمها 51 مليار دولار عام 2002 و80 مليار دولار عام 2006، وتتكون بالدرجة الأولى من عملات أجنبية خاصة الدولار الأمريكي.
وبالتالي يمكن استخدامها في أنشطة الصناديق السيادية دون إحداث آثار سلبية على مصالح الغير. أما الاحتياطيات الرسمية الصينية فقد ارتفعت ارتفاعا كبيرا في فترة قصيرة، إذ انتقلت من 233 مليار دولار عام 2002 إلى 1066 مليار دولار عام 2006 أي من 4.5 أضعاف إلى 13.3 ضعف الاحتياطيات الرسمية لجميع دول مجلس التعاون. ثم ارتفعت إلى 1906 مليارات دولار في النصف الثاني من العام الحالي.
باتت هذه المبالغ تطرح مشكلة عويصة ترتبط بكيفية استخدامها، إذ أن 70-80في المئة منها عبارة عن سندات الخزينة الأمريكية.
وقد تراكمت هذه السندات نتيجة اتفاق بين الولايات المتحدة والصين مؤداه السماح للأخيرة بتصدير سلعها للولايات المتحدة مقابل التزام الصين بتمويل عجز الميزانية الفدرالية الأمريكية بشراء سندات الخزينة الأمريكية. ويعني استخدام هذه السندات من قبل الصين في تأسيس صناديق سيادية جديدة أو في تنمية موجودات صناديقها الحالية مطالبة الولايات المتحدة بسداد ما ترتب عليها من ديون. ويقود هذا الوضع إلى تعميق الأزمة المالية الأمريكية وبالتالي العالمية.
لذلك لا تستطيع الصين على خلاف بلدان الخليج استخدام احتياطياتها الرسمية في تمويل صناديقها السيادية إلا بموافقة الولايات المتحدة.
وللصناديق السيادية فوائد عديدة حيث يمكن أن تنشط في سوق الاستحواذ لأنها تتجنب أية استراتيجيات تهدف إلى تدمير قيمة وحجم الاندماج وذلك بسبب مصلحتها في عائدات الأسهم.
كما أن هذه الصناديق من الممكن أن تتصرف كآليات داخلية لحوكمة الشركة لتقريب الفجوة بين المساهمين ومجلس الإدارة. وفي الوقت ذاته توفر الصناديق السيادية رؤوس أموال مضمونة عند الحاجة إليها في المستقبل. ويؤدي هذا إلى تقليل الغموض حيال مستقبل قدرة تمويل الشركة؛ فالصناديق أكبر من الاستثمارات العادية كما أنها لم تعد تميل إلى الاستثمار بقوة في الأسهم وهو ما يجعلها مرغوبة ومفضلة أكثر من المؤسسات الاستثمارية العادية.
يضاف إلى هذا أن الصناديق السيادية تزيد من قيمة الشركات لأنها تخفض من تكلفة رأس المال عليها نتيجة سعيها وراء مخاطر أقل ولهذا فإن حصة الصندوق السيادي الواحد تمثل نسبة صغيرة من إجمالي أصولها بأي حال.
وتوفر الصناديق السيادية علاقات سياسية قيمة. وعلى سبيل المثال فقد أسست البرازيل مؤخراً صندوقاً سيادياً خاصاً بها بهدف حماية الدولة من الأزمة المالية العالمية ومساعدة الشركات البرازيلية على دعم التجارة والتوسع في الخارج. ومن المتوقع أن تدعم جاذبية الحكومة البرازيلية لدى الشركات المتعددة الجنسيات والأجهزة الرقابية ذلك التوسع.
وعلى الجانب الآخر فإن الصناديق العربية تعاني من عدم وضوح أهدافها بشكل محدد إذ أنها لا تصدر تقارير مفصلة عن عملياتها أو موجوداتها وحساباتها. وتقترب الصناديق العربية –من هذا المنظور- من الصناديق الصينية والروسية والماليزية وتبتعد عن الصناديق النرويجية والكندية والأسترالية.
بعيداً عن الأسهم
وعلى الصعيد العالمي ابتعدت صناديق الثروة السيادية عن الأسهم وتتجه للسندات المحمية من التضخم والتي تعتبر أكثر أماناً وذلك في أعقاب الأزمة العالمية. وقد تأسست صناديق الثروة السيادية في الأصل للاستثمار في الأسهم حيث كان هذا هو سبب وجودها إلا أنها لم تعد تشعر بارتياح بسبب تقلص الأصول التي تديرها بحسب تصريحات مسؤول تنفيذي بارز في بي.ان.بي باريبا اينفستمنت بارتنرز. ويضيف أن هذا التوجه جاء نتيجة رغبتها في استثمارات أكثر أماناً. وهناك إقبال أكبر من جانب المؤسسات الرسمية ومنها الصناديق السيادية على الأصول المحمية من التضخم مثل السندات، كما زاد الإقبال على الاستثمار في أدوا الدخل الثابت. وقد عادت الصناديق إلى هدفها الأساسي وهو تحقيق الاستقرار في الاقتصاد نتيجة لخسائرها بسبب الأزمة المالية.
ويمكن تفسيرهذا التحول بإعطاء الأولية للاستقرار الاقتصادي. ولا يتوقع عودة نسبة الاستثمارات في أدوات الدخل الثابت إلى ما كانت عليه قبل أزمة الائتمان التي كانت صدمة ستجعل نسبة الاستثمارات في هذه الأدوات تستمر لسنوات عديدة.
بين سانتياجو وإعلان الكويت
وللقضاء على المخاوف المتعلقة بالدور المتنامي الذي تلعبه صناديق الثروة السيادية فقد تم وضع مبادئ سانتياجو لتكون معبرة عن ممارسات وأهداف الاستثمار في صناديق الثروة السيادية. وتعتبر تلك المبادئ طوعية يتبناها الأعضاء في مجموعة العمل الدولية للصناديق السيادية سواء كانوا يقومون بتطبيقها فعلياً أو كانوا يطمحون في ذلك. وهناك أربعة أهداف تهدف تلك المبادئ لتحقيقها وهي:
إرساء هيكل شفاف وسليم للحوكمة يكفل الضوابط التشغيلية الملائمة وسلامة إدارة المخاطر والمساءلة؛ وضمان الالتزام بكل متطلبات التنظيم المرعية في البلدان التي تستثمر فيها صناديق الثروة السيادية؛ والتأكد من أن استثمارات صناديق الثروة السيادية تراعي المخاطر الاقتصادية والمالية واعتبارات العائد؛
والمساعدة على الاحتفاظ بنظام مالي عالمي مستقر وكذلك بحرية تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات بحسب ما يورد د. السقا. ويوضح أن هذا يؤدي بدوره إلى التأكد من أن الدول التي تستقبل الاستثمارات لن تفرض أية تدابير تمييزية على الصناديق السيادية لا يخضع لها المستثمرون الأجانب أو المحليون في نفس الظروف. وهذا يؤدي بدوره إلى تعزيز دور هذه الصناديق في دعم استقرار الأسواق المالية. كما يسهم في الوقت ذاته في المحافظة على حرية تدفق الاستثمارات عبر الحدود.
ومن الخطوات التي اتخذت لتعزيز وضع الدول المالكة للصناديق السيادية تم بموجب "إعلان الكويت أبريل 2009" إنشاء منتدى دائم لهذه الدول البالغ عددها 23 دولة يمثل مصالح هذه الدول ويهدف لتبادل وجهات النظر والترويج لتلك الصناديق. كما يرمي المنتدى لتحقيق فهم أكبر لمبادئ سانتياجو والأنشطة التي تقوم بها الصناديق السيادية. كما سيساعد المنتدى على تبادل وجهات النظر حول العديد من القضايا ذات الصلة مثل إدارة المخاطر ونظم الاستثمار والأوضاع المؤسساتية والسوقية التي تؤثر في عمليات الاستثمار. وقد سبقت خطوة إنشاء المنتدى قيام الدول المالكة للصناديق بإنشاء مجموعة عمل دولية للصناديق الاستثمارية السيادية. وتضم هذه الدول البحرين وقطر والكويت والإمارات العربية المتحدة وليبيا وأستراليا والولايات المتحدة وأذربيحان وبوتسوانا وكندا وشيلي والصين وغينيا الإستوائية وإيران وأيرلندا وكوريا الجنوبية والمكسيك ونيوزيلندا والنرويج وروسيا وسنغافورة وتيمور الشرقية وترينيداد وتوباغو.

الأحد، 2 أغسطس 2009

بعد أقل من عام على إنشائها المحاكم الاقتصادية.. دوائر جديدة وقضايا مثيرة للجدل

2/8/2009


المحاكم الاقتصادية بمصر
المحاكم الاقتصادية بمصر




إعداد: د. هند بداري
المحاكم الاقتصادية هي محاكم متخصصة تفصل فى منازعات تجارية واستثمارية، مواكبة لمرحلة الإصلاح الاقتصادي الذي يستهدف تحرير التجارة ودعم الاستثمار وجذب المزيد من المستثمرين، بهدف إزالة المعوقات المؤثرة على كفاءة الأداء الاقتصادي وسرعة حسم الدعاوى الاقتصادية المنظورة أمام القضاء.
وقد ظهرتفكرة المحاكم الاقتصادية في مصر قبل 4 سنوات، وتبنتها الحكومة في شكل مشروع قانون لإنشاء المحاكم الاقتصادية عام 2006، حيث وافق عليه مجلس الوزراء، وتم إرساله إلى مجلسي الشعب والشورى لمناقشته وإقراره، إلا أن المشروع ظل متعثراً بسبب كثرة التشريعات ذات الأولوية، مثل التعديلات الدستورية وقانون الضرائب، حتى تم إقراره في 22 مايو/ آيار 2008، وبدأ العمل به منذ أول أكتوبر/تشرين الأول بالعام نفسه.
أهم القضايا
ورغم أن العمر الفعلي للمحاكم الاقتصادية بمصر، لا يزيد عن 10 شهور، إلا أنها نظرت قضايا اقتصادية مهمة، أبرزها الدعوي القضائية - التي نظرتها محكمة القاهرة الاقتصادية في الأول من أغسطس/ آب 2009 - ضد ‏4‏ شركات إسمنت، التي أقامتها إحدى شركات المقاولات، بعد إسدال الستار علي قضية احتكار شركات الإسمنت، بصدور حكم محكمة النقض برفض طعون شركات الاسمنت لإلغاء حكم أول درجة ضدهم بتغريم ‏20‏ متهماً ‏10‏ آلاف جنيه لكل متهم‏.‏
وكانت الشركة قد طالبت في صحيفة دعواها بتعويض‏ 20‏ مليون جنيه نتيجة الأضرار التي لحقت بها بسبب الممارسات الاحتكارية لشركات الاسمنت الـ4. وأكدت في صحيفة الدعوى انها تعمل في مجال المقاولات والبناء وتعاقدت علي إنشاء وتشييد بعض الأبنية مقابل مبالغ مالية علي أساس أن سعر طن الاسمنت في حينه بلغ 150‏ جنيهاً ثم ارتفع فجأة الي ‏360‏ ثم ‏500‏ جنيه للطن حتي وصل ‏700‏ جنيه للطن موضحة ان هذه الزيادة غير المسبوقة وغير المبررة ، ترتب عليها إلحاق خسارة مالية فادحة بالشركة نتيجة تحملها لفروق الأسعار، وإصابتها بأضرار أدبية نتيجة لمخالفة شركات الاسمنت لقانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.
ومن أشهر قضايا المحكمة الاقتصادية أيضا، قضية "البوشي"، حيث قضت محكمة الجنايات بمحكمة القاهرة الاقتصادية - في جلستها المنعقدة برئاسة المستشار إبراهيم محمد سليمان فى 6/6/2009 - بمعاقبة رجل الأعمال المصري الهارب "نبيل البوشي" غيابياً بالسجن 15 عاماً، و"فكري بدر الدين" رئيس شركة بالسجن 3 سنوات، وذلك في قضية تلقى أموال من الجمهور، قيمتها نحو 350 مليون جنيه مصري لتوظيفها واستثمارها مقابل عائدات سنوية بنسب متفاوتة والامتناع عن ردها لأصحابها.
وفي قضية أخرى، قررت شركة "أوراسكوم تيليكوم" المصرية في 5 يوليو/ تموز 2009 التنازل عن الدعوى القضائية المرفوعة أمام المحكمة الاقتصادية المصرية على شركة "فرانس تيليكوم" الفرنسية مع احتفاظها بجميع حقوقها، بما فيها التعويضات، بشأن النزاع حول الملكية المشتركة للشركة المصرية لخدمات الهاتف المحمول "موبينيل"، وذلك بعد نفي "فرانس تيليكوم" نيتها تقديم عرض شراء لصغار المستثمرين.
وقد رفعت "أوراسكوم تيليكوم" في 19 مايو/ أيار2009 دعوى قضائية طالبت فيها بـ"إعلان بطلان اتفاقية بيع الأسهم الناشئة عن قرار التحكيم الصادر في 10 مارس/ آذار 2009، وأرجعت الشركة دعواها إلى تخلف الشركة الفرنسية عن سداد ثمن الأسهم والتعويضات عن الأضرار الناشئة في الوقت المنصوص عليه في قرار التحكيم، وفقاً للبيان الذي نُشر على موقع البورصة المصرية.
وكانت شركتا "أوراسكوم تيليكوم " و"فرانس تيليكوم" قد أحالتا إلى المحكمة الاقتصادية في 2007 خلافهما حول حصتيهما في شركة قابضة تملك نحو 51 % من الشركة المصرية لخدمات التليفون المحمول.

قانون الإنشاء

احتكار الأسمنت








تم إنشاء المحاكم الاقتصادية بموجب إصدار قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية رقم 120 لسنة 2008م ، فهو التشريع الذي ينظم المسائل المتعلقة بهذه المحاكم ، ويحدد اختصاصاتها وتشكيلها، على أن يصدر وزير العدل القرارات اللازمة لتنفيذ أحكام هذا القانون.
ويقضى القانون بإنشاء محكمة اقتصادية أو أكثر بدوائر محاكم الاستئناف ، تضم كل منها دوائر ابتدائية وأخرى استئنافية يرأسها رئيس بمحاكم الاستئناف لمدة سنة قابلة للتجديد ، ويجب أن تتكون كل دائرة ابتدائية بالمحكمة -طبق المادة (2) من قانون إنشاء المحاكم الإقتصادية - من 3 رؤساء بالمحاكم الابتدائية، وكذلك تتكون كل دائرة إستئنافية من 3 قضاة بمحاكم الاستئناف على أن يكون أحدهم -على الأقل- بدرجة رئيس بمحكمة الاستئناف.
وتتشكل المحكمة الاقتصادية من قضاة محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية ، الذين يتم ندبهم بقرار من وزير العدل بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى.
منازعات ودعاوى بدوائر المحاكم الاقتصادية
أ) الدوائر الابتدائية بالمحاكم الاقتصادية
بإستثناء المنازعات والدعاوى التي يختص بها مجلس الدولة ، تختص الدوائر الابتدائية بالمحاكم الاقتصادية دون غيرها بنظر المنازعات والدعاوى التي لاتتجاوز قيمتها 5 ملايين جنيه والتي تنشأ عن تطبيق 13قانوناً :

1- قانون الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال واستثمارها .
2-قانون سوق رأس المال.
3-قانون ضمانات وحوافز الاستثمار.
4-قانون التأجير التمويلي.
5-قانون حماية الاقتصاد القومي من الآثار الناجمة عن الممارسات الضارة في التجارة الدولية.
6-قانون التجارة في نقل التكنولوجيا والوكالة التجارية وعمليات البنوك والإفلاس والصلح الواقى منه.
7-قانون التمويل العقاري.
8-قانون حماية الملكية الفكرية.
9-قانون تنظيم الاتصالات.
10-قانون تنظيم التوقيع الإلكتروني وإنشاء هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات.
11-قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.
12-قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة.
13-قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد.
ب) الدوائر الاستئنافية في المحاكم الاقتصادية
تختص دون غيرها بالنظر ابتداء في كل المنازعات والدعاوى المنصوص عليها ، في المادة (6) بالقانون، إذاجاوزت قيمتها 5 ملايين جنيه أو كانت غير مقدرة القيمة.
منازعات التنفيذ
يختص رؤساء الدوائر الابتدائية -حسب المادة (7) بالقانون - بالحكم في منازعات التنفيذ الوقتية والموضوعية عن الأحكام الصادرة من المحاكم الاقتصادية ، وتلك التي يصدرها القاضي بالمادة (3) ،ويطعن في الأحكام الصادرة منها أمام الدوائر الاستئنافية بالمحكمة.
ويكون الاختصاص بالفصل في التظلمات من هذه القرارات والأوامر للدائرة الابتدائية بالمحاكم الاقتصادية، على ألا يكون بين أعضائها من أصدر القرار أو الأمر المتظلم منه.
الجنح الإقتصادية
تختص الدوائرالابتدائية بالمحاكم الاقتصادية بنظر قضايا الجنح المنصوص عليها في المادة (4) من قانون الإنشاء، حيث يقوم 3 رؤساء بالمحاكم الابتدائية بنظر الجنح الاقتصادية ، مما يشكل ضمانة للحقوق المرتبطة بتحقيق العدالة ، لأنها تختلف عن محكمة الجنح العادية التى تعد ،وفق قانون الاجراءات الجنائية ،محكمة جزئية مكونة من قاض واحد. أما المحكمة الاقتصادية المختصة بالجنح ، فهى محكمة إبتدائية تتكون من رؤساء المحاكم الابتدائية الـ3 مما يزيد الدقة والسرعة فى الفصل .
ويكون استئناف هذه الجنح أمام الدوائر الاستئنافية بالمحاكم الاقتصادية، وفق الاجراءات وأحكام النفاذ المعجل المقررة في قانون الإجراءات الجنائية.
الجنايات الاقتصادية
تنظر الدوائر الاستتئنافية بالمحاكم الاقتصادية إبتداء الجنايات الاقتصادية، المنصوص عليها في المادة (4) من القانون.
* وتختص الدوائر الابتدائية والاستئنافية بالمحاكم الاقتصادية، دون غيرها ، نوعياً ومكانياً، بنظر الدعاوى الجنائية الناشئة عن الجرائم المنصوص عليها في 17 قانوناً يتمثل فى :

1 - قانون العقوبات في شأن جرائم التفالس .
2 - قانون الإشراف والرقابة على التأمين في مصر.
3 - قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة.
4 - قانون سوق رأس المال.
5 - قانون ضمانات وحوافز الاستثمار.
6 - قانون التأجير التمويلي.
7 - قانون الإيداع والقيد المركزي للأوراق المالية.
8 - قانون التمويل العقاري.
9 - قانون حماية حقوق الملكية الفكرية.
10 - قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد.
11 - قانون الشركات العاملة في مجال تلقى الأموال لاستثمارها.
12 - قانون التجارة في جرائم الصلح الواقي من الإفلاس.
13 - قانون حماية الاقتصاد القومي من الآثار الناجمة عن الممارسات الضارة فى التجارة الدولية.
14 - قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.
15 - قانون حماية المستهلك.
16 - قانون تنظيم الاتصالات.
17 - قانون تنظيم التوقيع الالكتروني وإنشاء هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات.
هيئة تحضير المنازعات والدعاوى
تنشىء كل محكمة اقتصادية -وفق المادة (8 ) من القانون– هيئة لتحضير المنازعات والدعاوى التي تختص بها ، وذلك فيما عدا الدعاوى الجنائية والدعاوى المستأنفة والدعاوى والأوامر المنصوص عليها في المادتين (3) و (7) من هذا القانون.
تشكيلها واختصاصها
ويتم تشكيل هيئة التحضير برئاسة قاض من قضاة الدوائر الاستئنافية بالمحكمة الاقتصادية -على الأقل- وعضوية عدد كاف من قضاتها بدرجة رئيس محكمة أو قاض بالمحكمة الابتدائية، تختارهم جمعيتها العامة في بداية كل عام قضائي ، ويلتحق بها العدد اللازم من الإداريين والكتابيين.
ويحدد قرار وزير العدل نظام العمل في هذه الهيئة وإجراءات ومواعيد إخطار الخصوم بجلسات التحضير وإثبات وقائع هذه الجلسات.
كما تختص هيئة التحضير والدعاوى بالتحقق من استيفاء مستندات المنازعات والدعاوى و دراستها ، وعقد جلسات استماع لأطرافها، وإعداد مذكرة بطلبات الخصوم وأسانيدهم، وأوجه الاتفاق والاختلاف بينهم ، وذلك خلال مدة لا تتجاوز 30يوما من تاريخ قيد الدعوى. ويحق لرئيس الدائرة المختصة أن يمنح الهيئة بناءً على طلب رئيسها مدة جديدة للتحضير لا تتجاوز 30 يوماً ،وإلا تولت الدائرة نظر الدعوى .
وتبذل هيئة التحضير محاولات للصلح بين الخصوم ، فإذا قبلوه، رفعت محضراً به موقعاً منهم إلى الدائرة المختصة لإلحاقه بمحضر جلسة نظر الدعوى وفق أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية.
جدول خبراء
ويمكن للدوائر الابتدائية والاستئنافية بالمحاكم الاقتصادية - طبقاً للمادة (9 ) بالقانون – أن تستعين برأي من تراه من الخبراء المتخصصين المقيدين في الجداول التي تعد لذلك بوزارة العدل.
ويتم القيد في هذه الجداول بقرار من وزير العدل بناءً على الطلبات المقدمة من راغبي القيد أو من ترشحهم الغرف والاتحادات والجمعيات وغيرها من المنظمات المعنية بشئون المال والتجارة والصناعة ، وتحدد الدوائر،حسب الأحوال ، الأتعاب التي يتقاضاها الخبير ، وذلك وفقاً للقواعد والإجراءات التي يصدر بها قرار من وزير العدل.
الطعن بالإستئناف
يتم الطعن في الأحكام الصادرة من الدوائر الابتدائية بالمحاكم الاقتصادية -وفق المادة (10) بالقانون – أمام الدوائر الاستئنافية بتلك المحاكم دون غيرها.
بينما يكون الطعن في الأحكام والتظلمات من الأوامر الصادرة من القاضي -وفق المادة (3) من هذا القانون- أمام الدوائر الابتدائية دون غيرها.
و يكون ميعاد استئناف الأحكام الصادرة في الدعاوى التي تختص بها الدوائر الابتدائية بالمحكمة الاقتصادية –طبق أحكام المادة (5) من القانون - خلال 40يوما من تاريخ صدور الحكم، فيما عدا الأحكام الصادرة في المواد المستعجلة، والطعون المقامة من النيابة العامة.
الطعن بالنقض
ولم يخضع المشرع أحكام المحاكم الاقتصادية الصادرة من الدوائر الاستئنافية للطعن بالنقض لاعتبارات تتعلق بالسرعة والمراكز القانونية ، واستثني فقط الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة في الجنايات الاقتصادية لخطورتها‏.‏
إجراءات الطعن بالنقض
وتنظم المادة (12) من قانون الإنشاء اجراءات الطعن بالنقض حيث تشكل بمحكمة النقض دائرة أو أكثر تختص، دون غيرها، بالفصل في الطعون بالنقض في الأحكام المنصوص عليها في المادة (11) من القانون .
وفور إيداع نيابة النقض مذكرة برأيها، يتم عرض الطعن بالنقض على دائرة فحص الطعون ، فإذا رأت أن الطعن غير جائز أو غير مقبول،للأسباب الواردة في الفقرة الثانية من المادة 12 بالقانون ،أمرت بعدم قبوله بقرار مسبب وموجز ، وألزمت الطاعن بدفع المصروفات فضلا عن مصادرة الكفالة إن إقتضى الأمر.
وإذا رأت أن الطعن جدير بالنظر أحالته إلى الدائرة المختصة مع تحديد جلسة لنظره. وفى جميع الأحوال لا يجوز الطعن في القرار الصادر من دائرة فحص الطعون بأي طريقة.

الاستثمار فى ظلها 

حماية المال العام








أثارت هذه المحاكم منذ تأسيسها جدلاً بين خبراء الاقتصاد الذين انتظروها منذ سنوات حتى تسهم فى تشجيع الاستثمار الداخلي، وجذب رؤوس الأموال الأجنبية للعمل في السوق المصرية ‏ من خلال سرعة التقاضى لكسب ثقة المستثمر ورجل الأعمال خاصة أن إجراءات القضايا الاقتصادية كانت تستغرق وقتاً طويلاً عند نظرها في المحاكم المدنية، مما يعود بالضرر على الطرف الواقع عليه الظلم ، و ربما يتسبب فى توقف العديد من المشروعات الاقتصادية أو هروب المستثمرين. بينما يساعد وجود هذه المحاكم فى تعجيل نظر تلك القضايا النوعية وحلها في أقصر وقت ممكن، بشكل يحفظ للمتضرر حقه في عدم الخسارة نتيجة طول الانتظار.
أما أساتذة القانون وقضاة مجلس الدولة ، فأكثرهم قد انتقدوها بشدة على أساس أن المحاكم القائمة تفي بمتطلبات رجال الأعمال، ومن بين تحفظاتهم ، إعطاء القانون الحق لوزير العدل في تعيين أو ندب قضاة ومستشارين لهذه المحكمة ، مما يشكل نوعاً من فرض السيطرة على القضاء .
والملاحظ أن العديد من نصوص قانون تأسيس المحاكم الاقتصادية تتضمن استثناء كبار رجال الأعمال من التقاضي أمام القضاء العادي، وإحالتهم الى المحاكم الاقتصادية في القضايا التي يتجاوز فيها النزاع عدة ملايين، وهذا يمثل نوعاً من التمييز المخالف للدستور الذي يساوي بين المواطنين ولا يجعل هناك أفضلية للبعض منهم، بشكل يثير الهواجس من استخدام القانون لحماية المفسدين الذين يسطون على الأموال العامة
‏ بينما عارضه بعض القانونيين لتعارضه ونظام التحكيم الدولي الذي يشهد له معظم الأجانب بالحيدة والنزاهة‏.‏ ويرى بعض الخبراء أن قانون المحاكم الاقتصادية يحتوى على العديد من الثغرات ، على رأسها نصه على عدم أحقية الشاكي في اللجوء لسلاح النقض في الأحكام الصادرة من الدوائر الابتدائية في المحكمة الاقتصادية، مما يعد إهدارا لحقوق المواطنين والمتقاضين في اللجوء لدرجات أعلى من المحاكم، بما يضمن صحة الأحكام وهو عرف معمول به في كل أنواع التقاضي.
وطالب الجانبان بأن تختص تلك المحاكم بالقضايا الاحتكارية، لأن حق التقاضي مكفول للجميع، وبناءً عليه من حق المواطن العادي رفع دعوى قضائية ضد أي مستثمر يقوم باحتكار السوق في سلعة ما ويسهم فى رفع أسعارها.
وأخيراً.. تظل التجربة محل دراسة وتطوير حتى تتبلور وتكتمل معالمها ، ويتم تقويمها في ضوء ما تكشف عنه الممارسات العملية من إيجابيات وسلبيات من أجل ضمان عدالة القضاء الاقتصادي.

السبت، 7 فبراير 2009

الذهب يستعدّ لاحتضان المضاربين بعد احتراقهم في سوقي النفط والبورصات




ظل الذهب من أهم السلع المرغوب فيها في أوقات التباطؤ الاقتصادي، إلا أن التباطؤ الاقتصادي المستمر أدى إلى عكس هذا الوضع. في السنوات الست الماضية، زاد الطلب العالمي على الذهب بمعدل نمو سنوي مركب بلغت نسبته 1.4 في المائة خلال الفترة بين 2003 و2008.
من جهة أخرى، تقلص العرض بمعدل نمو سنوي مركب بلغت نسبته 2.4 في المائة. هذا ولا يزال الطلب على الذهب في الشرق الأوسط قويا بإجمالي 383 طناً في نهاية عام 2008 مقارنة بنحو 348 طناً في عام 2007. وبلغ الطلب في منطقة الشرق الأوسط نسبة 11 في المائة من العالم. هنا تقرير أعدته شركة بيت الاستثمار العالمي "جلوبل":

ارتفع سعر الذهب للعام الثامن على التوالي. وهو العام الذي يمكن وصفه بمذبحة الأسواق العالمية للأسهم والسلع الأخرى التي فقدت نحو نصف قيمتها على مدار السنة. حيث ارتفع متوسط سعر الذهب بنسبة 25.4 في المائة خلال عام 2008، وهو ثاني أفضل عام في السنوات العشر الأخيرة. وظل متوسط أسعار الذهب عند مستوى 871.65 دولار في عام 2008 مقارنة بـ 695.4 دولار في عام 2007.
الانخفاض في النمو العالمي في عام 2008 إلى جانب الإعلان عن انكماشات أدى إلى انخفاض حاد في الطلب على المواد الخام والطاقة، وغيرها من أسعار السلع الأخرى، حيث انخفض مؤشر ستاندارد آند بورز لسلة السلع المرجحة بنسبة 44 في المائة في الربع الأخير من عام 2008، بسبب انهيار أسعار النفط، التي تستأثر بنصيب الأسد من السلة. هذا ويعد عام 2008 بمثابة تذكرة مثيرة بعدم وجود علاقات مستقرة بين التغيرات في أسعار الذهب والتغيرات في أسعار النفط. في حين انخفضت أسعار الخام المتوسط لغرب تكساس من 89.3 دولار للبرميل إلى 49.28 دولار للبرميل في نهاية عام 2008، بينما ارتفع سعر الذهب من 784.3 دولار أمريكي للأونصة إلى 869.75 دولار أمريكي للأونصة في نهاية عام 2008.

أداء الذهب
في الربع الأول من عام 2008، كانت هناك زيادة كبيرة في أسعار الذهب، فقد كان لأسعار النفط القياسية في الأشهر الثلاثة الأولى من السنة أثراه في خلق إقبال غير مسبوق على الذهب، حيث بلغ متوسط سعر الذهب 923.46 دولار للأونصة في الربع الأول من عام 2008. أما في الربع الثاني، حدث تصحيح لأسعار الذهب لتتراجع عن مستوياتها العالية المسجلة في الربع السابق من العام، إلا أنها ظلت مرتفعة نسبيا على أساس تاريخي خلال الربع الثاني. فقد كان لتدهور الأوضاع في عديد من اقتصادات دول العالم، وتراجع الاستثمارات التي كانت تعد بمثابة ملاذ آمن للمستثمرين دفعهم للاستثمار في المعدن الأصفر.
وفي الربع الثالث، انخفض سعر الذهب نتيجة لتزامنه مع تصاعد حاد في مستويات المخاطرة المحيطة بالاقتصاد العالمي والخوف من انهيار واسع النطاق في القطاع المصرفي والمالي. وتسبب كلا العاملين في انتعاش حاد في الطلب على المجوهرات وزيادة الطلب على الاستثمار. أما في الربع الأخير، فإنه ينقسم إلى نصفين، الأول من منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) فصاعدا، فقد استأنف سعر الذهب اتجاهه التصاعدي، بمقدار 156.25 دولار أمريكي للأونصة ليصل إلى 869.75 دولار أمريكي للأونصة، حيث كان هناك عديد من القوى التي لعبت دورا في هذا الارتفاع. فقد استقرت الأسواق المالية إلى حد ما، وتم المغامرة في عدة صفقات إنقاذ وتخفيضات لأسعار الفائدة بما يخالف توقعات ارتفاع السيولة.
وبدأ العالم يرى أن الدولار ليس وحده الذي يعاني مشكلات خطيرة، فمع ازدياد الأزمة المالية وضعف العملات أصبح الذهب الخيار الأفضل للحماية من الأزمة، في حين تركز الاهتمام الدولي على سعر الدولار الأمريكي، كانت التحركات في أسعار العملات الأخرى تتغير بدرجة كبيرة، فقد انخفضت قيمة الدولار مقابل العملات الرئيسية الأخرى خلال العقد الماضي.
كما حقق الاستثمار في الدولار الأمريكي في عام 2000 عائدا بلغت نسبته 196 في المائة، في حين حقق الاستثمار في اليورو، والين، والدولار الكندي مكاسب أقل نسبيا تراوح بين نسب 130 و161 في المائة خلال الفترة نفسها. ومن جهة أخرى، كان يمكن تحقيق أقصى عائد من خلال الاستثمار في الراند الجنوب إفريقي، يليه الجنيه الاسترليني ثم الروبية الهندية.
وتفاقم عجز الحساب الجاري في جنوب إفريقيا، حيث اتسع ليصل إلى مستوياته خلال 36 سنة عند نسبة 7.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2007، ووصل معدل التضخم لأعلى مستوياته خلال خمس سنوات، التي بلغت أقل قليلا من نسبة 9 في المائة، وازداد الخوف من المخاطر العالمية حيث نمت مخاوف المستثمرين من انتشار آثار الأزمة العالمية، والاتجاه العام نحو "الملاذ الآمن"، بعيدا عن المخاطر المتوقعة للأسواق الناشئة، في حين، كان انخفاض قيمة الروبية الهندية كبيرا وهو ما نتج عن أربعة عوامل رئيسية وهي: انتعاش الدولار، ارتفاع أسعار النفط الخام العالمية التي تؤدي إلى تفاقم العجز في الحساب الجاري، كذلك الزيادة في شراء الدولار من قبل شركات النفط، وتباطؤ في تدفقات رأس المال والتي تقلل المعروض من الدولارات وإلغاء وظائف كانت تراهن على ارتفاع قيمة الروبية لكبح التضخم.
وتميل أسعار الذهب والنفط إلى الارتفاع والانخفاض مع بعضهما بعضا. فهناك سببان لذلك: أولا، تاريخيا، كان يتم شراء النفط مقابل الذهب، وحتى يومنا هذا، فهناك نسبة كبيرة من عائدات النفط تستثمر في الذهب، مع ارتفاع أسعار النفط، فإن كثيراً من الإيرادات المتزايدة يتم استثمارها حيث تعد فوائض عن الاحتياجات الحالية, وكثير من هذه الفوائض يتم استثمارها في الذهب أو غيرها من الأصول. ثانيا، ارتفاع أسعار النفط يزيد الضغط على التضخم وهو ما يعزز اللجوء للذهب كوسيلة للتحوط من التضخم.
ارتباط الذهب بأسعار النفط
في حالتنا هذه الخام المتوسط لغرب تكساس، استمر في الارتفاع حتى عام 2006 لتصل إلى 37.2 في المائة، حيث انخفض الارتباط إلى 28.2 في المائة منذ كانون الثاني (يناير) 2007، وذهب أبعد من ذلك إلى أسفل بنسبة 27.8 في المائة منذ كانون الثاني (يناير) 2008.
لقد قمنا بحساب ارتباط الذهب بعوامل أخرى، فقد تغير الترابط مقارنة بما كان عليه سابقا، في حين، لا يزال ارتباط الذهب بسعر الفائدة الفيدرالي منخفضا في السنوات الأخيرة قبل عام 2008، ولكن منذ كانون الثاني (يناير) 2008 زاد هذا الارتباط مع تغيرات سعر الفائدة الفيدرالي ليصل إلى نسبة 24 في المائة.
ولا يوجد ارتباط بين سوق الأوراق المالية والذهب تاريخيا لأن سعر الذهب يميل إلى أن يتحدد أساسا بناء على المخاوف من الأخبار السيئة بدلا من الأحداث التي تؤثر بشكل مباشر في أرباح الشركات المتوقعة. وقد ثبت أن هذا الأمر صحيح بناء على متوسط مؤشر ستاندارد آند بورز 500 الذي كان لديه ارتباط سلبي مع أسعار الذهب عند نسبة -3.3 في المائة. ولكن منذ عام 2007، على الرغم من ارتباطها المنخفض تحولت إيجابيا مع أسواق الأسهم.

معدل الذهب إلى النفط
نسبة الذهب للنفط (عدد براميل النفط الذي يمكن شراؤه بأوقية من الذهب) هو أكثر المؤشرات المستخدمة من قبل المستثمرين من مختلف أنحاء العالم لبيع وشراء الذهب، عندما ترتفع نسبة الذهب للنفط إلى أقل من عشرة براميل/ للأوقية، كان هذا دليلاً على فرص الشراء في حين ترتفع فرصة البيع عندما تنخفض نسبة الذهب للنفط إلى أكثر من 20 برميلاً / للأوقية. ففي عام 2001، ارتفعت نسبة الذهب للنفط إلى 15 ضعفا في ظل أحداث 11 أيلول (سبتمبر). بينما في الحالة الراهنة تجاوزت النسبة كل السجلات السابقة وتحوم حاليا في حدود 20 ـ 25 ضعفا.
التوقعات
نظرا لحالة عدم اليقين المحيطة بالاقتصاد العالمي، ينبغي أن يستمر الذهب كملاذ آمن، ولكن أيضا مع احتمال تصاعد مستويات النشاط في جانب المضاربة في سوق الذهب، فإن التوقعات الاقتصادية سيئة لدرجة وصولها إلى مستويات متدنية منذ 50 عاما وقت في السنوات الـ 50 الماضية. لا يمكن للذهب أن يكون بمنأى عن هذا. حتى إذا واصلت الأسعار ارتفاعها وتوطيد هذه المستويات وزيادة الاستثمار، سيقابل ذلك بانخفاض الطلب الفعلي على الذهب. وبالتالي فإنه من غير المعلوم كيف سيكون أداء الذهب إذا دخل العالم في فترة انكماش حاد؟