الأربعاء، 3 أكتوبر 2012

لعبة قديمة بعمر الإمبراطورية




لعبة قديمة بعمر الإمبراطورية   
إنها العولمة, والتجارات الحرة والاقتصاد الملغوم, ولعبة الأمم التي حيكت بأفكار اقتصاديين ومخبرين ومحققين وسياسيين ومحنكين رسموا خارطة بعمر الإمبراطورية الكونية وعبروا إلى جوهر الوجود بأنامل حريرية مزيفة, هذا ما يستنتجه القارئ من كتاب "ستيفن هيات" الأميركي الذي يعيش في سان فرانسيسكو ويعمل كرئيس لمؤسسة (أسيتيرا) وهي تعاونية نشر لمتخصصين, لا تبغي الربح, واسم الكتاب "لعبة قديمة بعمر الإمبراطورية" يكشف فيه عن العالم الخفي "للقتلة" الاقتصاديين وعن شبكة الفساد المعولم بقلم "قتلة اقتصاديون" مرموقون ومحققون, يسردون الرواية المهولة الصادمة بأكملها.
تقديم الكتاب جاء بقلم "جون بيركنز" الأميركي الذي ألف كتاب "اعترافات قاتل اقتصادي" عام 2004 والذي بقي على رأس قائمة المبيعات التي تنشرها "نيويورك تايمز" أكثر من 25 أسبوعاً والذي بيع منه 500 ألف نسخة في العالم.
كتاب ستيفن هيات الصادر عن شركة المطبوعات في لبنان, يقع في 433 صفحة من الحجم الكبير, ترجمة الدكتور أحمد الصيداوي. وينطوي على اعترافات خطيرة لرجال اقتصاد أطلق عليهم لقب "قتلة" اقتصاديين ومحققين وصحافيين ومن خلال هذه الاعترافات, يكشف عما تدفعه البلدان الفقيرة (375) مليار دولار سنوياً لتفي ديونها. أي عشرين ضعفاً للمساعدة الأجنبية التي تتلقاها وهو ما يسمى ب¯"مشروع مارشل المقلوب", ويتطرق الى التلاعب بأسعار النفط للتحكم بفائض الدولارات المودعة في المصارف الدولية, يتابع مسير المال القذر المتدفق من البلدان الفقيرة الى مصارف تعمل بإدارة مصارف أميركية وعمليات تبييض الأموال والاتجار بالمخدرات, يضع تحت المجهر ما جرى من عمليات غش واحتيال في مصارف (GG1 13) وتغاضي السلطات المصرفية عن ذلك, علماً أن زبائن المصرف من وكالة الاستخبارات الأميركية, أسامة بن لادن, "القاعدة" وشخصيات لها نفوذ كبير على الحزبين الجمهوري والديمقراطي, يضع أمام الرأي العام العالمي وقوع أربعة ملايين ضحية في الكونغو فقط لينعم الغرب بمواقف وحواسيب محمولة رخيصة الثمن, كما يشرح استراتيجية البنك الدولي بتحويل مال الإنماء الى جيوب النخب الفاسدة. ويضيء على مصير نفط العراق الذي تقرر في الغرف السوداء.
يقول جون بيركنز: ان القتلة الاقتصاديين يخدمون نخبة صغيرة من الشركات ذات التأثير الواسع, بغض النظر عمن يفوز في الانتخابات الرسمية, والتي تبغي دائماً مزيداً من الربح والنفوذ, أي المحافظة على هذه الإمبراطورية وتوسيعها". وفي كتابه "اعترافات قاتل اقتصادي", روى جون بيركنز قصة رحلته من كونه خادماً لتلك الإمبراطورية, الى داعية لصالح الشعوب المسحوقة والمستغلة, وهنا يربط "بيركنز" خبراته باعترافات وانكشافات جديدة في الكتاب الذي يكشف بدوره عن الناحية المظلمة من العولمة.. فقد أحدث رفع سعر النفط فائضاً من دولارات النفط, أودع في المصارف الدولية, وساعد المصرفيون الشبان المتلهفون, على معاودة تدوير هذا المال الى قروض جديدة تعطى للبلدان النامية, كي تمول مشاريع مريبة. وقد سافر سام غويني عبر الكرة الأرضية بالنيابة عن المصارف الأميركية, من أجل إيقاع بلدان العالم الثالث في "فخ" الاستدانة.
تحتوي فصول الكتاب ال¯ 12 عناوين مفصلة من لعبة القتلة, في عالم يقوم على الجشع والعولمة الملتبسة, حيث ركز أكثر من خبير مثل ستيف بركمان وألين أوغسطين وبروس ريك وجايمس هنري, أنطونيا جوهاز, كاثلين كورن, لوسي كوميسار, أندرو رويل وجايمس ماريوت على أحداث وحروب ومقايضات وتبييض أموال وصناعة الممنوعات وسباقات مسلحة الى الهاوية من أجل السيطرة على مقدرات الدول تحت شعار الديمقراطية المعولمة وكيفية محاربة وتغيير الأنظمة المعولمة للاستغلال, بهذا الصدد قدم الكتاب حججاً من بينها, أن إقامة عالم أفضل من الحاضر ممكنة, اذ التمس أهل النفوذ, النفوذ المطلوب لهذا الغرض في حركة العدالة المعولمة (أي مناهضة عولمة الشركات) ويعطي هذا البرنامج حسن التوجه والاستنفاذ والأمل بالمقدرة على تحطيم سيطرة الإمبراطورية وشبكتها. وفي هذا السياق, تقول كاثلين كورن في جانب من الكتاب: ان الصراع في جمهورية الكونغو الديمقراطية, كلف 4 ملايين من الأرواح, خلال السنين العشر الماضية, اذ تنازعت الميليشيات وأمراء الحرب حول موارد البلاد, وقد مولت تلك الفظائع, بطريقة غير مباشرة على الأقل, بواسطة بعض أكبر الشركات الغربية, فهي تنظر الى تلك البلاد كمجرد مصدر رخيص لمعدن "الكولتان" -الجوهري لصنع شبكة الموصلات- وغير ذلك من المعادن, وهنا, ستكشف كاثلين كورن العلاقة المباشرة بين معاناة الشعب الكونغولي والأثمان الرخيصة التي يدفعها الغربيين للهواتف الخلوية والحواسب المحمولة.
أما جايمس ماريوت فقد أورد أنه بحلول العام 2015 ستزود أميركا بنحو 30 في المئة من نفطها المصدر اليها من أفريقيا, وتعمد شركات النفط المتعددة الجنسيات, الى الاستعانة بمزيد من الجيوش الخاصة, لحماية عملياتها هناك, ويقوم سكان دلتا النيجر بحملة للحصول على حصة من ثروة النفط التي تضخها الشركات من تحت أراضيهم. وفي العام 2006, كان نيجل وطسن-كلارك يعمل بصفة موظف أمن في شركة "شل" في نيجيريا, لحماية استغلال النفط خارج الساحل. لقد كان جندياً عند الخطوط الأمامية في شبكة استغلال النفط, لكنه عندما أخذ رهينة خلال الغزو الذي قام به محاربون محليون, وجد نفسه وسط الصراع من أجل نفط نيجيريا.
أما كيفية خطف مخزون النفط العراقي, فيرى كتاب "القتلة" حسب "غريغ متيت" في كتاب ستيفن هيات يقول: "بينما يناضل الشعب العراقي لتحديد مستقبله, وسط الفوضى السياسية والعنف الدموي, يتقرر مصير النفط الذي يمثل الاحتياطيات الاقتصادية الأكثر قيمة, وراء الأبواب الموصدة, فاتفاقيات المشاركة في إنتاج النفط المفروضة على العراق, ستكلف البلاد مئات البلايين من المداخل المفقودة, بينما توجه الأرباح الكبرى الى الشركات الأجنبية, وهنا يكشف "غريغ متيت" القناع عن مؤسسة غريبة غير معروفة تماماً, هي مركز الضريبة والتثمير (ITIC) التي توفر هذه المداخيل".
وأما حكاية البنك الدولي ومسألة المئة بليون دولار, فيروي فصولها ستيف بركمان وكيف تقدم البنك الدولي بستراتيجية انمائية مبنية على قروض تعطى لبلدان العالم الثالث, منذ عقود زمنية, وكان من المفروض بهذه القروض التي بلغت مئات البلايين من الدولارات أن تحدث تقدماً, لكن تلك البرامج لم تستطع الوفاء بوعودها, وبدلاً من حصول التقدم بالبلاد, جمعت النخب الحاكمة ثروات فاحشة, بينما تحمل الفقراء عبء سداد تلك الديون, وهنا يعرض "بركمان" أحد العاملين سابقاً في البنك الدولي بيان محقِق داخلي عن كيفية عمل تلك المكائد لتحويل مال الإنماء الى جيوب النخب الفاسدة وجيوب شركائهم من دول العالم الأول.
كذلك تعرض "ألين أوغسطن" حال الفيليبين والبنك الدولي والسباق الى الهاوية, بحيث أصبحت عبارتا "الإنماء" و"التحديث" كلمتين رمزيتين لجهود الولايات المتحدة الأميركية الآيلة الى دعم حكم الرئيس فرديناند ماركوس, بالتنسيق مع البنك الدولي كوسيلة لتمويل ديكتاتورية "ماركوس" وهناك نحو 800 وثيقة تسربت من وثائق البنك الدولي, تخبر عن كيفية تمويل هذا المصرف للقانون العرفي. وكيف جعل البنك الدولي الفيليبين حالة اختبارية لإستراتيجيته الإنمائية المعدة للتصدير, والمبنية على الشركات المتعددة الجنسيات, وآلت في النهاية الى نتائج كارثية للديمقراطية والإنماء الاقتصادي على السواء.
ويروي بروس ريك كيف أصبحت وكالات تصدير الاعتمادات بكل هدوء, أكبر المؤسسات المالية في العالم, فهي تساند 788 مليار دولار في تجارتها العام 2004, علماً بأن أعمالها سرية وغير منتظمة تنظيماً رسمياً. وتقوم برسالة مفردة رفع مبيعات الشركات المتعددة الجنسيات التابعة لبلدانها, وبهذه الصفة, صارت من أقدر اللاعبين في لعبة "القتلة" الاقتصاديين, اذ أنها تموِل منشآت الطاقة النووية في بلدان لا تستطيع إدارتها, فضلاً عن بيعها المكثف للأسلحة لمناطق تمزقها الصراعات. ويجري تلميع هذه العمليات, كلها بمليارات الدولارات التي تصرف كرشى, وهنا ينظر "بروس ريك" الى عالم هذه الوكالات السري, ويبين الضرر الذي تحدثه في أرجاء العالم.
أما فضيحة الديون الموجبة على البلدان الفقيرة وسراب إسعاف الدين, فيرويها جايمس هنري الذي يفضح قادة مجموعة الدول الثماني الذين أعلنوا بفخر تخصيص 40 مليون دولار لإعادة جدولة الدول المتوجبة على 18 بلداً فقيراً مديناً الى حدٍ كبير في أميركا اللاتينية وأفريقيا, أي ما يساوي أكثر من واحد في المئة بقليل من المال أي 3.2 تريليونات دولار, وهو كامل الدين المتوجب على تلك البلدان. فالمساعدة الفعلية الممنوحة لهذه الديون, لا تعدو كونها جزءاً صغيراً من تلك الديون, حتى أن الشروط والتعهدات المقترنة بالحصول عليها, تجعلها على تواضع مقدارها, لا تستحق هذا العناء من أجل تحصيلها, بوجود المستشفيات والمدارس المقفلة, والأعمال التجارية المحلية المفلسة, والبطالة العالية, وهنا يعطينا جايمس هنري تحليلاً, ويرسم خطوات القيام بحملة فاعلة لإعادة جدولة الديون, من أجل بلدان العالم الثالث المدينة.
وفي موضوع المال "القذر", داخل العالم السري للمصارف, يرى جون كريستنسن أنه سنوياً يتدفق من المال "القذر" ما لا يقل عن 500 مليار دولار أميركي من البلدان الفقيرة الى حسابات المصارف (الأفشور) التي تعمل خارج الساحل, وتديرها مصارف أميركية, بحيث تقزِم مقدار ما تستلمه الشعوب والبلدان من المساعدات الأجنبية. وتراوح مصادر هذا المال من الاحتيال لتفادي الضرائب, وإعادة المال الذي كان قد سُلف لأغراض غير مشروعة وتهريب رؤوس الأموال, الى غسل الأموال والمتاجرة بالمخدرات, وقد كان "جون كريستنسن" مصرفياً يعمل خارج الساحل (أوفشور), فوجد نفسه يتعاطى إدارة هذه الحسابات السرية. وهو يبين كيف ينتزع النظام المصرفي خارج الساحل, أي (الأفشور) المديح من البلدان الأقل قدرة على تقديمه, ويشرح الأسباب التي تجعل هذا الاقتصاد الأسود جوهرة لنخبة الشركات الدولية.
المسهمون في كتاب "القتلة" أزاحوا الستار عن أحداث جرت عبر عدد من البلدان وتبيان المخططات التي يقوم بها "القتلة" الاقتصاديون تحت أقنعة متنوعة, وكل منها ألقى الضوء على بناء تلك الإمبراطورية المخالفة للمبادئ الأميركية المتعلقة بالديمقراطية والمساواة, حيث توالت فصول الكتاب بترتيب اتبع تدفق المال والنفوذ في الإمبراطورية المعولمة. والخارطة الظاهرة على صفحة مقبلة من التاريخ, توضح كيفية بيع القروض لبلدان العالم الثالث, وتدفق الأموال "القذرة" والذي يعود الى سيطرة العالم الأول عن طريق حسابات سرية في المصارف التي تعمل بنظام (الأوفشور) وخيبة نماذج الإنماء القائمة على الديون في تخفيف حدة الفقر, وتراكم جبال من الديون غير المدفوعة, وتقويض الاقتصاديات المحلية بواسطة صندوق النقد الدولي, والتدخل العسكري لتأمين الوصول الى الموارد. وقد أعطى "ستيفن هيات" في "الإمبراطورية المعولمة" نظرة شاملة عن شبكة السيطرة التي تستخدمها شركات العالم الأول ومؤسساتها لحكم الاقتصاد المعولم, أنها فضائح تفصح عن الوجه الآخر لعمليات, ولدولة تحكم العالم باسم الديمقراطية وهي تلبس باليد عصا الترهيب وبالأخرى قفاز الحرير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق