الأربعاء، 27 يونيو 2012

هل يريد الكونغرس انهياراً اقتصادياً آخر؟


الأربعاء, 27 يونيو 2012 الساعة 09:26
وليام كوهان - بلومبيرغ نيوز

هل يريد الكونغرس انهياراً اقتصادياً آخر؟











هناك سؤال يفرض نفسه وينبغي أن يوضع في الحسبان، في الوقت الذي يستعد فيه الكونغرس لاستجواب جامي ديمون الرئيس التنفيذي لشركة جيه بيه مورغان تشيس آند كو، حول ما إذا كانت خسائر التداول المتزايدة البالغة حتى الآن 3 مليارات دولار يمكن أن تغير أي شيء في سوق وول ستريت؟

وتتمثل الحقيقة المحزنة في أنه على الرغم من كل الكلام المتداول على النطاق العام حول الحاجة إلى الكشف عن تفاصيل الأنظمة التي ستحكم المخاطرة في البنوك الكبرى، إلا أن جيش محامي «وول ستريت» الذي يتلقى أجوراً ضخمة، وجماعات الضغط هناك لا يزالان يعلقان بسخرية على عملية إعادة التنظيم برمتها.

ويبدو من المرجح بشكل متزايد أنه في الوقت الذي تنتهي فيه هذه التمثيلية، سوف ينتهي المطاف بالشعب الأمريكي مع أقل مستوى من القواعد الموضوعية والقيود المفروضة على المخاطر المجنونة التي ترتكبها مؤسسات «وول ستريت» على نحو يفوق ما نعرفه حتى الآن، ولو رجعنا بالذاكرة إلى الوراء لاستعراض ما عرض على الكونغرس حتى الآن، لوجدنا تسعة تشريعات غامضة سبق وأن نظر بها العام الجاري، وتم تصميمها بشكل أو آخر من أجل إضعاف أحكام قانون دود فرانك الهزيل أصلاً، والذي كان قد تم إقراره في يوليو من العام 2010.

وفي الأغلب، تكون معظم التشريعات، من هذا القبيل، مصممة لإحداث تأثير بسيط قد يصل أحياناً إلى مستوى إضاعة الوقت وتأجيل المساءلة الحقيقية، ما قد يدفع الجمهور إلى فقدان الاهتمام إزاء المسألة المطروحة قيد البحث، وتكون هناك قوانين أخرى أشد ضرراً، ومنها على سبيل المثال مشروع قانون توفير الائتمان للأعمال الصغيرة.

وتحت ستار مساعدة جهات الإقراض للمجتمع، يحد ذلك من التعرف إلى المتعاملين بمبادلة القروض، وفقاً لأحكام قانون دود فرانك، الأمر الذي يسمح بنشوء كم أكبر من المقايضات مع أقل مستوى من المراقبة.

ومع ذلك، فقد تم إقراره من قبل مجلس النواب في أبريل الماضي.

سياسة التمييع

إن ما قام به جيم هايمز، النائب الديمقراطي عن ولاية كونيكتيكت، يعتبر من بين أبرز الجهود الأكثر غدراً لتمييع قانون دود فرانك، حيث سبق لهذا النائب الديمقراطي أن عمل في مجموعة غولدمان ساكس، كما يحظى بالدعم من جانب العديد من المسؤولين الماليين التنفيذيين الذين يعيشون في منطقته وعلى مقربة من المناطق الأخرى المجاورة، مثل ستامفورد وغرينيتش وفيرفيلد وبريدجبورت.

وستستثنى فروع الشركات الأجنبية من الحظر المفروض على أنشطة مقايضة الائتمان في الولايات المتحدة بعد تعديل النظام التنظيمي في قانون دود فرانك.

وإذا ما تم إقرار مشروع قانون هايمز الذي يتوقع النظر فيه مرة أخرى، فلن يكون من الصعب أن نتصور قيام «غولدمان ساكس» و«جيه بيه مورغان تشيس» بجمع تريليونات الدولارات من المشتقات أو عمليات مقايضة الائتمان عن طريق الشركات الأجنبية التابعة لهما، في لندن أو أي مكان آخر، ويكون كل ذلك بهدف التهرب من «دود فرانك».

وبالتالي، فإن أسلحة الدمار الشامل هذه، التي سبق لوارن بافيت أن أطلق عليها مصطلحه الشهير «عقود المشتقات»، يمكن أن يتم الاكتتاب فيها على أن تنسب العمليات إلى الشركات الأجنبية، مع أن جميع هذه العمليات يكون هدفها التهرب من الرقابة التي يفرضها قانون دود فرانك.

وحذّر غاري جينسلر، رئيس هيئة تجارة السلع الآجلة، وكذلك هايمز الذي عمل مديراً تنفيذياً لدى غولدمان، من أن مشروع القانون من شأنه أن يترك قطاعات واسعة من مقايضات السوق غير مشمولة بالإصلاحات الجديدة، كما يقلل من الشفافية بشكل كبير، ويزيد من حدة المخاطر التي تواجه النظام المالي.

وتصف النائبة الديمقراطية ماكسين ووترز، عن ولاية كاليفورنيا، بدقة واقتدار تلك الاستراتيجية التي تتبعها البنوك وحلفاؤها في الكونغرس لتجريد قانون دود فرانك من فحواه، بأنه «إعدام مؤلم بعد الإصابة بآلاف الجروح».

وفي أبريل، وصف بارني فرانك النائب الديمقراطي عن ولاية ماساتشوستس والعضو المشارك في رعاية قانون دود فرانك، تلك الجهود بالقاسية بعد أن أصبح القانون عديم الجدوى.

وجاء في بيان صادر عنه «إن معاملات المشتقات المالية غير المنظمة وغير المسؤولة تعتبر واحداً من الأسباب الرئيسة للأزمة الاقتصادية».

وأضاف، لقد اعتمدنا في مشروع قانون الإصلاح المالي أحكاماً تسمح للمشتقات بأداء وظيفتها الشرعية للشركات التي تسعى إلى تحقيق استقرار الأسعار، مع ضمان تحقيق تخفيض جوهري في الفرص المتاحة لسوء استغلال تلك المنتجات.

بيد أن مشروعين تقدمت بهما الأغلبية الجمهورية، في لجنة الخدمات المالية في شكلها الحالي، قد أديا إلى إعادة تحرير المشتقات من القيود المعقولة التي فرضت عليها، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى إخراج المارد الشرير من قمقمه ليعيث فساداً مرة أخرى في اقتصادنا.

خطأ فرانك

لو نظرنا من بعض الجوانب، لوجدنا أن فرانك نفسه هو المسؤول عن صياغة قانون يتيح للشركات في «وول ستريت» اختراقه بسهولة تامة، وبدلاً من التوضيح على نحو لا لبس فيه الطريقة التي يمكن اتباعها لتنظيم المشتقات والمقايضات، أو تحديد معالم أنواع المخاطر التي يمكن للشركات في «وول ستريت» أن تقوم بها، أو تغيير نظام الحوافز في «وول ستريت» للتأكد من عدم مكافأة المصرفيين والتجار والمديرين التنفيذيين على الدخول في المخاطر الكبيرة باستخدام أموال الناس الآخرين، نجد أن فرانك وبطريقته الخاصة رضخ للضغوط التي مارسها المديرون في «وول ستريت».

كما نجد أن العديد من الأحكام المهمة، في القانون، تم تمييعها أو تركت غامضة عن عمد.

وبدلاً من وضع خطوط واضحة، لم نحصل سوى على وعود يتعذر فهمها من مجموعات الدراسات مع تفادي بلورة المواعيد النهائية لتحقيقها ..

وبعبارة أخرى، لا يمكن لكائن من كان التعامل مع المخرجات النهائية التي اعتمدها القانون سوى من قبل محامي «وول ستريت» ممن يتقاضون أجوراً عالية.

وفي أعقاب الخسائر غير المتوقعة التي منيت بها «جيه بيه مورغان تشيس»، لم تبذل سوى جهود متواضعة لوقف عملية هدم القانون ذاته.

وفي يوم 31 مايو الماضي، وجهت ماكسين ووترز الدعوة إلى مجموعة من خبراء المشتقات لحضور جلسة استماع عامة عقدها الكونغرس، كما حضرها زملاؤها من أعضاء لجنة الكونغرس للخدمات المالية، وكان موضوعها «الحكمة الكامنة وراء استمرار استخدام المشتقات». بناءً على طلبها، وتولّت الإشراف على تنظيم الجلسة.

وتعتزم ووترز أيضاً، عقد جلسات إضافية بشأن المواضيع الأخرى ذات الصلة.

وفي الخامس من يونيو الجاري، أسست شيلا باير، الرئيسة التنفيذية السابقة لمؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية، مجلس المخاطر الهيكلية الجديد الذي ترعاه جمعيات لبيو الخيرية، حيث تعمل باير في الوقت الحالي، وتنحصر مهمة هذا الجهاز في رصد عملية الإصلاح المالي والتنظيمي، إضافة إلى تحذير الجمهور من المبالغات المالية المضللة.

التجارة بالخسائر

في يوم السادس من يونيو الجاري، استجوب أعضاء من مجلس الشيوخ القائمين على التنظيم في شركة جيه بيه مورغان تشيس في جلسة استماع للجنة المصرفية، حول الأسباب التي حالت دون قدرتهم على كشف الخسارة التجارية الكبيرة التي نكبت بها الشركة، والتي أبلغ ديمون بذاته عنها.

وقال السيناتور الديمقراطي تيم جونسون عن ولاية ساوث داكوتا «إنه على الرغم من أن خسارة (جيه بيه مورغان) لم تؤدِ إلى مشاكل بنيوية، إلا أنها تعتبر تذكيراً واضحاً بأن (وول ستريت) لا يزال في حاجة إلى تحسين إدارة المخاطر وفرض المراقبة الصارمة، وإذا ما تم خرق هذه الأنظمة، يجب تطبيق القوانين المعمول بها».

وفي 13 يونيو، مثل ديمون أمام لجنة في الكونغرس للرد على الأسئلة المتعلقة بالخسائر التجارية.

ومع أن جونسون لم يبتعد عن جادة الصواب بلا شك، يبقى السؤال الحقيقي يتمحور حول الجهة التي ستكتب لها الغلبة في هذه المبارزة المميتة حول مقدار الرقابة التي يمكن للبنوك الكبيرة أن تتحملها في نهاية المطاف.

وكما هي الحال على الدوام، لا يمكنني الرهان ضد قدرات «وول ستريت» الهائلة، وهو ما يجعلني أجزم يقيناً بأن النصر سيكون حليفه لا محالة.

التقشف المتعثر للتغلب على الأزمة الاقتصادية


الأربعاء, 27 يونيو 2012 الساعة 09:26
رولان كوبرز - مدير الأبحاث في مدرسة أمستردام للزعامة الخلاقة - بروجيكت سينديكيت

التقشف المتعثر للتغلب على الأزمة الاقتصادية







على الرغم من المقاومة الاجتماعية المتزايدة التي يواجهها التقشف في أوروبا، فإنه من حيث المبدأ يتسم بالبساطة.

ومع احتدام النقاش حول ضبط الأوضاع المالية مقابل النمو، فمن الواضح أن الاتفاق على كيفية تحريك الاقتصاد ضئيل للغاية، وبعيد عن تنفيذ حزم التحفيز على نطاق واسع.

ومن بين الأفكار المطروحة أن التكنولوجيا البيئية قد تغذي حلقة حميدة من الإبداع وتشغيل العمالة.

ويرى البعض أن النمو الأخضر يستحضر في الذهن الريف المغطى بطواحين الهواء والأسقف الحضرية التي تصطف فوقها الألواح الشمسية. ولكن الأمر أوسع من هذا.

على سبيل المثال، عندما انتقلت شركة «أيرباص» من حقن اللدائن إلى الطباعة الثلاثية الأبعاد لإنتاج المفصلات المعدنية المستخدمة في أبواب طائراتها، خفضت أوزان هذه الأبواب إلى النصف، الأمر الذي أسفر عن توفير مقادير هائلة من المواد، وما يرتبط بهذا من استهلاك الوقود على مدى عمر طيران هذه المفصلات حول العالم.

من الأسهل، على الرغم من هذا، العثور على نوادر مثيرة، مقارنة بمحاولة إثبات كيف قد يرقى مثل هذا الأمر إلى إعادة تنشيط اقتصاد بالكامل.

وهناك فضلاً عن ذلك قدر عظيم من التنوع في الروايات في ما يتصل بالاقتصاد الأخضر، ومن المرجح أن تنمو مثل هذه الروايات على نطاق واسع.

وباعتباري المؤلف المشارك لتقرير «مسار جديد للنمو في أوروبا»، وهو التقرير الذي تم بتكليف من الحكومة الألمانية، فأنا مذنب بالمساهمة في هذا النشاز من وجهات النظر المتكاملة حول النمو الأخضر.

كانت مؤسسة المناخ الأوروبية قد نشرت بالفعل «خريطة الطريق 2050، الدليل العملي لأوروبا المزدهرة منخفضة الكربون».

ومنذ ذلك الوقت أطلق برنامج الأمم المتحدة للبيئة «تقرير الاقتصاد الأخضر»، وكتب ماكنزي عن «ثورة الموارد»، كما نشر مجلس النقابات المهنية الدولي تقرير «النمو الأخضر والوظائف اللائقة»- على سبيل المثال لا الحصر.

ويتبنى الجميع توجهات مختلفة بعض الشيء، ويقدمون توصيات مختلفة، الأمر الذي يجعل من الصعب بالنسبة لصناع السياسات أن يروا الغابة عبر الأشجار.

وفي قلب هذا التعدد من وجهات النظر، تكمن حقيقة مفادها أن الاقتصادات تناضل من أجل تفسير الكيفية التي يحرك بها النمو والإبداع الاقتصاد ككل. إن نماذج الاقتصاد الكلي التي يعتمد عليها صناع القرار السياسي تشكل أدوات قوية في أوقات التطور السلس التدريجي، ولكن النمو الأخضر لا يدور حول التغير التدريجي.

على سبيل المثال، سنجد أن هدف الاتحاد الأوروبي المتمثل في خفض الانبعاثات المسببة للانحباس الحراري العالمي بنسبة 80 بالمئة بحلول العام 2050 يعني ضمناً الإصلاح الشامل للبنية الأساسية في الاتحاد الأوروبي في غضون بضعة عقود من الزمان.

ولا ينبغي لنا أن نعتبر عجز خبراء الاقتصاد عن وضع النماذج لهذا التغير السريع الجذري إدانة لهذا الفرع من المعرفة، فهو ببساطة انعكاس لحالة معارفنا، ولحقيقة مفادها أن الاقتصاد معقد حقاً.

والأمر ببساطة أننا لم نملك بعد رؤى محددة بالقدر الكافي للكيفية التي تتفاعل بها كل هذه العناصر في أوقات التغيير البعيد المدى، سواء كان الأمر متعلقاً بأزمة مالية أو طفرة في النمو.

وعلى الرغم من هذا، فإن دراسات النمو الأخضر المذكورة أعلاه تزودنا في ما يبدو بالتفسيرات اللازمة. ولكن بأي شيء تنبئنا حقاً؟

في الممارسة العملية، تقتصر كل دراسة على جانب واحد أو جانبين من الاقتصاد، وتصف كيف يتم التفاعل. فتبحث دراسة «النمو الأخضر والوظائف اللائقة» في العلاقة بين الاستثمار والوظائف.

وتفحص دراسة «مسار جديد للنمو في أوروبا» تأثير التوقعات والتعلم من خلال العمل. وتركز دراسة «خريطة الطريق 2050» على تخضير نظام الطاقة. ثم يقفز المؤلفون إلى استخلاص النتائج بشأن الاقتصاد ككل.

ولكن، وعلى الرغم من أن قيمة هذه الدراسات تتلخص في الضوء الذي تسلطه على الأجزاء، فإن العناوين الرئيسة الناشئة عن ذلك تدور حول الكل، ويجري تفصيلها من حيث الناتج المحلي الإجمالي والوظائف.

وكل من هذه الدراسات تصف جزءاً من الاقتصاد الأخضر، ولكن لا يستطيع أي منها منفرداً أن يلخص الكل، ليس لأنها مختلفة، بل لأنها ببساطة تتجاوز قدراتنا.

وعلى الرغم من هذا، فإن عجزنا عن الإثبات بشكل قاطع كيف يعمل النمو الأخضر لا يعني أننا لا بد أن نتخلى عن الفكرة. فنحن نعرف من التاريخ أن موجات الإبداع، من المحرك البخاري إلى ثورة معلومات الاتصال، أدت إلى زيادات هائلة في النمو الاقتصادي. ولا يمكننا أن نثبت أن موجة من الإبداع البيئي قد تؤدي إلى تأثير مماثل، ولكن دراسات الأجزاء تجعل هذه النتيجة معقولة إلى حد كبير.

إننا كبشر مجهزون بشكل فريد لاتخاذ القرارات استناداً إلى معلومات غامضة، بل إننا نفعل هذا دوماً. فعندما نختار مهنة ما أو رفيق حياة في حياتنا الخاصة، أو عندما يغتنم أحد الساسة الفرصة من بين مجموعة كبيرة من الاحتمالات، فإن المهمة تتلخص دوماً في اتخاذ قرارات ذات عواقب كبيرة، استناداً إلى معلومات منقوصة.

الواقع أن مجموعة ضخمة من التقارير حول النمو الأخضر تدلل على معقولية هذا المسار إلى التعافي من أزمة اقتصادية تاريخية. والأمر الآن متروك لنا لتحقيق إمكانات هذا المسار. إن النمو الأخضر يعرض علينا بديلاً عملياً لنهج التقشف المتعثر للتغلب على الأزمة الاقتصادية الحالية.

ويتعين على صناع القرار السياسي أن يستوعبوا هذا التفكير في سردهم في ما يتصل بمرحلة «ما بعد التقشف»، والتي بدأت تتخذ هيئة واضحة في عدد متزايد من الدول الأعضاء الرئيسة في الاتحاد الأوروبي.

الاثنين، 25 يونيو 2012

أوروبا والبحث المضلل عن النمو


الإثنين, 25 يونيو 2012 الساعة 10:17
دانييل غروس - مدير مركز دراسات السياسة الأوروبية - بروجيكت سينديكيت

أوروبا والبحث المضلل عن النمو
قبل بضعة أشهر، وقعت خمس وعشرون دولة من دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين رسمياً على معاهدة تلزمها بتبني حدود صارمة للعجز في دساتيرها الوطنية.

وكان هذا الذي أطلق عليه مسمى «الميثاق المالي» بمثابة الشرط الأساسي لإقناع ألمانيا بالموافقة على زيادة تمويل صناديق إنقاذ منطقة اليورو زيادة كبيرة، ولكي يبدأ البنك المركزي الأوروبي في إجراء عملية إعادة التمويل الطويل الأجل بقيمة تريليون يورو، والتي كانت تمثل ضرورة أساسية لدعم استقرار الأسواق المالية.

ولكن اليوم، تحول انتباه منطقة اليورو نحو النمو.

وهو نمط متكرر في السياسة الأوروبية، الإعلان عن التقشف والدفاع عنه باعتباره شرطاً مسبقاً للنمو، ولكن عندما يصبح الركود موجعاً يتحول النمو الشرط المسبق لاستمرار التقشف.

قبل نحو خمسة عشر عاماً، تعرضت أوروبا لدورة مماثلة. ففي أوائل تسعينات القرن العشرين، وأثناء رسم مخططات الاتحاد النقدي الأوروبي، أصرت ألمانياً على ميثاق الاستقرار باعتباره ثمناً للتخلي عن المارك الألماني.

وعندما انزلقت أوروبا إلى الركود العميق بعد العام 1995، تحـول الانتباه باتجاه النمو، وتحول ميثاق الاستقرار إلى ميثاق الاستقرار والنمو، عندما تبنى المجلس الأوروبي قراراً بشأن النمو والعمالة في العام 1997.

واليوم، أصبحت الحاجة إلى النمو قوية بقدر ما كانت قبل خمسة عشر عاماً. ففي إسبانيا، كان معدل البطالة آنذاك مرتفعاً بقدر ما هو اليوم، وفي إيطاليا كان المعدل في العام 1996 أعلى مما هو عليه اليوم.

ومن الناحية السياسية أيضاً، كانت الخلفية واحدة، فقد تم تحويل ميثاق الاستقرار إلى ميثاق الاستقرار والنمو تحت الضغوط التي مارستها في الأساس الإدارة الفرنسية الجديدة آنذاك برئاسة جاك شيراك.

واليوم قدمت فرنسا الدفعة السياسية للتحول إلى النمو.

إن تحويل النمو إلى أولوية سياسية أمر لا يقبل الجدال فمن قد يكون ضد النمو على أية حال؟. ولكن السؤال الحقيقي هو، ماذا بوسع أوروبا أن تفعل لخلق النمو؟ والإجابة الأمينة هي، أقل القليل.

إن العناصر الرئيسة لأي استراتيجية للنمو يناقشها زعماء أوروبا اليوم هي في واقع الأمر العناصر نفسها أثناء الفترة 1996-1997، إصلاحات سوق العمل، تعزيز السوق الداخلي، زيادة تمويل بنك الاستثمار الأوروبي بهدف إقراض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وزيادة الموارد المخصصة لمشاريع البنية الأساسية في الدول الأعضاء الأكثر فقراً.

والواقع أن العنصرين الأخيرين يجتذبان قدراً كبيراً من الاهتمام لأنهما ينطويان على المزيد من الإنفاق.

ولكن الظروف مختلفة إلى حد كبير اليوم. فالنموذج التجاري الذي يتبناه بنك الاستثمار الأوروبي لا بد من أن يتغير جذرياً حتى يصبح مجدياً في تشجيع النمو، وذلك لأنه لا يقدم قروضاً إلى في مقابل ضمانات حكومية، في حين لا تستطيع الدول ذات السيادة المتعثرة مالياً في جنوب أوروبا أن تتحمل المزيد من الأعباء.

فضلاً عن ذلك، وعلى النقيض من الفهم الخاطئ الشائع، فإن بنك الاستثمار الأوروبي لا يستطيع تقديم القروض بشكل مباشر إلى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، بل يستطيع فقط تزويد البنوك الكبرى بالتمويل لإقراض المؤسسات المحلية الصغيرة والمتوسطة الحجم. ولكن البنك المركزي الأوروبي يقوم بهذه المهمة بالفعل من خلال قروض عملية إعادة التمويل الطويل الأجل لثلاثة أعوام.

وهناك أيضاً الحديث عن خطة مارشال لجنوب أوروبا. قبل خمسة عشر عاماً كانت الحاجة واضحة إلى بنية أساسية أفضل هناك.

ولكن منذ ذلك الوقت، حظيت دول جنوب أوروبا بعقد كامل من الزمان من الاستثمارات المرتفعة في البنية الأساسية، أكثر من 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في أسبانيا واليونان والبرتغال.

ونتيجة لهذا فإن أغلب الدول في جنوب الاتحاد الأوروبي ربما أصبح لديها مخزون كاف من البنية الأساسية اليوم.

وقد تكون زيادة الاستثمارات في البنية الأساسية أكثر منطقية في ألمانيا، حيث كان الإنفاق على البنية الأساسية هزيلاً (1.6 بالمئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، أو نصف المعدل في إسبانيا) طيلة عشرة أعوام تقريباً.

ولهذا السبب أصبحت الطرق السريعة في ألمانيا مشهورة بالازدحام الشديد اليوم.

بيد أن الأمر لا يتطلب الحصول على أموال أوروبية لتمويل البنية الأساسية في ألمانيا، حيث تستطيع الحكومة أن تجمع الأموال بتكاليف حقيقية أقل من الصفر.

وبالمعدلات التي تدفعها اليوم فإن الحكومة الألمانية لا بد من أن تكون قادرة على إيجاد العديد من مشاريع الاستثمار التي تحقق معدلات عائد اجتماعي إيجابية.

ونظراً لقرب ألمانيا من تحقيق هدف التشغيل الكامل للعمالة، فإن زيادة الإنفاق على البنية الأساسية هناك من شأنها أن تؤدي إلى اجتذاب الواردات في الأرجح (واجتذاب عمال البناء العاطلين عن العمل من أسبانيا)، والإسهام بذلك في إعادة التوازن التي تشتد الحاجة إلها داخل منطقة اليورو.

ولكن من المؤسف أن هذا من غير المرجح أن يحدث، وذلك لأن الإنفاق على البنية الأساسية يواجه معارضة شعبية.

والواقع أن مثل هذا الإنفاق يتقرر على المستويين المحلي والإقليمي، حيث المعارضة الشعبية لأي مشروع ضخم أشد قوة (على سبيل المثال استغرق الأمر أكثر من عشرين عاماً لإكمال تحديث محطة شتوتجارت للسكك الحديدية).

ويبدو أن الرغبة في الظهور بمظهر من يفعل شيئاً، تدفع صناع القرار السياسي في أوروبا إلى الاعتماد على الأدوات القليلة التي يستطيع بها الاتحاد الأوروبي أن يزعم أنه يعمل على تعزيز النمو.

ولكن يتعين عليهم أن يدركوا أن أزمة النمو اليوم مختلفة.

ولا ينبغي للصفقة الحقيقية أن تكون التقشف إلى جانب خطة مارشال بالنسبة للجنوب، بل الاستمرار في التقشف جنباً إلى جنب مع إصلاح سوق العمل في الجنوب، مصحوباً بالمزيد من الاستثمار في البنية الأساسية في ألمانيا وغيرها من الدول صاحبة التصنيف (AAA) مثل هولندا.

إن الإصلاحات العميقة في قطاع الخدمات في ألمانيا من شأنها أيضاً أن تساعد على إطلاق العنان لإمكانات البلاد الإنتاجية وفتح أسواقها لصادرات دول جنوب أوروبا من الخدمات.

وبهذا يصبح بوسع الجنوب أن يحظى بالفرصة لإيجاد فرص عمل لشبابه من ذوي التعليم الجيد، والذين لا يجدون أمامهم الآن إلا الاختيار بين البطالة والهجرة.

تباطؤ الاقتصاد الصيني يعمّق جراح الأسواق


لإثنين, 25 يونيو 2012 الساعة 10:18
ويليام غامبل - رئيس إيميرجينغ ماركينينغ ستراتيجيز

تباطؤ الاقتصاد الصيني يعمّق جراح الأسواق
ظهرت في الآونة الأخيرة موجة من القلق في الأسواق بشأن تباطؤ النمو في الصين.

وعلى الرغم من البيانات القادمة من الصين، فإنه لا يوجد هناك حقاً شيء يدعو للقلق.

وعلى الرغم من تسجيل انخفاض وصل إلى 50.4 في مايو الماضي، فإنها لا تزال في الشهر السادس على التوالي التي تشهد مستوى من التوسع بنسبة تزيد على 50.

وما يزال هذا الاتجاه يبدو غير مشجع، ولكنه لا يدعو للقلق، ووعد رئيس مجلس الدولة، ون جيا باو، أن الحكومة سوف تتبع سياسات نمو أكثر فاعلية، بما في ذلك الإنفاق على البنية التحتية وإجراءات إضافية «لضبط» للاقتصاد.

ويبدي معظم الخبراء الاقتصاديين في العالم احتراماً يصل إلى أعتاب القدسية تقريباً تجاه الإدارة الاقتصادية الصينية، ويشعرون أنها لا تواجه أي مشكلة.

ولكن هل هم على صواب؟

كما تشتهر الصين بكونها مصنعاً للعالم، وتشكل الصادرات 30 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي.

ومع أن الصين أقل عرضة لحدوث تباطؤ لصادراتها في أماكن مثل أوروبا، كما حدث مع دول أخرى مثل كوريا التي تشكل صادراتها أكثر من نصف الاقتصاد، إلا أنها ستكون أكثر تضرراً من الولايات المتحدة التي تصدر ما نسبته 13 بالمئة فقط من منتجاتها.

ومع وجود المشاكل التي تعاني منها أوروبا، فإنه ليس من المستغرب أن ترتفع صادرات هذا البلد بنسبة 4.9 بالمئة فقط عن العام الماضي.

وكان هذا بمثابة مفاجأة للمحللين الذين كانوا يتوقعون تسجيل نمو بنسبة 8.5 بالمئة، ولكن الصادرات تشهد تباطؤاً فعلياً منذ نهاية العام 2010.

وكانت الأرقام المتعلقة بالاستيراد أسوأ بكثير، إذ كانت التوقعات تشير إلى احتمال نموها بنسبة 10.9 بالمئة، ولكن وارداتها نمت بالكاد بنسبة 0.3 بالمئة فقط.

وتعتبر الواردات المؤشر الأكثر أهمية، لأنه يفترض من الصين النجاح في إعادة توازن اقتصادها نحو الاستهلاك المحلي. ولكن من المؤكد أن المستهلكين الصينيين لا يقومون بالدور المتوقع منهم.

ووفق دراسة حديثة، فقد تبين أن الصينيين يدخرون أكثر مما ينفقون.

لكن يبدو أن الأرقام الصينية ليست الوحيدة التي تبعث على القلق. لقد كانت الصين تتولى قيادة معظم النمو في الاقتصاد العالمي منذ بداية الكساد العظيم.

وتعتمد دول أخرى كثيرة اعتماداً كبيراً على الطلب الداخلي فيها.

وكانت السلع الأساسية، خصوصاً شركات التعدين، المستفيد الرئيس من ذلك، ولكن الطفرة ولّت الآن.

كما انخفضت أسعار المعادن بنسبة تتجاوز 20 بالمئة من أعلى مستوى وصلت إليه في العام 2011، وكانت أوضاع الشركات التي تعمل في مجال تنقيب عن المعادن أسوأ من ذلك.

وانخفض مؤشر فوتسي العالمي للتعدين بنسبة 31.8 بالمئة عن الذروة التي بلغها في أبريل من العام 2011.

وغالباً ما يطلق المحللون على النحاس مسميات مرموقة، تدل على رفعة شأنه في الأسواق، لأنه من المفترض أن تعكس قوة الطلب على النحاس صحة الاقتصاد العالمي.

وفي شهر فبراير من العام الماضي، كانت التوقعات بشأن الطلب الصيني ضخمة للغاية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع السعر إلى أعلى مستوياته، ووصل إلى أكثر من 10 آلاف دولار للطن، ولكنه شهد تراجعاً في الآونة الأخيرة، وهبط إلى أقل من 8 آلاف دولار للطن الواحد.

واستوردت الصين الكثير من هذا المعدن، ولكنها عمدت إلى إعادة تصدير كميات كبيرة منه بعد ذلك.

ووفق ما يقوله لي كي تشيانغ، الرئيس الصيني المقبل حسب المعطيات الحالية، تعتبر الأرقام الرسمية المتعلقة بالناتج المحلي الإجمالي «استرشادية» فقط.

ولتحديد الوضع الحقيقي للاقتصاد الصيني، فإنه يفضل الاعتماد على استهلاك الكهرباء، وحجم البضائع التي يتم نقلها عبر السكك الحديدية، وحجم صرف القروض المصرفية.

ولكن هذه المؤشرات تكشف عن وجود مشكلة، ففي شهر أبريل الماضي ارتفع إنتاج الكهرباء بنسبة 11 بالمئة، كما زاد العام الجاري بنسبة 0.7 بالمئة فقط.

وينمو شحن البضائع بالسكك الحديدية بمعدل النصف، مقارنة بأرقام العام الماضي.

وتشكل عقارات البناء في الاقتصاد الصيني ضعف الحجم، مقارنة بمعظم الدول الأخرى، ولكن أسعار المساكن تعاني الانخفاض المتواصل.

وانخفضت الأسعار في وينزهو بنسبة 3 بالمئة، وفي بكين بنسبة واحد بالمئة، وفي شنغهاي 1.3 بالمئة. وشهد شهر مارس أيضاً انخفاضاً بنسبة 50 بالمئة في مبيعات الجرافات الصينية.

ومن المفترض أن تقوم الصين بإعادة التوازن لاقتصادها بعيداً عن الأنشطة الاستثمارية، وتحديداً عن طريق تشجيع المستهلكين على المزيد من الإنفاق، ولكن المستهلكين تجاهلوا أمر هذه الرسالة، فتباطأ نمو مبيعات التجزئة خلال شهر أبريل 14.1 بالمئة، ليسجل أدنى مستوى له على مدى 14 شهراً.

لكن لا يوجد ما يدعو للقلق جراء كل ذلك. ودفعت الاضطرابات التي ظهرت خلال مؤخراً في السوق المستثمرين في جميع أنحاء العالم إلى التوقع بأن البنوك المركزية سوف تتدخل من خلال فرض المزيد من الإجراءات النقدية البناءة. ولن تكون الصين استثناءً في ذلك.

وقال محللون في صندوق النقد الدولي: إن الصين تتمتع بفسحة للاستجابة المالية التعويضية، وإنه ينبغي عليها الاستفادة من هذه الفرصة.

وهناك الكثير من الدلائل التي تؤكد على هذا الأمر، ومع ذلك، لا يمكن نكران وجود مشكلة. وتكمن المفارقة في هذا الجانب في أن الصين تعمل على حفز اقتصادها بالفعل، ولكن ذلك لم يجد نفعاً حتى الآن.

وفي الآونة الأخيرة، قرر بنك الشعب الصيني فرض خفض لما يوازي 50 نقطة أساس في نسبة الاحتياط للبنوك، وهو الخفض الثالث في غضون ستة أشهر.

ويفترض أن يؤدي هذا القرار إلى ضخ مبلغ إضافي قدره 63 مليار دولار في أوصال النظام المالي. وهناك أيضاً توقعات تنتشر على نطاق واسع بتسجيل خفض على أسعار الفائدة، ولكن ذلك لن يساعدها أيضاً.

وكان من المفترض أن تقوم البنوك بإقراض 800 مليار يوان في شهر أبريل الماضي، ولكنها لم توفر سوى 681 مليار يوان (أي ما يعادل 108 مليارات دولار).

ويتضح من كل ذلك أن الأمر يزداد سوءاً بالفعل هناك. وكان نمو القروض للبنوك الصينية الأربعة الكبرى خلال الأسبوعين الأولين من شهر مايو الماضي صفراً تماماً، كما كان هناك انخفاض في الودائع.

إن هذه المعطيات تعكس وجود مشكلة كبيرة، خصوصاً أن الحوافز المالية والنقدية التي يتوقعها الجميع من الصين لن تؤدي إلى حدوث المعجزة المنتظرة.

وتبدي الحكومات، وعلى وجه الخصوص الحكومة الصينية، تعلقاً بالتلاعب في السوق. بيد أن المفارقة الآن هي أن السوق يتلاعب بهذه الحكومات. لذلك فإن الواقع يؤكد حقيقة أن الاقتصاد الصيني دخل مرحلة التباطؤ لا محالة، ولا يهم كثيراً ما يقوله المسؤولون هناك، حتى لو كانت التصريحات صادرة عن الرئيس الصيني المتوقع.

أوبك بين خيارين.. عائدات سريعة مرتفعة أو تنمية متوازنة مستدامة


لإثنين, 25 يونيو 2012 الساعة 10:18
د. علي بن حسن التواتي

أوبك بين خيارين.. عائدات سريعة مرتفعة أو تنمية متوازنة مستدامة
مرة أخرى تثبت السعودية في اجتماعات منظمة الدول المنتجة للنفط (أوبك) بأنها المنتج المرجح في قرارات المنظمة التي تحدد سياساتها التسعيرية للنفط في سوق الطاقة العالمية.

اتضح ذلك جلياً في النتيجة التي توصل إليها الاجتماع الوزاري الخميس الماضي في مقر المنظمة في فيينا بالإبقاء على سقف الإنتاج اليومي الحالي للمنظمة عند 30 مليون برميل في اليوم، حتى ديسمبر المقبل أو حتى اجتماع طارئ إذا ما استمرت الأسعار بالتهاوي.

ويأتي هذا القرار على الرغم من المناشدات بقيادة إيران والعراق وفنزويلا قبل وأثناء المؤتمر، لوضع وزير النفط السعودي علي النعيمي تحت الضغط للموافقة على تخفيض إنتاج أوبك على أمل الحفاظ على تماسك الأسعار.

والحقيقة أنه على الرغم من كل التحليلات السياسية المرافقة للاجتماع الوزاري ونتائجه، من أن السعودية ترغب من خلال الإبقاء على السقف الحالي لإنتاج المنظمة أو رفعه إيذاء إيران وروسيا بزيادة الكميات وخفض الأسعار، فإن مثل هذه التحليلات تجانب الصواب بالتأكيد وذلك لأن في انخفاض الأسعار إذا ما اعتبرناه المعيار الوحيد للربحية في سوق الطاقة العالمية إيذاء للمملكة ذاتها وانخفاضاً لعائداتها النفطية، وهي الدولة التي لديها مشاريع عملاقة تحت التنفيذ تفوق قيمتها 500 مليار ريال وتحتاج للمزيد من التمويل والإنفاق لاستكمالها.

تحليلات أخرى ترى أن الدافع خلف الموقف السعودي المعارض لتخفيض كمية الإنتاج يعود لعضويتها في مجموعة العشرين، ورغبتها في الحفاظ على مكانتها الدولية بالإبقاء على علاقات حسنة مع أمريكا وأوروبا وتقديم هدية للعالم، تتمثل في أسعار منخفضة للطاقة لتحفيز الاقتصادات العالمية لتحقيق مزيد من النمو، وذلك على غرار ما حدث بعد الأزمة الآسيوية سنة 1999، حيث حفز انخفاض النفط بنسبة 50 بالمئة الاقتصادات العالمية لتجاوز تداعياتها.

وهذا أيضاً تحليل عجيب لأن الانخفاض في أسعار النفط العالمية الذي أعقب الأزمة الآسيوية لم يكن مقصوداً أو مخططاً من المملكة لإخراج العالم من الأزمة، بل إنه كان إلى حد كبير نتيجة لانخفاض الطلب على النفط بسبب الأزمة، كما هو متوقع حالياً بسبب الديون الأوربية والمخاطر المحدقة بمنطقة اليورو.

كما أن هناك عوامل أخرى تضافرت حينها وقادت إلى ذلك الانخفاض الهائل منها حرب الأسعار العالمية التي اشتعلت فيما بين أعضاء أوبك من جانب، وفيما بينهم وبين المنتجين من خارج المنظمة من جانب آخر.

فقد كان كل طرف من الأطراف يحاول بيع نفطه يشكل انفرادي بأي سعر تحت ضغط الحاجة للتمويل وموازنة ميزانيات الدول التي عانت كثيراً من العجز في تلك الفترة.

ولذلك لا يمكن قبول تحليل يعزو موقف المملكة إلى رغبتها في أن تكون لطيفة وأن تساعد العالم على حساب شعبها ونموه.

ويبقى تحليل أخير جدير بالاهتمام يعزو الموقف السعودي المتشدد من ارتفاع الأسعار كثيراً إلى ما فوق 100 دولار للبرميل، إلى مراقبة السعودية عن كثب للتطورات التي تجري على ساحة الطاقة في شمال القارة الأمريكية، والتقنيات العلمية الحديثة الفعالة في استخراج الغاز والنفط الصخري والرملي، والتي مكنت الولايات المتحدة من الاكتفاء الذاتي بالغاز الطبيعي وظهور توقعات عن قرب اكتفائها بالنفط المحلي بحلول سنة 2025 على أبعد تقدير. علماً بأن الولايات المتحدة تستورد حالياً 4.5 مليون برميل من دول أوبك أو ما يعادل 20 بالمئة من صادرات المنظمة اليومية ونصف احتياجاتها اليومية من النفط.

لكن يجب ملاحظة أن الولايات المتحدة حققت أعلى نمو في الإنتاج النفطي من خارج أوبك سنة 2011، وللعام الثالث على التوالي.

وذلك يعني أن جرس الإنذار يصم آذان أعضاء أوبك منذ مدة طويلة والسعودية ودول الخليج العربية هي المجموعة المركزية ذات الاحتياطات الهائلة في المنظمة، ولذلك عندما تعمل المملكة على توازن الأسعار تحقق هدفين في آن واحد أحدهما التأثير على منتجي النفط الصخري والرملي مرتفع التكاليف بإجبارهم على التوقف عن الإنتاج والاستعاضة عنه باستيراد نفط أرخص من أوبك، وهذا ينطبق على البدائل غير التقليدية الأخرى للنفط والغاز كافة، أما الهدف الثاني والأبعد فيتمثل في أن الدول ذات الاحتياطات الكبيرة من النفط تهتم بنظرة مستقبلية طويلة الأجل تمكنها من بيع نفطها وتحقيق إيرادات متوازنة ومستدامة أطول فترة ممكنة، وذلك بعكس الدول ذات الاحتياطات النفطية القليلة التي تحاول أن تحقق أعلى الإيرادات من أقل الكميات.

ولكن كل هذه التحليلات لا تلغي البعد السياسي والحاجة إلى تعويض النقص المتوقع من خروج مليون برميل من النفط من السوق العالمية للطاقة، بحلول الأول من يوليو المقبل موعد فرض المقاطعة الأوروبية لصادرات النفط الإيرانية.

كما أنها لا تلغي المردود الإيجابي لانخفاض أسعار النفط على مستويات التضخم العالمية فقد انخفض مستوى التضخم في منطقة اليورو في مايو إلى مستوى لم يصله منذ 15 شهراً.

وبالطبع فإن دولاً مستوردة لكل شيء تقريباً مثل دول أوبك هي أيضاً مستفيدة من انخفاض معدلات التضخم في الدول الصناعية، لأن ذلك ينعكس إيجاباً على وارداتها ويقلل من حاجتها للعملات الأجنبية ويخفض من كلفة أسعار الصرف، ما ينعكس بدوره بشكل إيجابي أيضاً على رفاه المواطنين في الدول المستوردة. ب

ل إن هذا الأثر الإيجابي غير المباشر على المواطنين في الدول المصدرة للنفط هو من وجهة نظري خير من أموال تقع في يد الحكومات بشكل مباشر ويتم التحكم بتوزيعها أو تخصيصها من خلال أقلية حاكمة أو حزب مهيمن وفق أولويات قد لا ترضي جميع المواطنين.

الخميس، 21 يونيو 2012

ميزان المدفوعات / Balance of Payments



مقدمة
من المعروف أن لكل دولة معاملاتها الخارجية، فالمقيمون فيها سواء كانوا شركات أو أفراد يقومون بالتصدير والاستيراد من الدول الأخرى هذا بالإضافة إلى الخدمات، وينتج عن هذه المعاملات استحقاقات مالية متبادلة يتعين تسويتها عاجلا أو آجلا.
هذه الحقوق والالتزامات تقوم في الواقع بالنقود ، ويتعين أدائها  في تاريخ معين ،ومن هنا فعلى كل دولة أن تعد بيانا كافيا أو سجلا وافيا تسجل فيه ما لها على الخارج من حقوق, وما عليها نحوه من التزامات هذا السجل هو ما يدعى ميزان المدفوعات .
فما هي إذن مكونات ميزان المدفوعات وما هي مؤشراته الاقتصادية ؟، ما هو اختلال ميزان المدفوعات و ما هي آليات تسويته؟


 مقدمة
المبحث الأول:عموميات حول ميزان المدفوعات
   المطلب 1: تعريف ميزان المدفوعات:
المطلب2 : مكونات ميزان المدفوعات
المطلب3 : المؤشرات الاقتصادية لميزان المدفوعات
المبحث الثاني :التوازن والاختلال في ميزان المدفوعات
  المطلب1: توازن ميزان المدفوعات
  المطلب2: الاختلال الاقتصادي لميزان المدفوعات
المبحث الثالث: آلية التسوية التلقائية.
  المطلب1: آلية التسوية في ظل النظرية الكلاسيكية
  المطلب2: آلية التسوية في ظل النظرية الكينزية
  المطلب3: آلية التسوية عن طريق التدفقات النقدية الدولية.
خاتمة
المبحث الأول:عموميات حول ميزان المدفوعات
     يعتبر ميزان المدفوعات من أهم المؤشرات أو الأدوات التي تستعين بها السلطات السياسية والاقتصادية في رسم سياساتها الاقتصادية ،وما زاد في أهميته هو الارتفاع الملاحظ في حجم المبادلات الخارجية الدولية والتطور الذي عرفه هذا الميزان من خلال مكوناته .
1- تعريف ميزان المدفوعات:
     لقد وردت لميزان المدفوعات عدة تعاريف ، ومن بين هذه التعاريف هو انه ((سجل محاسبي منظم لكافة المبادلات الاقتصادية التي تمت بين المقيمين في دولة ما وغير المقيمين في فترة زمنية معينة عادة ما تكون سنة واحدة )) .
     كما يعرفه صندوق النقد الدولي على انه سجل يعتمد على القيد المزدوج ، يتناول إحصائيات فترة زمنية معينة بالنسبة إلى التغيرات في مكونات أو قيمة أصول اقتصاديات دولة ما بسبب تعاملها مع بقية الدول أو بسبب هجرة الأفراد وكذا التغيرات في قيمة أو مكونات ما تحتفظ به من ذهب نقدي وحقوق سحب خاصة من الصندوق وحقوقها والتزاماتها تجاه بقية دول العالم.
     من خلال التعريفين نرى أن ميزان المدفوعات هو السجل المحاسبي النقدي الذي يوضح جميع المعاملات الاقتصادية التي تتم بين دولة معينة ودولة أخرى ،أو كشف حساب للمعاملات مع الدول الأخرى ، ويقصد بالعمليات الاقتصادية كل عملية تبادل تحدث على مستوى السلع والخدمات ورؤوس الأموال بين المقيمين في دولة معينة وغير المقيمين ،وقد تكون في شكل تدفق حقيقي  نقدي آو مالي ،كما يقصد بالمقيمين جميع الأشخاص( مهما كانت جنسيتهم) جميع الأشخاص الطبيعيين والمعنويين الذين تربطهم علاقات وثيقة بإقليم الدولة ،ويخضعون لقوانينها ولهم مصلحة مع الإقليم لمدة سنة أو أكثر.
يحضا ميزان المدفوعات باهتمام السلطات العمومية ذلك انه يمثل أهمية قصوى في مجالات عدة بحيث انه:
·   يقدم معلومات هامة عن درجة ارتباط الاقتصاد القومي باقتصاديات العالم الخارجي.
·   مساعدة واضعي السياسات الاقتصادية في توجيه أمور الدولة .
·   تعتبر بيانات المدفوعات أداة للتقييم والتفسير العلمي لكثير من الظواهر الاقتصادية المرتبطة بالاقتصاد العالمي.
·   يسمح بالتنبؤ بأسعار الصرف .
·   يسمح بالحكم على الوضعية الاقتصادية والمالية للبلد .
     وبدون شك يعتبر ميزان المدفوعات  واحد من أكثر القوائم الإحصائية بالنسبة لأي بلد ، حيث انه يبين المركز التجاري للبلد والتغيرات في صافي مركزه كمقرض أو مقترض دولي ،والتغيرات في احتياطاته من الذهب والعملات الأجنبية .
2- مكونات ميزان المدفوعات
     جرت العادة إلى تقسيم ميزان المدفوعات على أقسام مستقلة يضم كل منها متميزا من المعاملات الاقتصادية ذات الطبيعة المشابهة أو المقاربة في أهدافها ومن بين التقسيمات الشائعة في هذا المجال نأخذ التقسيم الآتي لتميزه بالوضوح والمنطقية.
2 -1 حساب العمليات الجارية.
      هو ذلك الميزان الذي يضم كافة المعاملات الاقتصادية الدائنة والمدينة التي تتم بين المقيمين وغير المقيمين خلال فترة زمنية معينة وترتبط بالإنتاج والدخل خلال الفترة الزمنية محل الدراسة.
     إذ يعتبر من أهم مكونات ميزان المدفوعات، ويشمل كل العمليات التي لها تأثير على الدخل الوطني،  (الصادرات والواردات من السلع والخدمات ) ويضم حسابين فرعيين هما:
2-1-1 الميزان التجاري
       وينقسم بدوره إلى الميزان أو الحساب التجاري السلعي والميزان التجاري الخدمي.
*           الميزان التجاري السلعي:ويطلق عليه أيضا ميزان التجارة المنظورة ،ويضم كافة السلع التي تتخذ شكلا ماديا ملموسا .
*    الميزان التجاري الخدمي : ويطلق عليه أيضا ميزان التجارة غير المنظورة ،وتظم كافة الخدمات المتبادلة بين الدول (النقل، السياحة ،التامين، دخول العمل، عوائد رأس المال ) .أما من حيث القيد في ميزان المدفوعات فيمكن القول :أن كل عملية يترتب عليها طلب عملة البلد وعرض عملة بلد آخر تقيد في الجانب الدائن أو جانب الأصول  وكل عملية يترتب عنها عرض العملة الوطنية وطلب العملة الأجنبية تقيد في جانب الخصوم أو الجانب المدين
2-1-2حساب التحويلات الأحادية :
      يشمل كافة المعاملات الاقتصادية الدائنة والمدينة الملزمة لجانب واحد ،وتتم بين المقيمين وغير المقيمين خلال فترة زمنية معينة ، حيث أن هذا الحساب يخصص للمعاملات التي يترتب عليها تحويل موارد حقيقية أو حقوق مالية من والى بقية دول العالم دون أي مقابل .
     ويشمل هذا الحساب بندين الأول يتعلق بالهبات والتعويضات الخاصة والثاني يتعلق بالهبات والتعويضات العامة ،فالخاصة نجد فيها تحويلات الأفراد والمنظمات النقدية منها والعينية ،والعامة تندرج فيها كل التعويضات التي يعتبرها صندوق النقد الدولي إجبارية ، وكذا الهبات بأنواعها.ومن أمثلة هذه المعاملات التعويضات طبقا للاتفاقيات الدولية المعقودة بين دولتين ،وكذا المنح للدول الآخذة في النمو.
-2حساب رأس المال:
     ويضم كافة التغيرات التي تطرأ على أصول المقيمين وخصومهم تجاه غير القيمين حيث انه يسجل حركات رؤوس الأموال بين البلد وبقية دول العالم التي ينشا عنها تغير في مركز دائنية أو مديونية البلد الخارجية وكذلك التغيرات في الأصول الاحتياطية الرسمية للبلد .
ويشمل الحسابات التالية :
-2-1 حساب رأس المال طويل الأجل:
     يشمل كافة التغيرات التي تطرأ على أصول المقيمين وخصومهم تجاه غير المقيمين ،والتي يزيد عمرها عن عام (استثمارات مالية ،قروض مباشرة ...)
2-2-2 حساب رأس المال طويل الأجل:
      يشمل كافة التغيرات التي تطرأ على أصول المقيمين وخصومهم اتجاه غير المقيمين ، والتي يزيد لا عمرها عن عام.
     وتتم تحركات رؤوس الأموال قصيرة الأجل لأغراض عديدة منها التهرب من الظروف غير الملائمة ،تحقيق ربح أكبر،المضاربة.
  2-2- 3 حساب الذهب والصرف الأجنبي  :
      ويضم هذا الحساب كلا من تحركات الذهب للأغراض النقدية ،وكذا رصيد الحملات الأجنبية والودائع الجارية وحقوق السحب الخاصة لدى صندوق النقد الدولي الدائنة والمدينة .
2-3 حساب السهو والخطأ:
     إن التسجيلات في الجانب المدين والدائن قد لا تكون متماثلة نظرا لكون مصادر المعلومات المعتمدة تتعدد وتختلف ،ولهذا قد يحدث وان يكون المجموع الدائن لا يساوي المدين والفرق بينهما يمثل القيمة التي تسجل في حساب السهو والخطأ ،كي يصبح ميزان المدفوعات متزنا حسابيا .
3- المؤشرات الاقتصادية لميزان المدفوعات
     يمكن معرفة الوضعية الاقتصادية لبلد ما عن طريق ميزان مدفوعاته ،وهذا بفضل مؤشراته الاقتصادية المستخرجة أو تستنتج من أرصدة الموازين الفرعية التي رأيناها سابقا
3 -1  علاقة الميزان التجاري بالاقتصاد الكلي :
     لدينا العلاقة التالية والتي تحقق المساواة بين الموارد والاستخدامات في اقتصاد ما :
                    Y=C + I +(X-M)………………(1)   
حيث:
Y         :الإنتاج من السلع مقيما بالناتج الداخلي الخام(pib  ) بسعر السوق في فترة معينة .
C         :الاستهلاك الداخلي الخام والعمومي .
I          : الاستثمار الداخلي الخام والعمومي.
X         :الصادرات من السلع .
M         :الواردات من السلع.
من العلاقة (1) يمكن استنتاج ما يلي:

Y - (C+I)  = X – M ……………(2)                                       
حيث:
 :C+I        يمثل الاستخدامات الداخلية ونرمز لها بـ EL)) ومنه :

Y – EL  = X – M ………….   (3)                                       
حيث:
 Y-EL: الفائض أو العجز في الناتج الداخلي .
 X-M: رصيد الميزان التجاري .
        فإذا حقق البلد فائض من الناتج الداخلي (Y-EL > 0) ،فهذا يعني أن الاستخدامات الداخلية مغطاة بجزء من الناتج الداخلي الخام ويوجه الباقي منه( الفائض) إلى التصدير ،وهو ما يفسر الرصيد الموجب للميزان التجاري ف هذه الحالة (X-M > 0 ) .

3-2 معدل التغطية (TC) .
     وهو عبارة عن نسبة الصادرات (X) إلى الواردات (M) من السلع .
TC=(X\M)×100..... …………(4)                                          
هذا المعدل يبين مدى قدرة الإيرادات الآتية من الصادرات على تغطية المدفوعات الناتجة عن الواردات ، فإذا كان هذا المعدل اصغر من مئة فهذا يعني أن قيمة الصادرات لا تغطي قيمة الواردات ولذا يجب على البلد البحث عن موارد أخرى لتمويل وارداته .
3-3معدل التبعية (TD):
وهو عبارة عن نسبة الواردات من السلع (M)إلى الناتج المحلي الخام (PIB) .

TD  =(M /PIB)×100…...................... (5)                 
     كلما كان هذا المعدل اصغر كلما كان البلد اقل تبعية للخارج.
3-4 معدل القدرة على التصدير TE)) .
          وهو عبارة عن نسبة الصادرات من السلع) X )إلى الناتج المحلي الخام (PIB) .
                  
     TE =(X/PIB)×100…...................... (5)                            
   وكلما كان هذا المعدل كبيرا فان ذلك يدل أن للبلد قدرات كبيرة للاعتماد على قطاع التصدير .
3-5 معدل القدرة على سداد الواردات :
     هذا المعدل يقيم بعدد الأيام ، حيث كلما كان عددها أكبر فان ذلك يعني أن البلد قادر على تسديد فاتورة وارداته في اقرب الآجال ،ومن المستحسن ألا يقل عن3 شهر وهو عبارة عن نسبة المخزون من احتياطي الصرف إلى الواردات من السلع .
3-6 العلاقة بين العجز في الميزان التجاري والناتج الداخلي الخام :
يمكن قياس العلاقة بين رصيد ميزان العمليات الجاري والناتج الداخلي الخام بالعلاقة التالية:
boc/pib        
حيث boc: رصيد ميزان العمليات الجاري
وعموما إذا ما كان هذا المعدل يعادل%5 فهو يعتبر عاديا حسب آراء الخبراء ،أما إذا تجاوز%5
فإن الوضعية الاقتصادية تصبح  حرجة نوعا ما ، حيث أن احتياطات التمويل في هذا البلد تستدعي الاستدانة .
     إن هذه المؤشرات الاقتصادية والتي تستخرج من الأرصدة الفرعية لحسابات ميزان المدفوعات تمكننا من معرفة وضعية البلد الاقتصادية ، إلا أن ميزان المدفوعات لا يكون متوازنا في جميع الحالات فإذا اعتبر متوازنا من الناحية المحاسبية نتيجة لمبدأ القيد المزدوج فانه لا يكون متوازنا من الناحية الاقتصادية ،وهذا ما سنتطرق إليه في المبحث الموالي. 
المبحث الثاني:التوازن والاختلال في ميزان المدفوعات
      يعتبر ميزان المدفوعات من الناحية المحاسبية دائما متزنا نتيجة لمبدأ القيد المزدوج المتبع عند تسجيل القيد المزدوج المتبع عند تسجيل كل عملية وبالتالي فان الاختلال المقصود هو الاختلال الاقتصادي حيث أن التوازن الاقتصادي  تفسره عمليات معينة(عمليات تلقائية وعمليات موازنة ) ومنه يظهر العجز أو الفائض في ميزان المدفوعات .
1- توازن ميزان المدفوعات  :
1-1 التوازن الحسابي لميزان المدفوعات :
     إن القرارات المتعلقة بالاستيراد والتصدير السلعي ،وكذا حركات رؤوس الأموال ،عادة ما تصدر عن العديد من الأفراد والمؤسسات والهيئات ما يجعل من العسير أن تتلاقى أهداف المصدرين مع المستوردين ، وكذا أهداف مستوردي ومصدري رؤوس الأموال وبالتالي فانه من الصعب أن تشهد الحسابات الفرعية لميزان المدفوعات توازنا بين الجانب المدين والجانب الدائن .
1-2 التوازن الاقتصادي لميزان المدفوعات :
     إن فكرة التوازن الحسابي لميزان المدفوعات لا تعني أن البلد لا يواجه صعوبات في المدفوعات بل على العكس فالتوازن الحقيقي (الاقتصادي) لميزان المدفوعات ،يستلزم فئات معينة من البنود الدائنة والمدينة ، فالفائض والعجز يعرف بدلالة مجموعة معينة من البنود ، ولكي نتعرف على هذه البنود لا بد من التمييز بين نوعين من العمليات :
-     العمليات المستقلة : وهي التي تنشأ من تلقاء نفسها وليس لظهور عجز أو فائض في ميزان المدفوعات ،وتتمثل في عمليات الحساب الجاري وحساب رأس المال طويل الأجل وحركة رأس المال قصير الأجل بغرض المضاربة فقط ،وحساب التحويلات من جانب واحد وحساب الذهب للأغراض التجارية فقط .
-     عمليات الموازنة أو التسوية : وتظهر عند ظهور فائض أو عجز في ميزان المدفوعات بقصد الموازنة وتتمثل في حركة رؤوس الأموال قصيرة الأجل في شكل قروض أو تغير في طبيعة الأرصدة الأجنبية وفي حركة الذهب للأغراض النقدية .
ويوصف ميزان المدفوعات بأنه متوازن أو مختل اقتصاديا عندما تؤخذ في الحسبان العمليات المستقلة ،أي إذا كان جانبها المدين والدائن متساويان يعتبر متوازنا ،أما إذا زاد الجانب  المدين أو الدائن على الآخر مختلا وللاختلال صورتان هما :
        الفائض : الدائن <المدين
        العجز : الدائن> المدين
2- الاختلال الاقتصادي لميزان المدفوعات .
     يلجأ عادة إلى تقسيم بنود ميزان المدفوعات وفقا لعناصره التي يمكن اتخاذها كأداة لقياس حالة التوازن الاقتصادي أو عدمه إلى قسمين :
معاملات اقتصادية فوق الخط :حيث ينظر إليها على أنها مصدر الخلل في ميزان المدفوعات في حالة الاختلال  .
معاملات اقتصادية تحت الخط : حيث ينظر إليها كمجموعة الإجراءات التي تتخذها السلطات العمومية لمعالجة الخلل ،وهذا بناءا على العمليات الاقتصادية فوق الخط .

2-1معايير تقدير الاختلال :
       هناك عدة معايير أو مقاييس لقياس مقدار العجز أو الفائض في ميزان المدفوعات.
2-1-1 الميزان الصافي للسيولة :
     طبقا لهذا المعيار فان المعاملات الاقتصادية الواقعة فوق الخط تتمثل في حساب المعاملات الجارية بالإضافة إلى حساب رأس المال طويل الأجل وكذا قصير الأجل أما المعاملات الاقتصادية تحت الخط تتمثل في الاحتياطات المركزية من الذهب والصرف الأجنبي .
   ويحقق ميزان المدفوعات فائضا إذا كانت المعاملات الاقتصادية الدائنة اكبر من المدينة ،مع استبعاد حركات الذهب والعملات الأجنبية الدائنة والمدينة حيث أنهما يستعملان في معادلة ميزان المدفوعات حسابيا .
2-1-2 الميزان الشامل للسيولة:
     يعطي هذا المعيار أهمية للدور الذي  تلعبه احتياطات البنوك من الذهب والصرف الأجنبي ،فالمعاملات الاقتصادية الواقعة فوق الخط تتمثل في حساب المعاملات الجارية مع حساب رؤوس الأموال الجارية طويلة الاجل ،وكذا حساب راس المال قصير الاجل بعد استبعاد الحقوق والالتزامات الخارجية للبنوك التجارية , أما المعاملات الاقتصادية الواقعة تحت الخط فتشمل الاحتياطات المركزية من الذهب والصرف الأجنبي وكذا الاحتياطات  من الذهب والصرف الأجنبي لدى البنوك التجارية .
2-1-3 الميزان الاساسي :
     طبقا لهذا المعيار فان المعاملات الاقتصادية الواقعة فوق الخط تتمثل في حساب المعاملات الجارية و حساب رأس المال طويل الاجل بينما المعاملات الاقتصادية تحت الخط تتمثل في حساب رأس المال قصير الاجل والاحتياطات المركزية من الذهب والصرف الأجنبي .
 2-1-4 ميزان المعاملات الاقتصادية المستقلة :
      يعتمد هذا الأسلوب الذي اقترحه صندوق النقد الدولي عام 1949 على التفرقة بين المعاملات الاقتصادية المستقلة ومجموعة المعاملات الاقتصادية التابعة او التعويضية .
     ويقصد بالمعاملات المستقلة تلك التي تتم بغض النظر عن حالة ميزان المدفوعات وطبقا لهذا المعيار فان المعاملات الاقتصادية فوق الخط تشمل في حساب المعاملات الجارية و حساب رأس المال طويل الأجل وبعض حركات رؤوس الموال قصيرة الأجل بهدف المضاربة مثلا أو هروبا من عدم الاستقرار،بينما المعاملات الاقتصادية تحت الخط فتتمثل في حساب رأس المال طويل الأجل والقصير الأجل التابع وكذا حساب الذهب والصرف الأجنبي .
2-1-5 التوازن السوقي لميزان المدفوعات :
    ظهر هذا المعيار في ضوء الانتقادات الموجهة إلى المعايير الأربعة السابقة ،حيث يقترح كبديل عنها إن يخضع التوازن الاقتصادي لمعايير قوى السوق ممثلة في الطلب وعرض الصرف الأجنبي مع الطلب عليه خلال الفترة محل الدراسة .
2-2 أنواع الاختلال وأسبابه
     قد يحدث أن تمر الدولة بظروف داخلية وخارجية من شانها إحداث اختلال في ميزان المدفوعات سواء في صورة فائض أو عجز ،وهذا الاختلال يأخذ صورا مختلفة بحسب مصادره وأسبابه .
2-2-1 أنواع الاختلالات
2-2-1-1 الاختلال الموسمي :
      ويحدث في البلدان التي تعتمد صادراتها على منتجات موسمية في فترة معينة من السنة ، فيحدث مثلا في البلدان الزراعية التي تعتمد على محصول واحد كأهم صادراتها ،وبالتالي يكون اختلال ميزان المدفوعات في موسم ما بينما يعود التعادل خلال فترة محل الدراسة .
2-2-1-2 الاختلال الطبيعي (العارض) :
     ناجم عن أسباب طارئة أو عارضة سرعان ما تتلاشى لزوال الأسباب التي أفضت إلى حدوثه دون الحاجة إلى تغيير أساسي في الجهاز الاقتصادي للدولة ، وفي سياستها الاقتصادية كتعرض المحصول الزراعي لإحدى الكوارث في إحدى السنوات مما يقلل من حجمه أو من جودته وهو اختلال مؤقت يزول بزوال السبب الذي أوجده ويمكن مواجهته بالديون قصيرة الأجل أو الموارد الخاصة .
2-2-1-3 الاختلال الدوري:
     يحدث هذا الاختلال عادة في الدول الرأسمالية، إذ يرتبط بفترات الرخاء الاقتصادي فحدوث العجز أو الفائض يشكل اختلالا دوريا نسبة إلى الدورة الاقتصادية، وتساهم التجارة الخارجية بقسط كبير في انتقال هذه التقلبات من دولة إلى دولة أخرى.
2-2-ا-4 الاختلال الاتجاهي :
      هو ذلك الاختلال الذي يظهر في الميزان التجاري على وجه الخصوص ويصيب عادة موازين مدفوعات الدول النامية ،باعتبار أنه  خلال الفترات الأولى من التنمية يزداد الطلب على الواردات من المواد الأولية والتجهيزات الإنتاجية والسلع الوسيطة ، دون أن يقابل ذلك نفس الوتيرة من الصادرات ،وعندها يحدث الاختلال الذي يتم تسويته عن طريق تحركات رؤوس الأموال.
2-2-1-5  الاختلال  المرتبط بالأسعار:
      قد يعود اختلال ميزان المدفوعات إلى العلاقة بين الأسعار الداخلية للدولة والأسعار الخارجية ،فارتفاع وانخفاض الأسعار الداخلية عن مستوى الأسعار الخارجية يؤدي إلى وجود فائض أو عجز في ميزان المدفوعات .
     أيا كان بين الاختلال المتصل بالأسعار فإنه يمكن علاجه بتعديل سعر الصرف، حيث يتناسب مع العلاقة بين الأسعار الداخلية والأسعار العالمية.
2-2-1-6  الاختلال الهيكلي (دائم ):  
 وينتج عن تغير أساسي في ظروف العرض والطلب في الداخل والخارج.
2-2-1-7 الاختلال الأساسي :
      ورد عن صندوق النقد الدولي أنه متى اقتنع الصندوق، بناء على طلب العضو أن ثمة اختلالا أساسيا ظاهرا أو مكبوتا في ميزان المدفوعات فإنه يجيز له تغيير سعر التعادل.
    وينتج من هذا أنه في حالة تغير سعر الصرف وكذا التجارة الخارجية فإن التوازن يكون ظاهريا فقط في ميزان المدفوعات، ويخفي وراءه اختلالا مكبوتا.
2-2-2أسباب  الاختلال :
     تمر الدول بظروف معينة من شأنها إحداث اختلال في موازين مدفوعاتها سواء في صورة عجز أو فائض وهذا الاختلال يأخذ صورة مختلفة بحسب مصدره والأسباب التي ينشأ عنها: 
-     عوامل لا يمكن توقعها أو التنبؤ بها ومعالجتها عن طريق التدخل الحكومي والسياسات النقدية والمالية كالتضخم والانكماش وانتقالهما من دولة إلى أخرى.
-     إقدام الدول السائرة في طريق النمو على استيراد الآلات والتجهيزات المختلفة وغيرها من السلع والخدمات المختلفة ، حيث تقوم بتموينها بقروض طويلة الأجل معقودة مسبقا .
-     أسعار الصرف الأجنبية ، حيث أنها تربط بين مستويات الائتمان في الدول المختلفة فإذا كان سعر الصرف مرتفعا بالمقارنة  مع الأثمان السائدة فإننا سنقع في حالة فائض
-     التغيير في ظرف العرض والطلب: فاكتشاف مادة أولية جديدة مثلا ، يؤدي إلى زيادة الطلب عليها بالمقارنة مع المادة التي كانت تستعمل سابقا , كما حدث عند اكتشاف البترول عند الدول العربية .
(( ...إذا استمر العجز في ميزان المدفوعات لعدد من السنوات بسبب بعض الظروف الاقتصادية غير الملائمة التي تسيطر على النشاط الاقتصادي بصفة مستمرة فإنه يعادل لدى البلد عجزا دائما أو عجزا أساسيا ، حيث أن له بعض الجذور في النشاط الاقتصادي للبلد ،ونشاهد ظاهرة العجز الدائم أو الاختلال في موازين معظم البلدان المختلفة .
وقد أمكن لبعض الدول المختلفة تغطية بعض العجز عن طريق الاقتراض طويل الأجل من الخارج.
إن القصور الرئيسي في نظام النقد الدولي الحالي يجعل من الدول أن تكون غير مستعدة لقبول وسائل الموازنة التي يقتضيها هذا النظام ، فهي تعمل على تجميد وسائل العلاج والتقليل من آثارها .

 المبحث الثالث: آلية التسوية التلقائية
       يرى معظم الاقتصاديين في النظام النقدي الدولي أن غالبية الدول لا تقبل بوسائل الموازنة ( التخفيض, التعويم... الخ ) , التي يقتضيها هذا  النظام , إذ تعمل على التجميد أو التقليل من تنفيذ البرامج المتفق عليها  مع صندوق النقد الدولي , مما يؤدي إلى استمرار الاختلال إضافة إلى التأثير على مستوى احتياطات الصرف والعملات الصعبة للدولة وفي حالة ما إذا كانت الدولة تعمل بنظام سعر الصرف الثابت , فهناك آليات تلقائية تتجه بميزان المدفوعات نحو التوازن
1. آلية التسوية في ظل النظرية الكلاسيكية
     (( تتلخص النظرية الكلاسيكية في أن توازن ميزان مدفوعات لدولة ما يتم نتيجة لتغيرات الأسعار في الداخل والخارج , والأمر الذي يؤثر على حجم التصدير والاستيراد))
                   وتقوم على الفرضيات التالية :  
* ثبات أسعار الصرف.
* حرية دخول وخروج الذهب وتحويله إلى عملات والعكس .
* حيادية النقود بحيث لا تؤثر على المتغيرات الاقتصادية بل فقط على مستوى أسعار السلع .
* مرونة أسعار الصادرات والواردات .
* مستوى التشغيل الكامل وبالتالي يكون الدخل في أعلى مستوياته .
* مرونة الطلب على السلع والخدمات المنتجة محليا والمستوردة من الخارج .
 وتنطلق هذه النظرية من العلاقة الطردية بين الكتلة النقدية المتداولة وكمية الذهب , إضافة إلى كون أن أي تغير في الكتلة النقدية يؤثر على مستوى الأسعار , فالفائض في ميزان المدفوعات تتولد عنه حركة الذهب والاحتياطات النقدية الأخرى باتجاه الدولة صاحبة الفائض لتسويته , وبالتالي يرتفع مستوى احتياطاتها الدولية .
       مما يجعل مستوى الكتلة النقدية يرتفع هو الأخر مولدا في ذات الوقت ارتفاعا في الأسعار المحلية , وبهذا تصبح أسعار الصادرات مرتفعة , مما يؤدي إلى انخفاض حجمها وارتفاع حجم الواردات , ويستمر الوضع إلى أن يحدث التوازن في الميزان , أما في حالة العجز فتتولد عنها حركة للذهب والاحتياطات النقدية من الدولة صاحبة العجز باتجاه الخارج لتسوية العجز , وبالتالي ينقص مستوى احتياطاتها مما يجعل مستوى الكتلة النقدية ينخفض هو الأخر , مولدا انخفاضا في الأسعار المحلية فينتعش حجم الصادرات وينخفض حجم الواردات , مما يؤدي بالميزان إلى الميل للتوازن
        ويميز التقليديون والتقليديون الجدد بين ثبات أسعار الصرف وحرية الصرف , حيث عند الثبات فإن  أسعار السلع والخدمات , وكذا أسعار الفائدة الداخلية والخارجية هي التي تقوم بدور إعادة التوازن , وفي حالة حرية الصرف فأسعار الصرف هي التي تقوم بهذا الدور .
         وقد وجهت انتقادات لهذه النظرية تتمثل أساسا في أن فرضياتها أصبحت غير مطابقة للواقع الاقتصادي الحالي , كما يوجد تناقض بين تحقيق الاستقرار في الأسعار الداخلية وتوازن ميزان المدفوعات , وقد استمر العمل بهذه النظرية حتى الحرب العالمية الثانية إلى أن أتى العالم الاقتصادي - كينز - بنظرية الدخل وفسر كيفية إعادة التوازن عن طريق تغيرات الدخل .

2. آلية التسوية في ظل النظرية الكينزية :
     (( ومضمون هذه النظرية أن الاختلال في العلاقات الاقتصادية الدولية يؤدي إلى إحداث تغيرات في حجم الدخل القومي والتشغيل في كل دولة من الدول التي أصابها الاختلال ))
     تعتمد النظرية الكنزية في تحليلها لتوازن ميزان المدفوعات على فكرة أساسية , وهي أن الاختلال يؤدي إلى تغيير حجم الدخل الوطني ومستوى التشغيل , معتمدة في ذلك على الميل الحدي للاستيراد         ومضاعف التجارة الخارجية , فعن طريق المضاعف  تؤثر الصادرات على مستوى الدخل , وهذا الأخير يؤثر على مستوى الواردات عن طريق الميل الحدي للاستيراد , وترتكز هذه النظرية على الفرضيات التالية :
* الدخل الوطني يستقر عند مستوى أقل من التشغيل الكامل للموارد .
* الأسعار مرنة وتكون في اتجاه تصاعدي فقط.
(( وفي تفسيره للتوازن يعتمد كينز على فكرتين أساسيتين للاستيراد ومضاعف التجارة الخارجية , أما الميل الحدي للاستيراد فيعبر عن العلاقة بين مقدار التغيير في الوردات ' زيادة أو نقصانا , ومقدار التغير في الدخل , بالزيادة أو النقصان . فهو النسبة بين التغير في الوردات والتغيير في الدخل القومي , وأما مضاعف التجارة الخارجية فالمقصود به هو نسبة التغيير في الدخل القومي إلى ذلك التغير الذاتي , أو الأصلي في الإنفاق الذي تحقق عن طريق تحقق فائض , أو تسبب في حدوث عجز في ميزان مدفوعات الدولة مع الدولة الأخرى , وهكذا توجد علاقة تبادلية بين الدخل القومي وميزان
المدفوعات )).
     ففي حالة الفائض لما تكون الصادرات أكبر من الواردات فإن الإنفاق على السلع والخدمات المنتجة محليا يزداد, مما يؤدي إلى زيادة الدخل الوطني بمقدار الزيادة في الصادرات مرجحة بمضاعف التجارة الخارجية , هذا الارتفاع في الدخل يؤدي إلى زيادة الواردات عن طريق أثر الميل الحدي للاستيراد وهكذا يميل الفائض إلى الزوال .
    أما في حالة العجز فإن الإنفاق على السلع والخدمات المنتجة محليا ينخفض مما يؤدي إلى انخفاض الدخل
   الوطني بمقدار الانخفاض في الصادرات مرجحا مضاعف التجارة الخارجية , هذا الانخفاض في الدخل وبفضل الميل الحدي للاستيراد يؤدي إلى انخفاض الواردات وهكذا يميل العجز إلى الزوال .
   لكن هذه النظرية تجعل العلاقة بين تغير الإنفاق وتغير الدخل تلعب دورا أساسيا في إحداث التوازن وتتجاهل العوامل الأخرى , ومن جملة الانتقادات الموجهة ما يلي:
* لا يوجد ضمان لتحقيق التوازن تلقائيا بسبب تغيرات الدخل الوطني, إذ يمكن أن يمتص الادخار جزاء من الزيادة التي حدثت في الدخل.
* تعتمد على التحليل الساكن , إذ تغض النظر عن زيادة الطاقة الإنتاجية وتكتفي بالطاقة العاطلة التي افترض كينز وجودها.
3. آلية التسوية عن طريق التدفقات النقدية الدولية
       (( إن نظرية إعادة التوازن الخارجي عن طريق التأثير في الدخول أو الائتمان , لا تأخذ بالحسبان التدفقات المالية , ومع ذلك تسهم هذه في المحافظة على توازن المدفوعات الدولية بنفس الدرجة التي تسهم بها تدفقات السلع والخدمات . وانطلاقا من حالة التوازن في دولة ما , لابد من أخذ مسألتين في الاعتبار ,  الأولى هي احتمال حدوث ردود فعل تشكل تغير تلقائي في التدفقات المالية قادرة على تصحيح هذا التغيير , أو تعويضه بحركة مماثلة في رصيد المعاملات الجارية , والثانية هي احتمال أن يعقب التغير المستقبلي في رصيد المعاملات الجارية تغييرات معوضة في التدفقات المالية)).
     والتغير التلقائي في التدفقات المالية قد يكون نتيجة استثمارات خارجية طارئة في الدولة , أو نتيجة زيادة المعونات للدول النامية, أو نتيجة ائتمان مصرفي , أو أي نوع آخر من العمليات التي رأيناها
سابقا .
    إن الفائض في ميزان المدفوعات يؤدي إلى ارتفاع السيولة في البلد الذي حقق فائضا , هذه السيولة تؤدي إلى زيادة العرض من الأموال المتاحة للإقراض مسببة في ذلك انخفاضا في معدلات الفائدة , وبالتالي خروج رؤوس الأموال من البلد ومن ثم الإسهام في عودة التوازن إلى ميزان المدفوعات .
   أما العجز في الميزان فيؤدي إلى انخفاض السيولة ثم انخفاض عرض رؤوس الأموال وبالتالي ارتفاع معدلات الفائدة مما يسبب دخولا لرؤوس الأموال اتجاه البلد صاحب العجز , وبهذا يعود التوازن إلى ميزان المدفوعات .
    رغم أن آليات التسوية تبدو منطقية , إلا أن الفرضيات التي ترتكز عليها أصبحت غير محققة حاليا , كون أن إتباع البلد لنظام الصرف الثابت يعني آلية التسوية التلقائية عن طريق سعر الصرف, مما قد يؤدي إلى استمرار الاختلال وزيادة حدة آثاره السلبية  















  الخاتمة:
        
            من كل ما سبق يتبين لنا أهمية الميزان التجاري  وتنجلي عن أذهاننا بعض المعطيات أو المعلومات الخاطئة التي ترسبت في أذهاننا  بقصد أو بغير قصد إن فكرة التوازن الحسابي لميزان المدفوعات لا تعني أن البلد لا يواجه صعوبات في المدفوعات بل على العكس فالتوازن الحقيقي (الاقتصادي) لميزان المدفوعات ،يستلزم فئات معينة من البنود الدائنة والمدينة ، فالفائض والعجز يعرف بدلالة مجموعة معينة من البنود .
            إن عدم قبول غالبية الدول بوسائل الموازنة ( التخفيض, التعويم ... الخ ) , التي يقتضيها وضع ميزان مدفوعاتها  - إذ تعمل على التجميد أو التقليل من تنفيذ البرامج المتفق عليها  مع صندوق النقد الدولي - يؤدي إلى استمرار الاختلال إضافة إلى التأثير على مستوى ادائها الاقتصادي ،مما يستوجب الثورة على صندوق النقد الدولي والالتفات فقط الى مصلحة الاقتصاد الوطني.















المراجع

-              سامي عفيفي حاتم .التجارة الخارجية بين التنظير والتنظيم .الدار اللبنانية مصر1991
-              د. محمود يونس إ دولية .الدار الجامعية .مصر .1999-2000
-              مذكرة تخرج شهادة ليسانس.سعر الصرف ودوره في توازن ميزان المدفوعات .2003-                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                 2004