الاثنين، 18 يونيو 2012

نتائج انتخابات اليونان وفرنسا.. تغيير قواعد اللعبة في منطقة اليورو


الإثنين, 18 يونيو 2012 الساعة 09:32
يارمو كوتيلاين - كبير الاقتصاديين في البنك الأهلي التجاري- جدة

شهد السابع من مايو الماضي انتخابات في بلدين مهمين بأوروبا. وفي الحالتين، صوت الناخبون ضد الحكومتين اللتين كانتا تتوليان زمام الحكم في البلدين.

وفي اليونان، كانت أغلبية الأحزاب التي تفوز بالانتخابات هناك خلال الأعوام الماضية الأسوأ حظاً من غيرها، أما الانتخابات المحلية التي جرت مؤخراً في إيطاليا فقد أفرزت حزباً جديداً مناهضاً لمنطقة اليورو لينضم إلى الفائزين الرئيسيين.

إن هذا الوضع يدفعنا إلى طرح السؤال التالي لماذا تتصاعد حدة هذا الاستياء من الوضع القائم حالياً؟ قد يعزى السبب في ذلك إلى حقيقة أن الأوروبيين ولأسباب معلومة للجميع قد ضاقوا ذرعاً بالنداءات المتزايدة الداعية للتقشف، خصوصاًَ تلك التي تؤدي بشكل كبير إلى انهيار مستويات المعيشة التي اعتادوا عليها طوال حياتهم، ناهيك عن التشكيك في افتراضاتهم وتوقعاتهم حيال المستقبل.

وتتعاظم حدة الإحباط أكثر من أي وقت مضى بسبب العجز عن إدارة الأزمات والمساعي الرامية إلى التخلص منها بخطوة واحدة وفي وقت واحد، ما قد يعني دخول قواعد اللعبة شرنقة الغموض.

قيود سياسية 

وتسلط نتائج الانتخابات الضوء على القيود السياسية التي تواجه واضعي السياسات الاقتصادية، ومع أن إدارة الأزمة تعتبر في بعض مستوياتها ممارسة تقنية، إلا أن إمكانية تنفيذ السياسات دائماً ما تكون مشروطة بالحصول على الموافقة الاجتماعية والسياسية في آن واحد.

وخلال الأزمة المالية العالمية، تحول المزاج العام للجمهور الأوروبي ضد أنظمة الحكم، لكن أحدث الاتجاهات السائدة يعكس مضامين أبعد من ذلك بكثير.

واعتمد نجاح إدارة الأزمات الأوروبية حتى الآن على قدرة القادة الأوروبيين في الحصول على الدعم من أحزاب الوسط لتطبيق سياسات التقشف.

لكن الانتخابات اليونانية تسلط الضوء على مخاطر ما قد يحدث عندما اتخذت المؤسسة القائمة خطوات مغايرة تماماً لمعالجة الأزمة المستمرة، وتتأرجح المخاطر المزاجية لتفرض تهديداً جذرياً على هذه المؤسسة برمتها.

ودفع هذا بدوره المؤسسة للتعامل مع المستجدات الحالية، في حين نجد أن الخطاب السياسي الجديد من جانب السياسيين، مثل فرانسوا هولاند يأخذ طابعاً تكتيكياً إلى حد ما، كما يبدو أنه يمثل أيضاً نظرة أجزاء من التيار الرئيس العام للتكيف مع الحقائق السائدة حتى لا يواجه خطر فقدان النفوذ.

وبعد كل هذا وذاك، تتواصل الدورة السياسية وسيظل هذا الضغط على حاله، بينما شهدت أيرلندا استفتاء على الإتفاق المالي في 31 مايو الماضي، كما ستشهد فرنسا انتخابات برلمانية يوم العاشر من يونيو الجاري.

لكن التحول بعيداً عن التقشف لا يتقدم بالوتيرة ذاتها في جميع أنحاء أوروبا التي تعاني أساساً من اختلاف سياسي واضح.

وتؤدي حركة التمرد المناهضة للتقشف في بعض البلدان إلى رد فعل عنيف على شكل إحباط متصاعد في أماكن أخرى.

ويتجلى هذا الانقسام الكبير في هذا الشأن بشكل واضح تماماً بين ألمانيا والدول الجنوبية من أوروبا، على الرغم من أن واقع الأمر لا يبدو بهذه الدرجة من التباين الواضح، لكن بعض اقتصادات منطقة اليورو الأكثر ازدهاراً واستقراراً تظهر وعلى نحو متزايد أنها على وشك أن تفقد صبرها إزاء عمليات الإنقاذ التي تظهر لها نهاية في الأفق لدول ترى أنها غير مسؤولة.

وعلى وجه الخصوص، يبدو أن المزاج الألماني قد تحول بشكل حاسم ضد اليونان أكثر من الدول الأخرى المنكوبة في منطقة اليورو.

ومع ذلك لا يزال التوقيت غير واضح، وما إذا كان ذلك قد يدفع بعض القادة السياسيين إلى عقد رأيهم واتخاذ قرار بضرورة وضع حد لنزيف الأموال إلى هذه الدول، ولاسيما أن الحسابات السياسية في ألمانيا مختلفة بشكل واضح جداً عن نظيرتها التي يقوم بها الساسة في اليونان.

ضحايا التقشف

لكن إشكالية ضحايا التعب من التقشف تكمن في حقيقة أن الخيارات السياسية لا توجد بصورة مستقلة عن السياق الاقتصادي.

وتعتبر الحوافز الخيار الحقيقي عندما تكون القدرات المالية اللازمة لتمويله موجودة بالفعل.

ومع ذلك، لا توجد هذه الحال في أي من الاقتصادات المتعثرة بمنطقة اليورو، ونتيجة لذلك تتجه أنظار عدد متزايد من صانعي السياسات الأوروبية، وبشيء من الحسد، إلى طبيعة الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة للتعامل مع الأزمة التي مرت بها، والتي كان من أبرزها دورات التسهيل الكمي من قبل مجلس الاحتياط الفيدرالي.

بيد أن مثل هذه الخطوات تعقدت في أوروبا بسبب القيود القانونية التي تحول دون تفويض البنك المركزي الأوروبي، على الرغم من أن قد سبق له المشاركة بصورة انتقائية في عمليات شراء للسندات الحكومية والقروض طويلة الأجل من البنوك.

وعلاوة على ذلك، يوجد أمامه مجال لخفض سعر الفائدة من المستوى الحالي البالغ واحد بالمئة.

وفي فترات سابقة، صعد البنك المركزي الأوروبي إلى منصة الأحداث عندما استدعت الظروف أن يكون جزءاً من الحل.

وهنا يمكننا اقتباس الكلمات الشهيرة للاقتصادي النمساوي لودفيغ فون ميزس عندما قال «إذا كان من الممكن حقاً استخدام التوسع في الائتمان (أي المال الرخيص) لتراكم سلع رأس المال من خلال التوفير، فإنه لن يكون هناك أي فقر في العالم بهذه الطريقة».

أسواق السندات

وإلى جانب التوافق السياسي، ساعدت أسواق السندات في أوروبا والتدخلات من قبل البنك المركزي الأوروبي في تجاوز الكثير من تبعات الأزمة، وقد يفيد ذلك أيضاً في تحمل مستوى ما من أساليب تدعيم النظام المالي، لكن ليس هناك بديل سوى التقليل من إجراءات شد الأحزمة على البطون.

ويعتبر الوضع خطيراً جداً بالنسبة إلى اليونان، حيث إن القرار التالي حول المساعدات الخارجية سيكون في شهر يونيو الجاري، ولزاماً عليها تلبية عدد من الشروط حول السياسات الإصلاحية.

ومن بين أقل التبعات التي قد تترتب على عدم الوفاء بها، تدل المؤشرات على أن فشل أثينا في الامتثال لتلك الشروط سيدفع صندوق النقد الدولي إلى وقف الدفعات.

وقد تكون العاقبة خروج اليونان من منطقة اليورو، وهي النتيجة التي قد تبدو أخف وطأة من تدابير التقشف المزمعة.

لكن الجانب الأكثر تحدياً هو رغبة الناس في التعامل مع اليونان والنظر إليها بشكل مستمر على أنها حالة خاصة، بل كان ذلك الرسالة الرئيسة التي تصدر عن كل مؤتمر قمة للاتحاد الأوروبي حتى الآن.

وإذا ما تعاظمت احتمالات خروج اليونان على المدى الوشيك إلى حد كبير، فإن ذلك سيؤدي لا محالة إلى تجدد التكهنات حول انتقال العدوى.

وبمجرد أن تبدأ العملية، لن يكون من الواضح المدى الذي قد تتوقف عنده.

وتضم مجموعة الدول التي يحتمل خروجها من الاتحاد حتى الآن ثلاثة اقتصادات هي من الأكبر في منطقة اليورو (إسبانيا وإيطاليا وفرنسا)، علماً بأن هذا الترتيب يعكس درجات المتاعب التي تعاني منها الدول الثلاث.

الخطاب السياسي

إن السيناريو الأرجح والحميد في أوروبا لا يزال يمثل تغيراً في الخطاب السياسي الذي ترافقه بعض الخطوات المؤيدة لحفز النمو، مثل تقديم القروض للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم من قبل البنك الأوروبي للاستثمار، إضافة إلى طرح السندات المدعومة من الاتحاد ككل.

ويجب أن تكون هذه الخطوات مصحوبة بتأكيدات من جانب الجيل الجديد من القادة السياسيين، وتجديد التزامهم تجاه الحفاظ على منطقة اليورو وحدة متماسكة.

لكن إذا لم يصل ذلك إلى مستوى اليقين، فقد تكون هذه الظروف كافية لتحويل المسار وإقناع الرأي العام في وقت لا تزال فيه الأسس الاقتصادية في الكثير من دول الاتحاد تتعرض لمزيد من التدهور.

وإذا لم يحدث ذلك، فإن الآثار المرهقة الناجمة عن سيسات التقشف ستثير العديد من الأسئلة المهمة حول مستقبل منطقة اليورو على النحو الذي نعرفه الآن.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق