4 يونيو 2012
رويترز
في الوقت الذي ترفرف فيه الأعلام الأمريكية بفخر، في المشاهد الوطنية، يدور جدل حامٍ حول السؤال الكبير: هل أصبحت حقبة ازدهار الولايات المتحدة من الماضي؟
لقد شهدت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، أسوأ معدلات للبطالة خلال ثلاثة عقود، وبلغ التفاوت في المداخيل مستويات لا سابق لها، ما جعل من مسالة اضمحلال الامبراطورية الأمريكية تحتل صلب جدال وطني في هذه السنة الانتخابية.
ويتهم المرشح الجمهوري إلى البيت الأبيض، ميت رومني، بلا كلل الرئيس باراك أوباما بإدارة حقبة زوال عظمة الولايات المتحدة بدلاً من تحفيز سموها.
ولإجراء دراسة عملية حول نظرية الانهيار يكفي الصعود إلى الطائرة من أحد المطارات الأمريكية القديمة إلى أحد المدارج الجوية الحديثة في آسيا.
وعلى الرغم من ذلك، ما زال الطلاب من العالم يتدفقون على الجامعات الأمريكية، وقلة من المراقبين الموضوعيين، تتجرأ على تأكيد أن الإبداع تعطل في البلاد التي اخترعت الطائرة والإنترنت، وغيرها من الإنجازات، إلى جانب التفوق الساحق قياساً إلى أي بلد آخر في العالم في مجال الإنفاق العسكري.
والتحدث عن أفول نجم الولايات المتحدة ليس بجديد، إذ بدأ في نظر البعض خلال حرب فيتنام، وبالنسبة لآخرين أثناء الصعود السريع لليابان.
وفي الأيام الأولى من حكم أوباما أقر بعض مستشاريه مع حرصهم على تفادي التحدث عن حقبة الزوال، أنهم بصدد دراسة العبر من التغيرات الكبيرة السابقة في موازين القوى في العالم، مثل صعود الولايات المتحدة كقوة عالمية في وجه بريطانيا قبل قرن، بهدف تجنب الدخول في نزاع مع الصين.
ومنذ ذلك الحين تغيرت النبرة، ففي يناير الماضي، أكد أوباما أن سياسته الدولية أعادت في العالم «الانطباع بأن أمريكا هي القوة الوحيدة المحتومة».
وفي الآونة الأخيرة، دافعت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، بحماسة في خطاب عن الدور الناشط الذي تقوم به الولايات المتحدة في العالم، مشددة على أن العام 2012 «ليس 1912 عندما مهدت الخلافات، بين بريطانيا في طريق الانهيار وألمانيا في أوج انطلاقتها، الطريق لأول حرب عالمية».
وعلى مر التاريخ، تحدت القوى الجديدة القوى القديمة في ميادين القتال، وقاعات المفاوضات، أو عبر تقنيات متقدمة.
وفي موسكاتين، المدينة الصغيرة الوادعة في ولاية آيوا على ضفاف نهر المسيسيبي، حيث عاش الكاتب والباحث الشهير مارك توين، سُجّل حدث تاريخي.
فقد شدد نائب الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال زيارة إلى موسكاتين في فبراير الماضي، على علاقته بهذه المدينة التي سافر إليها للدراسة قبل سبعة وعشرين عاماً، وكان موقف المسؤول الصيني خلال زيارة رسمية قام بها إلى الولايات المتحدة ودياً، لكن الزيارة قد تبقى في السجلات حدثاً تاريخياً، لأن (شي) سيصبح على الأرجح العام المقبل، القائد الأعلى للصين، وخلال ولايته قد تتفوق الصين على الولايات المتحدة، وتصبح أول اقتصاد في العالم.
هذا، وقد أصبحت مسألة الانهيار موضوعاً مفضلاً لدى المفكرين، ففي دراسة أخيرة لاقت نجاحاً، يؤكد أحد الخبراء الأمريكيين البارزين في الشؤون الصينية، وانغ جيسي، أن القادة الصينيين مقتنعون بأن عصرنا يسجل بداية النهاية للقوة الأمريكية العظمى.
وهم يرون في معظم تحركات الولايات المتحدة، بما في ذلك تلك التي لا تعود إلى الأمس، مثل مبيعات الأسلحة إلى تايوان، أو الدعوات إلى احترام حقوق الإنسان، أعراض ضعف لبلد يحاول كبح صعود الصين.
وهذا ما يعيدنا إلى آيوا، فعلى الرغم من الخطابات المقلقة بشأن صعود الصين، وتدهور الولايات المتحدة يعبّر سكان موسكاتين عن وجهات نظر أكثر اعتدالاً من سياسيين عدة، فكثيرون من سكان هذه المدينة التي تعد 23 ألف نسمة يقولون إنهم زاروا الصين، سواء أكان للعمل فيها أم في إطار الدراسة، كذلك فإن مدرسة المدينة تعطي دروساً للغة الماندرين الصينية.
وعندما يسأل الناس بخصوص الصين، يقول عدد منهم «إنهم قلقون من أوضاع حقوق الإنسان في هذا البلد الشيوعي، لكن النسبة نفسها تعتبر الانطلاقة الاقتصادية للصين أمراً إيجابياً».
ولا يبدي أحد أي تخوف من فكرة أن الصين ستتقدم يوماً على الولايات المتحدة.
وموسكاتين ليست حالة معزولة، فقد أجريت استطلاعات للرأي على الصعيد الوطني، تظهر أن غالبية الأمريكيين تتوقع أن تنتزع الصين من الولايات المتحدة لقب القوة العالمية الأولى، وأن لدى معظم الأمريكيين رأياً إيجابياً في الصين.
فمع تعداد سكاني يفوق أربع مرات تعداد الولايات المتحدة، ومع تسجيل نمو قوي وثابت، تتجه الصين لا محالة نحو مرتبة القوة الاقتصادية الأولى في العالم.
لكن ذلك لا يمنع معظم الصينيين من الدفاع عن ولايات متحدة، أقله لتبقى من كبار الزبائن لمنتجاتها.
في هذه الأثناء، وفي الجانب الآخر من المحيط الهادئ يرتكب أي زعيم يشكك صراحة بدور الولايات المتحدة كسيّد العالم، ما يعتبر بمثابة انتحار سياسي.
إلا أن الجدل حول نظرية الانهيار لا يبدو قريباً من التراجع، لكن إن خسرت الولايات المتحدة فعلاً عرشها لزعامة العالم فسيكون ذلك أقرب إلى الهبوط الهادئ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق