الجمعة، 15 يونيو 2012

خلق عالم خال من الفقر، محمد يونس



ماذا لو كنت تقدر على تسخير قوة السوق الحرة من أجل حل مشاكل الفقر والجوع وعدم المساواة؟ قد يبدو هذا للبعض مستحيلا. إلا أن هذا ما استطاع فعله بالضبط محمد يونس, الحاصل على جائزة نوبل للسلام ومؤسس بنك جرامين، فقد تزعم محمد يونس فكرة القروض المتناهية الصغر، وهو برنامج الخدمات المصرفية المبتكرة التي توفر للفقراء — معظمهم من النساء – قروضا متناهية الصغر مما يمكنهم من استخدامها للبدأ بأعمال تجارية وانتشال أسرهم من براثن الفقر.
انتشرت الفكرة تباعا وعلى مر الثلاثين سنة الماضية في أرجاء العالم، واستفادت منها أكثر من 100 مليون أسرة , إلا أن محمد يونس لم يكن راضياً بذلك فهو يؤمن بأنه يمكن عمل المزيد والمزيد إذا طبقنا ديناميكية الرأسمالية على أكبر تحديات البشرية.
الآن، ومن أجل السعي لخلق عالم خال من الفقر، يطور محمد يونس الفكرة – بعيدا عن القروض المتناهية في الصغر- لمعنى آخر هو الأعمال الاجتماعية و هذه طريقة جديدة تماما لاستخدام حيوية العمل الخلاقة سعيا لمعالجة المشاكل الاجتماعية من الفقر والتلوث مروراً بعدم كفاية الرعاية الصحية ونقص التعليم.
هذا الكتاب يصف كيف أوجد محمد يونس أول منظومة هادفة للأعمال الاجتماعية بالتعاون مع بعض قادة الأعمال الأكثر إطلاعا في العالم. فقد تعاون مع شركة دانون Danone لتصنيع منتجات ألبان مغذية بأسعار معقولة للأطفال الذين يعانون سوء التغذية في بنغلاديش، وكذلك لبناء مستشفيات للعيون من شأنها أن تنقذ الآلاف من الفقراء من خطر العمى. إن خلق عالم خال من الفقر يقدم لمحة عن توقعات محمد يونس لمستقبل مذهل لكوكب تطوره آلاف الشركات الاجتماعية. الحاصل أن الفكرة الكبيرة المقبلة لمحمد يونس تقدم نموذجا رائدا لشكل جديد أكثر إنسانية من الرأسمالية.
في هذا الصدد يقول جيمي كارتر الرئيس الأمريكي السابق ” لقد أعطى الدكتور محمد يونس الفقراء الأمن بمعناه الأكثر شمولاً من خلال منحهم القدرة على مساعدة أنفسهم، وليس فقط تقديم طبق من الطعام إليهم”.
وتنقل جريدة لوس أنجلوس تايمز قولها “محمد يونس هو البصيرة العملية الذي تحسنت بسببه حياة الملايين من الناس في وطنه بنغلاديش وفي أماكن أخرى في العالم”
“لقد كان بالفعل لدي أفكار محمد يونس عظيم التأثير على العالم الثالث،­ و الاستماع إلى ندائه عن ‘عالم خال من الفقر’ كان حقاً مثيراً دعاوى نجاح النظم الأمريكية التلقائية “
واشنطن بوست.

ملخص المؤلف

في حين أن رأسمالية السوق الحرة والمزدهرة عالميا تحقق للعديد من الناس رخاء غير مسبوق , إلا أن نصف سكان العالم يعيشون على دولارين في اليوم أو أقل من ذلك بكثير.
فلا يزال القضاء على الفقر يشكل أكبر تحد ماثل أمام العالم. ولا يزال يصم وجوهنا بالعار كل يوم هذا المشهد من المشاكل الاجتماعية المتجذرة والحرمان المتعلقة بالفقر وسوء التوزيع للثروات.
ومن الواضح أن مفهوم السوق الحرة قد فشل في كثير من أنحاء العالم. فالعديد من الناس يفترض إنه إذا لم تقدر الأسواق الحرة على حل مشاكل المجتمع, فعلى الحكومات أن تفعل ذلك. فالمفترض أن الحكومة تمثل مصالح المجتمع ككل, لكن تجارب البشر على مر عقود وقرون أثبتت أن الحكومات وحدها غير قادرة على حل أسوأ مشاكلنا.
ولحسن حظنا إن هناك رغبة حريصة لدى العديد من الناس لمد يد العون لمعالجة مشاكل الفقر والمشاكل الاجتماعية الأخرى من خلال مؤسسات خيرية. فالنزعة لعمل الخير متجذرة في نفس الإنسان تجاه غيره من البشر.
مثل هذا الاهتمام يعبر عنه هذه الأيام عن طريق المنظمات غير الربحية والمنظمات غير الحكومية التي تتخذ أشكالا وأسماء متعددة. تباعا هناك منظمات الإغاثة التي ترعاها الحكومات الغنية بأشكال ثنائية ومتعددة الأطراف.
المنظمات غير الربحية ومنظمات الإغاثة تحاول تخفيف المشاكل ووضعها داخل إطار من السيطرة. لكن النزعة لعمل الخير هي شكل من أشكال الاقتصاد التدفقي ؛
فإذا توقف تدفق الأموال, توقفت بالتبعية مساعدة المحتاجين. وفي الناحية الأخرى، المنظمات المتعددة الأطراف مثل البنك الدولي ينصب تركيزها فقط على النمو كوسيلة لمساعدة الفقراء، ولكنها لا تتفهم إمكانية أن يكون الفقراء فاعلين بأنفسهم. إن هناك تساؤلات جدية عن هذا النوع من النمو الذي يمكن أن يساعد الفقراء. وكرد فعل للدعوات العالمية لكبح المشاكل الاجتماعية، تُعرف بعض الشركات نفسها كأعضاء بحركة المسؤولية الاجتماعية للشركات (CSR)
وهي تحاول فعل الخير للشعب من خلال أعمالهم. ولكن الهدف الأساسي لمثل هذه الشركات لا يزال الربح، بمعنى، على الرغم من أنهم يحبون دوماً الحديث عن ثلاث خطوط أساسية : المالية والاجتماعية والبيئية، ولكن تغلب المنفعة الربحية المادية في نهاية المطاف.
اعتقدت دوما أن الفقر يمكن أن يُقهر تماما من حياتنا إذا اُعتمد النهج الصحيح. واستندت في هذا الاعتقاد على القدرة الكامنة لدى الفقراء والتي تظهر حين تعطى لهم الفرصة لمساعدة أنفسهم بأنفسهم. هذا ما أثبته بالفعل من خلال خبرتي مع بنك جرامين لثلاثة عقود،فمبدأ القروض المتناهية الصغر لم يكن موجودا قبل أن أقوم بإنشاء بنك جرامين في بنجلاديش الذي يعتمد أساسا على أن الائتمان من دون ضمانات هو حق أساسي من حقوق الفقراء. نجاحنا بهذا في بلدي تكرر على نطاق واسع في بلاد عدة على مستوى العالم بما فيها بعض من أغنى الدول، وجائزة نوبل للسلام لعام 2006 لبنك جرامين ولنفسي هي أحد صور العرفان لهذا النجاح.
ذكرت قصة بنك جرامين في كتابي السابق ”مصرفيّ الفقراء”: في هذا الكتاب الجديد أصف تطور نظام جرامين. لكن الأهم من ذلك فقد عمدت إلى تقديم و توسيع مفهوم الشركة الاجتماعية، هذا المفهوم الذي قادتني تجربة جرامين إليه.
سمح بنك جرامين للفقراء أن يكونوا طرفا فاعلا في السوق الحرة وأن يتمتعوا ببعض ثمارها في محاولة للخروج من الفقر. فهو في الأصل نموذج لشركة بشكل صرف وبسيط ، ولكنها شركة اجتماعية. يمكن أن يكون هناك شركات اجتماعية أخري، فهي تماما مثل أي من الشركات الأخرى، ولكنها تسعي لأهداف اجتماعية وليس لتحقيق مكاسب شخصية أو أرباح. لقد حاولت من خلال هذا الكتاب أن أظهر سبب إمكانية نجاح الشركات الاجتماعية في التصدي للمشكلات الاجتماعية في الوقت الذي فشلت فيه الوسائل الأخرى المذكورة أعلاه.
يجب أن لا يتم الخلط بين الشركة الاجتماعية والمؤسسة الاجتماعية حيث يستخدم المصطلح الأخير بشكل أكثر شمولية ويتضمن المنظمات الغير الحكومية، والمبادرات الشخصية، والجمعيات الخيرية وغيرها وقد يشمل االشركة الاجتماعية أيضا.
الشركات الاجتماعية تمنح بعدا ثوريا تماما لاقتصاد السوق الحرة. فهي لا تتداخل مع آلية الربح العادي (PMB) المتمثلة في– رأس المال، و إدارة الأعمال التجارية باحتراف، القدرة على المنافسة …إلخ — ولكن المستثمرين هنا لا يحصلون على أي أرباح، رغم أنه يمكن استرداد استثماراتهم متى يريدون من أجل إعادة الاستثمار في اشركة اجتماعية أو ربحية أخري.
ويكون الحافز الوحيد لمواصلة هذا الاستثمارهو الوصول لنتائج مقنعة في سبيل تحقيق الأهداف الاجتماعية وبهذه الطريقة بتم تقييم الشركة.
بشكل أساسي الشركة لا تهدف للربح أو الخسارة، ولكنها تهدف إلى تحقيق أهداف اجتماعية مرتبطة بالتعليم والصحة والبيئة حسبما تتطلب حاجات المجتمع. الأرباح في هذه الشركات تبقى معها بغرض مواصلة النمو. من سمات هذه الشركات أن قاعدتها الأساسية مبنية على أساس أن رجال الأعمال لا تحفزهم فقط الأرباح الفردية المادية بل يكون تحقيق الأهداف الاجتماعية لاعبا على قدر المساواة في التحفيز والإقناع للمشاركين.
الشيء المهم هو عدم الخلط بين الشركة الاجتماعية وآلية الربح العادي PMB. في الحقيقة إن إدراج الشركات الاجتماعية جنبا إلى جنب مع الشركات العاملة بآلية الربح العادي PMB سيجعل الأسواق الحرة أكثر نبلا وأكبر اتساعا وأكثر تحقيقا لمتطلبات الشعوب. فمزاياها تفوق الأعمال الخيرية بأشكال عدة، من أهمها الكفاءة والاستمرارية مع تدوير الربحية والمنافسة مع الشركات العاملة بآلية الربح العادي PMB المتبعة لنفس القواعدة والاستخدام الأمثل للابتكارات التجارية.
يمكن أن يكون هناك نوعان من الشركات الاجتماعية.
النوع الأول يركز على الشركات العاملة لأهداف اجتماعية فقط، كما ذكرنا للتو. أما النوع الثاني فيمكنه ضم أي أعمال ربحية طالما يمتلكها الفقراء والمحرومين، الذين يتربحون من خلالها مباشرةً أو عن طريق بعض الفوائد الغير المباشرة. وهناك العديد من الطرق لكيفية نقل الملكية للفقراء، ويمكن خلط هذين النوعين معا في نفس الشركة الاجتماعية كما حدث في حالة بنك جرامين. وكما في خليط مماثل بين النوعين يمكن لشركة اجتماعية يملكها الفقراء أن تشق طريقا ريفيا أو تنشئ جسرا. من ناحية أخرى تحمست لمشروع ميناء أعماق البحار العملاق الذي من المخطط له أن يستخدم من قبل عديد دول في المنطقة بأكملها ومن المحتمل أن يغير الواجهة الاقتصادية لبنغلاديش بطريقة ضخمة، فمشروع كهذا يمكن أن يتحول لشركة اجتماعية مملوكة للنساء الفقيرات في هذا البلد.
هل هذه هي المدينة الفاضلة؟ وهل ستكون هناك شركات اجتماعية خارج نطاق القروض المتناهية الصغر؟
ترى من هم الذين سيستثمرون في هذا النوع من الشركات الاجتماعية؟
أستطع الإجابة على هذه الأسئلة بثقة في كتابي الجديد، ليس فقط لأن عندي إيمان بفكرتي، وبقدرة رجال الأعمال أن يكون لهم دوافع اجتماعية فضلا عن دوافع السعي للربحية، ولكن أيضا لأنني أرى هذا يحدث على أرض الواقع في اللحظة والتو. لقد كرست جزءا كبيرا من الكتاب عن تفاصيل الشركة الاجتماعية الأولي التي تم البدء بها وهى شركة- جرامين دانون التي دخلت حيز التنفيذ في بدايات عام 2007. ففكرة هذه الشركة بدأت على طاولة غداء اعتيادي بيني وبين فرانك ريبود Franck Riboud،
رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة دانون، وهي شركة فرنسية كبيرة و رائدة على مستوى العالم في منتجات الألبان. استغرق الأمر مجرد هذا الوقت البسيط لإقناعه بأن الاستثمار في الشركة الاجتماعية هو أمر مفيد لمساهمي شركة دانون. وعلى الرغم من أنها لن تعطي أي أرباح شخصية لهم، وافق فرانك على الاقتراح دون أن انهي شرح الأمر له بصورة كاملة. لقد استغرق الأمر وقتا أطول بعض الشيء لصياغة الشكليات و الاتفاق على المنتج (زبادي مُقوَى و مُحَلى – للأطفال الفقراء الذين يعانون من سوء التغذية في بنغلاديش – زهيد التكلفة بحيث يقدرون على شرائه ) بالإضافة إلى التمويل والضرائب والقضايا التنظيمية ومعايير التقييم وغيرها مثل من التفاصيل المشابهة. ولقد كرست العديد من صفحات الكتاب على هذه التفاصيل لإظهار كيفية التعامل مع هذه الأمور.الزبادي ‘Shokti Doi ‘ (زبادي الطاقة) هو بالفعل متاح فيالأسواق.
أيضا, استثمرت منظومة جرامين في شركة اجتماعية أخري – وهذه المرة مستشفى للعيون حيث يتمكن الفقراء من علاج أعينهم وإجراء عمليات المياه البيضاء بتكلفة منخفضة للغاية، بل وسيحظى كل جيرانهم من سكان القرى الصغيرة والمدن المحيطة بخدمات هذه المنشأة الطبية الممتازة التي لم يكن لها مثيل من قبل.
الشركة الاجتماعية عبارة عن مفهوم جديد وممارستها لازالت في البداية. وكما يوضح كتابي، فلابد من عمل المزيد من الاكتشافات في أثناء بناء خبرات عملية. فهناك العديد من التحديات التي يجب أن نواجهها ونطور حلولا لها. على سبيل المثال، كان علينا أن نخترع نظام مبتكرا للتسويق بحيث يظل “Shokti Doi”` المنخفض التكلفة محجوزا للأطفال الفقراء و في نفس الوقت لا يختفي من أسواق المدن. كذلك تطرقت إلى قضايا أخرى مثل كيفية نقل ملكية النوع الثاني من الشركات الاجتماعية إلى الفقراء، أو كيف يمكن استغلال الفرص العظيمة التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات في خدمة الشركات الاجتماعية.
هناك شيء واضح جدا بالنسبة لي, وهو أنه مع بزوغ الشركات الاجتماعية، لن يعود عالم السوق الحر الرأسمالي كما كان من قبل مرة أخري، وأنه سيضرب الفقر في مقتل لاجتثاثه من العالم. وأنا على ثقة من أن العديد من الشركات التجارية وموظفيها المبدعين سيعملون على تجنيد إمكانياتهم في مواجهة هذا التحدي الجديد – تحدى خلق عالم خال من الفقر في غضون وقت قصير.
في هذه اللحظة نشاهد مجرد خط الأفق, في القريب العاجل سيكرس جزء لا بأس به من إبداع وابتكار وعبقرية الأعمال على مستوي العالم من أجل هذا الهدف لتحقيق المنفعة الاجتماعية العامة.
سيكون هناك سوق أسهم جديد كليا وبمؤشرات جديدة تزدهر في عواصم العالم المالية بدافع هذا الحافز الجديد. وسوف تعجل عملية القضاء على الفقر بوتيرة لا يمكن تصورها مستخدمة في ذلك نفس آليات السوق التي عجلت الرخاء العالمي للأغنياء في المقام الأول.
مرحبا بكم في عالم جديد من الشركات الأجتماعية.
محمد يونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق