الاثنين، 18 يونيو 2012

التركيز على الرنمينبي بتشتيت الانتباه عن قضايا أعظم


الإثنين, 18 يونيو 2012 الساعة 09:32
ستيفن س. روتش - عضو هيئة التدريس في جامعة ييل - بروجيكت سينديكيت

طيلة أعوام سبعة، سمحت الولايات المتحدة لتركيزها المرَضي على سعر صرف الرنمينبي (عملة الصين) بتشتيت الانتباه عن قضايا أعظم أهمية في علاقاتها الاقتصادية بالصين.

ويشكل الحوار الاستراتيجي والاقتصادي المرتقب بين الولايات المتحدة والصين فرصة ممتازة لفحص أولويات أمريكا، وإعادة النظر فيها.

منذ العام 2005، دأب الكونغرس الأمريكي على تجربة تشريعات تهدف إلى الدفاع عن العمال الأمريكيين الواقعين تحت ضغوط التهديد المفترض المتمثل في العملة الصينية الرخيصة.

ولقد طفا إلى السطح تأييد ثنائي الحزبية لمثل هذه التدابير عندما قدم عضوا مجلس الشيوخ تشارلز شومر (الديمقراطي الليبرالي من نيويورك)، وليندسي غراهام (الجمهورية المحافظة من ساوث كارولينا) أول مشروع قانون يتناول العملة الصينية.

استفزاز

والواقع أن الحجة التي ساقاها لاتخاذ إجراءات تشريعية بسيطة إلى حد الاستفزاز كانت أن العجز في تجارة البضائع الأمريكية بلغ متوسطاً غير مسبوق (4.4 بالمئة) من الناتج المحلي الإجمالي منذ العام 2005، وأن الصين مسؤولة عن 35 بالمئة كاملة من هذا العجز، ويرجع هذا كما افترضا إلى تلاعب الصين بالعملة.

ويصر تحالف واسع من الساسة وكبار رجال الأعمال وخبراء الاقتصاد الأكاديميين على أن الصينيين لا بد أن يعيدوا تقييم عملتهم وإلا واجهوا العقوبات.

ويلاقي هذا المنطق صدى مع الرأي العام الأمريكي. فقد توصلت استطلاعات الرأي التي أجريت في العام 2011 على أن 61 بالمئة من الأمريكيين يعتقدون أن الصين تمثل تهديداً اقتصادياً خطيراً.

وعلى هذا فإن المناقشة بشأن العملة تلوح باعتبارها قضية رئيسة في الحملة الرئاسية الأمريكية المقبلة. عندما سئل الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن الرنمينبي بعد اجتماعه الأخير بالرئيس الصيني هو جين تاو أجاب، لن نقبل المزيد من هذا. كما وعد منافس أوباما الجمهوري ميت رومني بإعلان الصين مذنبة بتهمة التلاعب بالعملة يوم توليه مهام منصبه.

ولكن على الرغم من جاذبية هذا المنطق فإنه خاطئ. فبادئ ذي بدء، العجز التجاري الأمريكي متعدد الأطراف، ففي العام 2010 سجلت الولايات المتحدة عجزاً تجارياً مع 88 دولة.

اختلال التوازن

والاختلال المتعدد الأطراف في التوازن، خصوصاً الاختلال الذي يمكن تتبع منشأه إلى نقص الادخار، لا يمكن إصلاحه بفرض الضغوط على سعر صرف ثنائي.

والواقع أن التهديد الأكبر الذي يواجه أمريكا تهديد داخلي. وإلقاء اللوم على الصين لن يؤدي إلا إلى إعاقة عملية رفع الأثقال الواجبة في الداخل، أو على وجه التحديد، زيادة المدخرات من خلال خفض العجز في الموازنة وتشجيع الأسر الأمريكية على ادخار دخولها بدلاً من الاعتماد على فقاعات الأصول.

وثانياً، سجل الرنمينبي ارتفاعاً بلغ الآن 31.4 بالمئة في مقابل الدولار منذ منتصف العام 2005، وهي نسبة تتجاوز كثيراً الزيادة بنسبة 27.5 بالمئة التي طالب بها مشروع قانون شومر - غراهام الأساسي.

والواقع أن الصينيين، الذين يضعون في اعتبارهم دروس اليابان، خصوصاً موافقتها المأساوية على الزيادة الحادة لقيمة الين بموجب اتفاق بلازا في العام 1985، اختاروا بدلاً من ذلك زيادة قيمة الرنمينبي تدريجياً.

ومن المؤكد أن التحركات الأخيرة الرامية إلى تدويل الرنمينبي، واعتماد حساب رأسمالي أكثر انفتاحاً ونطاقات أوسع لتداول العملة، لا تترك مجالاً كبيراً للشك في أننا سوف نحظى في النهاية برنمينبي قابل للتحويل بالكامل استناداً إلى السوق.

وثالثاً، شهد اختلال التوازن الخارجي الصيني تحسناً كبيراً في الآونة الأخيرة.

ووفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي فإن الفائض في الحساب الجاري الصيني سوف يتقلص إلى 2.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2012، بعد الذروة التي بلغها في العام 2007 (10.1 بالمئة).

وكثيراً ما تذمر المسؤولون الأمريكيون من تخمة الادخار في الصين باعتبارها المصدر الرئيس لعدم الاستقرار العالمي.

ولكن ينبغي لهم أن ينظروا في المرآة، ذلك أن العجز الأمريكي في الحساب الجاري هذا العام، والذي يقدر بنحو 510 مليارات دولار، من المرجح أن يقترب من ثلاثة أمثال الفائض الصيني.

مصنع العالم

وأخيراً، لقد تجاوزت الصين المرحلة التي كانت فيها عبارة عن مصنع للعالم يقيم به خطوط تجميع منتجاته. فالبحوث تظهر أن ما لا يزيد عن 20 بالمئة إلى 30 بالمئة من الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة يعكس قيمة مضافة داخل الصين.

وما يقرب من 60 بالمئة من الصادرات الصينية يمثل شحنات من شركات ذات استثمار أجنبي - في واقع الأمر، شركات صينية تابعة لشركات عالمية متعددة الجنسيات.

ولنتأمل هنا شركة أبل. إن منصات الإنتاج المعولمة تشوه بيانات التجارة الثنائية بين الولايات المتحدة والصين، ولا علاقة كبيرة لها بسعر الصرف.

وبدلاً من التشنيع على الصين باعتبارها التهديد الاقتصادي الرئيس لأمريكا، فإن العلاقة تحتاج إلى إعادة صياغة بوصفها فرصة.

والواقع أن المكون الأكبر في الطلب الأمريكي الكلي -المستهلك- صار مجمداً. فمع تركيز الأسر الأمريكية على إصلاح موازناتها المتضررة بشدة، توسع الاستهلاك الخاص المعدل وفقاً للتضخم بما لا يتجاوز 0.5 بالمئة في المتوسط سنوياً على مدى الأعوام الأربعة الماضية.

ومن المرجح أن يستمر المستهلكون في تقليص ديونهم لأعوام مقبلة، الأمر الذي يجعل الولايات المتحدة تسعى يائسة على نحو متزايد إلى تأمين مصادر جديدة للنمو.

وتتقدم الصادرات قائمة الاحتمالات. فقد أصبحت الصين الآن ثالث أكبر سوق لصادرات الولايات المتحدة، وهي سوق تنمو بسرعة. ولا يمكننا أن نتغافل عن قدرة هذه السوق على ملء بعض الفراغ الذي تركه المستهلكون الأمريكيون.

اغتنام الفرصة

ويكمن المفتاح إلى اغتنام هذه الفرصة في الوصول إلى الأسواق الصينية وهو الأمر الذي تتضح أهميته في ضوء عملية إعادة التوازن المقبلة في الصين باتجاه الاستهلاك. فتاريخياً، كانت الصين تتبع نموذجاً تنموياً مفتوحاً، حيث مثلت الواردات 28 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي منذ العام 2002، أي ما يقرب من ثلاثة أمثال نسبة الواردات في اليابان (10 بالمئة) أثناء الفترة التي شهدت ذروة النمو الياباني (1960-1989).

ونتيجة لهذا فإن الصين، في مقابل زيادة معينة في الطلب المحلي، تبدو أكثر ميلاً إلى الاستعانة بمصادر خارجية.

ومع ظهور المستهلك الصيني، فإن الطلب على مجموعة متنوعة من السلع الأمريكية الصنع -التي تتراوح بين الجيل الجديد من تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الحيوية إلى مكونات السيارات والطائرات- قد يرتفع إلى حد كبير. ويصدق القول نفسه على الخدمات. وبحصة لا تتجاوز 43 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، فإن قطاع الخدمات في الصين يعد ضئيلاً نسبياً.

وهناك مجال هائل لشركات الخدمات الأمريكية العالمية للتوسع في الصين، خصوصاً في قطاعات التوزيع التي تعتمد على معاملات كثيفة -تجارة الجملة والتجزئة، وخدمات النقل المحلية، والخدمات اللوجستية لسلاسل العرض-، فضلاً عن شرائح المعالجة في قطاعات التمويل، والرعاية الصحية، وتخزين البيانات.

يتعين على الولايات المتحدة أن تعيد تركيز الأجندة التجارية الأمريكية الصينية، باتجاه توسيع نطاق الوصول إلى الأسواق في هذه المجالات وغيرها -مع احتواء السياسات وممارسات المشتريات الصينية التي تدعم الإنتاج المحلي والإبداع الحقيقي.

ولقد تم إحراز بعض التقدم، ولكن الأمر يحتاج إلى المزيد- على سبيل المثال، إقناع الصين بالانضمام إلى اتفاقية المشتريات الحكومية التابعة لمنظمة التجارة العالمية.

ومن جهة أخرى، يتعين على الولايات المتحدة أن تعيد النظر في القيود العتيقة التي تعود إلى زمن الحرب الباردة والتي تفرضها على مشتريات الصين من البنود المتطور تكنولوجيا.

وبالنسبة للولايات المتحدة المتعطشة للنمو، فإن فرص الوصول إلى الأسواق تفوق في الأهمية التهديد الذي تمثله العملة. فالآن أصبح المستهلك الصيني على وشك الخروج من سباته الطويل.

وهذا من شأنه أن يعزز واحداً من أعظم مواطن القوة، حماسها للتنافس في أسواق جديدة.

وعار على الولايات المتحدة أن تبدد هذه الفرصة غير العادية باتخاذ موقف متصلب في الحوار الاستراتيجي الاقتصادي المرتقب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق