اقتصاديات الفقر:
إعادة نظر جذرية في كيفية مكافحة الفقر في العالم
عرض:
رانيا مرزوق- باحثة متخصصة في الشئون الاقتصادية
Abhijit
Banerjee, Esther DufloPoor Economics: A Radical Rethinking of the Way to Fight
Global Poverty-U.S: Public Affairs, 2011
يعد الفقر ظاهرة قديمة جدا، وآفة
اجتماعية خطيرة شهدتها البشرية عبر العصور، وهي معقدة وذات جوانب متعددة: اقتصادية،
وسياسية، ثقافية، وبيئية. وفي " أحدث تقارير البنك الدولي عن الفقر في
العالم، الصادر في 29 فبراير 2012، والتي تفيد بتراجع معدلات الفقر المدقع في
العالم، وأنه لا يزال هناك الكثير من العمل، تشير تقديرات البنك إلى أن عدد من
يعيشون علي أقل من 1.25 دولار للفرد في اليوم بلغ نحو 1.29مليار شخص في عام 2008، وهو ما يعادل 22 في المائة من سكان العالم
النامي.
يقدم
كتاب " اقتصاديات الفقر: إعادة نظر جذرية في كيفية مكافحة الفقر في
العالم" ، منهجا مختلفا للتعامل مع قضية الفقر الذي أمضي مؤلفاه أكثر من خمسة
عشر عاما في التعامل مع الفقراء في عشرات البلدان وعبر القارات الخمس، في محاولة
لفهم المشاكل المحددة التي تأتي مع الفقر، وإيجاد الحلول العملية لها.
سوء التغذية والصحة وعلاقتهما بالفقر:
بداية،
يؤكد المؤلفان أنه "ليس بسبب أنهم لا يأكلون ما يكفيهم، يبقي الفقراء فقراء"،
وهذا علي عكس الفكرة السائدة في البلدان المتقدمة، وكذلك لدي النخب في البلدان
الفقيرة نفسها، وذلك علي خلفية القول إن من لا يجد ما يأكله حتي الشبع، لا يمكنه
أن يعمل، وبالتالي محكوم عليه أن يبقي فقيرا، وذلك من خلال طرح أسئلة، من نوع: لماذا
رجل في المغرب الذي لا يملك ما يكفي من الطعام يذهب لشراء جهاز تليفزيون؟، لماذا
أشد الناس فقرا في ولاية ماهاراشترا الهندية ينفق 7 في المائة من ميزانية غذائه
علي السكر؟.
وفي هذا
السياق، أكد المؤلفان أن تخفيض أسعار المواد الأساسية لا يشكل ضمانا بأن الناس
سيتوجهون أكثر لشرائها. وينبغي الانتباه إلى أن السياسات الهادفة إلى تغذية حقيقية
للفقراء تؤثر بشكل مباشر في العوائد الاقتصادية لارتباطها بقوة وقدرة الموارد
البشرية علي العمل ومن ثم الإنتاج.
ويريان
أن هناك علاقة بين قضية الفقر وتدهور الصحة. ففي كل عام، يموت تسعة ملايين طفل في
سن أقل من الخمسة عشر عاما، بسبب بعض الأمراض مثل الإسهال والملاريا، وذلك علي
الرغم من سهولة الوقاية والعلاج من هذه الأمراض عن طريق اتباع بعض الإرشادات
البسيطة. ومن شأن إهمال هذه الأمور تحول تلك الأمراض إلى أمراض مزمنة، تحتاج
لأموال طائلة لعلاجها. ويمكن تفسير هذا الإهمال أو القصور في عدم الأخذ بأساليب
وطرق الوقاية، بالإضافة إلى اعتماد الفقراء علي توصيل تلك الخدمات الصحية إليهم،
دون الاهتمام بالسعي إليها أو البحث عنها، ونقص المعلومات وانخفاض مستوى الوعي،
فضلا عن ثقافة هؤلاء الفقراء تجاه أهمية الوقاية والعلاج. لذا يؤكدان أن الحملات
الصحية الموجهة للفقراء لابد أن تراعي الأبعاد الثقافية، وأن تتضمن ما من شأنه
زيادة الوعي والإدراك، ولكن بلغة هؤلاء الفقراء. فإذا كان توفير الأمصال واللقاحات
هو شرطا ضروريا لتحسين المستوى الصحي، فإنه يظل في الوقت ذاته غير كاف.
ارتباط الفقر بالسياسات التعليمية والسكانية:
وعن
سياسات التعليم في البلدان الفقيرة، يشير المؤلفان إلى أن السياسات الغالبة في
البلدان المعنية تميل إلى فتح المدارس لجميع الأطفال إجباريا. وهذا أمر جيد، كما
يقولان، لكنهما يضيفان أن هناك تناقصا في عدد الأطفال الذين يعرفون القراءة
والكتابة، وذلك بسب تغيب الطلاب والمدرسين. ويبحث المؤلفان في معرفة أسباب ذلك من
خلال تحليل جانب العرض الذي تسعي الحكومة لزيادته، من خلال توفير أفضل الكتب
المدرسية، وأفضل المعلمين، وإنشاء أفضل الأبنية التعليمية وغيرها، وجانب الطلب
الذي يمثله أولياء الأمور الذين يسعون إلى تحسين المستوى التعليمي الذي يحقق
توقعاتهم المتمثلة في مدي توافر فرص وظيفية جيدة، يمكن لأبنائهم الحصول عليها،
وبالتالي اتخاذ القرار بشأن تعليم أبنائهم أو عدمه.
وخلص
المؤلفان هنا إلى أن ضعف محصلة التعليم تعود إلى جانبي العرض والطلب، وأن إمكانية
التغلب عليها تكمن في كيفية تعليم الأطفال، وتنويع مخرجات المنظومة التعليمية،
ومراعاتها لمتطلبات سوق العمل.
ويريان
أنه علي الرغم من سعي صانعي السياسات لجعل السياسات السكانية جزءا أساسيا من أي
برنامج إنمائي، فإن هذه السياسات وآليات تنفيذها، مثل وسائل منع الحمل، ليست هي
السبيل الوحيد لتخفيض معدلات المواليد لدي الفقراء. حيث فسر المؤلفان فشل هذه
السياسات بأنها تعتمد في تنفيذها علي الوسائل الطبية والعلمية التي تؤدي لخفض معدل
المواليد، دون الأخذ في الحسبان الأعراف الاجتماعية، واتجاهات الأسر، أو
الاعتبارات الاقتصادية، والتي تلعب دورا رئيسيا في تحديد الأسر لعدد أطفالها التي
ترغب في إنجابهم، وهي تشكل المنطقة المجهولة التي يجب علي صانعي السياسات
استكشافها.
مخاطر
الكوارث والقروض الصغيرة:
يرصد
المؤلفان أسباب اتجاه الفقراء إلى اتخاذ قرارات ذات عوائد اقتصادية محدودة، حيث
يتجه الفقراء لزراعة المحاصيل ذات الربحية المحدودة، لأنها الأقل مخاطرة، الأمر
الذي من شأنه دفعهم للازدياد فقرا، في ظل الارتفاع العالمي لمستويات الأسعار، وذلك
يرجع لضعف قدراتهم وإمكانياتهم لمواجهة المخاطر الناجمة عن الحوادث أو الأزمات. ويوضحان
كيفية تحول القروض الصغيرة التي كانت تشكل بارقة الأمل للقضاء علي الفقر إلى سبب
رئيسي للقضاء علي الفقراء.
فعلي
الرغم من سعيها إلى توفير قروض للفقراء بأسعار فائدة معقولة، فإن الجهود الحكومية
في هذا الشأن كان مصيرها الفشل، وهذا يرجع لتعثر المقترضين الصغار، ووضعهم أمام
تحديات جديدة تضاف لتحديهم الأساسي وهو الفقر. فأكد المؤلفان الحاجة لوضع سياسات
داعمة للمشروعات الصغيرة تدعم وجودها وبقاءها إلى جانب المشروعات العملاقة. كذلك،
يريان أن تلك المشروعات الصغيرة تلعب دورا مهما في تحسين الظروف المعيشية للفقراء.
ولكن في حقيقة الأمر، يجب أن ينتبه المعنيون بتحسين أحوال الفقراء إلى أن تلك المشروعات
لا تمثل سبيلا للخروج الجماعي من مصيدة الفقر.
وختاما،
يؤكد المؤلفان أن المساعي التي تهدف إلى بناء عالم خال من الفقر لابد أن تستند إلى
سياسات وخطط وآليات للتنفيذ، تقوم علي أساس قراءة وتحليل لواقع الفقراء، وما يعيشه
ويواجهه هؤلاء الفقراء في حياتهم. وهنا، تبرز أهمية الحاجة لتفعيل دور النظم
المحلية التي ستمهد الطريق لثورة هادئة علي النظم المركزية التي صنعت سياساتها، في
معزل عن المستهدفين من الفقراء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق