الاثنين، 25 يونيو 2012

أوروبا والبحث المضلل عن النمو


الإثنين, 25 يونيو 2012 الساعة 10:17
دانييل غروس - مدير مركز دراسات السياسة الأوروبية - بروجيكت سينديكيت

أوروبا والبحث المضلل عن النمو
قبل بضعة أشهر، وقعت خمس وعشرون دولة من دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين رسمياً على معاهدة تلزمها بتبني حدود صارمة للعجز في دساتيرها الوطنية.

وكان هذا الذي أطلق عليه مسمى «الميثاق المالي» بمثابة الشرط الأساسي لإقناع ألمانيا بالموافقة على زيادة تمويل صناديق إنقاذ منطقة اليورو زيادة كبيرة، ولكي يبدأ البنك المركزي الأوروبي في إجراء عملية إعادة التمويل الطويل الأجل بقيمة تريليون يورو، والتي كانت تمثل ضرورة أساسية لدعم استقرار الأسواق المالية.

ولكن اليوم، تحول انتباه منطقة اليورو نحو النمو.

وهو نمط متكرر في السياسة الأوروبية، الإعلان عن التقشف والدفاع عنه باعتباره شرطاً مسبقاً للنمو، ولكن عندما يصبح الركود موجعاً يتحول النمو الشرط المسبق لاستمرار التقشف.

قبل نحو خمسة عشر عاماً، تعرضت أوروبا لدورة مماثلة. ففي أوائل تسعينات القرن العشرين، وأثناء رسم مخططات الاتحاد النقدي الأوروبي، أصرت ألمانياً على ميثاق الاستقرار باعتباره ثمناً للتخلي عن المارك الألماني.

وعندما انزلقت أوروبا إلى الركود العميق بعد العام 1995، تحـول الانتباه باتجاه النمو، وتحول ميثاق الاستقرار إلى ميثاق الاستقرار والنمو، عندما تبنى المجلس الأوروبي قراراً بشأن النمو والعمالة في العام 1997.

واليوم، أصبحت الحاجة إلى النمو قوية بقدر ما كانت قبل خمسة عشر عاماً. ففي إسبانيا، كان معدل البطالة آنذاك مرتفعاً بقدر ما هو اليوم، وفي إيطاليا كان المعدل في العام 1996 أعلى مما هو عليه اليوم.

ومن الناحية السياسية أيضاً، كانت الخلفية واحدة، فقد تم تحويل ميثاق الاستقرار إلى ميثاق الاستقرار والنمو تحت الضغوط التي مارستها في الأساس الإدارة الفرنسية الجديدة آنذاك برئاسة جاك شيراك.

واليوم قدمت فرنسا الدفعة السياسية للتحول إلى النمو.

إن تحويل النمو إلى أولوية سياسية أمر لا يقبل الجدال فمن قد يكون ضد النمو على أية حال؟. ولكن السؤال الحقيقي هو، ماذا بوسع أوروبا أن تفعل لخلق النمو؟ والإجابة الأمينة هي، أقل القليل.

إن العناصر الرئيسة لأي استراتيجية للنمو يناقشها زعماء أوروبا اليوم هي في واقع الأمر العناصر نفسها أثناء الفترة 1996-1997، إصلاحات سوق العمل، تعزيز السوق الداخلي، زيادة تمويل بنك الاستثمار الأوروبي بهدف إقراض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وزيادة الموارد المخصصة لمشاريع البنية الأساسية في الدول الأعضاء الأكثر فقراً.

والواقع أن العنصرين الأخيرين يجتذبان قدراً كبيراً من الاهتمام لأنهما ينطويان على المزيد من الإنفاق.

ولكن الظروف مختلفة إلى حد كبير اليوم. فالنموذج التجاري الذي يتبناه بنك الاستثمار الأوروبي لا بد من أن يتغير جذرياً حتى يصبح مجدياً في تشجيع النمو، وذلك لأنه لا يقدم قروضاً إلى في مقابل ضمانات حكومية، في حين لا تستطيع الدول ذات السيادة المتعثرة مالياً في جنوب أوروبا أن تتحمل المزيد من الأعباء.

فضلاً عن ذلك، وعلى النقيض من الفهم الخاطئ الشائع، فإن بنك الاستثمار الأوروبي لا يستطيع تقديم القروض بشكل مباشر إلى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، بل يستطيع فقط تزويد البنوك الكبرى بالتمويل لإقراض المؤسسات المحلية الصغيرة والمتوسطة الحجم. ولكن البنك المركزي الأوروبي يقوم بهذه المهمة بالفعل من خلال قروض عملية إعادة التمويل الطويل الأجل لثلاثة أعوام.

وهناك أيضاً الحديث عن خطة مارشال لجنوب أوروبا. قبل خمسة عشر عاماً كانت الحاجة واضحة إلى بنية أساسية أفضل هناك.

ولكن منذ ذلك الوقت، حظيت دول جنوب أوروبا بعقد كامل من الزمان من الاستثمارات المرتفعة في البنية الأساسية، أكثر من 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في أسبانيا واليونان والبرتغال.

ونتيجة لهذا فإن أغلب الدول في جنوب الاتحاد الأوروبي ربما أصبح لديها مخزون كاف من البنية الأساسية اليوم.

وقد تكون زيادة الاستثمارات في البنية الأساسية أكثر منطقية في ألمانيا، حيث كان الإنفاق على البنية الأساسية هزيلاً (1.6 بالمئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، أو نصف المعدل في إسبانيا) طيلة عشرة أعوام تقريباً.

ولهذا السبب أصبحت الطرق السريعة في ألمانيا مشهورة بالازدحام الشديد اليوم.

بيد أن الأمر لا يتطلب الحصول على أموال أوروبية لتمويل البنية الأساسية في ألمانيا، حيث تستطيع الحكومة أن تجمع الأموال بتكاليف حقيقية أقل من الصفر.

وبالمعدلات التي تدفعها اليوم فإن الحكومة الألمانية لا بد من أن تكون قادرة على إيجاد العديد من مشاريع الاستثمار التي تحقق معدلات عائد اجتماعي إيجابية.

ونظراً لقرب ألمانيا من تحقيق هدف التشغيل الكامل للعمالة، فإن زيادة الإنفاق على البنية الأساسية هناك من شأنها أن تؤدي إلى اجتذاب الواردات في الأرجح (واجتذاب عمال البناء العاطلين عن العمل من أسبانيا)، والإسهام بذلك في إعادة التوازن التي تشتد الحاجة إلها داخل منطقة اليورو.

ولكن من المؤسف أن هذا من غير المرجح أن يحدث، وذلك لأن الإنفاق على البنية الأساسية يواجه معارضة شعبية.

والواقع أن مثل هذا الإنفاق يتقرر على المستويين المحلي والإقليمي، حيث المعارضة الشعبية لأي مشروع ضخم أشد قوة (على سبيل المثال استغرق الأمر أكثر من عشرين عاماً لإكمال تحديث محطة شتوتجارت للسكك الحديدية).

ويبدو أن الرغبة في الظهور بمظهر من يفعل شيئاً، تدفع صناع القرار السياسي في أوروبا إلى الاعتماد على الأدوات القليلة التي يستطيع بها الاتحاد الأوروبي أن يزعم أنه يعمل على تعزيز النمو.

ولكن يتعين عليهم أن يدركوا أن أزمة النمو اليوم مختلفة.

ولا ينبغي للصفقة الحقيقية أن تكون التقشف إلى جانب خطة مارشال بالنسبة للجنوب، بل الاستمرار في التقشف جنباً إلى جنب مع إصلاح سوق العمل في الجنوب، مصحوباً بالمزيد من الاستثمار في البنية الأساسية في ألمانيا وغيرها من الدول صاحبة التصنيف (AAA) مثل هولندا.

إن الإصلاحات العميقة في قطاع الخدمات في ألمانيا من شأنها أيضاً أن تساعد على إطلاق العنان لإمكانات البلاد الإنتاجية وفتح أسواقها لصادرات دول جنوب أوروبا من الخدمات.

وبهذا يصبح بوسع الجنوب أن يحظى بالفرصة لإيجاد فرص عمل لشبابه من ذوي التعليم الجيد، والذين لا يجدون أمامهم الآن إلا الاختيار بين البطالة والهجرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق