الأحد، 17 يونيو 2012

الين واليوان وطلاق الدولار


القرار المزدوج الذي اتخذته الصين واليابان باعلان  انفصال شبه رسمي، أو بالأحرى باعلان طلاق مؤجل بين عملتيهما (الين واليوان) والدولار الأمريكي كان متوقعاً منذ سنوات.
فالدولتان (أي الصين واليابان) بدأتا منذ مطلع شهر يونيو/حزيران الجاري تبادلاً مباشراً لعملتيهما بعيداً عن الدولار، وهو ما سيتيح لهما تجاوز الدولار من أجل تنشيط التبادل التجاري بينهما.
وحتى مطلع الشهر، كان يتم تبادل العملتين اليابانية والصينية في العمليات التجارية بين البلدين، عبر نظام يعتمد الدولار كأساس لتحديد سعر الصرف بين العملتين.وهذا النظام جعل 60 % من التعاملات الثنائية تتم حاليا بالدولار. وهذه هي المرة الأولى التي توافق فيها بكين على أن يتم تحديد قيمة عملتها بالنسبة إلى عملة أخرى بشكل مباشر, من دون المرور بالدولار.
أما عن إيجابيات القرار الذي يجب أن يكون عبرة ومثالاً لباقي دول العالم، فأستشهد بما قاله وزير المالية الياباني جون ازومي من أنه "من خلال تجنب المرور عبر عملة ثالثة, سيكون استخدام العملتين اليابانية والصينية، أكثر سهولة.  وسيتم الحد من مخاطر الخسارة للمصارف وتخفيض كلفة التعاملات المالية وتحفيز الأسواق".
هذا ما قاله اليابانيون.
أما ما قاله الصينيون، فلا يقل بالطبع أهمية، حيث أشاد بنك الصين الشعبي أي المصرف المركزي "بهذه الخطوة المهمة التي ستسهل استخدام الرنمينبي (الاسم الرسمي لليوان) والين في التجارة والاستثمارات الثنائية وستشجع التعاون المالي وتحسن العلاقات الاقتصادية والمالية بين البلدين".
على أية حال، فان القرار الصيني-الياباني يأتي في إطار سلسلة اتفاقات ثنائية أبرمت في نهاية ديسمبر/كانون الأول بهدف تسهيل وتعزيز التجارة والاستثمارات الثنائية بين الصين واليابان الدولتان المتجاورتان اللتان تشكلان  ثاني وثالث قوتين اقتصاديتين في العالم على التوالي.
وفي إطار هذه التوافقات بين البلدين, أعلنت اليابان للمرة الأولى في مارس/آذار الماضي عن شراء سندات الدولة الصينية, بعدما كانت بكين تشتري منذ سنوات سندات خزينة يابانية بهدف تنويع احتياطيها من الصرف.
نعم لقد تجاوز هذان العملاقان الاقتصاديان، خلافاتهما حول السياسة الدولية، ونزاعاتهما حول الأراضي المتنازع عليها، والمتوارثة من أيام حقبة الحرب العالمية الثانية، ليتحولا إلى شريكين تجاريين كبيرين.
بالطبع، وبالنسبة للجانب الصيني، فان التبادل المباشر بين اليوان والين، يدخل في إطار استراتيجية بكين البعيدة المدى الهادفة إلى تطوير الدور الدولي لعملتها تمهيداً لتمكينها من دخول نادي العملات الكبرى العالمي.
يذكر أن الصين كانت قد بدأت قبل بضع سنوات، استخدام عملتها في التداولات التجارية على المستوى العالمي. ففي العام 2009 بدأت بكين برنامجاً رائداً يسمح باستخدام اليوان لتسوية قيمة المعاملات التجارية المبرمة بين بعض المناطق الصينية، وهونغ كونغ وماكاو واتحاد دول جنوب شرق آسيا.
وحالياً تقوم الصين  بتسوية قيمة أكثر من نصف عملياتها التجارية مع الأسواق الناشئة باليوان الصيني وهو ما يمثل نحو 2 تريليون دولار أمريكي من المعاملات. وهذا بالطبع يعزز مكانة العملة الصينية لتصبح من ضمن أعلى 3 عملات يتم استخدامها في عمليات التبادل التجاري العالمية. وقبل فترة، وتحديداًفي العام الماضي، عرض بنك HSBC على عملائه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إمكانية فتح حسابات بالعملة الصينية الأمر الذي  سمح للشركات التجارية القيام بعمليات سداد وقبض بالعملة الصينية. وقد ساعد هذا الأمر الشركات المحلية على التواصل مع عملائها باللغة التي يفهمونها، والتعامل معهم بعملاتهم المحلية.
أخيراً، وعلى الرغم من أن اليوان لا يزال في بداية الطريق قبل أن يصبح عملةً رائدة في التجارة العالمية، فان الخطوة الأولى في هذه الرحلة قد بدأت بالفعل وهي تتعزز يوما بعد يوم، وآخرها كما أسلفنا الانفصال عن الدولار. الطلاق، ورغم مساوئه يكون أحياناً، خطوة ضرورية. أليس كذلك؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق