الاثنين، 25 يونيو 2012

أوبك بين خيارين.. عائدات سريعة مرتفعة أو تنمية متوازنة مستدامة


لإثنين, 25 يونيو 2012 الساعة 10:18
د. علي بن حسن التواتي

أوبك بين خيارين.. عائدات سريعة مرتفعة أو تنمية متوازنة مستدامة
مرة أخرى تثبت السعودية في اجتماعات منظمة الدول المنتجة للنفط (أوبك) بأنها المنتج المرجح في قرارات المنظمة التي تحدد سياساتها التسعيرية للنفط في سوق الطاقة العالمية.

اتضح ذلك جلياً في النتيجة التي توصل إليها الاجتماع الوزاري الخميس الماضي في مقر المنظمة في فيينا بالإبقاء على سقف الإنتاج اليومي الحالي للمنظمة عند 30 مليون برميل في اليوم، حتى ديسمبر المقبل أو حتى اجتماع طارئ إذا ما استمرت الأسعار بالتهاوي.

ويأتي هذا القرار على الرغم من المناشدات بقيادة إيران والعراق وفنزويلا قبل وأثناء المؤتمر، لوضع وزير النفط السعودي علي النعيمي تحت الضغط للموافقة على تخفيض إنتاج أوبك على أمل الحفاظ على تماسك الأسعار.

والحقيقة أنه على الرغم من كل التحليلات السياسية المرافقة للاجتماع الوزاري ونتائجه، من أن السعودية ترغب من خلال الإبقاء على السقف الحالي لإنتاج المنظمة أو رفعه إيذاء إيران وروسيا بزيادة الكميات وخفض الأسعار، فإن مثل هذه التحليلات تجانب الصواب بالتأكيد وذلك لأن في انخفاض الأسعار إذا ما اعتبرناه المعيار الوحيد للربحية في سوق الطاقة العالمية إيذاء للمملكة ذاتها وانخفاضاً لعائداتها النفطية، وهي الدولة التي لديها مشاريع عملاقة تحت التنفيذ تفوق قيمتها 500 مليار ريال وتحتاج للمزيد من التمويل والإنفاق لاستكمالها.

تحليلات أخرى ترى أن الدافع خلف الموقف السعودي المعارض لتخفيض كمية الإنتاج يعود لعضويتها في مجموعة العشرين، ورغبتها في الحفاظ على مكانتها الدولية بالإبقاء على علاقات حسنة مع أمريكا وأوروبا وتقديم هدية للعالم، تتمثل في أسعار منخفضة للطاقة لتحفيز الاقتصادات العالمية لتحقيق مزيد من النمو، وذلك على غرار ما حدث بعد الأزمة الآسيوية سنة 1999، حيث حفز انخفاض النفط بنسبة 50 بالمئة الاقتصادات العالمية لتجاوز تداعياتها.

وهذا أيضاً تحليل عجيب لأن الانخفاض في أسعار النفط العالمية الذي أعقب الأزمة الآسيوية لم يكن مقصوداً أو مخططاً من المملكة لإخراج العالم من الأزمة، بل إنه كان إلى حد كبير نتيجة لانخفاض الطلب على النفط بسبب الأزمة، كما هو متوقع حالياً بسبب الديون الأوربية والمخاطر المحدقة بمنطقة اليورو.

كما أن هناك عوامل أخرى تضافرت حينها وقادت إلى ذلك الانخفاض الهائل منها حرب الأسعار العالمية التي اشتعلت فيما بين أعضاء أوبك من جانب، وفيما بينهم وبين المنتجين من خارج المنظمة من جانب آخر.

فقد كان كل طرف من الأطراف يحاول بيع نفطه يشكل انفرادي بأي سعر تحت ضغط الحاجة للتمويل وموازنة ميزانيات الدول التي عانت كثيراً من العجز في تلك الفترة.

ولذلك لا يمكن قبول تحليل يعزو موقف المملكة إلى رغبتها في أن تكون لطيفة وأن تساعد العالم على حساب شعبها ونموه.

ويبقى تحليل أخير جدير بالاهتمام يعزو الموقف السعودي المتشدد من ارتفاع الأسعار كثيراً إلى ما فوق 100 دولار للبرميل، إلى مراقبة السعودية عن كثب للتطورات التي تجري على ساحة الطاقة في شمال القارة الأمريكية، والتقنيات العلمية الحديثة الفعالة في استخراج الغاز والنفط الصخري والرملي، والتي مكنت الولايات المتحدة من الاكتفاء الذاتي بالغاز الطبيعي وظهور توقعات عن قرب اكتفائها بالنفط المحلي بحلول سنة 2025 على أبعد تقدير. علماً بأن الولايات المتحدة تستورد حالياً 4.5 مليون برميل من دول أوبك أو ما يعادل 20 بالمئة من صادرات المنظمة اليومية ونصف احتياجاتها اليومية من النفط.

لكن يجب ملاحظة أن الولايات المتحدة حققت أعلى نمو في الإنتاج النفطي من خارج أوبك سنة 2011، وللعام الثالث على التوالي.

وذلك يعني أن جرس الإنذار يصم آذان أعضاء أوبك منذ مدة طويلة والسعودية ودول الخليج العربية هي المجموعة المركزية ذات الاحتياطات الهائلة في المنظمة، ولذلك عندما تعمل المملكة على توازن الأسعار تحقق هدفين في آن واحد أحدهما التأثير على منتجي النفط الصخري والرملي مرتفع التكاليف بإجبارهم على التوقف عن الإنتاج والاستعاضة عنه باستيراد نفط أرخص من أوبك، وهذا ينطبق على البدائل غير التقليدية الأخرى للنفط والغاز كافة، أما الهدف الثاني والأبعد فيتمثل في أن الدول ذات الاحتياطات الكبيرة من النفط تهتم بنظرة مستقبلية طويلة الأجل تمكنها من بيع نفطها وتحقيق إيرادات متوازنة ومستدامة أطول فترة ممكنة، وذلك بعكس الدول ذات الاحتياطات النفطية القليلة التي تحاول أن تحقق أعلى الإيرادات من أقل الكميات.

ولكن كل هذه التحليلات لا تلغي البعد السياسي والحاجة إلى تعويض النقص المتوقع من خروج مليون برميل من النفط من السوق العالمية للطاقة، بحلول الأول من يوليو المقبل موعد فرض المقاطعة الأوروبية لصادرات النفط الإيرانية.

كما أنها لا تلغي المردود الإيجابي لانخفاض أسعار النفط على مستويات التضخم العالمية فقد انخفض مستوى التضخم في منطقة اليورو في مايو إلى مستوى لم يصله منذ 15 شهراً.

وبالطبع فإن دولاً مستوردة لكل شيء تقريباً مثل دول أوبك هي أيضاً مستفيدة من انخفاض معدلات التضخم في الدول الصناعية، لأن ذلك ينعكس إيجاباً على وارداتها ويقلل من حاجتها للعملات الأجنبية ويخفض من كلفة أسعار الصرف، ما ينعكس بدوره بشكل إيجابي أيضاً على رفاه المواطنين في الدول المستوردة. ب

ل إن هذا الأثر الإيجابي غير المباشر على المواطنين في الدول المصدرة للنفط هو من وجهة نظري خير من أموال تقع في يد الحكومات بشكل مباشر ويتم التحكم بتوزيعها أو تخصيصها من خلال أقلية حاكمة أو حزب مهيمن وفق أولويات قد لا ترضي جميع المواطنين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق