الأحد، 17 يونيو 2012

مدن العمال في الإمارات .. تجربة تحتذى عالمياً


الأحد, 17 يونيو 2012 الساعة 09:07
د. ياسر الششتاوي - أستاذ مشارك في قسم العمارة في جامعة الإمارات



من بين الجوانب الحياتية المثيرة للاهتمام بشكل خاص هنا في منطقة الخليج، وجود نسبة عالية جداً من الرجال العزاب أو الذين يعيشون من دون أسرهم.

ووفق الأرقام الصادرة عن مركز دبي للإحصاء، فقد تبين أن النسبة المئوية للذكور في العام 2011 بلغت ما نسبته 77 بالمئة، أي ما يعادل (4:1) تقريباً.

ويشار في هذا المقام إلى أنه في المناطق ذات الدخل المرتفع مثل منطقة الجميرا، يتجه التوزيع بين الذكور والإناث إلى المستويات الطبيعية، حيث تصل نسبة الذكور إلى 54 بالمئة والإناث إلى 46 بالمئة.

ويرجع هذا في المقام الأول إلى حقيقة أن الدخل المرتفع في أوساط المغتربين يساعدهم على جلب عائلاتهم، على العكس تماماً من المغتربين الآخرين الذين يعانون مشاكل الدخل المنخفض، ويجبرهم على العيش بعيداً عن عائلاتهم.

وتنص قوانين الهجرة على أن يكون الحد الأدنى للراتب 10 آلاف درهم شهرياً (أي ما يعادل 2700 دولار أمريكي)، حتى يتاح للموظف استقدام عائلته إلى دولة الإمارات العربية المتحدة.

وبما أن أجور الغالبية العظمى من العمال تقل كثيراً عن هذا المبلغ، يكون تأثير ذلك كبيراً.

وأدت هذه السياسة إلى اختلال التوازن السكاني لمصلحة الذكور الذين يحملون هنا صفة «العزاب».

وأصبحت هذه المسألة إشكالية لا سيما في الجانب المتعلق بالإسكان.

ومن المعروف جيداً أن العائلات لا تشعر بالراحة إذا كانت محاطة بمنازل يسكنها العمال من العزاب، خصوصاً أنهم يقضون جزءاً كبيراً من وقتهم وهم يتسكعون في الشوارع والأزقة.

صحيح أن هذه الصورة العامة قد لا تكون مطابقة للواقع بشكل عام، لكن مع ذلك لا يمكن لأحد أن ينكر أن هؤلاء العمال قد يشكلون خطراً وتهديداً لخصوصية وقدسية الحياة العائلية.

ونظراً لأهمية هذه التصورات وأوجه القلق التي تعتري الكثيرين، يكون من المهم بطبيعة الحال أن يتم التعامل مع مثل هذه القضايا بطرق مناسبة.

ولا تكشف هذه المشكلة عن مضامينها كثيراً في الأحياء الحديثة والغنية، خصوصاً أنه يكون من المتعذر تماماً على العمال العيش فيها على أي حال، ولكنها تتضح بشكل خاص في المناطق ذات الدخل المنخفض.

وفي تلك المناطق، أقدم المواطنون على إخلاء منازلهم التي تم تخصيصها لهم في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، بعد أن قرروا الانتقال إلى الضواحي الأكثر حداثة.

وعادة ما تكون تلك المساكن القديمة مكونة من طابق واحد، وتوصفت أحياناً بالبيوت العربية أو المنازل الشعبية، ومن ثم يتم تأجيرها لهؤلاء العمال.

ومع أن هناك قيوداً قانونية على عدد الأشخاص الذين يمكنهم العيش في المنزل الواحد، إلا أن العدد غالباً ما يتجاوز الحد الأقصى المسموح به.

ونتيجة لموجات الهجرة المتعاقبة وتوجه العمال للعيش في هذه المناطق، فقد تغير الطابع العمراني في هذه المناطق، وأصبح يأخذ شكلاً يناسب الرجال العزاب.

وبات من المألوف رؤية هؤلاء بأعداد كبيرة على نواصي الشوارع.

وبناء على ذلك، فقد قررت إمارة الشارقة في الآونة الأخيرة اتخاذ إجراءات صارمة ضد «الإقامة غير المشروعة» في هذه المنازل، وذلك عن طريق نقل «العزاب» إلى الأحياء السكنية في المناطق الصناعية أو في مساكن العمال.

ووفق القوانين الجديدة التي تم الإعلان عنها من قبل مسؤولي البلدية، فإنه لا يجوز لأي عازب من أي جنسية العيش في المناطق المخصصة لإقامة العائلات.

ووفق ما جاء في تقارير نشرت في وسائل الإعلام، فقد اتخذت مثل هذه الإجراءات بعد ظهور عدد كبير من الشكاوى من جانب الأسر وتذمرهم من عيش العزاب في أحيائهم، ناهيك عن وجود أعداد كبيرة من السيارات المتوقفة على امتداد الشوارع طوال ساعات الليل.

واستقبلت هذه الإجراءات بالترحاب، ونظر إليها على أنها وسيلة ناجعة لحماية خصوصية العائلات.

إن المشكلة على النحو الواضح في هذا العرض لم تعد تقتصر فقط على الأحياء القديمة، ولكنها قد توجد أيضاً في المشاريع العمرانية الأحدث، خصوصاً تلك التي تستهدف العائلات ذات الدخل المنخفض أو المتوسط.

وعلى سبيل المثال، فقد تم التخطيط لمشروع «إنترناشيونال سيني» و«ديسكفري غاردنز» لاستيعاب خليط متنوع من السكان، ولكن نظراً لانخفاض القيم الإيجارية فيهما، فقد أصبحت أماكن جذابة للشركات لحجز مساكن للعاملين فيها.

وتشير تقارير متواترة إلى أن هذا الوضع قد أدى بالفعل إلى تزايد عدد الشكاوى بين السكان ممن يشعرون أن وجود العزاب بينهم غير مناسب البتة.

ومن بين الحلول المطروحة في كثير من الأحيان للتغلب على هذه الظاهرة بناء مجمعات لإقامة العمال، أو ما يطلق عليه «مدن العمال».

ويمكن لهذه المناطق التي يجري تشييدها خصوصاً، والتي عادة ما تكون على أطراف المدن، أن تستوعب الآلاف من العمال في مكان واحد.

ويتم هناك توفير جميع أنواع الخدمات لهذه الفئات من السكان، مثل المطاعم والمرافق الرياضية والمراكز الترفيهية.

وإذا ما نجحت هيئات التخطيط في هذه المساعي، لن يكون أمام العمال أي مبرر للاقتراب من مناطق إقامة الأسر داخل المدينة، في حين تقتصر تحركاتهم ما بين مواقع البناء و«مدينة العمال».

وتم بالفعل إنشاء بعض هذه المشاريع، وهناك المزيد منها يجري التخطيط لها في المستقبل.

ومن شأن هذا التوجه أن يحل مشكلة عمال البناء، لكنه في الوقت نفسه لا يتعامل بالفعل مع عدد كبير من العاملين في مجال الخدمات، مثل فنيي الكهرباء والطهاة والحمالين وعمال صيانة السيارات، وما شابه ذلك، أي تلك الفئات من العمال ممن لا ينتمون إلى شركات كبيرة، ولا يمكنهم تحمل استئجار مساحات كبيرة في مدن العمال.

وهناك بعد آخر يحمل طابعاً اجتماعياً، ويمكن طرحه من خلال سؤال وهو، أي نوع من المدن نتطلع إليه حقاً؟ ورداً على ذلك، نجد أن النظرية الحضرية الغربية تدعو إلى ضرورة تنوع السكان ووجود مزيج مختلط في المدينة، لإظهار الشرائح المتنوعة من فئات الدخل المختلفة.

بيد أن الواقع يكون مختلفاً بطبيعة الحال. لأن المناطق الموجودة داخل المدينة تتحول إلى جيوب لإيواء مجموعات مختلفة لا يمكن حدوث تفاعل فيما بينها، ومن الدلائل على ذلك بعض المناطق الموجودة في قلب العاصمة الفرنسية باريس، والتي أصبحت أحياء فقيرة واسعة ومنعزلة لمعيشة القادمين إلى هذا البلد من شمال أفريقيا.

وتتسم دول الخليج بظروف ثقافية واجتماعية فريدة تتطلب نهجاً حساساً لا يفترض منه بالضرورة أن يؤدي إلى إقامة مدن مجزأة ومقسمة، ولكن يمكن تقديم الحلول التي تكفل لهذه المدن وجود قدر من التكامل.

وبالتالي، تسمح خصوصية منطقة الخليج تطوير نموذج للتعايش في المناطق الحضرية، ويمكنها من خلال ذلك أن تقدم دروساً لبقية دول العالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق